الزکاه فی الشریعه الاسلامیه الغراء المجلد 1

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر،1208 -

عنوان و نام پديدآور : الزکاه فی الشریعه الاسلامیه الغراء/ تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر : قم : موسسه الامام الصادق علیه السلام، 1424ق. = 1382.

مشخصات ظاهری : 2 ج.

شابک : 964-357-019-3

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14.

موضوع : زکات.

شناسه افزوده : موسسه امام صادق(ع).

رده بندی کنگره : BP188/4/س 2ز8 1382

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : م 83-5208

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التوبة: 122

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* الحمد للّه الذي جعل الإيمان تطهيرا من الشرك، و الصلاة تنزيها من الكبر، و الزكاة تزكية للنفس، و نماء في الرزق، و اختبارا للأغنياء، و معونة للفقراء، و تحصينا للأموال. و الصلاة و السلام على أفضل رسله و أشرف أنبيائه الذي به أكمل دينه و أتمّ نعمته و على آله الطاهرين الذين هم حفظة سننه و عيبة علمه صلاة لا نهاية لها.

أمّا بعد، فلا شكّ انّ الزكاة إحدى المنابع المالية للحكومة الإسلامية، و قد استأثرت باهتمام الفقهاء منذ رحيل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يومنا هذا، و يعلم ذلك من خلال كثرة البحوث التي دارت حولها، و هذه الأهمية تتزايد في الوقت الحاضر لا سيما بعد قيام الحكومة الإسلامية في إيران.

هذا و ذاك ممّا دعاني إلى تلبية طلب لفيف من الفضلاء في إلقاء محاضرات فيها فنزلت عند رغبتهم و جعلت محور الدراسة كتاب العروة الوثقى للسيد الفقيه الطباطبائي اليزدي قدس سرّه.

و أرجو من اللّه سبحانه أن ينتفع

به روّاد العلم و طلاب الحقيقة

جعفر السبحاني

قم- مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 6

[في زكاة الأموال]

وجوب الزكاة من ضروريات الدين

قال المصنّف: كتاب الزكاة التي وجوبها من ضروريات الدين، و منكره مع العلم به كافر، بل في جملة من الأخبار: انّ مانع الزكاة كافر.* (1)

______________________________

(1)* أقول: الزكاة في اللغة النموّ، يقال: زكا الزرع يزكو: إذا حصل منه نمو و بركة و كأنّ المال ينمو بالزكاة. هذا ما ذكره الراغب في مفرداته.

و يظهر من المقاييس كونه مشتركا بين النمو و الطهارة، قال: «زكي» أصل يدلّ على نماء و زيادة. و يقال: الطهارة زكاة المال.

قال بعضهم: سمّيت بذلك لأنّها ممّا يرجى به زكاء المال، و هو زيادته و نماؤه؛ و قال بعضهم: سمّيت زكاة لأنّها طهارة.

قالوا: و حجّة ذلك (استعمالها في الطهارة) قوله جلّ ثناؤه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1». «2»

و يؤيده أيضا قوله سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا. «3» أي طهّرها و أصلحها بطاعة اللّه و صالح الأعمال. «4»

ثمّ إنّ الماتن وصف وجوب الزكاة من ضروريات الدين، و تحقيق هذا الكلام يتوقّف على تحديد ضروريات الدين ليعلم انطباقه على وجوب الزكاة.

و يمكن أن يحدّد بالبيان التالي: انّ الحكم التشريعي إذا بلغ من الوضوح بمرتبة لا يجهله إلّا شذّاذ الناس من المسلمين ممّن يعيش بعيدا عن الأوساط

______________________________

(1). التوبة: 103.

(2). المقاييس: 3/ 17، مادة زكي.

(3). الشمس: 9.

(4). مجمع البيان: 5/ 497.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

الإسلامية، فهو من ضروريات الدين؛ و إلّا فيمكن أن يكون من ضروريات الفقه، كحرمة وطء الحائض؛ أو لا يكون واحدا منهما، كوجوب السورة التامة في الصلاة، أو لزوم الترتيب في الغسل غير

الارتماسي.

فمثلا هناك فرق بين وجوب الصلاة و معرفة دية الإنسان على وجه التحديد، فالأوّل لا يجهله أحد بخلاف الثاني، و وجوب الزكاة من القسم الأوّل.

و يكشف عن ذلك انّه سبحانه ذكر الزكاة في كتابه 32 مرّة، مضافا إلى أنّها قورنت بالصلاة في موارد كثيرة، و قد تضافرت الروايات على وجوبها. «1»

غير أنّ الظاهر من المحقّق الأردبيلي تحديد الضروري بنحو آخر، حيث قال:

المراد من الضروري الذي يكفّر منكره، الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين و لو بالبرهان و لو لم يكن مجمعا عليه.

إذ الظاهر انّ دليل كفره هو إنكار الشريعة و إنكار صدق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا عنده، و ليس كلّ من أنكر مجمعا عليه يكفّر، بل المدار على حصول العلم و الإنكار و عدمه إلّا انّه لما كان حصوله في الضروري غالبا، جعل ذلك مدارا و حكموا به، فالمجمع عليه ما لم يكن ضروريا لم يؤثّر. «2»

و حاصل كلامه: انّ تفسير الضروري بالمجمع عليه ليس بصحيح، إذ ليس إنكار كلّ مجمع عليه ما لم يصل إلى حدّ الضرورة موجبا للكفر و كم من مسألة مجمع عليها في الفقه، و هي ليست من ضروريات الشريعة.

و المدار في الكفر أن ينكر ما ثبت عنده يقينا من الدين و لو بالدليل و إن لم يكن مجمعا عليه.

غير انّ عدول العلماء عن هذا الملاك، إلى إنكار الأمر الضروري من الدين،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2). مفتاح الكرامة: 1/ 246. طبع بيروت

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 8

..........

______________________________

إنّما هو لوجود ما اختاروا من الملاك في الضروري غالبا، و إلّا فالميزان، هو

إنكار ما ثبت عنده من الدين، سواء أ كان مجمعا عليه أم لا، ضروريا أم لا.

إذا علمت ذلك، فاعلم أنّ إنكار الضروري بما هو هو ليس من موجبات الكفر، لما ثبت في محلّه انّ الإيمان و الكفر منوطان بأمور ثلاثة:

الإقرار بالتوحيد، الإقرار بالرسالة، و الإقرار بالمعاد؛ أو إنكارها. فمن اعترف بالثلاثة فهو مسلم، و إن أنكر واحدا منها فهو كافر.

قال الإمام الصادق عليه السّلام: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و التصديق برسول اللّه، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث». «1»

و على ذلك فليس إنكار الضروري بنفسه من أسباب الكفر، نعم إذا كان ملازما لإنكار أحد الأصول الثلاثة، يكفر لأجلها.

و قال العاملي: و هنا كلام في أنّ جحود الضروري كفر في نفسه أو يكشف عن إنكار النبوة مثلا ظاهرهم الأوّل، و احتمل الأستاذ الثاني قال: فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره، إلّا أنّ الخروج عن مذاق الأصحاب ممّا لا ينبغي. «2»

قلت: ما ذكره ذيلا غير صحيح خصوصا بالنظر إلى «درء الحدود بالشبهات».

و على أيّ حال المراد الملازمة العرفية بين الإنكارين عند المنكر لا الملازمة العرفية بينهما عند المخاطب. و لذلك لو أنكر لشبهة أو لغير ذلك لم يكفّر، و لذلك قيّد المصنّف بقوله: «و منكره مع العلم به كافر».

ثمّ إنّ مانع الزكاة وصف في بعض الروايات بالكفر. «3»

______________________________

(1). بحار الأنوار: 88/ 248، الحديث 8.

(2). مفتاح الكرامة: 1/ 246، طبع بيروت.

(3). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7 و 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 9

في شروط الزكاة

اشارة

______________________________

يشترط في وجوبها أمور ستة:

1. البلوغ

2. العقل.

3. الحريّة

4. المالكية

5. التمكن التام من

التصرّف في المال

6. النصاب

و إليك تفاصيلها

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 11

[نفس الشروط]

[الأوّل: البلوغ]
اشارة

في شرائط وجوب الزكاة و يشترط في وجوبها أمور:

الأوّل: البلوغ، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول، و لا على من كان غير بالغ في بعضه.* (1)

______________________________

و لكن المراد منه هو الكفر في مقابل الشكر.

توضيح ذلك: انّ الكفر يطلق و يراد منه كفر الملّة، و هذا هو الكفر المقابل للإيمان. و ربّما يطلق و يراد منه كفر النعمة أي من يملك النعمة، و لا يشكر معطيها، و على هذا المعنى قوله سبحانه: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ. «1»

و نظيره قوله سبحانه: لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّمٰا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. «2»

(1)* اتّفقت كلمة الأصحاب على عدم وجوب الزكاة لغير البالغ في النقدين، و إنّما الخلاف بينهم في الغلات و الأنعام على تفصيل سيوافيك.

______________________________

(1). آل عمران: 97.

(2). النمل: 40.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

و أمّا أهل السنّة فالمشهور بينهم هو انّ مال الصبي مثل مال البالغ تجب فيه الزكاة. و هو المروي عن مالك و الليث بن سعد، و ابن أبي ليلى، و أحمد، و الشافعي، و عدّة من الصحابة و التابعين؛ غير أنّ الأوزاعي و الثوري قالا بأنّه تجب الزكاة في ماله و لكن لا يجب الإخراج، بل تحصى حتى إذا بلغ، عرّفوه مبلغ ذلك فيخرجه بنفسه، و به قال عبد اللّه بن مسعود، (و به قال ابن حمزة من أصحابنا كما سيوافيك).

نعم ذهب ابن شبرمة و أبو

حنيفة و أصحابه إلى عدم الوجوب من دون تفصيل. «1»

و أمّا أصحابنا فاختلفوا إلى أقوال:

1. عدم تعلّق الزكاة بمال الصبي. و به قال ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد، و السيد المرتضى في الجمل. و سلّار، و ابن إدريس.

2. عدم تعلّقها به إلّا في الغلّات و المواشي. و به قال الشيخان، و أبو الصلاح، و ابن البراج. و نقله السيّد في الناصريات عن أكثر أصحابنا.

3. تلزم الزكاة في ماله، و لا يجب أداؤها. و هو ظاهر ابن حمزة في وسيلته قال:

و من لا تجب عليه و تلزم في ماله و هو الصبي. «2»

4. ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه زكاة و الربح لليتيم. «3»

أقول: المراد من «اليتيم» في الروايات هو غير البالغ، سواء أمات أبوه أم لا.

و لندرس أدلّة الأقوال:

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 40، كتاب الزكاة، المسألة 42.

(2). الوسيلة: 121.

(3). مختلف الشيعة: 3/ 151- 152.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 13

[دليل القول بعدم تعلّق الزكاة بمال الصبي]

دليل القول بعدم التعلّق

______________________________

استدلّ على القول الأوّل بوجوه:

1. قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1»، فإنّ الخطاب للمكلّفين بقرينة عدّ الزكاة تطهيرا لذنوبهم، و ما ربّما يقال من أنّ الخطاب- حسب السياق- للمنافقين بقرينة قوله سبحانه: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صٰالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2»، ليس بتام، فإنّ المورد غير مخصّص، و الحكم لمطلق المكلّفين على غرار قوله: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً ذٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ. «3» و هو خطاب للمؤمنين.

نعم يرد عليه أنّه يثبت وجوب الصدقة على المكلّف، و لا يدلّ على عدم وجوبها على غير البالغ بل

هو ساكت عنه، و لو تمّ دليل المخالف على وجوبها على غير البالغ في مورد الغلّات و المواشي لا يكون مزاحما له، لكون الحكمين مثبتين.

2. قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم ...» «4» و إطلاق الحديث يقتضي رفع مطلق القلم من غير فرق بين قلم التكليف أو الوضع، و كون المرفوع في حقّ النائم هو قلم التكليف لا الوضع لا يكون قرينة على الانصراف إلى التكليف، لأنّ المرفوع في المجنون هو مطلقه. نعم منصرف الحديث إلى ما إذا لم يكن الرفع موجبا لتضرر الآخرين، و إلّا فالحديث منصرف عنه، و لذلك يتعلّق

______________________________

(1). التوبة: 103.

(2). التوبة: 102.

(3). المجادلة: 12.

(4). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدّمات العبادات، الحديث 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 14

..........

______________________________

الضمان بمال الصبي، في قيم المتلفات و أروش الجنايات. و يمكن أن يقال إنّ رفع وجوبها على خلاف الامتنان بالنسبة إلى الفقراء كما في صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه: «إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، و لو لا ذلك لزادهم». «1»

و لأجل ذلك فالمهم في المقام هو الروايات المتضافرة التي تتجاوز العشر و فيها الصحاح، و قد عمل بها كثير من الفقهاء، و قد تضافر عنهم قولهم: «ليس على اليتيم زكاة»، أو: «ليس في مال اليتيم زكاة».

1. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة؟ فقال: «إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة، فإذا عملت فأنت له ضامن و الربح لليتيم». «2»

و قوله موضوعا بمعنى الثابت في مقابل ما يتّجر به.

2. صحيحة أبي بصير

قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس على مال اليتيم زكاة و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه فيما بقي حتى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة، ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من النّاس». 3

قوله: «فليس عليه لما مضى زكاة» ردّ لما روي عن الأوزاعي و الثوري حيث قالوا بالتعلّق و لكن يخرج عند البلوغ.

ثمّ إنّ قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» ورد في غير واحد من الأحاديث ربّما تبلغ ثمانية، و إليك بيانه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

(2) (2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 15

..........

______________________________

3. صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أسأله عن الوصي أ يزكّي زكاة الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟

قال عليه السّلام: «لا زكاة على يتيم». «1» و مورد السؤال هو زكاة الفطرة لكن العبرة بعموم الجواب.

4. ما رواه البزنطي في جامعه عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير المرادي، عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: «ليس على مال اليتيم زكاة». 2

5. صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: قال: سألته عن مال اليتيم؟

فقال: «ليس فيه زكاة». 3

6. صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: «ليس في مال اليتيم زكاة». 4

7. خبر «5» مروان بن مسلم، عن أبي الحسن، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم: ليس عليه زكاة». «6»

8. خبر أحمد بن عمر بن أبي شعبة،

عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سئل عن مال اليتيم، فقال: «لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به». 7

9. خبر العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام هل على مال اليتيم زكاة؟ قال:

«لا». 8

إلى غير ذلك من الروايات التي تفيد القطع بصدور مضمونها من الإمام.

فإن قلت: إنّ النسبة بين هذا (ليس في مال اليتيم زكاة) و ما دلّ على وجوب الزكاة بصورة الحكم الوضعي في كلّ من الأنعام، و الغلات و النقدين عموم من

______________________________

(1) (1، 2، 3، 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4، 6، 7، 8.

(5). لوقوع علي بن يعقوب الهاشمي في سنده و لم يوثق.

(6) (6، 7، 8). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 9، 10، 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

وجه، ففي الأنعام نظير قوله: «في كلّ أربعين شاة، شاة» «1»، و في الغلّات: «في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء الدوالي و النضح ففيه نصف العشر و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا» «2»، و في زكاة النقدين في الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار «3»؛ فإذا قيس قوله: «ليس في مال اليتيم» إلى كلّ واحد من هذه الأدلّة المتعرّضة للحكم الوضعي الشامل للبالغ و غيره تكون النسبة عموما من وجه، حيث إنّ الأوّل (ليس في مال اليتيم زكاة) عامّ يعمّ مورد كلّ واحد و غيره، و خاص باليتيم، كما أنّ كلّ واحد منها عامّ يعمّ البالغ و غيره و خاص بمورده فيتعارضان.

قلت: أوّلا: إنّ ما دلّ على وجوب الزكاة في

الأنعام و الغلات و النقدين بمنزلة دليل واحد وزّع على الأبواب المختلفة، فعندئذ تنقلب النسبة إلى الخصوص المطلق. فكأنّه قال: «في الغلّات و الأنعام و النقدين زكاة بشرائطها» و عندئذ يصبح قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» مخصصا له.

ثانيا: سلّمنا لكن قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» حاكم لكونه متعرّضا لما لم يتعرّض له دليل المحكوم، من كون اليتم مانعا من تعلّقها بما له.

و بعبارة أخرى: ما دلّ على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة مقتض، و اليتم مانع عنه.

ثالثا: سلمنا انّ النسبة عموم من وجه، فيعامل معهما معاملة المتعارضين فيتساقطان و يرجع إلى الأصل و هو عدم وجوب الزكاة على اليتيم.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 5.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 17

دليل القول بتعلّقها بغلّات اليتيم و مواشيه

______________________________

أوجب الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج الزكاة في غلّات الأطفال و المجانين و مواشيهم «1»، و استدلّوا بصحيحة زرارة و محمد بن مسلم انّهما قالا: ليس على مال اليتيم من الدين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة. «2»

و الوارد فيها و إن كان الغلّات، لكن المواشي، تلحق بها لعدم القول بالفصل، إذ ليس هنا من يقول بوجوبها في الأولى دون الثانية.

و مقتضى القاعدة تخصيص ما تضافر من أنّه «ليس على مال اليتيم زكاة»، بالصحيحة لكن المشهور من المتأخرين توقّفوا عن التخصيص، و ذلك لوجوه:

1. موثّقة «3» أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة،

و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «4».

و هي تنفي الزكاة في نفس ما تثبته الصحيحة، و السند لا غبار عليه، غير انّ الأولى صحيحة و هذه موثقة، و قد عمل الأصحاب بأحاديث أبناء فضّال، و إن كانوا فطحيّين.

2. احتمال صدور صحيح زرارة تقيّة، لذهاب جمهور فقهاء السنة إلى

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 156.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3). لأجل علي بن الحسن بن فضال في السند، و العباس الوارد في السند هو العباس بن معروف الثقة.

(4). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

الوجوب غير أبي حنيفة.

و يؤيّد ذلك خبر أبي الحسن «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم: ليس عليه زكاة». «2»

3. حمل قوله «واجبة» على مطلق الثبوت بأنّ الوجوب بمعنى الثبوت الأعم من الوجوب و الاستحباب.

ثمّ إنّ الشيخ لمّا عمل برواية زرارة، حاول الجمع بينها و بين رواية أبي بصير بحمل الثانية على نفي الوجوب في جميع الغلّات فلا ينافي ثبوتها في بعض الأربع.

يلاحظ عليه: أنّ غير اليتيم أيضا كذلك، حيث لا زكاة عليه في جميع الغلّات و إنّما هي في بعض الأربع، فما هو الوجه لتخصيص اليتيم به؟!

و ربما تضعّف رواية أبي بصير بأنّ الشيخ أخذها من كتاب علي بن الحسن ابن فضّال، و في سنده

إليه في المشيخة: «ابن عبدون (المتوفّى 423 ه) سماعا، و إجازة عن علي بن محمد بن الزبير (المتوفّى 348 ه) عن علي بن الحسن بن فضال» و لم يرد توثيق في حقّهما.

يلاحظ عليه: أنّ الأوّل من مشايخ النجاشي حيث قال في حقّه: أبو عبد اللّه شيخنا المعروف بابن عبدون، له كتب. «3»

______________________________

(1). المردّد بين الأصفهاني و الأنباري، و كلاهما يرويان عن أبي عبد اللّه و لم يرد في حقّهما توثيق، و يحتمل أن يكون المراد أبو الحسن الليثي لما في الفهرست من أنّ لأبي الحسن الليثي كتابا يروي عنه هارون بن مسلم؛ و على هذا، ففي السند تصحيف حيث بدّل هارون ب «مروان». و سيأتي نظيره في باب عدم الزكاة على الحلّي، و اللّه العالم.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 9.

(3). رجال النجاشي: 1/ 228، برقم 209.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 19

فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ، و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلّات الأربع فالمناط البلوغ قبل وقت التعلّق، و هو انعقاد الحب و صدق الاسم على ما سيأتي.* (1)

______________________________

و قال الشيخ: أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، أجاز لنا بجميع ما رواه، مات سنة 423. «1» و مشايخ الإجازة في غنى عن الوثاقة، و النجاشي لا يروي إلّا عن ثقة.

نعم لم يرد في حقّ الثاني إلّا قول النجاشي في ترجمة ابن عبدون: و كان قد لقي علي بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير، و كان علوّا في الوقت. «2» و ربما استظهر من قوله: «كان علوا في الوقت» وثاقته و جلالته، لكن الظاهر انّ المراد هو العلو في الاسناد، حيث إنّه

يروي عن علي بن الحسن بن فضّال الذي كان شيخ العياشي، و ليس هذا دليلا على وثاقته.

و لو افترضنا عدم صحّة الاحتجاج برواية أبي بصير، لكن رواية زرارة لا تقاوم الإطلاقات المتضافرة، لأنّ تخصيص مثلها بخبر الواحد أمر مشكل، و- لذلك- استشكلنا في حقّ المارّة لمخالفته الإطلاقات المتضافرة في أنّه لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه.

فالحقّ ما عليه المشهور من عدم تعلّقها بمال اليتيم مطلقا.

(1)*

يقع الكلام في مقامين:
اشارة

1. فيما يعتبر في تعلّق الزكاة به، مرور الحول كالنقدين و الأنعام.

______________________________

(1). رجال الطوسي: 413، برقم 5988.

(2). رجال النجاشي: 1/ 228 برقم 209.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

2. فيما لا يعتبر فيه سوى كونه بالغا حين انعقاد الحب و صدق الاسم كالغلّات الأربع.

الأوّل: ما يعتبر فيه الحول

فلا شكّ في عدم تعلّق الزكاة إذا ملك و كان تمام الحول غير بالغ، لقوله:

«ليس على مال اليتيم زكاة»، إنّما الكلام إذا ملك سنة و بلغ في أثناء السنة كأوّل النصف الثاني من السنة، فهل يتعلّق به الزكاة، أو لا.

و بعبارة أخرى: هل الملفّق ممّا قبل البلوغ و بعده، موضوع أيضا أو لا؟ فيه وجوه:

1. عدم الاحتساب، و إنّ مبدأ السنة هو مبدأ البلوغ.

2. الاحتساب، فلو ملك بدء السنة و بلغ أثناءها حسب ما قبله أيضا، و يكون المبدأ للسنة مبدأ مالكيته.

3. التفصيل بين البلوغ قبل الشهر الثاني، فيحسب، و إلّا فلا، لأنّ الحول في الزكاة يتحقّق بحلول الشهر الثاني عشر.

أمّا الأوّل، فهو المعروف بين المتأخرين، و قد استدلّ له بوجهين:

1. انّ المتبادر من قولهم: «ليس على مال اليتيم زكاة» انّ البلوغ جزء الموضوع، لا شرط الحكم، فكأنّه قال: المالك البالغ إذا حال عليه الحول، يزكّي ماله، و المفروض عدمه، لأنّه حال عليه الحول دون أن يكون الموضوع بجزئيه محقّقا، فليس عليه شي ء.

و هذا نظير قوله عليه السّلام: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 21

..........

______________________________

حتى يقع في يديك». «1» و معنى ذلك انّ الموضوع للزكاة هو المال الحاضر، الواقع تحت سلطة المالك، و أمّا غيره فليس موضوعا له.

و ذهب المحقّق السبزواري في كتابيه: الذخيرة و كفاية الأحكام

إلى كفاية البلوغ في أثناء السنة حيث قال: إذ المستفاد من الأدلّة، عدم وجوب الزكاة على الصبي ما لم يبلغ، و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، إذ لا يستفاد من أدلّة اشتراط الحول، كونه [جميع الحول] في زمان التكليف. «2»

يلاحظ عليه: أنّ المتبادر من قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» هو خروجه عن كونه موضوعا لوجوب الزكاة و تعلّقه، فيصير الموضوع بحكم عدم الواسطة اليتيم و البالغ، هو مال المالك البالغ، و عليه يجب مرور سنة على الموضوع، و الحول الملفق من الزمانين ليس مصداقا له، فإذا كان في النصف الأوّل من السنة غير بالغ، فقد حالت شهور على المال لا السنة الكاملة.

و ربّما يستدلّ على عدم الاحتساب بما رواه الشيخ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس». «3»

وجه الاستدلال انّ قوله: «و إن بلغ اليتيم» جملة شرطية، و قوله: «فليس

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2). الذخيرة، كتاب الزكاة، ص 4 و المطبوع غير مرقم.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11. و رواه الكليني عن أبي بصير بمتن يختلف مع ما نقله الشيخ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 22

[الشرط] الثاني: العقل، فلا زكاة

في مال المجنون في تمام الحول أو بعضه، و لو أدوارا، بل قيل: انّ عروض الجنون آنا ما يقطع الحول، لكنّه مشكل بل لا بدّ من صدق اسم المجنون و انّه لم يكن في تمام الحول عاقلا.

______________________________

عليه لما مضى» جزاء الشرط، و المراد من الموصول «الزمان» قليله أو كثيره فيشمل السنة و بعضها، فلو كان يتيما كلّها أو بعضها، فليس عليه في تلك البرهة زكاة، فلو ضم ذلك البعض إلى البعض الذي بلغ فيه لكان مخالفا لإطلاق الرواية.

يلاحظ عليه: أنّ مورد الرواية لا يحتمل ذلك المعنى لورودها في الغلّات التي لا يعتبر فيها شي ء سوى كون المالك بالغا حين انعقاد الحب و صدق الاسم، ففي مثله، لا تتعلّق الزكاة إلّا إذا كان المالك بالغا أوان تعلّقها و هو انعقاد الحبّة و صدق الاسم، و أمّا ما يعتبر فيه حيلولة الحول منذ كونه مالكا فهل يعتبر فيه البلوغ في تمام السنة، أو يكفي التلفيق؟ فلا دلالة للحديث على واحد من الأمرين.

ثمّ إنّ المحقّق الهمداني «1» ذكر في تفسير الحديث وجوها أربعة و زاد بعض المعاصرين وجها خامسا، أوجد تعقيدا في تفسيره، و لكن الظاهر انّ المراد من الموصول هو الزمان، و لكنّه خاص بما لا يعتبر فيه السنة كما لا يخفى.

المقام الثاني: ما لا يعتبر فيه الحول

أمّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلّات الأربع فالمناط البلوغ وقت التعلّق، و هو انعقاد الحب و صدق الاسم، و ما في المتن بأنّ المناط هو البلوغ قبل وقت

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 14.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 23

[الثاني العقل]
اشارة

و الجنون آنا مّا- بل ساعة أو أزيد- لا يضرّ بصدق كونه عاقلا.* (1)

______________________________

التعلّق مبنيّ على اعتباره شرطا فيعتبر تحقّقه قبله، و أمّا على القول بأنّ اليتم مانع فيكفي عدمه حين انعقاد الحبّ.

(1)* الأقوال في المجنون بين الأصحاب نفسها في الصبي و قد عطف الشيخ المجنون على الصبي ثمّ ذكر الأقوال التي تعرّفت عليها في مورد اليتيم فلا نعيد.

و هكذا الأمر عند السنّة فالمجنون و الصبي عندهم سواسية، قال الخرقي: الصبي و المجنون يخرج عنهما وليهما. ثمّ نقل وجوب الإخراج عن عدّة من الصحابة و التابعين.

نعم نقل عن الحسن البصري و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و أبي وائل و النخعي و أبي حنيفة أنّه لا تجب الزكاة في أموالهما، كما حكي عن ابن مسعود و الثوري و الأوزاعي أنّه: «تجب الزكاة و لا تخرج حتى يبلغ الصبي و يفيق المعتوه». «1»

هذه هي الأقوال و المشهور بين الإمامية خصوصا المتأخّرين عدم وجوب شي ء على المجنون سواء أ كان ممّا تعتبر فيه السنة أم لا. و يدلّ عليه أمور:

الأوّل: انصراف أدلّة التشريع تكليفا و وضعا عن المجنون فهو بالحيوان أقرب منه إلى الإنسان.

الثاني: إطلاق حديث رفع القلم، فالمجنون حسب هذا الإطلاق لم يكتب عليه شي ء من التكليف و الوضع و تخصيص الرفع بالإثم على خلاف الإطلاق.

______________________________

(1). المغني: 2/ 519.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

و أمّا ضمان أروش الجنايات

و قيم المطلقات فهو لأجل انّ الحديث حديث امتنان و لا امتنان، في رفع الضمان في هذه الموارد، و أمّا غيرهما و ما أشبههما فالقلم مرفوع على الإطلاق.

الثالث: اشتراك المجنون مع الصبي في غالب الأحكام، و لكن في «الجواهر» عدم دليل معتدّ به على هذه التسوية إلّا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها. «1»

و يمكن أن يقال: انّ ملاك الاستدلال في المقام هو قياس الأولوية، فإذا كان وجوب الزكاة مرفوعا عن الشاب المراهق فأولى أن يكون مرفوعا عن المجنون.

الرابع: ما يظهر من السيد الخوئي من أنّه سبحانه خاطب العقل بقوله:

«إيّاك أثيب و إيّاك أعاقب» «2» و لكن في صحّة الاستدلال نظر ظاهر، لأنّ العقل جعل ملاك المثوبة و العقوبة لا ملاك التكليف الوضعي، أي تعلّق الحقّ بالمال الزكوي كتعلّق نفقة الأقارب و الزوجات و أروش الجنايات و قيم المطلقات بما له.

الخامس: صحيحة عبد الرحمن بن حجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

امرأة من أهلنا مختلطة، أ عليها زكاة؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا». «3» و موضع الاستشهاد هو الشق الثاني.

السادس: معتبرة موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة». «4» و موضع الاستشهاد هو مفهوم القضية الشرطية.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 28.

(2). الوسائل: 1، الباب 3 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2؛ و لاحظ روايات الباب.

(3). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(4). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

و سند الحديث لا غبار عليه، و قد روي بطريقين في أحدهما سهل بن زياد، و قد قيل فيه: «الأمر في سهل سهل»، و في الثاني «محمد بن الفضيل» و المراد منه محمد بن الفضل بن كثير الأزدي الكوفي الصيرفي الذي عدّه المفيد في الرسالة العددية من الفقهاء و الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام و لا يطعن عليهم بشي ء.

و قال الأردبيلي في جامعه: إنّ المراد من محمد بن الفضيل عند الإطلاق هو محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة و احتمله التفريشي في رجاله.

و على كلّ تقدير فالسند لا غبار عليه.

و منصرف الروايتين و إن كان هو النقدين لكن القيد المفهوم (النقدان) من الرواية ليس احترازيا، بل لأجل انّ الاتجار يتحقّق به غالبا فكان الموضوع مال المجنون على وجه الإطلاق. فيعمّ النقدين و الغلّات و المواشي لانّ عدم الاتجار أعمّ من عدم القابليّة فيشتمل الجميع.

و على ضوء هذه الأدلّة فالموضوع للوجوب هو البالغ العاقل الذي حال الحول على ملكه في مورد النقدين، و كونه كذلك عند انعقاد الحبّة و التسمية في غيرهما.

ثمّ إنّ إخراج الزكاة عند الاتّجار واجب أو مندوب سيوافيك بيانه في المسألة الثانية.

حكم الجنون الآني

لا فرق في خروج المجنون عن الموضوع للوجوب إطباقيا كان أو أدواريا، و ذلك لصدق المجنون، إنّما الكلام في الجنون الآني كما إذا جنّ دقيقة أو خمس دقائق ثمّ أفاق، فهل يضر بوجوب الزكاة أو لا؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 26

[الثالث: الحرية]

الثالث: الحرية، فلا زكاة على العبد و إن قلنا بملكه من غير فرق بين القن و المدبّر و أمّ الولد و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا من مال الكتابة، و أمّا المبعّض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزع على بعضه

______________________________

مال الماتن إلى عدم كونه مخلا به، قائلا بأنّه يصدق انّه كان عاقلا طول السنة أو عاقلا حين انعقاد الحبة و صحة التسمية.

لكنّ المتأخّرين من المحقّقين لم يرتضوا هذا الرأي، و ذلك لأنّ الميزان هو الدقة العرفية في مقابل الدقة الفلسفية لا المسامحة العرفية، فلا مجال للثاني في الفقه البتة.

فإذا كان كذلك فلا شكّ انّه لا يصدق عليه انّه كان عاقلا طول السنة، و مثل هذا عامة التحديدات الشرعية، مثل عدّة الوفاة و المسافة الشرعية و الكر و أيّام الاعتكاف و أقل الحيض، فالميزان في الجميع هو الدقة العرفية؛ فلو تزوجت قبل انقضاء العدة و لو بساعة، أو غمس يده النجسة في الماء الكر الذي ينقص عنه بغرفة، لحرمت الزوجة أبدا و صار الماء القليل نجسا.

و الحاصل: انّ الميزان هو صدق الموضوع المحدّد على المورد بدقّة على المستوى العرفي.

نعم ربّما تقوم القرينة على أنّ المراد غير المصداق الدقيق، و هذا كما إذا باع كرّا من حنطة، فلو دفع بالخليط من تراب غير المنفك عنه في الخارج فقد و فى بعقده و عهده، و ذلك لأنّه قلّما يتفق ان تخلص

الحنطة من التراب. فتلخص من ذلك انّ الميزان هو تطبيق المفهوم على المورد بدقة عرفية إلّا إذا قام الدليل على التوسعة في مقام التطبيق كما مثلنا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 27

الحر النصاب.* (1)

[الرابع: أن يكون مالكا]

الرابع: أن يكون مالكا فلا تجب قبل تحقّق الملكية، كالموهوب قبل القبض، و الموصى به قبل القبول، أو قبل القبض، و كذا في القرض لا تجب إلّا بعد القبض.* (2)

______________________________

(1)* عدم الابتلاء بموضوع المسألة يغنينا عن إفاضة الكلام فيه، فلنعطف عنانه إلى ما هو اللازم.

(2)* لا شكّ انّ الزكاة ضريبة على مال المالك مضافا إلى قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً «1» و قولهم عليهم السّلام: «إنّما الزكاة على صاحب المال» و قوله: «لا تجب عليه الزكاة إلّا في ماله» إلى غير ذلك من الأحاديث. «2»

و المتبادر من الآية و الروايات هو الملكية الشخصية، و أمّا الملكية العامّة فهي على أقسام:

أ: إذا تمّ تأسيس شركة مساهمة على نحو يكون المالك هو عنوان الشركة تديرها هيئة من ذوي السهام أو من غيرهم، فلا شكّ انّه تجب الزكاة حينئذ. لأنّ الملكية و إن كانت بالجهة لكنّها عنوان رسمي و قانوني، و المالك الحقيقي هو ملّاك السهام. و هذا ما يفهم من الأدلّة بإلغاء الخصوصية.

ب: إذا كانت الملكية العامة وقفا على جهة خاصة كعلماء البلد أو ساداتهم فبلغ نصيب كلّ واحد حدّ النصاب، فهل تجب الزكاة على كلّ واحد؟

______________________________

(1). التوبة: 103.

(2). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 2، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

الظاهر عدم تعلّق الزكاة، لأنّه يتعلّق على من يكون مالكا حين انعقاد الحبة و صدق التسمية، و المفروض انّ النصاب

في هذه الحالة لم يكن ملكا شخصيا لأحد و إنّما يصير ملكا شخصيا بعد القبض، و هو لا يفيد، لأنّ الملكية حصلت بعد تعلّق الزكاة.

و العجب من السيد المحقّق الخوئي حيث يقول بوجوب الزكاة في هذا المورد (الوقف) بعد القبض، و إليك نصّ عبارته: و على الجملة فمثل هذه الأوقاف التي هي وقف على الجهات العامة بنحو الصرف أو ملكية العنوان لا زكاة فيها إذا لم يقبضها شخص معين. نعم بعد القبض و حصول الملكية للشخص- على القول بأنّ الوقف تمليك- وجبت الزكاة حينه. «1»

ثمّ إنّه أفتى في مقام آخر بخلاف ما ذكره هنا، حيث قال: أمّا الوقف فلا تجب الزكاة فيه لقصور الملك من الأوّل، فإنّ الوقف و إن تضمّن التمليك على الصحيح إلّا أنّه نوع ملكية محدودة مقصورة من جهة الانتفاع و ليس للموقوف عليه السلطنة على العين من حيث البيع أو الهبة أو الرهن و نحو ذلك ممّا يتمتع الملّاك بأملاكهم. فأدلّة الزكاة منصرفة عن مثل هذه الملكية. «2»

و على كلّ تقدير فبما انّ هذا الشرط من الشروط الواضحة فلا بدّ أن يكون ذكره لغرض آخر، و هو إخراج الموارد الثلاثة التي ذكرها الماتن في كلامه كما سيوافيك.

ثمّ إنّ المحقّق الحلي ذكر هذا الشرط بقوله: و الملك شرط في الأجناس كلّها و لا بدّ أن يكون تاما.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 36.

(2). مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 43- 44.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

و قد اختلف الشرّاح في تفسير هذا القيد، و الظاهر انّ نظر المحقّق إلى إخراج العين المرهونة لأجل تعلّق حقّ الغير به، أو الوقف الخاص لأجل تعلّق البطون اللاحقة به. و سيوافيك الكلام

فيهما في الشرط الخامس.

و أمّا الماتن فقد ذكر هذا الشرط لأجل إخراج الصور الثلاث:

1. الموهوب قبل القبض.

2. الموصى به قبل القبول.

3. القرض قبل القبض.

أمّا الأوّل، أعني: الموهوب قبل القبض، فلا تجب الزكاة على الموهوب له، لأنّ القبض جزء السبب المملك فلا ملكية للمتهب قبله، فكيف تجب عليه الزكاة و لا يصدق انّه ماله؟ فالقبض إمّا ناقل أو كاشف و لكن كشفا حكميا بمعنى عدم حصول الملكية إلّا عند الإجازة و لكن يترتّب على ما مضى أثر مالكية الموهوب له، و ترتيب الأثر غير كونه مالكا و الزكاة على المالك.

و على ما ذكرنا تقف على أحكام الفروع التالية.

1. إذا وهب لشخص أحد النقدين البالغين حدّ النصاب و لم يقبض لم يجر الحول على الموهوب له إلّا بعد القبض.

2. إذا حال الحول بعد العقد و قبل القبض وجبت الزكاة على الواهب، لأنّه حال الحول في ملكه لما عرفت من أنّ القبض مملّك أو كاشف كشفا حكميا.

3. لو مات الواهب قبل القبض انتقل إلى وارثه دون الموهوب له فلا تجب الزكاة عليه، بل تجب على وارث الواهب إن كان واجدا للشرائط، و إلّا فلا تجب عليهما.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 30

..........

______________________________

4. لو فرضنا انّ شخصين ملك كلّ منهما كمية من الدنانير غير بالغة حدّ النصاب فوهباه من زيد و لم يقبض، فإنّه لا تجب الزكاة على الموهوب له لعدم القبض، و لا على الواهب لعدم بلوغ حصة كلّ منهما النصاب على الفرض، و سيوافيك انّ النصاب معتبر في ملك كلّ شريك على حدة.

هذا هو المعروف بين الأصحاب و ربما احتمل كون القبض كاشفا حقيقيا عن الملكية من حين العقد أو شرطا للزوم العقد، فعندئذ تختلف

أحكام الفروض السابقة لكن الاحتمالين الأخيرين ضعيفان، و التفصيل موكول إلى محلّه.

و أمّا الثاني، أي الموصى به قبل القبول، فلا تجب الزكاة فيه إلّا إذا حال الحول بعد قبول الموصى له مال الوصية، لأنّ القبول شرط مالكيته.

ثمّ إنّ المصنّف ذكر وراء القبول قبض الموصى له أيضا مع أنّه لا يشترط فيه القبض و إنّما يشترط القبول فقط، و لعلّه أراد من القبض القبول الفعلي.

هذا كلّه بناء على أنّ الوصية التمليكية من قبيل العقود، فالإيجاب من الموصي قبل الوفاة، و القبول من الموصى له بعد وفاته، و هذا هو المشهور.

قال الماتن في كتاب الوصية: أمّا التمليكية فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول جزءا و عليه تكون من العقود أو شرطا على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات. «1» و لكنّه احتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد مانعا و عليه تكون من الإيقاع الصريح.

و ما احتمله الماتن أخيرا هو الأقوى، فإنّه كيف يمكن أن يكون من العقود مع وجود الفصل الطويل بين إنشاء التمليك و قبوله الذي ربما يبلغ الفصل عشرة

______________________________

(1). العروة الوثقى، كتاب الوصية: 661.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

أعوام و لا يجوز مثل ذلك في حال الحياة.

و على ذلك فالزكاة على الموهوب له و يجري الحول من حين تمليكه. اللّهمّ إلّا أن يكون غير متمكن من التصرف فعندئذ يفتقد الشرط الخامس.

و ممّا يؤيد عدم الحاجة إلى القبول ما ورد في الروايات من أنّه إذا مات الموصى له قبل القبول يعطى لورثته. «1» و هذا يدل على أنّ الوصية التمليكية يكفي فيها التمليك غاية الأمر انّ للموصى له حقّ الرد، فما ورد في الرواية على وفق القاعدة بخلاف

الهبة، فلو مات الموهوب له قبل القبول يرد الموهوب إلى الواهب كما مرّ.

و أمّا الثالث، أي القرض قبل القبض، فلا تتعلّق الزكاة بالمقترض إلّا بعده، و يدلّ عليه لفيف من الروايات:

1. صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته، على المقرض أو المقترض؟ قال: «لا، بل زكاتها- إن كانت موضوعة عنده حولا- على المقترض». «2»

2. صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّه، على من الزكاة، على المقرض أو المستقرض؟ فقال: «على المستقرض، لأنّ له نفعه و عليه زكاته». 3

هذا كلّه إذا كان النصاب باقيا، و أمّا إذا صرفه أو اشترى به ما لا يتعلق به الزكاة فحكمه واضح.

هذا كلّه حول الشرط الرابع.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 30 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

(2) (2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 32

[الخامس: تمام التمكّن من التصرف]
اشارة

[الشرط] الخامس: تمام التمكّن من التصرف، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرف فيه بأن كان غائبا و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله، و لا في المسروق و المغصوب، و المجحود و المدفون في مكان منسيّ، و لا في المرهون، و لا في الموقوف، و لا في المنذور التصدّق به. و المدار في التمكّن على العرف، و مع الشك يعمل بالحالة السابقة، و مع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج.* (1)

______________________________

(1)* جعل الماتن، الشرط الخامس تمام التمكّن من التصرف- و

المراد التمكّن طول السنة لا خصوص آخر الحول، لأنّ التمكّن منه فيه شرط لوجوب الأداء- ثمّ إنّه رتّب عليه موارد سبعة يكون عدم التمكّن في أربعة منها، تكوينيا، كالغائب الذي لم يكن المال في يده، و لا في يد وكيله، و المسروق و المجحود (بالدال المهملة) غصبا أو اشتباها، و المدفون في مكان منسي؛ و في ثلاثة منها، يكون عدم التمكّن تشريعيا: كالعين المرهونة إذا جعلها المرتهن بعد الرهن عند الراهن، و الموقوفة- بناء على أنّ العين الموقوفة ملك للموقوف عليهم- و منذور التصدّق من النقدين أو الأنعام. فلو رهن أثناء السنة أو وقف أو نذر كذلك لا تجب الزكاة لعدم التمكّن شرعا من التصرف و إن كان متمكنا خارجا.

فلو صحّ كون الموضوع هو عدم التمكّن تكوينا أو تشريعا، كان لما ذكر وجه، و إلّا فلو كان الموضوع عدم التمكّن من التصرّف تكوينا كما إذا كان خارجا عن يده و سلطته كما في الموارد الأربعة، فيختص عدم الوجوب بها، و أمّا الموارد الثلاثة فيبحث فيها على ضوء القواعد.

فيجب علينا دراسة كلمات العلماء أوّلا، و لسان الروايات ثانيا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 33

أمّا كلمات العلماء

______________________________

1. قال الشيخ: من كان له مال دراهم أو دنانير فغصبت أو سرقت أو جحدت، أو غرقت أو دفنها في موضع ثمّ نسيها و حال عليه الحول، فلا خلاف انّه لا يجب عليه الزكاة منها، لكن في وجوب الزكاة فيه خلاف فعندنا لا تجب فيه الزكاة؛ و به قال أبو حنيفة، و أبو يوسف، و محمد، و هو قول الشافعي في القديم؛ و قال في الجديد: تجب الزكاة فيه. و به قال زفر. «1»

2. و قال في المقنعة: و لا

زكاة على مال غائب عن صاحبه إذا عدم التمكّن من التصرف فيه و الوصول إليه. «2»

3. و قال في النهاية: و لا زكاة على مال غائب إلّا إذا كان صاحبه متمكّنا منه أيّ وقت شاء، فإن كان متمكّنا منه لزمته الزكاة ... و من ورث مالا و لا يصل إليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال فليس عليه زكاة إلّا أن يصل إليه و يحول عليه حول. «3»

4. و قال في المهذب: من ورث مالا، و لم يصل إليه و لا يتمكّن من التصرف فيه إلّا بعد الحول لم يلزمه زكاته في ذلك الحول. «4»

5. و قال في الغنية: و أمّا شرائط وجوبها في الذهب و الفضة: فالبلوغ، و كمال العقل، و بلوغ النصاب، و الملك له، و التصرّف فيه بالقبض أو الإذن، و حئول الحول عليه و هو كامل في الملك. «5»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 30، كتاب الزكاة، المسألة 30.

(2). المقنعة: 239 باب زكاة الغائب.

(3). النهاية: 175، باب ما تجب فيه الزكاة.

(4). المهذب: 1/ 160، باب زكاة الذهب.

(5). الغنية: 2/ 118، الفصل الأوّل. نشر مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 34

..........

______________________________

6. و قال في السرائر: و لا زكاة على مال غائب إلّا إذا كان متمكّنا منه أي وقت شاء بحيث متى ما رامه قبضه، فإن كان متمكّنا منه لزمته الزكاة، و قد ورد في الروايات: إذا غاب عنه سنين و لم يكن متمكّنا منه فيها ثمّ حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة و ذلك على طريق الاستحباب دون الفرض و الإيجاب. «1»

7. و قال في إصباح الشيعة: و من كان عنده نصاب فغصب منه أو غاب

أو ضلّ و لا يتمكّن منه ثم عاد إليه في أثناء الحول استأنف به الحول غير معتد بما سبق. «2»

8. و قال في الشرائع: و التمكّن من التصرّف في النصاب معتبر في الأجناس كلّها. «3»

9. و قال في الجامع للشرائع: و من خلّف ذهبا أو فضة نفقة لعياله و هو حاضر فعليه الزكاة، و إن كان غائبا بحيث لا يتمكّن منه فلا زكاة عليه. «4»

إلى غير ذلك من الكلمات الظاهرة في كون الشرط هو التمكّن الخارجي، مقابل العاجز عنه تكوينا، لا الممنوع شرعا.

و بذلك يعلم أنّ ادّعاء الإجماع على عنوان مطلق التمكّن عقلا أو شرعا، غير تام بعد ظهور كلمات القدماء في قسم واحد منه.

و أمّا النصوص، فهي لا تتجاوز عن هذا الحدّ، نذكر منها المهم:

1. صحيح العلاء بن رزين، عن سدير بن حكم الصيرفي (الذي قد روى

______________________________

(1). السرائر: 1/ 443 باب ما تجب فيه الزكاة.

(2). إصباح الشيعة: 114، الفصل الثالث.

(3). الجواهر: 15/ 48، قسم المتن.

(4). الجامع للشرائع: 124.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 35

..........

______________________________

الكشي في مدحه و قدحه روايات، غير انّ في نقل الأجلّاء عنه دلالة على وثاقته، حيث نقل عنه: ابن مسكان، و فضالة بن أيوب و الحسن بن محبوب) قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول، ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظن انّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي في جوانبه كلّها، فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال: «يزكّيه بسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه». «1»

و ما دلّ

على تزكيته لسنة واحدة محمول على الاستحباب لما سيوافيك في المسألة الرابعة عشرة.

2. موثّقة إسحاق بن عمّار قال سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو، و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل حتى يجي ء»، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: «لا حتى يجي ء» قلت: فإذا هو جاء أ يزكّيه؟ قال: «لا حتى يحول عليه الحول في يده».

و رواها أيضا يونس، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السّلام فهما رواية واحدة 2 تدلّان على عدم وجوب التزكية مطلقا حتى لسنة واحد فتكون قرينة على حمل الأوّل على الاستحباب.

3. صحيح رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يردّ «3» رأس المال كم يزكّيه؟ قال: «سنة

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1- 3.

(3). أن يخسر في تجارته و لا يردّ رأس المال.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 36

..........

______________________________

واحدة». «1» و الذيل محمول على الاستحباب جمعا بين ما دلّ على وجوب شي ء و ما دلّ من الزّكاة لسنة واحدة كما سيوافيك في المسألة الرابعة عشرة.

4. معتبرة «2» عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخذ مال امرأته فلم تقدر عليه، أ عليها زكاة؟ قال: «إنّما هو على الذي منعها». «3»

إنّ إيجاب الزكاة على الآخذ قرينة على أنّه أخذه قرضا مع اجتماع سائر الشرائط.

5. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدين، و لا على

المال الغائب عنك حتى يقع في يديك». 4

6. موثّقة عبد اللّه بن بكير عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لسنة لعام واحد، فإن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين». 5

7. صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:

الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟

قال: «إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول، يزكّي». «6»

8. ما في «قرب الاسناد» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: إنّما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(2). السند لا غبار عليه و أمّا علي بن سندي فنقل الكشي عن نصر بن الصباح انّه وثقه و روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى في نوادره و لم يستثنه ابن الوليد، له 84 رواية في الكتب الأربعة.

(3) 3، 4، 5. الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5- 7.

(6). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

الزكاة في الذهب إذا قرّ في يدك». «1»

9. موثّقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يشتري الوصيفة «2» يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟ قال: «لا حتى يبيعها» قلت: فإن باعها أ يزكّي ثمنها؟ قال: «لا، حتى يحول عليها الحول و هو في يده». «3»

10. ما دلّ

على عدم الزكاة فيما تركه لأهله نفقة و غاب عنهم. «4»

هذا مجموع ما وقفنا عليه من الروايات و تجمعها المحاور التالية:

1. المال المدفون المجهول مكانه الحديث 1.

2. مال الوارث الغائب الحديث 2.

3. المال الغائب عن الإنسان، سائر الروايات.

و الجميع ظاهر فيما إذا كان هناك بين المالك و المال، مانع خارجي يمنعه عن إعمال السلطة، و أين هو من المال الذي هو تحت يده لكن يمنعه عن التصرّف حكم الشرع، كما في مورد الرهن و الوقف، و منذور التصدّق؟!

فلو قلنا بفهم العرف عدم الخصوصية و لو بمناسبة الحكم و الموضوع فهو، و إلّا يختص عدم الوجوب بالعجز الخارجي، و لا بدّ عندئذ من عرض ما لم يتمكّن من التصرّف لأجل المنع الشرعي، على سائر القواعد، فنقول:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

(2). الوصيفة مؤنث الوصيف، و هو الغلام دون المراهق.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(4). الوسائل: الجزء 6، الباب 17 من أبواب زكاة النقدين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 38

[عرض ما لم يتمكّن من التصرّف لأجل المنع الشرعي، على سائر القواعد]
1. العين المرهونة

______________________________

هل تتعلّق الزكاة بالعين المرهونة إذا حال الحول مطلقا أو لا؟ أو يفصّل بين التمكّن من الفك و عدمه فتتعلق في الأوّل دون الثاني؟ فالكلّ محتمل.

قال الشيخ: و متى رهن قبل أن تجب فيه الزكاة، ثمّ حال الحول و هو رهن وجبت الزكاة و إن كان رهنا. لأنّ ملكه حاصل ثمّ ينظر فيه، فإن كان للراهن مال سواه، كان إخراج الزكاة فيه؛ و إن كان معسرا، فقد تعلّق بالمال حق المساكين يؤخذ منه، لأنّ حقّ المرتهن في الذمّة بدلالة انّه إن هلك المال، رجع على الراهن بماله ثمّ يليه

حقّ الرهن الذي هو رهن به. «1» و هو صريح في وجوب تعلّقها مطلقا، لكن قوله: بأنّ حق المرتهن في الذمة، غير تام بل حقّه محصور في العين المرهونة ما دام موجودا، نعم لو هلك يرجع إلى ذمة الراهن لا انّ حقه من أوّل الأمر على ذمة الراهن.

و لكنّه قدّس سرّه أفتى في «الخلاف» بعدم التعلّق مطلقا قال: إذا كان له ألف فاستقرض ألفا غيرها، و رهن هذه عند المقرض، فإنّه يلزمه زكاة الألف التي في يده إذا حال عليه الحول دون الألف التي هي رهن. «2»

و الظاهر عدم تعلّقها لما عرفت في الشرط من انصراف الأدلّة إلى الملكية التامة، و هي في المقام ناقصة، لتعلّق حقّ الغير به على نحو لو لم يف دينه فللمرتهن بيعه و استيفاء حقّه، و قد قلنا فيما سبق من أنّ قيد التمامية في عبارة الشرائع، ناظر إلى إخراج العين المرهونة و إن أبيت فالأحوط التفصيل بين التمكّن من الفك و غيره.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 208.

(2). الخلاف: 2/ 110، كتاب الزكاة، المسألة 129.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 39

2. العين الموقوفة

______________________________

هل العين الموقوفة ملك للّه سبحانه أو للواقف، أو للموقوف عليهم، أو ليس ملكا بل فكّ ملك؟

لا سبيل إلى الأوّل، لأنّه إن أريد منه، القسم التكويني، فليس هذا من خصوصيات الوقف، فهو سبحانه مالك الملك و الملكوت بما انّه خالق لما سواه.

و كون الوقف للّه، بمعنى كون الغاية منه التقرّب إلى اللّه سبحانه لا أنّه ملك للّه تعالى.

و مثله الثاني، لأنّ الغاية من الوقف، إخراج العين الموقوفة عن سلطانه و حوزة سلطنته، فكيف تبقى على ملكه، ثمّ إنّه كيف يملك و هو رميم في التراب، ليس منه عين و

لا أثر مع بقاء العين الموقوفة عبر القرون؟!

و يليه في الضعف، الرابع، لأنّ لازمه جواز استيلاء كلّ فرد عليها، من غير فرق بين الموقوف عليه و غيره. فتعيّن الثالث، و هو الذي اختاره المحقّق في «الشرائع» حيث قال: الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه، لأنّ فائدة الملك موجودة فيه، و المنع من البيع لا ينافيه كما في أم الولد و قد يصح بيعه على وجه. «1»

و على ذلك فلو تعلّقت الزكاة بنفس الرقبة الموقوفة، كما إذا وقف على أولاده أربعين شاة للانتفاع بنمائها، فلا تتعلّق به الزكاة، لأنّ الغاية من الوقف هو ما جاء في كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حبس الأصل و سبل الثمرة» و التحبيس ينافي التصرّف فيه.

و أمّا إذا تعلّقت بنمائها، كما إذا وقف بستانا مع نخيلاتها فلا وجه لعدم تعلّقها إذا بلغ نصاب كلّ واحد من الموقوف عليهم حدّ النصاب، و قد صرّح بما

______________________________

(1). الشرائع: 2/ 450 كتاب الوقف، النظر الثالث.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

ذكرناه الشيخ في «المبسوط» في الأنعام و الغلّات فقال: و إن وقف على إنسان أربعين شاة و حال عليها الحول لا تجب فيه الزكاة، لأنّها غير مملوكة و الزكاة تتبع الملك فإن ولدت و حال على الأولاد الحول و كانت نصابا وجب فيها الزكاة إذا كان الواقف شرط انّ جميع ما يكون منها للموقوف عليه؛ و إن ذكر انّ الغنم و ما يتوالد منها وقف فانّما لهم منافعها من اللبن و الصوف، لا تجب عليهم الزكاة، لما قلنا من عدم الملك. «1»

و قال- قبل ذلك-: إذا كان وقف على إنسان واحد أو جماعة ضيعة فدخل منها الغلّة و بلغت

نصابا، فإن كان لواحد (و بلغ النصاب) تجب فيه الزكاة، و إن كان لجماعة و بلغ نصيب كلّ واحد النصاب كان عليهم الزكاة- إلى أن قال:- و إنّما أوجبنا الزكاة لأنّهم يملكون الغلّة و إن كان الوقف غير مملوك. «2» و سيأتي الكلام من المصنّف في الوقف في المسألة الثامنة.

3. منذور التصدّق

سيأتي البحث عنه في المسألة الثانية عشرة.

ثمّ إنّ المدار في التمكّن هو العرف، لأنّه المخاطب إنّما الكلام إذا شكّ فيه فهل يصحّ التمسّك عند الشكّ بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة أو لا؟ و على فرض عدم الصحة فما هو المرجع؟

فنقول: قد ظهر ممّا ذكرنا انّ الموضوع للتعلّق و عدمه هو التمكّن من إعمال

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 205 و الأولى أن يقول بعدم تمامية الملك.

(2). المبسوط: 1/ 205.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 41

..........

______________________________

السلطة و التصرّف في المال و عدمه دون الغيبة و الحضور، و ذلك لأنّه ربما يكون غائبا و لكن يتعلّق بما له الزكاة، كما إذا أمكن إعمال السلطة عن طريق الهاتف و غيره، و ربّما يكون المال حاضرا في يده و لكن يعجز عن التصرّف في ماله خوفا من الظالم، فيكون التمكّن و عدمه ملاكا للحكم.

و على ذلك فلو شكّ في التمكّن و عدمه فهل المرجع إطلاقات أدلّة الزكاة أو الأصول العملية؟ الأقوى هو الثاني، و ذلك لأنّ الشبهة شبهة موضوعية و فيها لا يصح التمسك لا بالمخصّص و لا بالمقيّد، و لا بالعام و الإطلاق.

أمّا عدم جواز التمسّك بالمخصص و المقيّد، أعني: عدم وجوب الزكاة في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه، فلأنّ المورد يكون شبهة مصداقية للدليل و لا يتمسّك به في مورد الشكّ، فلو شككنا

انّ زيدا العالم عادل أو فاسق لا يمكن التمسك بالمخصص: لا تكرم العالم الفاسق.

و أمّا عدم جواز التمسّك بإطلاقات أدلّة الزكاة و عموماتها، فلما قرّر في محلّه من أنّ المخصّص إذا كان منفصلا و إن كان لا يزاحم ظهور عموم العام لكنّه يزاحم حجّية عموم العموم في مورد عنوانه، فيسقط عموم العام عن الحجية في المقام فتكون النتيجة في مورد البحث هي سقوط العام و المخصص عن الحجّية.

و إن شئت قلت: الموضوع لوجوب الزكاة مركّب من عنوانين: المال الزكوي، المتمكن منه.

و القيد الأوّل و إن كان محرزا لافتراض انّ المال زكوي، لكن القيد الثاني غير محرز، فلا مناص من الرجوع إلى الأصول العملية، فلو كانت للمال حالة سابقة يعمل بها، لتقدّم الاستصحاب على سائر الأصول و إلّا فالمرجع هو البراءة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 42

[السادس: النصاب]

السادس: النصاب كما سيأتي تفصيله.* (1)

______________________________

و بذلك يعلم أنّه مع عدم العلم بالحالة السابقة فالأولى الإخراج لا انّه الأحوط كما في المتن.

هذا و للمسألة ذيل يأتي في المسألة التاسعة، فانتظر.

(1) اعتبار النصاب* النصاب هو القدر المعتبر في تعلّق الزكاة، و فسّر في اللغة بالأصل، و المرجع، أوّل كلّ شي ء، مقبض السكين «1»، و يظهر من المنجد انّه كلمة دخيلة و الظاهر انّه من النصب بمعنى العلامة، و كأنّ وصول الشي ء للمقدار المعلوم علامة تعلّقها به، ثمّ إنّ شرطيّة النصاب من ضروريات الفقه و في «الجواهر» إجماعا بل ضرورة المذهب إن لم يكن الدين. «2» و في الأخير تأمل واضح.

______________________________

(1). المصباح المنير: مادة «نصب».

(2). الجواهر: 15/ 76.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 43

[أحكام الشروط]

[المسألة 1: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلّات غير البالغ]
اشارة

المسألة 1: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلّات غير البالغ- يتيما كان أو لا، ذكرا كان أو أنثى- دون النقدين، و في استحباب إخراجها من مواشيه إشكال، و الأحوط الترك.

نعم إذا اتّجر الوليّ بما له يستحبّ إخراج زكاته أيضا.

و لا يدخل الحمل في غير البالغ، فلا يستحب إخراج زكاة غلّاته و مال تجارته.

و المتولّي لإخراج الزكاة هو الوليّ و مع غيبته يتولّاه الحاكم الشرعي و لو تعدّد الوليّ جاز لكل منهم ذلك، و من سبق نفذ عمله. و لو تشاحّوا في الإخراج و عدمه قدّم من يريد الإخراج. و لو لم يؤدّ الوليّ إلى أن بلغ المولىّ عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه.* (1)

______________________________

(1)*

في المسألة فروع:
الأوّل: استحباب إخراج الزكاة من غلّات غير البالغ

أفتى الماتن تبعا لغيره باستحباب إخراج الزكاة من غلات غير البالغ دون النقدين و لكن في إخراجها من مواشيه إشكال. قد تقدّم الكلام في ذلك عند البحث في الشرط الأوّل، أعني: البلوغ و انّ الشيخين و أبا الصلاح و ابن البراج أوجبوا الزكاة في غلات غير البالغ و مواشيه دون النقدين.

أمّا النقدان فلم يقل بوجوب الزكاة فيهما أحد منّا، و لم يرد به نص؛ و أمّا الآخران، فقد ورد النصّ في الغلات، دون المواشي، و إلحاق الثاني بالأوّل لا يخلو من إشكال.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 44

..........

______________________________

و أمّا الغلات، ففي صحيح زرارة و محمد بن مسلم- على نقل الشيخ- عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة». «1»

نعم ربّما ينافيه صحيح أبي بصير: «و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة». 2

و قد اختلفت كلمتهم في علاج التعارض إلى وجوه:

1. الجمع الدلالي: و انّ المراد من قوله:

«واجبة» هو «ثابتة» و هي أعمّ من الوجوب و الاستحباب، و حمل الرواية الثانية على نفي الوجوب فلا تعارض بينهما.

و قد اختار هذا كلّ من قال باستحباب الإخراج.

2. حمل صحيحة زرارة على التقية، لما عرفت من اتّفاقهم على وجوبها في أمواله إلّا أبا حنيفة، و هو خيرة صاحب الوسائل.

يلاحظ عليه: أوّلا: بأنّ الرجوع إلى المرجّحات فرع عدم إمكان الجمع العرفي، و إلّا فيقدم الجمع على الطرح لأجل التقية، و عليه جرى الأصحاب.

و ثانيا: انّ التفصيل بين الغلات و غيرها ليس مذهب أحد من العامّة و قد عرفت مذاهبهم عند البحث في شرطية البلوغ.

3. انّ الحديثين من أقسام المتعارضين، و ذلك لأنّ صحيح زرارة تضمن ثبوت الزكاة في غلات اليتيم، و صحيح أبي بصير يدلّ على عدم ثبوتها فيها حيث يقول: «ليس على غلاته زكاة» فيكونان من قبيل المتعارضين، فإن أمكن الترجيح بواحد من المرجحات، و إلّا فيتعارضان و يتساقطان فيرجع إلى إطلاقات الباب، أعني: «ليس على مال اليتيم زكاة» و بذلك يشكل إثبات استحباب الإخراج.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2 و 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 45

..........

______________________________

و هناك وجه رابع و هو انّ الإمام في صحيح زرارة ليس بصدد بيان الحكم الشرعي، بل بصدد بيان ما كان يسود في أعصارهم حيث إنّ الحكام كانوا يطلبون الزكاة من أصحاب الأموال، التي كانت بمرأى و مسمع منهم، أعني: الغلات و المواشي، دون النقدين لإمكان إخفائهما، ففي هذه الظروف قال عليه السّلام: «ليس على مال اليتيم من الدين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلات فعليها الصدقة» ثابتة مطلقا رضي صاحب المال أم لا.

فتكون النتيجة

عدم استحباب الإخراج مطلقا على الوجوه الثلاثة الأخيرة، و على فرض ثبوته، فالحكم بالاستحباب بملاك الطفل و بما انّه غير مكلّف خوطب الولي بالإخراج و أسند الاستحباب إليه. و سيأتي الكلام في أنّه إذا لم يؤدّ الولي فيؤدّيه إذا بلغ، و ما هذا إلّا لأنّه المخاطب حقيقة.

ثمّ إنّ الوارد في لسان الروايات هو اليتيم، لكن لا خصوصية لليتيم، بل الموضوع غير البالغ و إن لم يكن يتيما، و يشهد على ذلك صحيحة يونس بن يعقوب الماضية. «1»

الثاني: إذا اتّجر الولي بمال اليتيم

و للفرع صور:

1. إذا اتّجر بمال اليتيم له و كان الاتّجار سائغا.

2. إذا اتّجر بمال اليتيم لنفسه كما إذا استقرض الولي من ماله و كان جائزا لكونه مليّا.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 46

..........

______________________________

3. إذا اتّجر بمال اليتيم و كان الاتّجار غير سائغ و كان الاتّجار لليتيم.

4. تلك الصورة و كان الاتّجار لنفسه.

أمّا الصورة الأولى، فالقول باستحباب الإخراج هو المشهور و القول بالوجوب قول نادر، و عليه الشيخ المفيد في مقنعته قال: لا زكاة عند آل الرسول عليهم السّلام في صامت أموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير إلّا أن يتّجر الولي لهم أو القيم عليهم بها، فإن اتّجر بها و حرّكها وجب عليه إخراج الزكاة منها. «1»

و لمّا كان القول بالوجوب بعيدا قال الشيخ في شرحه على المقنعة: مراد الشيخ المفيد رحمه اللّه بالوجوب هنا الاستحباب دون الفرض الذي يستحقّ بتركه العقاب. «2»

وجه البعد انّه إذا كان إخراج الزكاة للبالغ في مورد التجارة أمرا مندوبا، فمن البعيد أن يكون إخراجه لغير البالغ واجبا.

نعم يمكن أن يقال انّ الشيخ اعتمد في الإفتاء

بالوجوب على روايات الباب الظاهرة في الوجوب كصحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: «لا، إلّا أن يتّجر به و يعمل به». «3»

و خبر محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن صبية صغار، لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على ما لهم زكاة؟ فقال: «لا يجب في

______________________________

(1). المقنعة: 238.

(2). تهذيب الأحكام: 4/ 27 في ذيل الحديث 64.

(3). وسائل الشيعة: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 47

..........

______________________________

ما لهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه». «1»

و وصفه بالخبر لأجل محمد بن الفضيل، لتردّده بين محمد بن الفضيل بن كثير الأزدي الكوفي الصيرفي الذي ضعّفه الشيخ و لم يوثّقه النجاشي، و بين محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة، قال النجاشي: ثقة هو و أبوه و عمه العلاء و جدّه الفضيل، روى عن الرضا عليه السّلام له كتاب.

و ظهور هذه الروايات محمولة على الاستحباب المؤكّد لإعراض المشهور عن ظهوره على أنّه لو كان الإخراج واجبا لاشتهر و بان.

و أمّا الصورة الثانية: إذا اتّجر الولي بمال اليتيم لكن لنفسه لا لليتيم بأن استقرض ماله و كان الاستقراض جائزا أو ذات مصلحة، فالزكاة على المقترض لكون التجارة له.

و يدلّ عليه صحيح أبي العطارد الحنّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ فقال: «إذا حرّكته فعليك زكاته»، قال: قلت:

فإنّي أحرّكه ثمانية أشهر و أدعه أربعة أشهر، قال: «عليك زكاته». «2»

فبما انّ الزكاة على التاجر يعرب عن اتجاره لنفسه تجارة

سائغة كالاستقراض من مال اليتيم و إلّا فلو كانت التجارة غير سائغة لما وجبت الزكاة على التاجر.

قال الأردبيلي: يجوز للوليّ تملّك المال بالقرض و نحوه إذا كان مليا و التجارة به و كان الربح له و الزكاة عليه و مال الطفل عليه.

______________________________

(1). وسائل الشيعة: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(2). وسائل الشيعة: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

و قالوا: إنّما يشترط الملاءة- يعني وجود المال للولي بقدر ما أخذ من مال الطفل- بعد مستثنيات الدين حتى قوت اليوم و الليلة إذا لم يكن أبا و لا جدّا (بأن كان وصيا من قبلهما أو قبل أحدهما). «1»

و يدل على شرطية الملاءة في صحّة الاستقراض معتبر منصور الصيقل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟ قال: فقال: «إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الرّبح و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال». «2»

و الحديث يدلّ على اشتراط الملاءة في صحة الاستقراض، و لذلك لو عمل به و ليس له مال فالربح للغلام و التاجر ضامن.

الصورة الثالثة: إذا اتّجر بمال اليتيم له و كان الاتّجار غير سائغ لعدم كونه وليا فربح، فتكون التجارة فضولية تحتاج إلى إجازة الولي، فلو أجاز لما فيه مصلحة اليتيم يكون الربح لليتيم و الزكاة عليه.

و يدلّ عليه صحيح زرارة و بكير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم، و على التاجر ضمان

المال». 3

فالحكم بكون الربح لليتيم و الزكاة عليه، مع ضمان التاجر محمول على كون التجارة غير سائغة، و إلّا فلا وجه للضمان.

ثمّ إنّ الظاهر من المحقّق الخوئي عدم الحاجة إلى إجازة الولي، لصدورها

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 13 ثمّ استشكل في اشتراط الملاءة بأنّه غير مفيد في موارد.

(2) (2 و 3). وسائل الشيعة: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7، 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 49

..........

______________________________

من الولي الأصلي و هو الشارع بمقتضى الروايات الواردة في المقام المتضمنة انّ الربح لليتيم و الخسران على المتّجر الذي تدلّ بالالتزام على صحّة المعاملة المساوقة لحصول الإجازة كما لا يخفى فتشمله حينئذ إطلاقات استحباب الزكاة في مال اليتيم.

و لكنّه مبني على كون الحديث بصدد بيان تلك الناحية أيضا و إلّا فسكوت الحديث عن شرطية إجازة الولي لا يدلّ على عدمها.

قال المحقّق الأردبيلي: و لو لم يكن وليا و اتّجر بعين مال الطفل، فالظاهر انّها باطلة أو موقوفة على إذن الولي أو الطفل بعد صلاحيته لذلك لو جاز الفضولي فيه، و يكون ضامنا، و لا زكاة على أحد. «1»

الصورة الرابعة: إذا اتّجر بمال اليتيم لنفسه مع كون التجارة غير سائغة فلا شكّ انّ التجارة فضولية و وقوعها لليتيم بحاجة إلى إجازة الولي، فحكم هذه الصورة حكم الصورة السابقة فالربح لليتيم و الزكاة عليه، و الضمان على التاجر، و لا يمكن أن يحكم مضافا إلى الضمان بإخراج الزكاة؛ كيف و في موثّقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به، أ يضمنه؟ قال: «نعم»، قلت: فعليه زكاة؟ فقال: «لا، لعمري، لا

أجمع عليه خصلتين: الضمان و الزكاة». «2»

ثمّ إنّ ما ذكرنا من الأحكام فيما إذا اتّجر بمال اليتيم بأن جعل الثمن نفس مال اليتيم؛ و أمّا إذا اتّجر بثمن في الذمة ثمّ دفع في مقام أداء الدين مال اليتيم، فتقع المعاملة للتاجر و يكون الربح له و الزكاة عليه و يصير ضامنا لمال اليتيم.

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 15.

(2). وسائل الشيعة: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 50

..........

______________________________

و ما ذكرنا من التفصيل خاص بالصورة الرابعة، و أمّا الصورة الثالثة فبما انّه اتّجر لليتيم فلا يتفاوت كون الثمن شخصيا أو في الذمة.

و إلى ما ذكرنا يشير المحقّق الأردبيلي بقوله: و لو اتّجر لنفسه في الذمّة يكون الربح له و عليه الزكاة و يكون ضامنا لمال اليتيم. «1»

إلى هنا تمّ حكم الصور الأربع و ربّما نسب إلى الأردبيلي نفي الاستحباب في الصورتين الأخيرتين، قائلا: بأنّ المتيقّن أو الظاهر من الأدلّة أن تكون التجارة بمال اليتيم لليتيم نفسه، و أمّا إذا لم تكن له و إن رجعت النتيجة إليه فأدلّة الاستحباب منصرفة عنه، فإذا إخراج الزكاة يحتاج إلى الدليل و لا دليل على الاستحباب. «2»

و قد أشار إليه الأردبيلي في كلامه السابق.

و لكن الظاهر بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو تعلّق الزكاة بالربح المتعلق باليتيم بعقد صحيح حدوثا أو بقاء.

الثالث: عدم دخول الحمل في موضوع الحكم

هل الحمل محكوم بنفس الحكم الموجود في غير البالغ؟ قال المصنّف بعدم دخوله و لا يستحب إخراج زكاة غلّاته و مال تجارته.

و الدليل هو انصراف العنوان عنه فإنّ العناوين الواردة لا تتجاوز عن عنوان اليتيم، صبية صغار، و هما لا يصلحان للحمل، فالمرجع هو أصل البراءة.

______________________________

(1).

مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 15.

(2). مستند العروة الوثقى: 9/ 65.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 51

المسألة 2: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون

الرابع: المتولّي لإخراج الزكاة

______________________________

إنّ المتولي لإخراج الزكاة في مال اليتيم هو الولي كما هو المتولّي لسائر أعماله، و مع غيبته فالحاكم الشرعي. و في «مجمع الفائدة» انّ المتولّي للإخراج هو الولي، و على تقدير عدم حضوره يمكن التوقّف حتى يوجد أو يبلغ فيقضي، و يحتمل جواز الأخذ لآحاد العدول و المستحقين. «1»

و لا يخفى تقدّم الرجوع إلى الحاكم الشرعي على الرجوع إلى آحاد العدول. و لو تعدّد الولي جاز لكلّ واحد منهم ذلك، كما في الجدّ و الأب، نظير ذلك نكاح الجد و الأب فينفذ المتقدّم منهما.

و لو تشاحّوا في الإخراج و عدمه، ليس للآخر أن يمنع المخرج.

الخامس: إذا لم يؤدّ الولي

إذا لم يؤدّ الولي إلى أن بلغ المولّى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه. و ذلك لأنّ المحكوم بأداء الزكاة واقعا هو الطفل، و بما انّه لا يمكن له القيام بالمباشرة يقوم الولي بالعمل من جانبه، فعدم تأدية الولي لا يوجب سقوط الحكم الشرعي كما هو واضح.

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 52

[المسألة 2: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون]

دون غيره، من النقدين كان أو من غيرهما.* (1)

______________________________

(1)* يقع الكلام في المجنون في موردين:

1. تعلّق الزكاة بغلاته و مواشيه دون النقدين إذا كانتا صامتين، لما عرفت من ثبوته في الصبي، لاشتراكهما في كثير من الأحكام.

يلاحظ عليه أوّلا: عدم ثبوتها في المقيس عليه، فإنّ ما يدلّ على الثبوت كصحيح زرارة، معارض بصحيح أبي بصير الدالّ على عدم الثبوت، و عندئذ يسقطان و يرجع إلى البراءة. و قد تقدّم الكلام في الجمع بين الروايتين.

و ثانيا: لو ثبت في المقيس عليه فلا دليل على ثبوتها في المقيس إلّا القياس المردود.

2. تعلّق الزكاة بتجارة المجنون كالصبي و هو ثابت، و قد عقد صاحب الوسائل لذلك باب ذكر فيه روايتين:

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا». «1»

و خبر «2» موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة». 3

ثمّ إنّ ظاهر الحديثين، هو الوجوب نظير ما مرّ من الصبي، لكن يحمل على

______________________________

(1) (1 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب

من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 2.

(2). لوقوع محمد بن الفضيل في سنده، و هو مختلف فيه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 53

[المسألة 3: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول]

المسألة 3: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران. فالإغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلّق في الغلات.* (1)

______________________________

الاستحباب للإجماع أوّلا، و بعد كونه واجبا على المجنون، و مستحبّا على البالغ.

و الظاهر انّ الزكاة تتعلّق بما له و أمّا خطاب الولي بالأداء، فلأنّه الفرد الصالح للتصرّف في أمواله، فإذا لم يؤدّ، يستحبّ للمجنون عند ما أفاق، أداؤها.

(1)* لا خلاف في وجوب الزكاة على النائم و السكران، فلا يلحقان بالمجنون، إنّما الكلام في المغمى عليه و الأدلّة من الجانبين غير مقنعة.

استدلّ العلّامة على عدم التعلّق بأنّه تكليف و ليس المغمى عليه من أهله. «1»

يلاحظ عليه: إن أراد من التكليف، الحكم التكليفي الذي يعبّر عنه بخطاب التكليف، فهو أمر مشترك بين النائم و الساهي و السكران، و المغمى عليه، و إن أراد الحكم الوضعي فليس الإغماء، كالنوم مانعا عن تعلّقها بماله كما هو مفهوم الوضع.

و يمكن الاستدلال أيضا بما رواه موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يغمى عليه يوما أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة، أو أكثر من ذلك؟

قال: «ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء، كلّ ما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أولى بالعذر». «2»

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 16.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة القضاء، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 54

[المسألة 4: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه]

المسألة 4: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه على المختار من كونه مالكا. و أمّا على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكّن العرفيّ من التّصرف فيه.* (1)

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ المتيقن

منه ما إذا استغرق العذر تمام الوقت المكلّف فيه بأداء الواجب، كما إذا أغمي عليه حين التعلّق و بقى على تلك الحالة حتى مات، و أمّا إذا أفاق بينهما، فيجب الأداء كما إذا أفاق قبل الغروب، فتجب الصلاة عليه، هذا كلّه في الغلّات، و أمّا ما اعتبر فيه العام كالنقدين و المواشي فالقدر المتيقن من كونه مانعا أن يكون مغمى عليه تمام العام، لا بعضه.

و ربما يستدلّ على التعلّق تارة بإطلاق قوله: «فيما سقته السماء العشر».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 54

يلاحظ عليه: أنّه بصدد بيان ما يجب، و ليس بصدد بيان من يجب عليه الأداء حتى يتمسّك بإطلاقه.

و أخرى بوجود الفرق بين المغمى عليه و المجنون، بأنّ الثاني من قبيل فقد المقتضي و الملاك، بخلاف الأوّل فالملاك فيه موجود، فإذا ارتفع المانع يخاطب بالأداء.

يلاحظ عليه: أنّه رجم بالغيب، فمن أين نعلم بوجود المقتضي فيه دون المجنون؟!

و بذلك ظهر انّ الأدلّة من الطرفين غير مقنعة، فالمرجع هو الأصل، أعني:

البراءة.

(1)* عدم الابتلاء بالمسألة أغنانا عن إفاضة القول فيها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 55

[المسألة 5: لو شكّ حين البلوغ في مجي ء وقت التعلّق]

المسألة 5: لو شكّ حين البلوغ في مجي ء وقت التعلّق- من صدق الاسم و عدمه- أو علم تاريخ البلوغ و شكّ في سبق زمان التعلّق و تأخّره، ففي وجوب الإخراج إشكال، لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ حال التعلّق، و لكنّ الأحوط الإخراج.

و أمّا إذا شكّ حين التعلّق في البلوغ و عدمه، أو علم زمان التعلّق و شكّ في سبق البلوغ و تأخّره أو جهل التاريخين فالأصل

عدم الوجوب.

و أمّا مع الشكّ في العقل فإن كان مسبوقا بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلّق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل.

و إن كان مسبوقا بالعقل فمع العلم بزمان التعلّق و الشكّ في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب، و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشكّ في سبق التعلّق و تأخّره فالأصل عدم الوجوب.

و كذا مع الجهل بالتاريخين.

كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة و أنّها الجنون أو العقل كذلك.* (1)

______________________________

(1)* و قبل الخوض في تفاصيل المسألة نذكر صورها بصورة موجزة، و أساس التقسيم هو انّ الشكّ تارة يتعلّق بوجود الشي ء عند العلم بالحادث الآخر، و أخرى بسبقه عليه أو تأخره عنه.

1. إذا علم بالبلوغ، و شكّ في هذه الحالة، في انعقاد الحبة و عدمه الذي يعبّر عنه بالشكّ في التعلّق، و في هذا القسم تعلّق الشكّ بأصل وجود الحادث.

2. إذا علم بالبلوغ و تاريخه، و شكّ في سبق انعقاد الحبة عليه، أو تأخّره عنه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 56

..........

______________________________

و في هذين القسمين، علم وجود البلوغ و تاريخه، و جهل الآخر، أعني:

التعلّق، وجودا أو تقدّما و تأخّرا.

و لو انعكس الأمر، بأن علم انعقاد الحبة (التعلّق) و شك في وجود البلوغ حين التعلّق أو تقدّمه أو تأخّره، فيتولّد قسمان آخران، أعني:

3. لو علم بالتعلّق، و في هذه الحالة شك في أصل البلوغ و تحقّقه.

4. لو علم بالتعلّق و تاريخه، و شكّ في تقدم البلوغ عليه أو تأخّره عنه.

5. إذا جهل تاريخ كلا الحادثتين.

هذه صور خمس، تحصل من مقارنة البلوغ الذي هو أحد الشرائط العامة، مع التعلّق الذي هو عبارة عن انعقاد الحبة في مورد الغلات.

و لك أن تلاحظ

العقل الذي هو أيضا من الشرائط العامة، مع التعلّق غير انّ البلوغ إذا شكّ فيه يكون مسبوقا بالعدم؛ بخلاف العقل، فتارة يشك فيه عند التعلّق و يكون مسبوقا بالجنون، و أخرى يشك فيه عند التعلّق و يكون مسبوقا بالعقل، و ثالثة تجهل الحالة السابقة عند التعلّق و انّها الجنون أو العقل. و إليك البيان:

6. إذا كان مسبوقا بالجنون و شكّ في طروء العقل حين العلم بالتعلّق.

و مثله ما إذا شك في تقدّمه على التعلّق و تأخّره عنه. و لأجل وضوح حالهما و حكمهما جعلنا الشك في الوجود و السبق صورة واحدة.

7. و إن كان مسبوقا بالعقل: فتارة يكون طروء الجنون مجهول التاريخ، و التعلّق معلومه، و أخرى على العكس. ففي الأوّل يكون المورد، مجرى لاستصحاب العقل، و في الآخر مجرى لاستصحاب عدم التعلّق و تختلف النتيجة بالوجوب في الأوّل و عدمه في الثاني.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

8. يكون مسبوقا بالعقل، و لكن يكون طروء الجنون و التعلّق مجهول التاريخ.

9. يعلم بطروء الحالتين، مع الجهل بالحالة السابقة و انّها الجنون أو لا.

فناهزت الصور حسب ما ذكره المصنّف إلى تسع، و إليك تفاصيلها:

الصورة الأولى: أعني: إذا شكّ- حين العلم بالبلوغ- في انعقاد الحبة، أو في: احمرار التمر أو اصفراره.

أمّا البلوغ فبما انّه معلوم التاريخ لا يجري الأصل فيه، لأنّ الاستصحاب عبارة عن إطالة عمر المتيقن في عمود الزمان، و بما انّه معلوم التاريخ و انّه حدث يوم الخميس، لا سترة في الواقع حتى يزيله الأصل. و تصور انّه بالقياس إلى الحادث الآخر من حيث التقدّم و التأخّر عنه، مشكوك فيه بالوجدان، غير مفيد إذ ليس كلّ شك موضوعا لحفظ اليقين و عدم نقضه.

بل الشكّ الذي يحوم حول الشي ء و يجعله مغمورا و مخفيا في نظر الإنسان من حيث قصر عمره أو طوله، و المفروض انّ معلوم التاريخ ليس فيه أي خفاء و كونه بالقياس إلى الحادث الآخر مشكوكا فيه، لا يضفي للشي ء بالذات، خفاء و سترا حتى يزيله الاستصحاب.

و الحاصل انّ الاستصحاب شرّع لأجل رفع الابهام عن واقع الشي ء، و المعلوم تاريخه لا إبهام فيه في واقع وجوده.

فالمجرى للاستصحاب هو مجهول التاريخ، أعني: انعقاد الحبة الذي نعبّر عنه بالتعلّق على ذلك فلو قلنا بحجّية أصل خاص باسم «أصالة تأخّر الحادث» برأسه من دون إرجاعه إلى أصول أخرى، يجب إخراج الزكاة لثبوت الموضوع، أعني: كون التعلّق بعد البلوغ، لكن المحقّقين من عصر الشيخ الأعظم قدّس سرّه رفضوا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

هذا الأصل و انّه ليس عليه دليل، فينحصر الأصل في الاستصحاب و هو عدم حدوث التعلّق إلى وقت البلوغ، فلو كان له أثر يترتب عليه و إلّا فهو لا يثبت كون التعلّق بعد البلوغ أو حينه خلافا للماتن كما مرّ، فإذا كان الأصل مثبتا، يكون المرجع البراءة و إنّما احتاط الماتن خروجا عن شبهة حجّية أصالة تأخر الحادث.

الصورة الثانية: إذا علم وقت البلوغ و شكّ في تقدّم التعلّق عليه أو تأخّره عنه فالكلام فيها نفس الكلام في الصورة الأولى، فالماتن احتاط فيها أيضا لأجل الخروج عن شبهة حجّية أصالة تأخّر الحادث، و لكن الحقّ عدم حجّيته؛ و أمّا الأصل الآخر، فقد عرفت أنّه لا يثبت التقارن و لا التأخّر.

الصورة الثالثة: عكس الصورة الأولى، يشك- حين العلم بالتعلّق- في البلوغ و عدمه، و قد أفتى الماتن بعدم الوجوب جازما، و ذلك لأنّه لا موجب

للاحتياط على كلّ تقدير، إذ لو قلنا بحجية أصالة تأخّر الحادث، فلازمه، تأخّر البلوغ من التعلّق و يكون دليلا على عدم الوجوب، خلافا للصورتين الماضيتين، و المفروض انّ الشرط تقدّمه عليه، أو تقارنهما.

و أمّا الأصل الآخر، و هو أصالة عدم حدوث البلوغ إلى وقت التعلّق، فيكفي في نفي موضوع الوجوب، و معه لا حاجة إلى التمسّك بالأصل الحكمي، أعني:

أصالة عدم الوجوب- كما في المتن و بالجملة- لا وجه للاحتياط هنا.

الصورة الرابعة: عكس الصورة الثانية، علم التعلّق و شكّ في تقدّم البلوغ عليه أو تأخّره عنه، فالكلام فيها نفس الكلام في الثالثة، و هو انّه لا وجه للاحتياط.

و ربما يقال: «لا يصحّ التمسّك بالاستصحاب لإثبات عدم البلوغ حال

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 59

..........

______________________________

الشك في البلوغ في كلتا الصورتين، لعدم إحراز حجّية الاستصحاب في حقّه، نعم لو شكّ بعد القطع بالعقل و البلوغ في حصولهما حال التعلّق أمكن التمسّك به إن كان له أثر».

«و كذا يجوز لغيره استصحاب عدم البلوغ بالنسبة إليه إن كان له أثر».

الظاهر انّ مراد المصنّف هو ما ذكره في ذيل كلامه فانّ المجتهد ينوبه في استخراج ما هو الحجّة في حقّه كسائر الموارد بالنسبة إلى البالغين حيث إنّ جريان الأصل مشروط بشروط لا يتمكّن العامي من تحصيلها فينوبه المجتهد. و يستخرج الحكم الشرعي المشترك بين الجمع في هذه الواقعة.

الصورة الخامسة: أعني: ما لو علم بالبلوغ و التعلّق و شكّ في المتقدّم منهما و المتأخّر لأجل الجهل بالتاريخين، فأصالة تأخّر الحادث- لو قلنا بها- متعارضة كما أنّ الاستصحاب في كلّ من الجانبين متعارض، فلم يحرز موضوع الوجوب و معه لا حاجة إلى البراءة.

فتلخّص ممّا ذكرنا: عدم وجوب الإخراج في جميع

الصور الخمس. و انّه لا وجه للاحتياط في الصورتين الأوليين.

الصورة السادسة: إذا شكّ في وجود العقل حين التعلّق و كانت الحالة السابقة الجنون حيث ولد و نشأ مجنونا و ان صار بعده عاقلا و لكن لا يدري هل طرأ العقل حين التعلّق أو لا، و مثله ما إذا شكّ في سبقه على التعلّق أو تأخّره عنه، فهناك جنون واحد، و عقل كذلك، لكن شكّ في وجوده حين التعلّق أو في تقدّمه و تأخّره عنه، فالصورتان محكومتان بحكم واحد، و هو جريان الأصل في جانب المجهول و هو الجنون و الحكم ببقائه إلى زمان التعلّق، و هو كاف في نفي الوجوب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 60

..........

______________________________

بنفي موضوعه، و لمّا كانت الصورتان متحدتان دليلا و حكما جعلناهما صورة واحدة تبعا للماتن. و شبه المقام بالشك في البلوغ مع العلم بزمان التعلّق حيث إنّ استصحاب الجنون، نظير استصحاب عدم البلوغ كاف في نفي الوجوب بنفي موضوع الوجوب.

الصورة السابعة: تلك الصورة و لكن كانت الحالة السابقة هو العقل، فنشأ عاقلا ثمّ طرأ عليه الجنون و شكّ في وجوده حين التعلّق، أو شكّ في سبقه عليه أو تأخّره عنه. فقد فصّل الماتن بين كون التعلّق معلوم التاريخ و الجنون مجهوله، فيستصحب بقاء العقل إلى زمان التعلّق و يحرز موضوع الوجوب، و بين العكس، أي كون التعلّق مجهوله، و الجنون معلومه و شك في سبق التعلّق أو تأخره، فالأصل عدمه، لأصالة بقاء عدم التعلّق إلى زمان الجنون، فيكفي في رفع الوجوب، عدم ثبوت موضوعه، و هو التعلّق في زمان العقل. هذا.

و أورد عليه السيد الخوئي قدس سرّه بعدم الفرق بين القسمين و انّه تجب الزكاة فيهما قائلا:

بل مقتضى الأصل هو الوجوب فانّ استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق (القسم الأوّل) يترتب عليه وجوب الإخراج، و أمّا استصحاب عدم التعلّق إلى زمان الجنون (القسم الثاني)، فلا يترتب عليه كون المال حال التعلق مال المجنون و ما لم يثبت ذلك يجب الإخراج، لأنّ الخارج عن دليل وجوب الزكاة، هو ما كان مال المجنون. «1»

و حاصل كلامه: انّ الأصل الجاري في كلا القسمين، هو استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق و ذلك لأنّ استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلق، يثبت

______________________________

(1). تعليقة العروة الوثقى. هذا و قد جاء الرقم في التعليقة المطبوعة مع العروة في غير محله فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 61

..........

______________________________

موضوع الوجوب فيتعلّق به من غير فرق بين كون التعلّق، معلوم التاريخ، و العقل مجهوله أو العكس، بناء منه على جريانه في المعلوم تاريخه.

و أمّا الأصل الآخر، أعني: استصحاب عدم التعلّق إلى زمان الجنون، فلا يثبت موضوع عدم الوجوب و هو كون المال مال المجنون، لأنّه بالنسبة إليه مثبت.

يلاحظ عليه: أنّه لم يرد في النصّ كون الخارج من الوجوب «هو مال المجنون»، و إنّما فهم من سكوت الإمام عنه، و عن عنايته ببيان حكم ماله عند التجارة «1»، و على ذلك فبما انّه لا واسطة بين العقل و الجنون فلو كان الخارج مال المجنون، كان الباقي مال العاقل، فلو كان استصحاب عدم التعلّق، لا يثبت كون المال، مال المجنون؛ فهكذا استصحاب بقاء العقل لا يثبت كون المال، مال العاقل. فلاحظ.

الصورة الثامنة: تلك الصورة يكون الفرد مسبوقا بالعقل و لكن جهل تاريخ الحالتين: الجنون و التعلّق: فانّ الأصلين: أصالة عدم التعلّق إلى زمان الجنون، و أصالة عدم الجنون إلى زمان

التعلّق، متعارضان متساقطان، فلم يثبت موضوع الوجوب و هو كاف في نفيها.

و على ما ذكره السيد الخوئي، يجري أحد الأصلين: أصالة عدم الجنون إلى زمان التعلّق، فيجب عليه الزكاة؛ دون الآخر: أصالة عدم التعلّق إلى زمان الجنون، إذ لا يترتّب عليه كون المال حال التعلّق مال المجنون. و قد عرفت نظرنا في كلامه.

الصورة التاسعة: إذا جهل التاريخان، مع الجهل بالحالة السابقة، فالأصول متعارضة، و يكون المرجع هو أصل البراءة عن الوجوب.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 62

[المسألة 6: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة إذا كان في تمام الحول]

المسألة 6: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة إذا كان في تمام الحول، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف. فلو اشترى نصابا من الغنم أو الإبل مثلا و كان للبائع الخيار، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.* (1)

______________________________

هذا كما إذا علم وقت التعلّق و انّه يوم الخميس و علم بتوارد الجنون و العقل عليه في نفس الأسبوع، و شكّ في المتقدّم و المتأخّر، فأصالة بقاء العقل إلى زمان التعلّق معارض ببقاء الجنون إليه فيتعارضان و يتساقطان على القول بالجريان و التساقط و إن كان الحقّ عدم جريانهما فلا تصل النوبة إلى التعارض و التساقط، لانصراف أدلّة الأصول عن أطراف العلم الإجمالي.

و أمّا من ملك شيئا في فترة من الزمان، و شكّ بعدها انّه هل كان عاقلا فيها أو مجنونا؟ فالأصل هو السلامة و انّه كان عاقلا.

(1)* ذكر الفقهاء في أحكام الخيار مسألتين:

1. هل المبيع ينتقل إلى المشتري بالعقد، أو به و بانقضاء

الخيار معا؟ فيه أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: العقد هو السبب التام للانتقال من دون توقّف على انقضاء الخيار.

القول الثاني: التوقّف على انقضاء الخيار، و هو المحكي عن ابن الجنيد و الشيخ الطوسي، و ربّما ينسب إلى ابن سعيد لكن كلامه في الجامع يشهد على

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

خلاف ذلك. «1»

القول الثالث: التفصيل بين خيار المشتري وحده و غيره، فيخرج عن ملك البائع في الأوّل دون غيره، و الأوّل هو المشهور و تشهد عليه سيرة العقلاء و عمومات الكتاب و الروايات الصحيحة. «2»

2. هل يجوز لغير ذي الخيار التصرّف فيما انتقل إليه تصرّفا متلفا أو ناقلا أو لا؟ فيه أقوال:

أ. الجواز مطلقا.

ب. عدم الجواز كذلك.

ج. الفرق بين الخيار الأصلي كخيار المجلس و الحيوان، و الخيار المجعول كخيار الشرط. فيجوز في الأوّل دون الثاني. حيث إنّ المتبادر من الثاني، هو الالتزام بإبقاء العين إلى انقضاء مدّته.

د. الفرق بين ما يكون ثابتا بالفعل و ما يكون ثابتا فيما بعد، فلا يجوز في الأوّل و يجوز في الثاني، مثل خيار التأخير و الرؤية و الغبن.

و المشهور هو القول الأوّل و انّه يجوز له التصرّف المانع عن استرداد العين عند الفسخ، و مبنى ذلك تعلّق الخيار بالعقد لا بالعين فلذي الخيار حل العقد. و بعد حلّه فإن كان باقيا في ملك المشتري فيأخذه، و إلّا- كما إذا صار معدوما أو منتقلا إلى الغير- يأخذ المثل أو القيمة.

نعم لو قلنا بأنّ لذي الخيار- وراء حل العقد- حقّا في العين أيضا فلا يجوز

______________________________

(1). الجامع للشرائع: 248.

(2). لاحظ المختار في أحكام الخيار: 603- 610.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

للآخر التصرف.

فإن قلت: إنّ الخيار حقّ يتعلّق

بالعقد، المتعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما بحل العقد إلى ملكهما السابق، فالحقّ في النتيجة متعلّق بالعين التي انتقلت منه إلى صاحبه، فلا يجوز أن يتصرّف فيها بما يبطل ذلك الحقّ بإتلافها أو نقلها إلى شخص آخر، و جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلى البدل، لا يوجب جواز الإتلاف، لأنّ الحقّ متعلّق بالعين و إن كان ينتقل إلى بدلها لو تلفت كلّها أو بعضها كما في العين المرهونة.

قلت: الإجابة عنه واضحة بملاحظة ما ذكره الشيخ بقوله: إنّ الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين، هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكّن في حالتي وجود العين و فقدها، فلا دلالة في مجرّد ثبوت الخيار على حكم التلف جوازا و منعا فالمرجع فيه أدلّة سلطنة الناس على أموالهم.

- إلى أن قال-: فالحاصل انّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار يزاحم به سلطنة المالك فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية، فأمّا الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليستردّه عند الفسخ، بل الحكمة في أصل الخيار هو إبقاء السلطنة على استرداد العين، إلّا انّها في الخيار المجعول علّة للجعل، و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع تلف العين. «1»

إذا علمت ذلك فبما انّ الحقّ عدم توقف الملك على انقضاء الخيار و انّ

______________________________

(1). المتاجر، أحكام الخيارات: 295- 296.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

المشتري له حقّ التصرّف في العين و إن كان للبائع الخيار، ذهب المشهور إلى أنّ ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة إذا كان في تمام الحول و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء

زمان الخيار لما عرفت من أنّ الملكية تامة و له التصرّف فيما ملك، و على ذلك فلو اشترى نصابا من الغنم أو الإبل مثلا و كان للبائع الخيار، يحسب الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.

فإن قلت: ما الفرق بين الخيار و حق الرهن حيث إنّ الخيار غير مانع عن تعلّق الزكاة، و بين كون العين رهنا عند آخر حيث لا يجوز التصرّف في العين المرتهنة لكونها متعلّقة لحقّ الغير كالمقام؟

قلت: الفرق واضح، لأنّ الحقّ في المقام متعلّق بالعقد لا بالعين، بخلاف العين المرهونة فانّ حقّ المرتهن متعلّق بالعين و له بيعها عند امتناع الراهن من أداء الدين.

ثمّ إنّ هذا كلّه في مطلق الخيار سواء كان أصليا كخيار المجلس و الحيوان و الغبن و التدليس، أو جعليا كخيار الشرط من غير تقييد بردّ الثمن، و أمّا الخيار المشروط برد الثمن الذي يعبر عنه ببيع الخيار في فقه الإمامية و بيع الوفاء في فقه أهل السنّة فهو قسم من خيار الشرط، و قد استثناه لفيف من المحقّقين من الحكم فانّ مثل هذا البيع مشروط بحسب الارتكاز بالتحفّظ على العين و عدم التصرّف فيها ليتمكّن ذو الخيار من استردادها خلال تلك المدة المضروبة، فعندئذ لا يكون للمشتري ملكية تامة صالحة للتصرف.

و من مصالح تشريع هذا النوع من البيع صدّ الناس عن أكل الربا، حيث إنّه ربما تمسّ الحاجة إلى النقود و لا تتحصل إلّا بالربا، فيبيع داره بإرادة جدية بثمنه الواقعي أو أقلّ منه كما هو الغالب حتى ينتفع هو بثمنها، و المشتري بالمبيع

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

بالإسكان و الإيجار، و لكنّه ربما لا يريد أن يقطع علقته تماما عن المبيع،

لأنّه ربما يحتاج إليه في المستقبل خصوصا مع شيوع أزمة السكن فيشترط على المشتري انّ له استرجاع المثمن برد الثمن في مدة مضبوطة، و هذا ما يسمّيه فقهاء أهل السنّة ببيع الوفاء و لهم فيه دويّ.

ثمّ إنّ الفرق بين هذا الخيار و بين مطلق خيار الشرط هو:

1. اشتراط ردّ الثمن في الفسخ في المقام دون خيار الشرط.

2. انّ التصرّف في الثمن في غيره موجب لانتفاء الخيار بخلاف هذا القسم، لأنّه شرّع لانتفاع البائع بالثمن و المشتري بالمبيع فلو سقط به لزمت لغوية المعاملة.

ثمّ ربما يقال بأنّ المنع من التصرّف في الخيار المشروط بردّ الثمن حكم تكليفي لا يستوجب قصرا في الملك و لا نقصا في الوضع و السيطرة على العين بل غايته العصيان لو خالف لا البطلان، و الشرط الارتكازي المزبور المتعلّق بالمحافظة على العين لا يتضمن إلّا الحكم التكليفي بوجوب الإبقاء و إلّا فالعين تحت يد المشتري و في قبضته و تصرفه فإنّها ملكه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ المقام أشبه بتعلّق حق المرتهن بالعين المرهونة، فالعين متعلق لحقّ البائع في المقام مع كونه ملكا للمشتري.

و إن أبيت إلّا عن عدم تعلّق حقّ البائع بالعين فنقول: كونه ممنوعا شرعا و قانونا من التصرّف يورث نقصا في المالكية و إن كان العين ملكه، فليس المشتري مبسوط اليد قانونا في التصرّف في العين.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 1/ 81، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 67

[المسألة 7: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد]

المسألة 7: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركا.* (1)

[المسألة 8: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّا أو خاصّا]

المسألة 8: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّا أو خاصّا. و لا تجب في نماء الوقف العام، و أمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب.* (2)

______________________________

(1)* سيوافيك الكلام في هذه المسألة في المسألة الثالثة في فصل زكاة الأنعام عند تعرض المصنّف لها و إجمال الكلام فيه انّ المتبادر من قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً هو انحلال الحكم حسب آحاد المكلفين، فإذا قورن هذا الخطاب بما دلّ على شرطية النصاب تستنتج منه شرطية بلوغ النصاب في حصة كلّ واحد من الشركاء مضافا إلى ما ورد في غير مورد ما يؤيد ذلك.

روى زرارة، عن أبي جعفر في حديث ... قلت له: مائتي درهم بين خمس أناس أو عشرة، حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: «لا هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: «نعم». «1»

(2)* وجهه انّ من شرائط الزكاة كون العين الزكوية ملكا يتمكّن المالك من التصرّف فيه تمام التصرّف و العين الموقوفة إذا افترضنا كونه ملكا للموقوف عليه لا يجوز التصرّف فيه تكليفا و وضعا فليس للموقوف عليه سلطنة فيها

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 68

[المسألة 9: إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود]

المسألة 9: إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود- بالاستعانة بالغير أو البيّنة أو نحو ذلك- بسهولة، فالأحوط إخراج زكاتها.

و كذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه، مع بقاء يده عليه، أو تمكّن من أخذه سرقة، بل و كذا لو أمكن تخليصه ببعضه، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبدا. و كذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة.* (1)

______________________________

بالتصرّف و الإتلاف.

هذا من غير فرق بين كون الوقف عاما أو خاصا لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» إنّما الكلام في النماء؛ فقد فصّل المصنّف بين نماء الوقف العام فلا تجب، و نماء الوقف الخاص فتجب على كلّ من بلغت حصته حدّ النصاب.

وجهه: انّ النماء في الأوّل ملك للجهة الكلية كالفقراء و العلماء، و إنّما يملكه الفرد من هذا العنوان بالقبض سواء انحصر الكلي في فرد أو لا و الزكاة على من كان مالكا حين التعلّق لا بعده. و المفروض انّ القبض بعده.

و أمّا الوقف الخاص فيملكه الموقوف عليه من حين ظهور النماء الذي يلازم انعقاد الحبة فيجب عليه الزكاة.

اللّهمّ إلّا إذا وقفه على نحو المصرفية لا الملكية بأن ينتفع الموقوف عليه في حاجاته من دون أن يملك شيئا من النماء فالحكم بالزكاة عليه غير صحيح.

(1)* قد تقدّم في الشرط الخامس انّ الموضوع للتعلّق هو التمكّن من إعمال السلطة و التصرّف في المال عرفا دون الغيبة و الحضور، إذ ربما يكون المال غائبا و لكن يتمكّن من التصرّف فيه بسهولة عن طريق وكيله بالأمر به عن طريق المكاتبة أو الهاتف، و ربما يكون حاضرا لكن لا يتمكّن من التصرّف فيه خوفا من

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 1، ص: 69

..........

______________________________

الظالم إذا حذّره منه.

و على هذا فالموضوع لوجوب الزكاة ما يكون المال تحت سلطته بالفعل لا بالقوة.

و هو الظاهر من صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك». «1» فمعناه أن يكون تحت سيطرته و سلطته بالفعل، نظير قوله سبحانه: قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللّٰهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّٰا أُخِذَ مِنْكُمْ .... «2»

و على ضوء ما ذكر لا تتعلّق الزكاة بالصور التي ذكرها المصنف.

لكن الظاهر من موثقة عبد اللّه بن بكير كون الموضوع أعمّ من السلطنة الفعلية أو القريبة منها. روى ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:

في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمدا، و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين». «3»

أمّا السند فلا غبار عليه، نعم في بعض النسخ كالاستبصار: عبد اللّه بن بكير عمّن رواه، فيكون مرسلا، و الظاهر انّه تصحيف، و ذلك:

أوّلا: انّ المذكور في الوافي «4» روايته عن زرارة.

و ثانيا: انّ عبد اللّه بن بكير يروي كثيرا عن عمّه «زرارة» و ربما يبلغ ثلاثة و سبعين موردا.

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2). الأنفال: 70.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(4). الوافي: 10/ 114 برقم 9257.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

و هذا قرينة على أنّ اللفظ مصحف «عن عمّه

زرارة»، و لعلّ التشابه الخطّي صار سببا لهذا التصحيف، و على ذلك.

أمّا الدلالة فيدلّ على أنّ الموضوع ما يكون تحت سلطته بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل.

و ذلك لأنّ المفروض في الرواية صورتان:

الأولى: في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، فقال: فلا زكاة عليه.

الثانية: في رجل يدع ماله عمدا فهو مع كونه غائبا عنه قادر على أخذه، و كأنّه يريد بالترك الفرار عن الفريضة، فأجاب بقوله: «فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين».

و على ذلك، يكفي وجود السلطة الفعلية أو القوة القريبة منها.

و على ضوء ما ذكرنا يعلم أحكام ما ورد في المتن من حيث التعلّق و عدمه.

1. إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك بسهولة فقال المصنّف: فالأحوط إخراج زكاتها، و لعلّ وجهه وجود السلطة القريبة من الفعل منه.

لكن الأقوى عدم التعلّق؛ فإنّ الاستعانة بالغير أو بإقامة البيّنة، تحصيل للقدرة، و معه لا يصدق على العين أنّها في متناول المالك و تحت يده، إذ غاية ما يمكن أن يقال وجوب الزكاة فيما لا يتوقف على مئونة بحيث يراه العرف مقتدرا و مسلّطا على ماله.

2. تمكّن من أخذه سرقة لكن من دون مشقة و لا مهانة و لا بأس به.

3. أمكن تخليصه ببعضه، بإيهاب بعض ماله للظالم حتى يردّ عليه البعض

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 71

[المسألة 10: إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل لم يجب عليه إخراج زكاته]

المسألة 10: إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل لم يجب عليه إخراج زكاته، بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا، مسامحة أو فرارا من الزكاة. و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه أنّ الملكيّة حاصلة

في المغصوب و نحوه، بخلاف الدين فانّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد قبضه.* (1)

______________________________

مع انحصار طريق التخلّص بذلك أبدا لكن الأقوى عدم الوجوب و انصراف ما دلّ على شرطية المتمكن عن هذه الصورة.

4. في المرهون إن أمكن فكّه بسهولة، و الأقوى أيضا عدم التعلّق، لانصراف أدلّة التمكّن عمّا إذا كان المالك معذورا شرعا في عدم استعادة ماله إلى سلطته، فعدم الوجوب في جميع هذه الصور لا يخلو من قوة، إلّا السرقة بلا مشقة و لا مهانة.

(1)* الفرق بين هذه المسألة و ما يأتي في المسألة 11 من قوله: «زكاة القرض على المقترض بعد قبضه» واضح، فإنّ الدين في المقام عبارة عن المال الكلّي في ذمّة المديون على نحو لو أدّى، تعلّق به الزكاة مع اجتماع الشرائط كالنقدين و الأنعام سواء كان استيلاء المديون عليه عن طريق الاستقراض و التصرّف فيما استقرض بالإتلاف أو النقل، أو عن طريق اشتراء شي ء نسيئة و جعل الثمن من قبيل النقدين في ذمّته.

و هذا بخلاف القرض في المسألة التالية، فالكلام فيها فيما إذا كان عين ما استقرضه من الدينار أو الدرهم باقيا عند المستقرض على نحو حال عليه الحول و هو عنده و هو مالكه.

و لذلك عبر المحقّق عن المسألة الأولى بالدين و عن الثانية «بالقرض حتى

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

يرجع إلى صاحبه» مشعرا ببقاء العين المستقرضة في الثاني. قال: و لا تجب الزكاة في القرض حتى يرجع إلى صاحبه و لا على الدين. «1»

و على أي تقدير ففي المسألة أقوال:

1. لا زكاة على الدين مطلقا، لا على الدائن و لا على المدين. و هو خيرة ابن إدريس في السرائر «2»، و العلّامة في

المختلف «3»، و وصفه في الجواهر: بالشهرة العظيمة بل عليه إجماع المتأخّرين. «4»

2. لا زكاة على الدين إلّا إذا كان تأخّره من جهة صاحبه. و هو قول المفيد في المقنعة «5»، و الشيخ في الخلاف. «6»

3. الزكاة على المديون. و هذا هو الظاهر من النهاية قال: و إن أداره (القرض) في تجارة كان عليه مثل ما لو كان المال له ملكا، و تسقط زكاته عن القارض. «7»

4. الزكاة على المستدين (بمعنى الدائن) إلّا إذا ضمن المدين و عندئذ لم يكن للمستدين شي ء. و هو قول ابن البرّاج. «8»

و أمّا السنّة فقال أبو حنيفة و الشافعي في القديم: لا زكاة في الدين، و لم يفصّلا؛ و قال الشافعي في عامّة كتبه: إنّ فيه الزكاة. «9»

و يدلّ على القول الأوّل- مضافا إلى ما مرّ في ضمن الشرط الخامس من أنّه

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 57- 58 قسم المتن.

(2). السرائر: 1/ 444.

(3). المختلف: 3/ 161.

(4). الجواهر: 15/ 59.

(5). المقنعة: 239.

(6). الخلاف 2، كتاب الزكاة، المسألة 96.

(7). النهاية: 312، كتاب الدين.

(8). المختلف: 3/ 161.

(9). الخلاف: 2، كتاب الزكاة، برقم 96.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

لا زكاة فيما ليس في يده أو ليس عنده- طوائف ثلاث من الروايات:

الأولى: ما يدلّ على عدم الزكاة في الدين من دون تقييد بشي ء، نظير:

1. صحيح عبد اللّه بن سنان: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك». «1»

2. موثّق الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ليس في الدين زكاة؟

قال: «لا». 2

و الحديثان و إن وردا مطلقين لكن منصرفهما ما يأتي في الطائفة الثانية و هو «ما لم يقبض».

الثانية: ما يدلّ على عدم الزكاة ما لم يقبض

فإذا قبض، فهل تتعلّق الزكاة حين القبض أو بعد حيلولة الحول، الظاهر هو الثاني، كما هو صريح لفيف من الروايات و ما دلّ على الأوّل يحمل على الاستحباب، نظير:

3. موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الدين عليه زكاة؟

قال: «لا حتى يقبضه» قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: «لا حتى يحول عليه الحول في يده». 3

4. موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال: «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمرّ لذلك سنون فليس عليه زكاة، حتى يخرج، فإذا هو خرج زكّاه لعامه ذلك» «4» و لعلّ المراد العام المتحقّق بعد القبض.

______________________________

(1) (1، 2، 3). الوسائل: الجزء 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2، 4، 3.

(4). الوسائل: الجزء 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

5. صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا، و نصفه دينا فتحلّ عليه الزكاة؟ قال: «يزكّي العين، و يدع الدين»، قلت: فإنّه اقتضاه بعد ستة أشهر، قال: «يزكّيه حين اقتضاه» «1» و الاقتضاء طلب الدين و أخذه.

و الحكم بالتزكية حين الاقتضاء قبل مرور عام عليه، محمول على الاستحباب، و يؤيد ذلك ذيل الحديث الذي أورده صاحب الوسائل في الباب 49 من أبواب المستحقين، الحديث 4.

الثالثة: ما يدلّ على عدم وجوبه و إن تساهل من أخذه و كان التأخير من جانب صاحبه.

6. روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

«ليس على الدين زكاة إلّا أن يشاء ربّ الدين أن يزكّيه». 2 و إطلاقه يعمّ صورة التساهل.

7. و روى عنه عليه السّلام أيضا، قال: سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء، قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال: «لا، حتى يقبضه و يحول عليه الحول». 3

و هذه الطوائف الثلاث تؤكد على عدم الوجوب عند التساهل بإطلاقها أو بتصريحها على ما إذا تساهل صاحب المال في أخذه و قبضه.

استدلّ للقول الثاني، أعني: عدم الوجوب إلّا إذا كان هناك تأخير من صاحب المال بروايات:

1. خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في الدين زكاة إلّا

______________________________

(1) (1، 2، 3). الوسائل: الجزء 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 9، 14، 15.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه». «1»

و عمر بن يزيد مشترك بين بيّاع السابري الثقة الجليل، و ظبيان الصيقل الذي له كتاب و لم يرد في حقّه توثيق، فلا يحتج بالخبر، لكن احتمل السيد الخوئي قدس سرّه انّه كلّما ذكر عمر بن يزيد فالمراد منه بيّاع السابري و لم يذكر لمختاره دليلا مقنعا.

2. خبر عبد العزيز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه؟ قال: «كلّ دين يدعه هو إذا أراد، أخذه، فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة». «2»

و المراد من «عبد العزيز» هو عبد العزيز العبدي الذي هو من رجال الإمام الصادق عليه السّلام و لكن لم يوثّق؛ و من المحتمل تطرّق التصحيف إلى السند

بتبديل «بن» إلى «عن» و الصحيح ميسّر بن عبد العزيز الذي وثّقه الكشّي، و يؤيّد ذلك انّ ميسّر من رجال الإمام الباقر و الصادق عليهم السّلام و توفّي في عصر الإمام الصادق عليه السّلام، فمن البعيد أن يروي عن «عبد العزيز العبدي» المتأخّر عنه زمانا و إن كان شيئا قليلا، فتأمّل.

3. خبر الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في الرجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال: «يزكّيه». 3

نعم ظاهر هذه الرواية وجوب إخراج الزكاة حتى من الدين المؤجل أو الحال و لكن لم يقبض و لم يتساهل، و لكن يحمل بشهادة الروايات السابقة على ما لم

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(2) (2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5 و 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 76

..........

______________________________

يقبض و لكن تساهل في قبضه.

و مقتضى القاعدة هو الجمع بين ما دلّ على عدم وجوب الزكاة ما لم يقبض سواء تساهل صاحب الدين أو لا، و بين ما دلّ على وجوب الزكاة فيما إذا تساهل و ذلك بحمل المطلق (ما دلّ على القول الأوّل بالطوائف الثلاث من الروايات) على المقيد، و مع ذلك كلّه فالمشهور بين المتأخّرين هو عدم الزكاة ما لم يقبض، و ذلك:

أوّلا: عدم نقاوة سند ما دلّ على القول الثاني.

و ثانيا: احتمال ورودها استحبابا لا وجوبا.

و ثالثا: احتمال ورودها تقية لما عرفت من أنّ الشافعي ذهب في عامّة كتبه إلى أنّ فيه الزكاة. و الشافعي و إن كان متأخرا عصرا عن عصر صدور الروايات، لكن كان لفتاواه جذور في كلام

من تقدّم عليه من التابعين و غيرهم.

و رابعا: حملها على زكاة التجارة.

و خامسا: معارضتها لما في خبر الحميري «1»، خصوصا الثاني منه حيث ورد في المياسير.

و سادسا: بعد تقييد المطلقات المتضافرة، فإنّ تقييد المطلق بالمقيد المنفصل عنه و إن كان أمرا دارجا لكنّ ورود المطلقات بصورة التضافر من دون قيد ربما يورث الاطمئنان بكون الموضوع مطلقا غير مقيد، و لذلك قلنا في محله انّه لا يمكن تقييد المطلقات المتضافرة بخبر الواحد و المفروض ورود المطلقات من دون تقييد بعدم التساهل في الأخذ في المقام.

و أمّا القولان الأخيران- أعني: قول الشيخ في النهاية من أنّ الزكاة على

______________________________

(1). برقم 7 من الطائفة الثالثة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

المديون، أو قول ابن البراج من أنّ الزكاة على الدائن إلّا إذا ضمن المديون- فلم نجد شيئا صالحا للأوّل منهما و أمّا الثاني منهما (الرابع) هو نفس القول الثاني بإضافة سقوطه عن ذمّة الدائن إذا ضمن المديون، فالقول الأوّل هو المشهور المنصور.

و يؤيّد موقف المشهور أمور:

1. ما دلّ من الأخبار على وجوب الزكاة إذا حال عليه الحول، ففي صحيحة الفضلاء زرارة بن أعين و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجلي و الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه». «1»

و من الواضح ظهور حيلولة الحول في العين الشخصية لا في الكلّي المضمون في الذمة المعدوم ظاهرا و واقعا، فلا يطلق عليه حيلولة الحول أوّلا و لا كونه عند المالك ثانيا.

2. ما في الجواهر من أنّه لو كان الدين حيوانا

فأولى بعدم الوجوب لعدم صدق السوم- ثمّ قال:- و لعلّه لذا صرّح بنفيها في محكي المبسوط الذي قد سمعت القول منه في الوجوب في كتاب الخلاف.

3. المراد من الدين في المقام، هو الدين الحالّ الذي يجوز للدائن مطالبته، و يتمكّن من وصوله لا الدين المؤجّل الذي لا يجوز للدائن مطالبته، فضلا عن تمكّنه من التحصيل.

و على ضوء ذلك فلو تعلّقت الزكاة بالدين الحالّ، المتمكّن من تحصيله، لم يبق فرق بين العين و الدين، لما عرفت في المسألة 9 من أنّه إذا تمكّن من تخليص

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

المغصوب بسهولة، يجب إخراج زكاته، فيكون التركيز في الروايات على الدين أمرا لغوا مع أنّ الظاهر منها، انّ للدين مدخلية فى الحكم، قال: «ليس على الدين زكاة» أو «يزكّي العين و يدع الدين».

فلو قدمنا الروايات المثبتة للزكاة على النافية يلزم ذلك المحذور، بخلاف العكس إذ لم يلزم منه إلّا حمل المثبتة على الاستحباب و هو أمر رائج.

ثمّ إنّ هناك سؤالا يطرح نفسه، و هو انّه ما الفرق بين هذا المقام الذي ذهب المشهور إلى عدم وجوب التزكية و إن سهل أخذه من المديون و بين المغصوب الذي يمكن استيفاؤه و استرداده بسهولة حيث قيل فيه بوجوب الزكاة؟

هذا هو السؤال، و قد أجاب عنه المصنّف بقوله: الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب، هو انّ الملكية حاصلة في المغصوب و نحوه، بخلاف الدين فإنّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد قبضه.

و أورد عليه السيد الخوئي بقوله: و لكن الفرق كما ترى بل لا يرجع إلى محصل، لحصول الملك في كلتا المسألتين غايته انّ

المملوك هنا شخصي و في المسألة الآتية كلّي في ذمّة الغير، و مجرّد ذلك لا يستوجب الاختلاف في الحكم ما لم يقم برهان على اعتبار الملك الشخصي في تعلّق الزكاة، فكما أنّ المملوك الكلّي يتعلّق به الخمس مثل ما لو كان له مال في ذمة الغير فاتّجر و ربح فإنّه يجب تخميسه بلا إشكال فهلا تكون الزكاة أيضا كذلك. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من الأدلّة انّ الزكاة تتعلّق بالعين الخارجية لا بالكلّي في الذمة و هكذا الخمس يتعلّق بالعين الخارجية لا بالكلّي في الذمم، و أمّا ما مثّل به من تعلّق الخمس بالعكس في الذمم إذا اتّجر و ربح ففيه انّ الخمس لا

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 1/ 87.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 79

[المسألة 11: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض]
اشارة

المسألة 11: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض، فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكويّة و بقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.

نعم يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرعا.

بل يصح تبرع الأجنبي أيضا: و الأحوط الاستئذان من المقترض في التبرع عنه، و إن كان الأقوى عدم اعتباره.

و لو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجّها إليه لم يصحّ، و إن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ.* (1)

______________________________

يجب ما لم يقبض. و قد أوضحنا حاله في كتاب الخمس، فما ذكره الماتن فارق صحيح بين البابين على مبناه.

نعم على ما اخترناه لا يجب الخمس في كلا الموردين كما مرّ.

ثمّ إنّه لو قلنا باختصاص الزكاة بالنقدين: الذهب و الفضة المسكوكين فقط، و لا تعمّ الأوراق الرائجة، تكون المسألة في أعصارنا فاقدة للموضوع؛ لعدم وجودهما أوّلا، و على فرض وجودهما، ليسا رائجين، بحيث

يقعان ثمنا للمبيع، كما لا يخفى.

و أمّا الأنعام الثلاثة، فقد عرفت فقد الشرط- أعني: السوم في الصحراء- إذ لا يوصف ما في الذمّة بها.

نعم لو قلنا بإلغاء الخصوصية و انّها تتعلّق بالأوراق الرائجة كالريال و الدولار، تكون للمسألة ثمرة فلاحظ.

(1)* الكلام فيما إذا استقرض أحد الأعيان الزكوية و بقيت عنده حتى حال

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

عليه الحول و كان بالغا حدّ النصاب، و أمّا إذا استقرض و تصرّف فيه قبل حيلولة الحول فلا زكاة فيه لا على المستقرض، و لا على القارض- عند حلول الأجل- لما عرفت من عدم تعلّق الزكاة على الدين الحالّ إلّا إذا قبض.

و المسألة مورد اتفاق، قال الشيخ في الخلاف:

لا خلاف بين الطائفة انّ زكاة القرض على المستقرض دون القارض. «1»

قال العلّامة: و لا زكاة على المقرض مطلقا أمّا المستقرض فإن ترك المال بعينه حولا وجبت الزكاة عليه و إلّا فلا. و هو اختيار ابن أبي عقيل، و الشيخ في النهاية في باب الزكاة و الخلاف، و المفيد في المقنعة، و الشيخ علي بن بابويه في الرسالة، و ابن إدريس. «2»

و في الجواهر بلا خلاف كما عن الخلاف و السرائر و غيرهما، بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، و لعلّه كذلك بشهادة التتبع و كلمات الأصحاب، فإنّي لا أجد فيها خلافا في ذلك كالنصوص. «3»

و الاتّفاق مستند إلى النصوص المتضافرة، ففي صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكاته، على المقرض أو على المقترض؟ قال: «لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» قال:

قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: «لا يزكى المال من

وجهين في عام واحد و ليس على الدافع شي ء لأنّه ليس في يده شي ء إنّما المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه». «4»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 111، كتاب الزكاة، المسألة 129.

(2). المختلف: 3/ 163.

(3). الجواهر: 15/ 57.

(4). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

و حاصل التعليل: انّ الزكاة تتعلّق بمال المالك و العين الزكوية ملك للمقترض فعليه زكاته.

و في صحيح يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّه على من الزكاة؟ على المقرض أو على المستقرض؟ فقال: «على المستقرض» لأنّ له نفعه و عليه زكاته». «1»

[فروع المسألة]
اشارة

إنّما الكلام في الفروع الواردة في المسألة و هي عبارة:

1. هل يصحّ أن يؤدّي المقرض الزكاة عنه تبرعا؟

2. هل يصح تبرّع الأجنبي أيضا؟

3. هل يلزم الاستئذان من المقترض في التبرع عنه؟

4. هل يصحّ أن يشترط المقترض الزكاة على المقرض؟

5. هل تبرأ ذمته بنفس الاشتراط أو يتوقّف على أداء المقرض؟ و إليك الكلام في هذه الفروع واحدا تلو الآخر.

الأوّل: تبرّع المقرض عن المقترض

الكلام فيه يقع في موضعين:

أحدهما: مقتضى القاعدة الأولى.

الثاني: مقتضى النصّ.

أمّا المقام الأوّل، فإنّ مقتضى القاعدة الأولى هو لزوم المباشرة في الأعمال العبادية فانّ سقوط العبادة بفعل الغير يحتاج إلى دليل، بل ربما يمكن أن يقال

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5 و لاحظ الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

انّ مقتضى التكليف هو المباشرة عباديا كان أو توصليا إلّا إذا علم كفاية النيابة أو حصول المقصود بفعل غير المكلّف.

هذا مقتضى القاعدة الأولى و أمّا مقتضى النصّ فقد دلّ الدليل على كفاية أداء المقرض عن المقترض، روي عن منصور بن حازم بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول و هو عنده، قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض». «1»

و إلزام المستقرض على أداء الزكاة- إذا لم يؤدّ المقرض- دليل على توجّه الخطاب إليه، غير انّه إذا قام المقرض بالأداء تبرعا، يسقط عنه و إلّا يتعين عليه.

و قد فسّر العلّامة الحديث في «المختلف» بذلك، فقال: إنّا نقول بموجب الحديث فانّ المقرض لو تبرّع بالأداء سقط عن المستقرض. «2»

و يحتمل وروده في مورد اشتراط المستقرض الزكاة على المقرض، لكن مجرّد الشرط لا

يبرئ ذمّة المكلّف الأصيل (المستقرض) إذا أدّى و إلّا يتعين عليه الأداء.

و صحّة الاشتراط دليل على كونه قابلا للنيابة، فيدلّ ضمنا على صحّة التبرع.

و على كلّ تقدير فسواء أ كان مورد الحديث هو التبرّع أو الاشتراط؟ فالحديث كاف في سقوط الزكاة بفعل الغير.

ثمّ إنّ العلّامة استدلّ في «المنتهى» على جواز تبرّع المقرض بما ورد من جواز التبرّع بالدين فقال: لو أدّى القارض الزكاة عن المقترض برأت ذمته، لأنّه بمنزلة قضاء الدين عنه. «3» ثمّ ذكر الصحيح مؤيدا للحكم.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2). المختلف: 3/ 164.

(3). المنتهى: 1/ 477، الطبعة الحجرية.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

و قد أورد عليه المحقّق الخوئي بأنّه قياس مع الفارق من ناحيتين:

إحداهما: من ناحية المالك، فإنّه في الدين شخص معين و هو الدائن فيجري فيه التبرّع بمقتضى القاعدة، إذ للمالك إسقاط حقّه ابتداء بلا عوض بإبراء و نحوه، فمع العوض الذي يتسلّمه من المتبرّع بطريق أولى فيجوز الدفع إليه تفريغا لذمّة المديون و تبرأ ذمته بطبيعة الحال.

و أمّا المقام فالمالك كلّي الفقير لا شخص معين، و لذلك ليس لأحد من الفقراء إبراء من عليه الزكاة و إسقاط الحقّ عنه لعدم كونه مالكا كي يسوغ له ذلك، و لأجله لا أثر للتبرّع (يريد الإبراء) من الفقير في حصول البراءة لمن اشتغلت ذمّته بالزكاة.

الثانية: من ناحية المملوك فإنّه في الدين كلّي في الذّمّة قابل للانطباق على كلّ ما كان مصداقا له و لو كان حادثا من التبرع، و هذا بخلاف الزكاة فإنّها متعلّقة بالعين الزكوية على الخلاف في كيفية التعلّق من كونها بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعين أو الشركة في المالية،

و على أي حال فمتعلّق الحقّ هي تلك العين الخارجية فلا بدّ و أن يدفع النصاب منها.

نعم قام الدليل الخارجي على أنّ من عليه الزكاة يجوز له دفع مقدار النصاب من ماله الآخر و لا يلزمه الدفع من نفس العين و لم يقم مثل هذا الدليل بالنسبة إلى شخص آخر ليسوغ التبرع منه بماله حتى و لو كان ماله من الأعيان الزكوية، فالاجتزاء بدفعه بدلا عمّا تعلّقت به الزكاة على خلاف مقتضى القاعدة.

فاتّضح انّه لا وجه لإلحاق الزكاة بالدين في صحّة التبرع بعد وجود الفرق بينهما من هاتين الناحيتين. «1»

______________________________

(1). مستند العروة: 1/ 99- 100، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ كلا من الوجهين غير مؤثر في نفي جواز التبرّع.

أمّا الوجه الأوّل فحاصله: انّ للمالك إسقاط دينه ابتداء بلا عوض، فمع العوض بطريق أولى، بخلاف الزكاة إذ ليس للفقير إبراء من عليه الزكاة.

يلاحظ عليه: انّه لا ملازمة بين جواز إبراء المالك، و جواز تبرّع الأجنبي، حتى يستدلّ بجواز الإبراء في الدين على صحّة التبرّع و بعدمه في مورد الزكاة على عدم صحّة التبرّع.

و ذلك لأنّ في إبراء الفقير ذمّة المالك، ضرر على أصحاب الزكاة فلا يجوز له ذلك، بخلاف قبول الزكاة من المقرض تبرعا من ناحية المالك، ففيه تمويل للفقير، لا سلب حقّ له.

و أمّا الثاني، فلأنّ قيام الدليل على أنّه يجوز للمالك تبديل العين الزكوية بثمنها، دليل عرفا على أنّ الغرض المنشود من تشريع الزكاة، هو تمويل الفقير من هذا الطريق من غير فرق بين قيام المالك بذلك مباشرة، أو قيام الآخر عنه نيابة، فاعمال التعبّد بأنّه لا يكفي الثاني و تجب مباشرة المالك مبني على أنّه يشترط

المباشرة في التكاليف، و قد عدلنا عنه بصحيحة منصور بن حازم، فلاحظ.

الثاني: تبرع الأجنبي

هل يختص التبرّع بالمقرض أو يصحّ من الأجنبي؟ الظاهر عدم الفرق بين المقرض و غيره لانقطاع صلة المال عن المالك، فالمالك و الأجنبي سواسية، و من قال بجواز تبرّع المقرض فعليه القول بجواز التبرّع هنا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 85

الثالث: لزوم الاستئذان من المقترض عند التبرّع عنه

______________________________

مقتضى إطلاق صحيحة منصور بن حازم عدم لزوم الاستئذان، حيث قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه». «1» إلّا أن تحمل الرواية على صورة الاشتراط فيكون الإذن متحقّقا.

و يمكن الاستدلال على عدم لزوم الاستئذان بما ورد من شرعية العبادات التي يقوم بها الإنسان عن الوالدين.

روى الكليني عن محمد بن مروان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين، يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع، لهما، و له مثل ذلك، فيزيده اللّه عزّ و جلّ ببره وصلته خيرا كثيرا». «2»

نعم لو كان تبرّع الأجنبي عن المقترض إهانة له أو سببا لإيذائه فلا يجوز.

الرابع: اشتراط المقترض الزكاة على المقرض

هل يجوز أن يشترط المقترض الزكاة على المقرض؟ فقد قسّمه المصنّف إلى قسمين:

الأوّل: أن يقصد توجّه خطاب الزكاة إليه.

الثاني: أن يقصد قيام المقرض بأداء الزكاة عنه.

أمّا الأوّل فهو باطل لوجهين:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 5، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 86

..........

______________________________

أ. انّه على خلاف الكتاب و السنّة، لأنّ الزكاة حسب ما مرّ من الروايات على المقترض، فكيف يشترط توجهه ابتداء إلى المقرض؟

و ربّما يقال: إنّ هذا النوع من الشرط ليس شرطا مخالفا للكتاب و السنّة، لأنّ الشرط المخالف عبارة عمّا إذا كان الفعل في حدّ نفسه- لو لا الشرط- ممّا يمكن أن يصدر عن المشروط عليه و أن يفعله و أن لا يفعله، فيحكم بوجوب صدوره منه مع الشرط إلّا إذا تعلّق بفعل حرام أو ترك واجب ممّا خالف الكتاب و السنّة، مثل أن

يشترط أن لا يصلّي صلاة الفجر أو يفطر شهر رمضان أو يشرب الخمر، و هذا غير منطبق على المقام لوضوح انّ تعلّق الوجوب و توجيه الخطاب بالزكاة فعل من أفعال الشارع و خارج عن قدرة المشروط عليه و اختياره بالكلية فلا يمكن صدوره من هذا الشخص بتاتا كي يكون موافقا للكتاب و السنّة و مخالفا أخرى. فعدم نفوذ هذا الشرط لكونه خارجا عن الاختيار. «1»

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع أن يكون باطلا من كلتا الجهتين و لا يشترط في الشرط المخالف أن يكون فعلا من أفعال البائع أو المشتري. كيف، و قد عدّ في غير واحد من الروايات جعل الولاء لغير من أعتق من الشروط المخالفة لقضاء اللّه و حكمه، و ذلك عند ما اشترطت عائشة أن يكون ولاء بريرة لها لا لمعتقها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- ردّا لشرطها-: «قضاء اللّه أحق، و شرط اللّه أوثق، و إنّما الولاء لمن أعتق». «2»

و قد ورد في غير واحد من الروايات، انّ جعل الطلاق بيد المرأة من الشروط

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 1/ 103، كتاب الزكاة.

(2). صحيح البخاري: 3/ 192، باب الشروط في الولاء، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

المخالفة للكتاب و السنّة. «1» و المراد أن يكون لها هذا الحقّ شرعا و قانونا.

و أمّا القسم الثاني- أعني: اشتراط النيابة عنه-، فالظاهر الصحة لعموم المؤمنون عند شروطهم، و لم يخالف إلّا العلّامة، في «المختلف»: قال الشيخ في باب القرض من النهاية: و تسقط زكاته عن القارض إلّا أن يشترط المستقرض عليه أن يزكّيه عنه فحينئذ تجب الزكاة على القارض دون المستقرض. «2»

و أورد عليه العلّامة و قال:

إنّه ملك المستقرض فالزكاة عليه و الشرط غير لازم، لأنّه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه و انّه باطل، كما لو شرط غير الزكاة من العبادات.

و يظهر من العلّامة في «المنتهى» انّ للشيخ قولا آخر و هو عدم الجواز، قال العلّامة: الرابع قال الشيخ لو اشترط المقترض الزكاة على القارض فليس بوجه، و الأقرب وجوب الزكاة على المقترض شرط أو أطلق. «3»

يلاحظ عليه: بأنّ الدليل على الصحّة هو عموم قوله: «المؤمنون عند شروطهم» بعد ما تبيّن قبوله للنيابة.

الخامس: عدم براءة ذمّته بنفس الاشتراط

ثمّ إنّ الاشتراط لا يوجب انتقال الزكاة من ذمّة المقترض إلى ذمّة القارض، فلو أدّى عن جانبه سقط و إلّا يبقى على ذمّة المقترض. و ذلك لأنّ المكلّف

______________________________

(1). لاحظ الوسائل: 15، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 5؛ و الباب 13 من تلك الأبواب، الحديث 2.

(2). النهاية، كتاب الديون باب القرض و أحكامه، 312.

(3). المنتهى: 1/ 477، الطبعة الحجرية.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 88

[المسألة 12: إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة]
اشارة

المسألة 12: إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة، فإن كان مطلقا غير مؤقّت و لا معلّقا على شرط لم تجب الزكاة فيها، و إن لم تخرج عن ملكه بذلك لعدم التمكّن من التصرّف فيها، سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه. نعم لو كان النذر بعد تعلّق الزكاة وجب إخراجها أوّلا ثمّ الوفاء بالنذر.

و إن كان مؤقّتا بما قبل الحول و وفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب، و كذا إذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء- بل مطلقا- لانقطاع الحول بالعصيان.

نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء. و كذا إن كان مؤقّتا بما بعد الحول، فانّ تعلّق النذر به مانع عن التصرف فيه.

و أمّا إن كان معلّقا على شرط، فان حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب و إن حصل بعده وجبت، و إن حصل مقارنا لتمام الحول ففيه إشكال و وجوه، ثالثها: التخيير بين تقديم أيّهما شاء، و رابعها: القرعة.* (1)

______________________________

الواقعي بالأداء هو المقترض، فهو في ذمّته إلى أن يحصل الأداء، فإذا خالف المقرض، بقيت الزكاة على ذمّته و ليس الاشتراط بنفسه ناقلا الزكاة من ذمته إلى ذمّة المقرض.*

في المسألة فروع

1. إذا نذر أن يتصدّق بالعين الزكوية، قبل حلول الحول- قبل تعلّق الزكاة- من دون أن يحدّد الوفاء بالنذر بوقت خاص و لا مشروطا بحدوث شي ء- كبرء

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

المريض المعلوم- و بعبارة أخرى: لم يكن في المقام إلّا النذر قبل الحول.

2. تلك الصورة لكن نذر بعد حلول الحول و تعلّق الزكاة، فلم يكن في المقام لا توقيت و لا تعليق إلّا النذر بعد

تعلّق الزكاة. و الناذر، ينذر في جميع الصور قبل حلول الحول، إلّا في هذه الصورة، فإنّما ينذر، بعد تعلّق الزكاة بالمال الزكوي، فليحفظ ذلك يفيدك في الإحاطة بالصور على وجه صحيح.

و هاتان الصورتان راجعتان إلى صورة النذر المطلق غير المؤقّت و المعلّق؛ و أمّا الصورة المؤقّتة غير المعلّقة فلها صور أربع، فالنذر في الجميع قبل حلول الحول؛ لكن التوقيت أي العمل بالنذر تارة يكون ظرفه، قبل الحول، و أخرى بعده مع تقدّم النذر على الحول. و إليك صوره:

3. إذا نذر التصدّق قبل الحول، و كان الوفاء مؤقتا بما قبل الحول و فرضنا أنّه و فى بنذره قبله.

4. تلك الصورة أي نذر قبل الحول و كان الوفاء مؤقّتا بما قبله، و لكن لم يف بنذره، و قلنا بوجوب القضاء و انّ عدم الإتيان بالمنذور المؤقّت في وقته، لا يكون سببا لسقوط التكليف.

5. تلك الصورة و قلنا بسقوط التكليف بالقضاء.

و هذه الصور الثلاث راجعة إلى توقيت الوفاء بالنذر بما قبل الحول، على وجه يكون النذر فعليا، و الوفاء استقباليا محدّدا بما قبل الحول.

6. إذا نذر قبل الحول و لكن جعل الوفاء بالتصدّق بما بعد الحول فالنذر فعليّ و الوفاء به استقبالي محدّد بما بعد الحول.

هذه الصور الأربع راجعة إلى النذر الفعلي المؤقّت وفاء، و أمّا المعلّق

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

فصوره ثلاث:

7. إذا نذر قبل الحول، معلّقا على حصول شي ء و حصل المعلّق عليه قبله.

8. تلك الصورة و حصل المعلّق عليه بعد الحول.

9. تلك الصورة و حصل المعلّق عليه مقارنا لتمام الحول.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تفاصيل الصور فنقول:

أمّا الصورة الأولى فقال المصنّف: إنّه لا تجب الزكاة فيها و إن لم تخرج عن

ملكه بذلك- و علّله- بعدم التمكّن من التصرّف فيها سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه.

إنّ تحقيق ما ذكره يتوقّف على تحليل معنى النذر، فنقول هنا احتمالات:

الأوّل: انّ النذر تمليك العمل المنذور للّه سبحانه حيث إنّ اللام في قوله «للّه» لام التمليك، فإذا قال: «للّه عليّ أن أتصدّق ذلك النصاب للفقراء» فقد ملّك عمل التصدق به للّه سبحانه، فيكون العمل من الناذر مملوكا للّه سبحانه و عهدة الناذر (عليّ) ظرف له، و الظرف (للّه) خبر مقدّم، و الفعل (أن أتصدّق) مؤوّل بالمصدر مبتدأ له، كأنّه يقول: للّه عليّ التصدّق به فكأنّه ينشئ ملكية العمل للّه، فإذا صار العمل ملكا للّه، يكون النصاب موضوع حقّ له سبحانه.

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّ تمليك العمل بما هو هو أمر غير متعارف بين العقلاء و انّما يتعلّق التمليك عندهم بالأعيان، أو بالأعمال القائمة بها كتمليك الأجير عمله للموجر-: انّ ما ذكره غير متبادر من الجملة، و لا هو مقصود الناذر، إذ لا معنى لأن يملّك العبد، عمله الضئيل لمالك الملك و الملكوت.

نعم يصحّ للّه سبحانه أن يخبر عن مالكيته للخمس و يقول: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ «1»، أو يطلب القرض من عباده و يقول مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضٰاعِفَهُ لَهُ* «2»، تلطّفا لدعوة العباد إلى فعله، و تأكيدا للجزاء عليه، و أين هو من أن يملّك العبد خالقه الذي يملكه و ما ملك؟! و إن كنت في شك فاسأل الناذرين العرب الأقحاح عن معنى الجملة المذكورة.

الثاني: انّ مفهومه تعجيز الناذر نفسه من التصرّف فيه بالإتلاف و البيع و غيرهما التي كانت سائغة له قبل النذر.

يلاحظ

عليه: أنّ ما ذكره غير متبادر من الصيغة، و التعجيز من أحكام النذر و لوازمه فإن حبس شي ء في مورد يمنع بطبعه عن استعماله في مورد آخر.

الثالث: نوع عقد و اتّفاق من العبد مع اللّه سبحانه على أن يفعل كذا.

يلاحظ عليه: أنّ العقد و الاتّفاق من الطرفين يتوقّف على إيجاب من أحد الطرفين و قبول من الطرف الآخر على أنّ المناسب لهذا المعنى، هو استخدام لفظ عاهدت اللّه، لا «للّه علي».

الرابع: هو انّ النذر، هو التزام الإنسان بعمل قاصدا به كسب رضاه و قربه فهو يلتزم أن يعمل كذا، لأجله، فإذا كان النذر جامعا للشرائط و راجحا في نفسه أمضاه سبحانه، و يجب عليه الوفاء، و هذا هو المتبادر من قول امرأة عمران حيث قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «3»، أي أوجبت لك بأن اجعل ما في بطني خادما للبيعة.

______________________________

(1). الأنفال: 41.

(2). الحديد: 11.

(3). آل عمران: 35.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

و ممّا يدلّ على أنّ النذر ليس تمليكا للّه، إنّه لو كان كذلك، لما كان لقوله:

«محرّرا» وجه، و إنّما يتناسب ذلك مع كونه التزاما نفسيا، غير انّ متعلّقه يختلف و هو في الآية كونه محرّرا.

إذا عرفت ذلك يظهر وجه ما أفاده المصنّف حيث إنّ مثل هذا النذر و إن لم يخرج المنذور (النصاب) عن ملك المالك، لكنّه يمنع عن تعلّق الزكاة لعدم التمكّن من التصرّف فيه من البيع و لا الإتلاف و لا غير ذلك، و قد عرفت أنّ من شرائط تعلّق الزكاة تمكّن المالك من التصرّف، إلّا على قول من خصّ التمكّن، بالتمكّن التكويني بأن كانت العين تحت يده و

قد عرفت أنّ المنع التشريعي مثله، لأنّه يوجب انصراف دليل الزكاة عن مورده.

هذا من غير فرق بين تعلّق النذر بتمام النصاب أو بعضه. أمّا الأوّل فيمنع عن تعلّقه بتاتا، و أمّا الثاني فإنّما يمنع إذا كان الباقي غير بالغ حدّ النصاب بعد الوفاء، و أمّا لو بلغ إلى حده- حتى بعد الوفاء- تتعلّق الزكاة بالباقي إذ ليس ممنوع التصرّف فيه.

الصورة الثانية: لو نذر- بعد تعلّق الزكاة بالنصاب بحولان الحول، أن يتصدّق به؛ فقد أفتى المصنّف بأنّ النذر اللاحق، لا يؤثر في رفع وجوب الزكاة بعد تعلّقه، بمال جامع للشرائط، فعليه إخراج زكاتها أوّلا، ثمّ الوفاء بالنذر.

أقول: إنّ ما ذكره واضح في موردين:

1. إذا نذر بعد حيلولة الحول، التصدّق بما عدا مقدار الزكاة.

2. إذا نذر بعد الحيلولة، النصاب بلا استثناء لكن كان القدر المتيقّن من نيّته، هو العمل به بعد الزكاة على نحو لو كان ملتفتا بأن نذر الجميع، يستعقب إخراج الزكاة من مال آخر، لما نذر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 93

..........

______________________________

إنّما الكلام في غير هاتين الصورتين، فربما يحتمل انّه يجب عليه الجمع بين إخراج الزكاة من غير العين و الوفاء بالنذر بعامّتها. فان علمه بالحكم الشرعي بأنّه لا يصحّ الوفاء بالنذر بالمال الزكوي، ربما يشكّل قرينة على التزامه بإخراج الزكاة من غيرها و الوفاء بالنذر بالنصاب. و على كلّ تقدير فالمعتبر هو إحراز قصد الناذر، و إلّا فيؤدّي الزكاة من العين ثمّ يفي بما بقي.

أقسام المؤقّت

إلى هنا تمّ قسم المطلق، غير المؤقّت و غير المعلّق، و إليك أقسام المؤقّت، و المراد منه كون الوفاء بالنذر مؤقّتا لا نفس النذر.

الصورة الثالثة: إذا نذر قبل الحول و كان الوفاء مؤقّتا بما قبله و وفى

بالنذر فلا تجب الزكاة، إذ لم يبق بعد ذلك موضوع للزكاة.

الصورة الرابعة: إذا نذر قبل الحول و كان الوفاء مؤقّتا بما قبل الحول لكنّه عصى و لم يف بنذره و كان النصاب باقيا بحاله و قلنا بوجوب القضاء، و انّ وجوب الوفاء بالنذر المؤقّت لا يسقط بالمخالفة، لم تجب الزكاة و ذلك لانقطاع الحول بالعصيان،- حسب تعبير المصنّف- أو انقطاعه بالنذر و بحكم الشارع بالوفاء به قبل الحول، حيث إنّه لم يكن متمكّنا من التصرّف طول الحول لأجل النذر.

نعم لو قلنا بأنّ المخل هو المنع التكويني لا التشريعي وجبت الزكاة، لكنّك عرفت أنّ المنع التشريعي كالمنع التكويني، أضف إلى ذلك انّه يمكن أن يقال انّه ليس من مصاديق غير المتمكّن بل خطاب الشارع بالوفاء بالنذر قبل الحول و بعده يشكّل قرينة على انصراف وجوب الزكاة عن هذه الصورة.

الصورة الخامسة: تلك الصورة و لكن قلنا بعدم وجوب القضاء إذا فات

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

وقت الوفاء، فقد عطف المصنّف هذه الصورة إلى ما قبلها، و ذلك لانقطاع الحول بخطاب الشارع بالوفاء بالنذر قبل المخالفة.

و قد عرفت عند البحث في الشرط الخامس أنّ المراد من التمكّن هو التمكّن طول السنة، و يكفي في انقطاع الحول، إيجاب الوفاء بالنذر قبل حولان الحول أداء و إن لم يكن إيجاب، قضاء، لعدم القضاء في عصيان النذر المؤقّت.

الصورة السادسة: إذا نذر قبله مؤقّتا الوفاء به بعد الحول فحكمه حكم النذر المطلق، لأنّ العبرة بتقدّم الوجوب على تعلّق الزكاة فيصدق انّه غير متمكّن من التصرّف بالإعدام و البيع، فيشكّل أيضا قرينة على انصراف دليل وجوبها عن هذه الصورة، فإنّ الإيجاب في المقام أشبه بالواجب المعلّق فالوجوب فعلي و

الواجب استقبالي.

أقسام المعلّق

إن نذر معلّقا على شرط فله أقسام ثلاثة، تشكّل الصور الثلاث الباقية، و إليك تفاصيلها.

الصورة السابعة: إذا نذر قبل الحول و علّقه على شرط و حصل الشرط قبل الحول، كان حكمها حكم النذر المطلق، فانّ المشروط بعد حصول شرطه كالمطلق، و كأنّه لم يعلّق على شي ء، لأنّه بإيجاب الوفاء عليه بعد حصول المعلّق عليه، صار ممنوع التصرّف شرعا، و مع هذا الوصف لا يؤثر حولان الحول في وجوب الزكاة إلّا أن يمنع تأثير المنع الشرعي في المقام و اقتصر بما إذا لم يتمكّن عقلا و لا عرفا.

الصورة الثامنة: إذا نذر قبل الحول معلّقا على برء مريضه و لكن حصل

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

المعلّق عليه، بعد الحول؛ فقد أفتى المصنّف بوجوب الزكاة، لأنّه وجبت الزكاة جامعة للشرائط و لم يكن هناك أي منع شرعي من التصرّف قبل حصول المعلّق عليه.

غير انّ كثيرا من المعلّقين على العروة اختاروا عدم وجوبها قائلين بأنّ إنشاء النذر قبل الحول- و إن لم يحصل المعلّق عليه- سلب عنه التمكّن من التصرّف، قال المحقّق الخوئي: الظاهر عدم الفرق بين حصول المعلّق عليه قبل الحول أو بعده في المانعية عن تعلّق الزكاة، فلو بنينا على أنّ الحكم التكليفي، أعني: وجوب الصرف في الصدقة، يمنع عن تعلّق الزكاة لم يفرق فيه بين الصورتين. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مبني على كون الوجوب فعليا قبل حصول المعلّق عليه، و عندئذ تكون العين المنذورة طرفا للحق و لا يتمكّن من التصرّف، و أمّا لو قلنا بأنّ الوجوب إنشائي، إذ لا بعث و لا إلزام بالوجدان، قبل حصول المعلّق عليه «2» و الغاية من جعل الحكم الإنشائي هو صيرورته فعليا

في ظرف وجود المعلّق عليه، و ربما لا يتمكّن الإنسان من الإنشاء في هذا الظرف، و لعلّ القائلين بوجوب الوفاء بالنذر خلطوا بين المؤقّت و المعلّق، فانّ الوجوب في الأوّل فعلي، دون المقام، و ما ذكره المحقّق الخوئي من أنّ المعلّق هو الوفاء بالنذر دون الوجوب، أمر غير ظاهر. بل الظاهر انّ المعلّق عليه هو المنشأ أي وجوب الصرف.

و أقصى ما يمكن أن يقال: انّ المعلّق عليه لو كان فعلا اختياريا للناذر، أو غير اختياري و لكن يعلم تحقّقه في ظرفه ففي هذه الصورتين يجب الوفاء بالنذر، لأنّه نظر العرف محكوم بحفظ المال و عدم التصرّف فيه إلى ظرف المعلّق عليه.

الصورة التاسعة: إذا حصل المعلّق عليه مقارنا لتمام الحول فقد ذكر الماتن

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 1/ 111.

(2). لاحظ المحصول: 1/ 512 تجد فيه تحقيق المسألة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

فيها وجوها: وجوب الزكاة، وجوب الوفاء بالنذر، التخيير بين تقديم أيّهما شاء من الزكاة و الصدقة، و القرعة. و كان عليه أن يضيف احتمالا خامسا و هو الجمع بين الأمرين بأداء الزكاة من غير العين.

أمّا الأوّل فلأنّه كان متمكّنا من التصرّف في العين عبر السنة، إلّا في وقت قصير تقارن انقضاء السنة مع حصول المعلّق عليه، و هو لأجل قلّته يتسامح فيه العرف و يعدّه متمكّنا من التصرّف طول السنة.

يلاحظ عليه: أنّ التسامح إنّما يصحّ فيما إذا لم يكن هناك تحديد من الشارع، و أمّا إذا كان هناك تحديد منه فلا وجه للمسامحة و عدّ ما ليس مصداقا للتمكّن مصداقا له.

و أمّا الوجه الثاني فلما مرّ في الصورة الثامنة من أكثر المعلّقين من أنّ تقدم الوجوب يمنع عن تعلّق الوجوب بالعين.

يلاحظ عليه:

بما عرفت من أنّ الوجوب إنّما يمنع عنه إذا كان فعليا، لا إنشائيا، فانّ وجوب الوفاء بالنذر و التعهّد مشروط بحصول المعلّق عليه و المفروض عدمه.

و أمّا التخيير فلأنّ المقام من قبيل المتزاحمين حيث إنّ العمل بكلّ من الواجبين أمر غير ممكن فيتخير. و ليس المقام من قبيل التخيير بين الخبرين المتعارضين، لأنّه فيما إذا كان بين الخبرين من النسب، التباين لا العموم من وجه كما في المقام حيث إنّ بين دليلي إيجاب الزكاة و إيجاب الوفاء بالنذر عموم من وجه.

و ربما يقال بخروج المقام عن المتزاحمين، فانّ جريان أحد الدليلين يرفع موضوع الدليل الآخر فلا طريق إلى إحراز الملاكين.

يلاحظ عليه: أنّه إن أريد من رفع الموضوع وجود التنافي بين العمل بكلا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 97

[المسألة 13: لو استطاع الحجّ بالنصاب، فان تمّ الحول قبل سير القافلة]

المسألة 13: لو استطاع الحجّ بالنصاب، فان تمّ الحول قبل سير القافلة و التمكّن من الذهاب وجبت الزكاة أوّلا فان بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب، و إلّا فلا.

و إن كان مضي الحول متأخّرا عن سير القافلة وجب الحجّ و سقط وجوب الزكاة. نعم لو عصى و لم يحجّ وجبت بعد تمام الحول.

و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أوّلا لتعلّقها بالعين بخلاف الحجّ.* (1)

______________________________

الدليلين فهو من مقوّمات التزاحم، و إن أريد وجود التنافي بين الوجوبين حيث إيجاب كلّ يوجب عدم بقاء الموضوع للدليل الآخر، فهو غير لازم لإمكان أداء الزكاة من غير العين.

و أمّا القرعة فموردها هو الشبهات الموضوعية لا الحكمية كما في المقام.

و أمّا الجمع بأداء الزكاة من غير العين و العمل بالنذر بدفع العين فلم نجد له دليلا صالحا، مضافا إلى استلزامه الضرر على المالك.

و لعلّ التخيير أوجه الوجوه،

و اللّه العالم.

(1)* صور المسألة ثلاث:

1. إذا تمّ الحول قبل التمكّن من الذهاب.

2. إذا تمكّن من الذهاب، قبل تمامية الحول.

3. إذا تقارن التمكّن منه مع زمان حلول الحول.

و المراد من التمكّن من الذهاب هو سير القافلة و خروج الرفقة، و في العصر

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

الحاضر صدور الجواز و تأشيرة الدخول و سماح الدولة بالخروج من البلد مع القوافل المشخصة. و إليك تفاصيلها:

الصورة الأولى: إذا تمّ الحول قبل سير القافلة و خروج الرفقة، تجب الزكاة لاجتماع شرائط الوجوب و التمكّن من التصرّف في العين بعد السنة، لافتراض انّه تمّ الحول قبل أن يجب الحجّ لعدم تحقّق شرطه و هو التمكّن من السفر، و لا يجب الحجّ، لانتفاء الاستطاعة لعدم التمكن من السفر.

هذا على القول بأنّ وجوب الحجّ يتوقّف- مضافا إلى الزاد و الراحلة و تخلية السرب- على التمكّن من السفر؛ و أمّا على القول بكفاية الثلاثة الأول و إن لم يتمكّن من السفر فيكون ممنوعا من التصرّف لوجوب حفظ المال للحج للعلم بتمكّنه في المستقبل، فيجب الحجّ دون الزكاة، لكن المشهور انّ التمكّن من السفر جزء الاستطاعة و من مقوماتها، فلا يعد مستطيعا إلّا به، و هو يختلف حسب اختلاف الأوضاع السياسية و الاجتماعية في البلاد، و على ذلك فإن أخرج الزكاة و بقيت الاستطاعة وجب الحجّ و إلّا فلا.

الصورة الثانية: إذا تمكّن من الذهاب قبل تمامية الحول، قال المصنّف:

وجب الحجّ و سقط وجوب الزكاة.

أمّا الأوّل: لتحقّق شرطه و هو الاستطاعة بأجزائها الأربعة: الزاد، و الراحلة، و تخلية السرب، و التمكّن من السفر.

و أمّا الثاني: فلفقد موضوعه، أي المال المتمكن من التصرّف فيه عقلا و شرعا بعد وجوب حفظه للحج.

هذا

إذا خرج إلى الحجّ ثمّ حال الحول، و أمّا إذا تمكّن و كان الفاصل الزماني

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

بين التمكّن و تمامية الحول، قليلا، فلو بدّل العين الزكوية قبل حيلولة الحول، وجب الحجّ و سقط وجوب الزكاة، و أمّا لو ترك التبديل و حال الحول فهل يجب الحجّ؟ أو تجب الزكاة؟ يظهر من غير واحد من المعلّقين، منهم: السيد البروجردي، وجوب الزكاة مطلقا.

قال العلّامة في القواعد: لو استطاع بالنصاب وجب الحجّ ثمّ مضى الحول على النصاب، فالأقرب عدم منع الحجّ من الزكاة. «1»

و قال في الجواهر: لو استطاع الحجّ بالنصاب و كان مضي الحول متأخرا عن أشهر الحجّ وجب الحجّ بلا إشكال، فلو عصى و لم يحجّ حتى الحول وجبت الزكاة و استقر الحجّ في ذمّته و إن ذهبت الاستطاعة بتقصيره. «2»

و هناك من فصّل بين توقّف الحجّ على صرف عين المال، فلا تجب الزكاة، و إن حال الحول، سواء حجّ أم لا، لأنّه إذا وجب الحجّ، وجب حفظ المال مقدّمة له و حرم التصرّف فيه فينتفي شرط وجوب الزكاة بعد حولان الحول، لأنّ وجوب الدفع مشروط بالتمكّن من التصرف، المنتفي بوجوب الحجّ المقتضي لحفظ المال عن التلف.

و بين ما لا يتوقّف على صرف عينه، فإن بدّل العين الزكوية بغيرها فهو و إلّا فإن بقيت بحالها و حال الحول عليها وجبت الزكاة، و حينئذ إذا كان وجوبها موجبا لثلم الاستطاعة سقط وجوب الحجّ. «3»

و حاصله: انّه إذا كان الحجّ غير متوقف على صرف عين المال كان في وسع

______________________________

(1). إيضاح القواعد: 1/ 170 قسم المتن و لاحظ التذكرة: 5/ 26.

(2). الجواهر: 15/ 47.

(3). المستمسك: 9/ 44- 45.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

المكلّف الجمع بين الحجّ و عدم تعلّق الزكاة، بأحد الوجهين:

1. أن يحجّ قبل حولان الحول.

2. إذا أخّر إلى أن حال الحول، لكن كان في وسعه قبل الحول أن يبدّل العين الزكوية بغيرها ممّا لا تتعلّق به الزكاة. فانّ في التبديل جمعا بين حفظ المال للحج، و الصد عن تعلّق الزكاة لأجل التبديل، فإذا قصّر، تجب عليه الزكاة لاستجماع شرائطها، فيسقط وجوب الحجّ:

«و ربما يحتمل وجوب الزكاة و الحجّ معا. أمّا الزكاة فلما مرّ؛ و أمّا الحجّ فلأنّ فوات الاستطاعة يكون مستندا إلى تقصيره من عدم التبديل، و إذا استند فوات الاستطاعة إلى تقصير المكلّف استقر عليه الحجّ و وجب و لو متسكعا». «1»

يلاحظ عليه: أنّ إيجاب الزكاة في المقام غفلة عمّا هو الشرط لوجوبها، فانّ الشرط ليس التمكّن من مطلق التصرّف و لو بالتبديل، بل الشرط كما مرّ تمام التمكّن من التصرّف بالإتلاف و الهبة و البيع و هو غير موجود في المقام لوجوب حفظ مالية المال للحجّ و لو بالتبديل و معه كيف تجب الزكاة؟ فما أفاده في المتن هو الأقوى.

الصورة الثالثة: إذا تقارن خروج القافلة مع تمام الحول، قال المصنف:

وجبت الزكاة لتعلّقها بالعين بخلاف الحجّ.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه لا يتم فيما إذا توقّف الحجّ على صرف خصوص العين الزكوية كما هو الحال في النقدين في العصور السابقة.

و ثانيا: أنّ تعلّقها بالعين إنّما يفيد إذا لم يكن ممنوع التصرّف فيها و المفروض

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 44- 45.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 101

[المسألة 14: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرف فيه]

المسألة 14: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرف فيه- بأن كان مدفونا و لم يعرف مكانه، أو غائبا، أو نحو

ذلك- ثمّ تمكّن منه استحبّ زكاته لسنة، بل يقوى استحبابها بمضيّ سنة واحدة أيضا.* (1)

______________________________

انّه بالاستطاعة صار ممنوع التصرّف للزوم حفظ الاستطاعة و ما يقال من أنّ الممنوعية في جزء يسير لا يضر في صدق التمكّن قد عرفت ما فيه.

اللّهمّ إلّا أن يقال: انّ وجوب الحجّ فرع إحراز كون المال مختصا بالمالك، حتى تصدق الاستطاعة و هو بعد غير محرز لاحتمال وجوب الزكاة، و أمّا الزكاة فهي تتعلّق بالعين من غير إناطة بشي ء فتأمّل.

(1)* لا خلاف في أصل الحكم، قال الشيخ في النهاية: فإن لم يكن متمكّنا و غاب عنه سنين ثمّ حصل عنده يخرج زكاته سنة واحدة. «1»

و قد مضى كلامه في الخلاف «2» في الشرط الخامس.

و قال في الشرائع: فإن مضى عليه سنون و عاد زكّاه لسنة استحبابا. «3»

و قال في المنتهى: إذا عاد المغصوب أو الضالّ إلى ربه استحب له أن يزكّيه بسنة واحدة. ذهب إليه علماؤنا. و قال مالك: يجب. «4»

و قد مرّ في الشرط الخامس ما يدل على وجوب الزكاة في مثل المورد، و عليه فلو دلّ دليل على الزكاة يحمل على الاستحباب كما في الروايات التالية:

______________________________

(1). النهاية: 175 باب ما تجب فيه الزكاة.

(2). الخلاف: 2، كتاب الزكاة، المسألة 30.

(3). الجواهر: 15/ 57، قسم المتن.

(4). المنتهى: 1/ 475.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

1. موثّقة ابن بكير عمّن رواه- و عن زرارة- و قد مرّ انّ الثاني أقرب- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد». «1»

2. صحيح رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يردّ رأس المال، كم يزكّيه؟ قال: «سنة واحدة». 2

3. حسنة سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظن أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه؟ فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّه فوقع على المال بعينه، كيف يزكّيه؟ قال: «يزكّيه لسنة واحدة لأنّه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه». 3

فيحمل الجميع على الاستحباب جمعا بينها و بين ما دلّ على أنّه لا زكاة فيه، و قد مرّ في الشرط الخامس.

و مع ذلك كلّه ففي الروايات احتمال آخر و هو لزوم أداء الزكاة، بعد مرور سنة من وقت التمكّن، و لا يلزم منه إيضاح الواضح، لأنّه بصدد نفي ما عليه «مالك» و أمثاله من وجوب الزكاة على السنوات الماضية، و لذلك أكّد على سنة واحدة بعد التمكّن لأجل الردّ على القائل بوجوبها فورا لما مضى من السنين.

إنّما الكلام في موردين:

الأوّل: هل الحكم مختص بالمال الغائب الوارد في روايتي زرارة و رفاعة و المال

______________________________

(1) (1، 2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7، 4، 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 103

[المسألة 15: إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكّنا]

المسألة 15: إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكّنا فقد استقر الوجوب فيجب الأداء إذا تمكّن بعد ذلك و إلّا فإن كان مقصّرا يكون ضامنا و إلّا فلا.* (1)

______________________________

الضالّ الوارد في رواية سدير، أو يعم كلّ ما لم

يتمكّن منه فيعم المغصوب؟ الظاهر هو الثاني لإلغاء الخصوصية، و يؤيّده التعليل الوارد في حسنة سدير «لأنّه كان غائبا عنه». و ليس المراد من الغيبة عدم الحضور، بل الحيلولة بينه و بين ماله.

الثاني: هل الحكم مختص بما إذا لم يتمكّن ثلاث سنين فما فوق- كما في حسنة سدير- أو يعم الأقلّ و الوارد في النصوص بين ثلاث سنين و خمس سنين و سنتين، و الاختلاف يعرب عن عدم خصوصية للكثرة و إنّما ذكر من باب التأكيد على عدم الزكاة للسنوات الماضية، و على ذلك يكفي عدم التمكّن سنة واحدة كما عليه المصنّف حيث قال: بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضا.

(1)* لا شكّ انّ التمكّن من التصرّف الإتلافي أو الانتقالي أو ما أشبههما عبر السنة شرط لتعلّق الزكاة على ماله. كما مرّ في الشرط الخامس. و هناك شرط سادس و هو التمكّن من الأداء- و هو وراء الشرط الخامس- لكن الكلام في أنّه هل هو أيضا شرط التعلّق و الوجوب على نحو لو تمت السنّة جامعة للشرائط، لكن لم يتمكّن من الأداء للمستحقّ، لا تتعلق بما له الزكاة، أو انّه شرط الضمان بعد التعلّق مطلقا تمكن من الأداء أو لا، فالظاهر من المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «المنتهى»، كون التمكّن من الأداء شرط الضمان، لا التعلّق و الوجوب.

قال المحقّق: و إمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب. «1»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 51، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

و قال العلّامة: و ليس التمكّن من الأداء شرط في الوجوب (التعلّق). ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أبو حنيفة، و قال مالك: التمكّن شرط فيه، و للشافعي قولان. لنا قوله:

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، فجعل حولان الحول غاية للوجوب (و قد حصلت الغاية و إن لم يتمكّن من الأداء). «1»

و ممّا ذكرنا يظهر انّ الأولى التعبير عن المسألة، بما عبّر به المحقّق و ابن أخته، دون ما في المتن، و كان على المصنّف أن يقول: «إذا عرض عدم التمكّن من الأداء بعد تعلّق الزكاة (كما في الغلّات) أو بعد مضي الحول متمكّنا فقد استقرّ الوجوب (التعلّق ...).

و ذلك لأنّ عدم التمكّن من الأداء، أعم مطلقا من عدم التمكّن من التصرف، فتارة يجتمعان، كما إذا غصب أو سرق بعد حولان الحول، و أخرى يتمكّن من التصرّف من البيع و الهبة، لكن لا يتمكّن من الأداء لعدم وجود المستحق، أو منع الجائر من العمل بالشريعة فالملاك في المقام عدم التمكّن من الأداء، سواء أوافق مع عدم التمكّن من التصرّف أو فارق.

و الدليل على ذلك، مضافا إلى النبوي: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» عدم الدليل على كون الوجوب و التعلّق مشروطا بإمكان الأداء، وراء اشتراطه بإمكان التصرّف عبر السنة.

فإن قلت: كيف تجب الزكاة عليه، بعد مضي الحول متمكّنا مع أنّه غير متمكّن من الامتثال، أعني: الأداء؟

قلت: الوجوب في المقام، وجوب وضعي بمعنى تعلّق الزكاة بماله، و شركة

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 490.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 105

[المسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة]
اشارة

المسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة، لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها. نعم للإمام عليه السّلام أو نائبه أخذها منه قهرا. و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه.* (1)

______________________________

المستحق معه في المال بنحو من الأنحاء هو غير متوقّف على إمكان الأداء.

فإذا وجبت عليه الزكاة بمضي السنّة متمكّنا، فلو عرض عدم

التمكّن من الأداء بالمعنى الأعم، يدخل تحت قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فيكون ضامنا عند التفريط دون غيره.

لكن الظاهر من بعض الروايات انّ دائرة الضمان أوسع من التفريط، فلو أخّر في الأداء من دون تفريط، كما إذا أخّر- مع وجود المستحق- للدفع إلى الأفضل و الآكد، ضمن.

ففي صحيح محمد بن مسلم: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها». «1»

و في صحيح زرارة: «إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها». 2

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 105

(1)*

في المسألة فروع:
[الفرع الأول يجب إخراج الزكاة على الكافر]
اشارة

1. يجب إخراج الزكاة على الكافر.

2. لا تصح ما دام كافرا.

3. للإمام أو نائبه أخذ الزكاة منه قهرا.

4. إذا أتلف الكافر الزكاة فهو لها ضامن.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

و كان عليه تذييلها بفرع خامس تعرض له في المسألة السابعة عشرة و هو انّه إذا أسلم الكافر- بعد ما وجبت عليه الزكاة- سقطت عنه و إن كانت العين موجودة. و إليك دراستها تفصيلا:

أمّا الأوّل، أعني: هل الإسلام شرط في التكليف أو لا؟ ذهب المشهور إلى أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالأصول.

قال العلّامة في «المنتهى»: الكفّار مخاطبون بفروع العبادات في الأمر و النهي معا، خلافا للحنفية مطلقا و لبعض الناس في الأوامر. «1»

و قال ابن قدامة: فأمّا الكافر فلا خلاف في أنّه لا زكاة عليه. «2»

و خالفهم

من الأصوليّين المحقّق الأردبيلي، و صاحب الذخيرة، و سيد المدارك كما سيوافيك نقله؛ و من المحدّثين: الأمين الأسترآبادي «3»، و المحدّث الكاشاني «4»، و صاحب الحدائق «5»، و وافق هؤلاء من المتأخّرين- على ما حكي-:

الشيخ محمد هادي الطهراني، و المحقّق الخوئي في شرح العروة. «6»

و قد استدلّ على مختار المشهور بالأدلّة الأربعة:

[قد استدلّ على مختار المشهور بالأدلّة الأربعة]
الاستدلال بعموم الآيات

1. انّ الاستدلال بعموم الآيات على وجوه تعلّق الخطاب بعنوان الناس مكان تعلّقه بعنوان المسلمين أو المؤمنين، كاشف عن كون الموضوع هو الأعم،

______________________________

(1). منتهى المطلب: 2/ 188.

(2). المغني: 2/ 519.

(3). الفوائد المدنية: 226.

(4). الوافي: 2/ 82، باب معرفة العباد.

(5). الحدائق: 3/ 39.

(6). مستند العروة الوثقى: 1/ 124، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

قال سبحانه: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «1»، و قوله: يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ «2»، إلى غير ذلك من عموم الآيات.

2. مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ* وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ «3»، فانّ تكذيبهم ليوم الدين دليل على أنّ المراد من المجرمين هم الكفّار. و قد علّل سلوكهم في سقر بترك الصلاة.

3. فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى* وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى. «4» فإنّ التنديد بترك الصدقة و الصلاة دليل وجوبهما عليهم.

4. وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ. «5»

و قد أورد على الاستدلال ببعض هذه الآيات بأنّ المراد من قوله: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أي أنّا لو آمنّا و صرنا مكلّفين بالصلاة و صلّينا لنجونا و لكن لم نك من المصلّين لعدم كوننا من المسلمين.

و كذا قوله تعالى: فَلٰا صَدَّقَ

وَ لٰا صَلّٰى لا يدلّ على التكليف بالصلاة في حال عدم التصديق، بل مثل هذه العبارة يقال في المرتب، فانّه إذا قيل لزيد:

«أضف عمرا» فإذا أضفته أعطه درهما، فإنّ وجوب الإعطاء مشروط بالضيافة، فإذا ترك زيد كليهما يقال: لا أضاف و لا أعطى و لا يلزم وجوب كلّ منهما مطلقا. «6»

______________________________

(1). آل عمران: 97.

(2). النساء: 1.

(3). المدثّر: 42- 46.

(4). القيامة: 31- 32.

(5). فصّلت: 6- 7.

(6). العناوين: 2/ 716، العنوان 91.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

و إلى ذلك الجواب يشير السيد الخوئي بقوله: لا دلالة في الآيتين على تكليف الكفّار بالفروع، لجواز كون المراد من عدم الكون من المصلّين و مطعمي المسكين، الإشارة إلى عدم اختيار الإسلام و التكذيب بيوم الدين كما في ذيل الآية الأولى، و كذا يراد من عدم إيتاء الزكاة تركها بترك الإسلام و الكفر بالآخرة كما في ذيل الآية المباركة، فلا تدلّ على تعلّق العقاب بترك هذه الفروع بأنفسها. «1»

يلاحظ عليه: أنّه لو كان المراد ما ذكره القائل يجب تقديم تكذيب يوم الدين على ترك الصلاة، مع أنّا نرى أنّه سبحانه ذكر كلّ واحد من المحرمات بواو العطف و ذكر التكذيب بيوم القيامة في آخر الآيات، فقال: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ* وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتّٰى أَتٰانَا الْيَقِينُ. «2»

كما أنّه سبحانه يقول: فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى* وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى و لو كان المراد ما ذكره القائل لكان الأنسب أن يقول: كذّب و تولّى فلا صدّق و لا صلّى. كلّ ذلك يدلّ على أنّ الجواب على خلاف المتبادر من الآيات، خصوصا قوله: مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ

حيث يعلّل وجه سلوكهم في سقر، بقوله: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أي ترك الصلاة و غيرها جرّنا إلى الدخول في سقر.

الاستدلال بالروايات

استدلّ للقول بعمومية التكليف بروايات:

1. ما رواه صفوان و أحمد بن محمد بن أبي نصر قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 1/ 125.

(2). المدّثّر: 43- 47.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 109

..........

______________________________

تركت أرضه في يده».

إلى أن قال: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بخيبر ...، و على المتقبلين سوى قبالة الأرض، العشر و نصف العشر في حصصهم» الحديث. «1»

وجه الدلالة: انّ النبي وضع على المتقبلين من يهود خيبر سوى الخراج، العشر أو نصفه الذي هو الزكاة.

و مع ذلك كلّه فهناك احتمال يسقطه عن الدلالة، و ذلك لاحتمال أن يكون وجوب العشر بمقتضى الشرط في ضمن العقد الواقع على قبالة الأرض و هو أجنبي عن تعلّق الزكاة عليهم ابتداء الذي هو محلّ الكلام.

2. ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الدين الذي افترض اللّه عزّ و جلّ على العباد ما لا يسعهم جهله، و لا يقبل فيهم غيره، ما هو؟

فقال: «شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و انّ محمّدا رسول اللّه، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا، و صوم شهر رمضان، و الولاية». «2»

فأي تصريح أصرح من قوله: «افترض اللّه عزّ و جلّ على العباد».

3. روى سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد اللّه

عليه السّلام: أخبرني عن الفرائض التي فرض اللّه على العباد، ما هي؟ فقال: «شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 10، كتاب الجهاد، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2). الوسائل: 1، الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 110

..........

______________________________

محمّدا رسول اللّه، و إقام الصلوات الخمس، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، و الولاية، فمن أقامهنّ و سدّد و قارب، و اجتنب كلّ مسكر، دخل الجنة». «1»

الاستدلال بالعقل

إنّ العقل يستقل بحسن العدل و قبح الكذب إلى غير ذلك من المستقلّات العقلية الكاشفة عن حكم الشرع، و الموضوع لحكم العقل هو الإنسان المختار و هو يعم المسلم و الكافر، فكيف يمكن لنا تخصيص الأحكام الشرعية المستكشفة عن طريق العقل، بالمسلم و إخراج الكافر مع أنّ الموضوع عند العقل و الشرع مطلق الفاعل المختار؟!

الاستدلال بالإجماع

قد ادّعى غير واحد من علمائنا الاتّفاق على عمومية الحكم للكافر و المؤمن.

و قد مرّ كلام العلّامة في «المنتهى».

يقول صاحب الجواهر عند قول المحقّق: و الكافر تجب عليه الزكاة» بلا خلاف معتد به فيه بيننا، لأنّه من الفروع التي قد حكي الإجماع في كتب الفروع و الأصول على خطابه بها للعموم و غيره. «2»

و قد عرفت مخالفة الأمين الأسترآبادي و المحدّث الكاشاني و صاحب الحدائق أيضا.

______________________________

(1). الوسائل: 1، الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 17.

(2). الجواهر: 15/ 61- 62.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 111

أدلّة القائلين بالاختصاص
اشارة

______________________________

استدلّ القائل باختصاص التكاليف بغير الكفّار بوجوه:

الأوّل: الاستدلال بالكتاب

قال سبحانه: الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. «1»

وجه الاستدلال: أنّ المراد بالنكاح ليس هو العقد قطعا لعدم جوازه بين المسلمة و المشرك، أو المسلم و المشركة باتّفاق المسلمين قاطبة، بل المراد الوطء الخارجي فتشير الآية إلى ما هو المتعارف خارجا بمقتضى قانون السنخية من أنّ الزاني لا يجد من يزني بها إلّا زانية مثله أو مشركة، فإنّ الطيور على أشكالها تقع، و الجنس إلى الجنس يميل، و إلّا فالمؤمنة لا تطاوعه على ذلك أبدا، و كذا الحال في الزانية، ثمّ قال تعالى: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فخصّ سبحانه حرمة الزنا بالمؤمن دون الكافر. «2»

يلاحظ عليه أوّلا: لو صحّ تفسير الصدر بما ذكره من التعارف الخارجي، فليكن الذيل أيضا على هذا المنوال، و هو انّ المؤمن حسب إيمانه و ميله الباطني يجتنب عن الزانية و المشركة، و عندئذ لا تبقى دلالة على اختصاص التحريم بالمؤمنين. إذ ليس المراد من التحريم، التكليف الشرعي.

و ثانيا: أنّ ما ذكره من الدليل إنّما يتم لو قلنا بمفهوم اللّقب و هو كما ترى، إذ لا مفهوم للّقب.

______________________________

(1). النور: 3.

(2). مستند العروة الوثقى: 1/ 125- 126.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

و ثالثا: أنّ تفسير الآية يتوقّف على بيان المراد من الزاني و الزانية اللّذين تبنّت الآية بيان حكمهما، فنقول:

المراد منهما هو المتلبس بالمبدإ (الزنا) و جلد، و لكن لم تظهر منهما التوبة.

و أمّا كون الموضوع هو المجلود، فلورود الآية بعد بيان حدّ الزاني و الزانية، قال سبحانه قبل تلك الآية: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ

مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ .... «1»

أمّا كون الموضوع مقيدا بعدم التوبة، فلوضوح انّ التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، فمن البعيد أن يصفها القرآن بالزنا فانّه يبعد من أدب القرآن و دأبه في التائب.

إذا علمت ذلك فالظاهر انّها لبيان الحكم الشرعي، و انّ الزاني المجلود، غير التائب يحرم عليه أن ينكح أيّ امرأة سوى الزانية أو المشركة، كما أنّ الزانية بالوصف السابق يحرم نكاحها على أي إنسان، إلّا إذا كان العاقد زانيا أو مشركا.

و هذا هو المفهوم من الآية و يؤيّده ما روي من شأن نزولها.

قال الطبرسي في شأن نزول الآية: المراد بالنكاح العقد و نزلت الآية على السبب، و هو انّ رجلا من المسلمين استأذن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في أن يتزوّج «أم مهزول» و هي امرأة كانت تسافح و لها راية على بابها تعرف بها، فنزلت الآية و هو مروي عن عبد اللّه بن عباس و ابن عمر و مجاهد و قتادة و الزهري.

و عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام انّهما قالا: «هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مشهورين بالزنا، فنهى اللّه عن أولئك الرجال و النساء و الناس على تلك المنزلة، فمن شهر بشي ء من ذلك و أقيم عليه الحدّ فلا تزوّجوه حتى

______________________________

(1). النور: 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

تعرف توبته». «1»

نعم لازم مفاد الآية جواز النكاح بين المسلم الزاني، و الزانية المسلمة و المشركة، أو بين المسلمة الزانية، و الزاني المسلم و المشرك، و لكن الجواز منسوخ بقوله سبحانه: وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ ... وَ لٰا

تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا. «2»

هذا هو الصدر، و أمّا الذيل فهو صريح في تحريم تلك الأنكحة على الطاهرين من الأمّة. فلا يجوز للمسلم الطاهر أن ينكح الزانية و المشركة، كما لا يجوز للمسلمة الطاهرة أن تنكح الزاني و المشرك؛ فالموضوع في الذيل ليس مطلق المؤمن، بل القسم الخاص من المؤمنين و المؤمنات.

و ممّا ذكرنا يعلم وجه تخصيص الحكم بالمؤمنين، لعدم إمكان جعل الحكم المشترك بين المؤمن و المشرك، و ذلك لدخول الكافر بل المؤمن المجلود غير التائب في الصدر، و الكلام في اشتراك المسلم و المؤمن في الأحكام في موارد يصلح جعل الحكم للمؤمن و الكافر كما لا يخفى.

الثاني: الاستدلال ببعض الروايات

1. ما رواه الكليني في «الكافي» من الأخبار الدالّة على توقّف التكليف على الإقرار و التصديق بالشهادتين، فقد روي في الصحيح عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟

فقال: «إنّ اللّه بعث محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى الناس أجمعين رسولا و حجة للّه على خلقه في أرضه، فمن آمن باللّه و بمحمد رسول اللّه و اتّبعه و صدّقه، فإنّ معرفة الإمام منّا

______________________________

(1). مجمع البيان: 4/ 125.

(2). البقرة: 221.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 114

..........

______________________________

واجبة عليه؛ و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم يتّبعه و لم يصدّقه و يعرف حقهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام و هو لا يؤمن باللّه و رسوله و يعرف حقهما؟!».

وجه الاستدلال: فانّه متى لم تجب معرفة الإمام قبل الإيمان باللّه و رسوله فبطريق أولى معرفة سائر الفروع التي هي متلقاة من الإمام، و قد ذكر المحدّث الكاشاني بعد نقل الحديث: انّ فيه دلالة على

أنّ الكفّار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا». «1»

و قد سبقه في الاستدلال: الأمين الأسترآبادي في فوائده حيث قال: إنّ حكمة اللّه تعالى اقتضت أن يكون تعلّق التكاليف بالناس على التدريج بأن يكلّفوا أوّلا بالإقرار بالشهادتين، ثمّ بعد حدوث الإقرار عنهم يكلّفون بسائر ما جاء به النبي، ثمّ ذكر الرواية. «2»

و إلى ذلك يشير المحقّق الخوئي يقول: مضافا إلى ورود رواية معتبرة عن «الكافي» تضمّنت أنّ الكافر يؤمر أوّلا بالإسلام ثمّ بعده بالولاية، فإذا لم يكن مكلّفا حال كفره بالولاية التي هي أعظم الفروع و أهمها، و إنّما يؤمر بها بعد اختيار الإسلام، فما ظنّك بسائر الأحكام. «3»

يلاحظ عليه: أنّ الرواية بصدد بيان الترتيب الطبيعي للمعرفة و هو تقدّم معرفة اللّه و الرسول على معرفة الإمام، كتقدّم معرفة اللّه على معرفة الرسول لا انّ معرفة المتأخّر مشروطة بحصول معرفة المتقدّم، فكم فرق بين القول بالترتيب الطبيعي بين المعارف، و بين القول بأنّ المعرفة المتأخّرة حسب الطبع مشروط

______________________________

(1). الوافي: 2/ 82، و لاحظ الحدائق: 3/ 40.

(2). الفوائد المدنية: 226.

(3). مستند العروة الوثقى: 1/ 126.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

بحصول المعرفة المتقدّمة، و إلى ما ذكرنا من الجواب يشير صاحب العناوين و يقول:

بل المراد منه الترتيب في المطلوب بمعنى كون معرفة اللّه و الرسول مطلوبة قبل معرفة الإمام، لا أنّ معرفة الإمام عليه السّلام طلبها مشروط بحصول معرفتهما. «1»

2. ما رواه صاحب الاحتجاج عن أمير المؤمنين في حديث الزنديق الذي جاء إليه مستدلا بآي من القرآن قد اشتبهت عليه، حيث قال عليه السّلام: فكان أوّل ما قيّدهم به الإقرار بالوحدانية و الربوبية و الشهادة أن لا

إله إلّا اللّه، فلمّا أقرّوا بذلك تلاه بالإقرار لنبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بالنبوة و الشهادة بالرسالة، فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثمّ الحج. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ المراد هو الإشارة إلى تدريجية التشريع و انّه فرض أوّلا كذا و ثانيا كذا، لا مشروطية التشريع الثاني بالأوّل.

على أنّ الحديث مرسل لا يحتج به في مثل هذه المسألة.

الثالث: الاستدلال بالسيرة

و ذلك ببيانين:

1. احتج في الحدائق و قال: إنّه لم يعلم منه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه أمر أحدا منهم بالغسل من الجنابة بعد الإسلام مع أنّه قلّما ينفك أحد منهم من الجنابة في تلك الأزمنة المتطاولة، و لو أمر بذلك لنقل و صار معلوما كغيره؛ و أمّا ما رواه في «المنتهى» عن قيس بن عاصم و اسيد بن حصين ممّا يدلّ على أمر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بالغسل لمن أراد

______________________________

(1). العناوين: 2/ 719.

(2). الاحتجاج: 1/ 601، ط الأوقاف و الشئون الخيرية.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

الدخول في الإسلام فخبر عامي لا ينهض حجة. «1»

يلاحظ عليه: بما ذكره صاحب العناوين بأنّ الظاهر انّ الاغتسال بعد الإسلام كان من الأمور المعتادة الواضحة كما يكشف عنه طريقتنا في زماننا هذا.

مضافا إلى كفاية الأمر العام في ذلك فلا يحتاج إلى الأمر بالخصوص. «2»

2. ما ذكره المحقّق الخوئي متمسكا بالتاريخ و هو انّه لم ينقل في التاريخ رواية عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أو أحد المعصومين عليهم السّلام المبسوطة أيديهم جباية الزكوات من الكفّار و مطالبتهم إيّاها، و لو كان لبان و نقل إلينا بطبيعة الحال، بل كانوا يقرّون على مذاهبهم كما

يقرّون على سائر أموالهم و إن لم يكن مالا بنظر الإسلام، كثمن الخمر و الخنزير و ما يكسبون من الربا و القمار و ما يرثونه على خلاف قانون الإسلام مما يثبت في أديانهم، و نحو ذلك ممّا لا يخفى. «3»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره صحيح في الكافر الذمّي دون الحربي، فقد جرت السيرة على أنّ حكّام الإسلام كانوا مكتفين بما ضرب عليهم في عقد الذمة لا غير، و ذلك لأنّ مفاد عقد الذمة انّه لا يؤخذ منهم سوى ما ذكر في الجزية، فللحكام ضرب الجزية عليهم مع العشر أو نصف العشر، كما فعل النبي بمتقبلي أراضي خيبر على ما مرّ. «4» و له أن يقتصر بغير ذلك، و بما انّ الكفّار الذين كانوا تحت سلطة المسلمين كانوا من أهل الذمة لم يؤخذ منهم سوى ما عقد، و يدلّ على ذلك بعض الروايات:

______________________________

(1). الحدائق: 3/ 420.

(2). العناوين: 2/ 720.

(3). مستند العروة الوثقى: 1/ 127.

(4). الوسائل: الجزء 10، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم ممّا يحقنون به دماءهم و أموالهم، قال: «الخراج و إن أخذ من رءوسهم الجزية، فلا سبيل على أرضهم، و إن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم». «1»

و منها: صحيحة أخرى له عن أبي جعفر في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية، قال: «لا». 2

و لعلّ هذا هو الوجه لعدم إرسال الجابي إلى مزارعهم و مرابطهم لأخذ الزكاة، لأنّ عقد الذمة كان بمعنى انّه ليس عليهم ضريبة سوى الجزية، فأخذ الزكاة من النقود و الأنعام و الغلّات

يخالف العقد إلّا إذا جعل الزكاة جزءا من الجزية كما مرّ.

الرابع: الاستدلال بالعقل

و ذلك لوجهين:

1. لو وجبت الصلاة لكانت إمّا حال الكفر أو بعده. و الأوّل باطل لامتناعه، و الثاني باطل للإجماع على سقوط القضاء لما فات حالة الكفر، و لأنّه لو كان واجبا لوجب القضاء كالمسلم، و الجامع تدارك المصلحة المتعلّقة بتلك العبادات. 3

و إلى هذا الاستدلال يشير صاحب العناوين بقوله:

لا يمكن صدور العمل من الكافر على وجه يوافق الأمر أصلا، بل إمّا

______________________________

(1). الوسائل: 11، الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 3 و في الباب ما يدل على ذلك سوى ما ذكرنا.

(2). المنتهى: 3/ 189.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 118

..........

______________________________

الشرط (الإسلام) منتف و إمّا الأمر (القضاء) منتف، فلا معنى لقولنا الكافر مكلّف بالفروع. «1»

نجيب عن الأوّل بأنّ امتثال الفروع أمر مقدور، بمقدورية مقدّمتها و هو الإسلام و يكفي في الأمر مع العلم بعدم قيام المكلّف به، ترتّب الأثر عليه، و هو ترتّب العقاب.

و نجيب عن الثاني بالفرق بين المسلم الذي فاتت منه الصلاة، و بين الكافر، و ذلك لأنّ أمر الأوّل بالقضاء لا يوجب التنفير بخلاف الكافر فإنّ أمره بالقضاء يوجب ابتعاده و عدم إيمانه.

2. الاستدلال باستهجان الخطاب عرفا، إذ يقبح تكليف من لا يعتقد بالأصول، بالفروع، فخطاب الكافر المنكر للّه أو رسالة الرسول بالصلاة و غيره و الزكاة يعد أمرا قبيحا عند العقلاء.

لا أقول إنّه تكليف بغير المقدور، لما عرفت من أنّ المقدور بالواسطة مقدور، و إنّما ادّعي عدم حسن الخطاب.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ القبيح على فرض التسليم، هو الحكم التكليفي، و أمّا الحكم الوضعي كالجنابة و شركة الفقراء في أموالهم إلى غير ذلك من الأحكام الوضعية

التي لا تختص بالمسلم كالغرامات و الضمانات و العقود و الإيقاعات و الأسباب الفعلية من حيازة و إحياء موات فليس بقبيح.

و ثانيا: إنّما يقبح خطاب الكافر بالخصوص، و أمّا إذا جعل الحكم على عنوان يعم المسلم و الكافر و يشملهما بما انّه إنسان أو ناس فلا قبح، فعندئذ تتم

______________________________

(1). العناوين: 2/ 717، العنوان 91.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 119

..........

______________________________

الحجة على كلّ من صدق عليه عنوان الناس و غيره، و إلّا فلو قلنا بقبح الخطاب يلزم قبح خطاب العاصي أيضا، لأنّا نعلم أنّه لا ينبعث و لا ينزجر من الحكم و مع ذلك فالحكم يعم المطيع و العاصي.

إلى هنا تمّ ما يمكن أن يستدلّ به لهذا القول، و قد علمت أنّ الحقّ هو عمومية الأحكام التكليفية و الوضعية للمؤمن و الكافر. و إليك دراسة الفروع الثلاثة الباقية.

الفرع الثاني: عدم الصحة عند الأداء

هذا هو الفرع الثاني الذي عبر عنه المصنّف بقوله: «و لكن لا تصحّ منه إذا أدّاه» و هو أيضا نفس تعبير الشرائع. «1»

و ليس المراد من الصحّة مطابقة المأتي به للمأمور به لإمكان تحصيله للكافر حتى قصد القربة إذا كان مؤمنا باللّه سبحانه فيدفع الزكاة إلى الفقير تقربا إلى اللّه تعالى، و إنّما المراد من الصحّة هو القبول، و يدلّ على ذلك أمور:

قوله سبحانه: وَ مٰا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰاتُهُمْ إِلّٰا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لٰا يَأْتُونَ الصَّلٰاةَ إِلّٰا وَ هُمْ كُسٰالىٰ وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ. «2»

فإذا كان قبول العبادة مشروطا بالولاية كما تضافرت عليه الروايات «3»، فأولى أن يكون مشروطا بالإيمان و الإسلام.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 362، قسم المتن.

(2). التوبة: 54.

(3). الوسائل: 1، الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 120

الفرع الثالث: للإمام أخذ الزكاة قهرا

______________________________

و قد أشار إليه المصنّف بقوله: نعم للإمام أو نائبه أخذها منه قهرا.

إذا كان وجوب الزكاة مزيجا من الحكم الوضعيّ و التكليفي، فبما انّ الفقراء شركاء المالك في ماله بنحو من الأنحاء فهو حكم وضعي، و بما انّه يجب عليه إخراجه للّه سبحانه فهو حكم تكليفي، و الحاكم واقف على أنّ الكافر لا يمتثل الحكم التكليفي فعليه أن يستوفي حق الفقراء من ماله و يدفعه إليهم عملا بالحسبة، كما هو الحال في المسلم الممتنع فإنّ الحاكم يأخذ منه قهرا، و سيوافيك في ختام كتاب الزكاة ضمن المسائل المتفرقة انّه يجوز للحاكم أخذ الزكاة من الممتنع كرها و يكون هو المتولّي للنية. «1»

قال الشهيد الثاني عند قول المحقّق: «فإذا تلفت لا يجب عليه (الكافر) ضمانها و إن اهمل»: لا تظهر فائدته مع إسلامه لما عرفت من أنّه تسقط عنه و إن بقي المال، بل إنّما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام أو الساعي أخذ الزكاة منه قهرا، فانّه يشترط فيه بقاء النصاب، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزكاة و إن كان بتفريطه، و لو تلف بعضه سقط منها بحسابه و إن وجده تاما أخذها كما يأخذ من المسلم الممتنع من أدائه، و يتولّى النية عند أخذها منه و دفعها إلى المستحق. «2»

و العبارة صريحة في أنّ للفقيه أخذها منه قهرا، و أمّا عدم ضمانه عند التلف فلعلّ وجهه ما يلي:

إنّ دليل الضمان هو قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»، فالمحكوم

______________________________

(1). العروة الوثقى، كتاب الزكاة، ختام فيه مسائل متفرقة، المسألة السابعة و الثلاثون.

(2). المسالك: 1/ 363.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

بالضمان من يتمكّن من الأداء فإذا لم يتمكّن منه فلا يحكم عليه بالضمان.

يلاحظ عليه: بما مرّ من أنّه متمكّن من الأداء بالإسلام و الإيمان فلا محذور في الحكم عليه بالضمان عند التلف إذا كان فيه تفريط.

الفرع الرابع: ضمانها عند الإتلاف

و قد أشار إلى هذا الفرع بقوله: «و لو كان قد أتلفها، فله أخذ عوضها منه» و قد تبيّن وجهه ممّا ذكرنا فإنّ دليل الضمان يعمّ التلف و الإتلاف، فإذا كان ضامنا عند التلف ففي صورة الإتلاف بطريق أولى، و لعلّ من قال بعدم الضمان فدليله هو نفس الدليل في التلف و هو عدم التمكّن من الأداء، و قد عرفت تمكّنه منه.

فقد تبيّن ممّا ذكرنا الأمور التالية:

1. انّ الكافر محكوم بالفروع كما هو محكوم بالأصول.

2. انّ الكافر محكوم بأداء الزكاة كالمسلم.

3. إذا كان الكافر ذمّيا و لم يذكر في عقد الذمّة العشر و لا نصفه و لا مضاعفه (الخمس) كما في بعض الروايات «1» لا يجب عليه أداء الزكاة.

4. الكافر الحربي تؤخذ منه الزكاة قهرا.

5. كلّ من وجب عليه أداء الزكاة فهو ضامن عند التلف و الإتلاف من غير

______________________________

(1). منها: رواية ابن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم أما عليهم في ذلك شي ء موظف؟ فقال: كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء. (وسائل الشيعة: 11، الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2). فانّ المراد من الخمس

هو ضعف العشر الذي هو من مقادير الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 122

[المسألة 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه]
اشارة

المسألة 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه و إن كانت العين موجودة، فانّ الاسلام يجبّ ما قبله.* (1)

______________________________

فرق بين المسلم و الكافر.

(1)* نصّ على السقوط جماعة من أصحابنا، قال الشيخ الطوسي:

قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة، كان ثابتا في ذمّتهم، و هم جميع من كان على ظاهر الإسلام؛ و الباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة، لم يلزمهم قضاؤه و هم جميع من خالف الإسلام، فإنّ الزكاة و إن كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام و لم يخرجوها لكفرهم، فمتى أسلموا لم يلزمهم إعادتها. «1»

و قال أيضا في «المبسوط»: فأمّا شرائط الضمان فاثنان: الإسلام، و إمكان الأداء. لأنّ الكافر و إن وجبت عليه الزكاة لكونه مخاطبا بالعبادات، فلا يلزمه ضمانها إذا أسلم. «2»

و قد خصّ في «الشرائع» السقوط بما إذا تلفت و قال: فإذا تلفت لا يجب عليه ضمانها و إن أهمل. «3»

قد ادّعى غير واحد الإجماع على السقوط مطلقا سواء أتلفت أم لا، قال المحقّق الأردبيلي: فلو كان المسلم متمكّنا من الأداء بمعنى أنّ المستحق موجود و ليس هنا شي ء يمنع الإعطاء شرعا، فما أعطى، استقر الضمان في ذمّته و لزمه الأداء مطلقا بقى المال أو تلف.

______________________________

(1). النهاية: 174، باب وجوب الزكاة و معرفة من تجب عليه.

(2). المبسوط: 1/ 150.

(3). الجواهر: 15/ 63، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

أمّا لو كان صاحب المال كافرا وجبت عليه على ما هو رأي الأصحاب، فلو أسلم لم يضمن، يعني: يسقط عنه الزكاة، كأنّه للإجماع و

النص، مثل «الإسلام يجبّ ما قبله».

و كذا لو تلفت مع عدم الإمكان كعدم المستحق، و لو تلف البعض فمثل الكلّ كما مرّ. «1»

و قال صاحب الجواهر: و تسقط عنه بالإسلام، كما نصّ عليه غير واحد، بل لم نجد فيه خلافا و لا توقّفا قبل الأردبيلي و الخراساني و سيد المدارك، بل ليس في كلام الأوّل على ما قيل سوى قوله: «كان ذلك للإجماع و النص مثل: «الإسلام يجبّ ما قبله»، و هو خال عن التوقّف فضلا عن الخلاف، فانحصر ذلك فيهما. «2»

و قال العاملي في «مفتاح الكرامة»: نص عليه المفيد في كتاب «الإشراف» و الشيخ و ابن إدريس و كذا ابن حمزة و سائر المتأخّرين، و ما وجدنا من خالف أو توقّف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة- إلى أن قال:- بل في «المعتبر» و «التذكرة» و «كشف الالتباس» و «المسالك» إنّها تسقط عنه بالإسلام و إن كان النصاب موجودا، و هو قضية كلام الدروس فيما سيأتي. «3»

و قد استدلّوا على السقوط بوجوه:

الأوّل: قوله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ. «4»

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 26.

(2). الجواهر: 15/ 61.

(3). مفتاح الكرامة: 2/ 30، كتاب الزكاة، ط مصر.

(4). الأنفال: 38.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 124

..........

______________________________

بتقريب انّه سبحانه أمر نبيّه بدعائهم إلى التوبة و الإيمان و قال: «قل يا محمد للذين كفروا إن ينتهوا و يتوبوا عمّا هم عليه من الشرك و يمتنعوا منه، يغفر لهم ما قد سلف و مضى من ذنوبهم.

و لكن هنا وجها آخر للآية و لعلّه أظهر من الأوّل، و هو ان ينتهوا عن المحاربة إلى الموادعة

يغفر لهم ما قد سلف من المعاقبة و ان يعودوا إلى القتال فقد مضت سنة اللّه في آبائكم و عادته في نصر المؤمنين و كبت أعداء الدين و الأسر و الاسترقاق. «1»

و يفسر العلّامة الطباطبائي الآية على هذا النحو و يقول: قل لهم ان ينتهوا عن المحادة للّه و لرسوله يغفر لهم ما قد سلف، و ان يعودوا إلى مثل ما عملوا فقد علموا بما جرى على سابقتهم. «2»

و على ذلك فليست الآية بمعنى رجوع الكافر إلى الإسلام حتى تغفر ذنوبه أو تسقط ما وجب عليه من الأحكام، بل هي بمعنى الانتهاء عن المحادة و المحاربة و اللجوء إلى الصلح، و يؤيده انّه سبحانه يقول بعد تلك الآية:

وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّٰهَ بِمٰا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. «3»

فإنّ المراد من قوله: فَإِنِ انْتَهَوْا هو الانتهاء عن المقاتلة لا الورود إلى حظيرة الإسلام.

الثاني: الحديث المعروف بحديث «الجب» أعني قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الإسلام يجبّ ما قبله».

______________________________

(1). مجمع البيان: 2/ 542، ط صيدا.

(2). الميزان: 9/ 74.

(3). الأنفال: 39.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 125

..........

______________________________

و الجبّ- بفتح العين- مصدر جبّه: قطعه و غلبه.

و قد ورد الحديث بلفظه و مضمونه في مواضع مختلفة يورث الاطمئنان بصدوره بلفظه أو بمعناه إذ من البعيد التواطؤ على الكذب مع وروده في مجالات مختلفة، نذكر منها ما يلي:

1. أخرج مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص، قال: فلمّا جعل اللّه الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي قال: «ما لك يا عمرو؟»، قال: قلت: أردت

ان اشترط قال:

«تشترط بما ذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أ ما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله، و أنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، و أنّ الحجّ يهدم ما كان قبله». «1»

2. روى أحمد بن حنبل عن أبي شماسة، قال: إنّ عمرو بن العاص قال: لمّا ألقى اللّه عزّ و جلّ في قلبي الإسلام، قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ليبايعني فبسط يده إليّ، فقلت: لا أبايعك يا رسول اللّه حتى تغفر لي ما تقدّم من ذنبي، قال: فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «يا عمرو أ ما علمت أنّ الهجرة تجبّ ما قبلها من الذنوب، يا عمرو أ ما علمت أنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله من الذنوب». «2»

3. و روي أيضا انّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله و انّ الهجرة تجبّ ما كان قبلها». «3»

4. و روى ابن الأثير: قال: و روى محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه، كنت جالسا مع رسول اللّه منصرفا من الجعرّانة، فأطلع هبّار بن الأسود أتى

______________________________

(1). صحيح مسلم: 1/ 78، باب انّ الإسلام يهدم ما قبله.

(2). مسند أحمد بن حنبل: 4/ 205.

(3). مسند أحمد بن حنبل: 4/ 199.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

من باب رسول اللّه- إلى أن قال- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «فقد عفوت عنك، و قد أحسن اللّه إليك حيث هداك اللّه إلى الإسلام، و الإسلام يجبّ ما قبله». «1»

5. و روى ابن شهرآشوب في مناقبه، قال: جاء رجل إلى عمر، فقال: إنّي

طلقت امرأتي في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجي ء علي بن أبي طالب، فجاء علي عليه السّلام فقال: قصّ عليه قصتك، فقصّ عليه القصة، فقال علي عليه السّلام: «هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة». «2»

6. روى الحلبي في سيرته: انّ عثمان شفّع في أخيه ابن أبي سرح، قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«أما بايعته و أمّنته؟»، قال: بلى و لكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح و يستحيي.

قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الإسلام يجبّ ما قبله». «3»

7. و روى أيضا في حوادث غزوة وادي القرى: أنّ خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة جاءوا إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم مسلمين، و طلبوا منه أن يغفر اللّه لهم، فقال لهم صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ الإسلام يجبّ ما قبله». 4

8. روى الشيخ عن جعفر بن رزق اللّه، قال: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام و سؤاله عن ذلك، فلمّا

______________________________

(1). أسد الغابة: 5/ 53.

(2). مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 364، فصل في ذكر قضاياه عليه السّلام في عهد عمر.

(3) (3 و 4). السيرة الحلبية: 3/ 778 في غزوة وادى القرى، ط دار المعرفة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

قدم

الكتاب كتب أبو الحسن عليه السّلام: «يضرب حتى يموت»، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك، و قالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فانّه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجئ به السنّة، فكتب: انّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجئ به سنّة و لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟

فكتب: بسم اللّه الرحمن الرّحيم، فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ «1»، قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات. «2»

و يظهر من الرواية انّ «حديث الجبّ» كان أمرا مسلما في عصر الإمام الهادي عليه السّلام.

9. نقل ابن أبي الحديد انّ المغيرة بن شعبة، وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر، فلمّا رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق، و فرّ إلى المدينة مسلما، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أمّا إسلامك فقد قبلته، و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمّسها لأنّ هذا غدر، و الغدر لا خير فيه» فأخذني ما قرب و ما بعد فقلت: يا رسول اللّه إنّما قتلتهم و أنا على دين قومي، ثمّ أسلمت حين دخلت إليك الساعة، فقال عليه السّلام: «الإسلام يجبّ ما قبله». «3»

10. و قال ابن الأثير في «النهاية» في مادة «جبب» و منه الحديث: إنّ الإسلام يجبّ ما قبله، و التوبة تجبّ ما قبلها، أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب. «4»

______________________________

(1). غافر: 84- 85.

(2). الوسائل: 18، الباب

36 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.

(3). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20/ 9- 10 في شرح كلمة 413 من كلمات الإمام علي عليه السّلام.

(4). النهاية: مادة «جبّ».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و عبارته صريحة انّ ما ذكره من التفسير من عند نفسه، فما في مجمع البحرين في تلك المادة في الحديث «الإسلام يجبّ ما قبله» و «التوبة تجبّ ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب» خلط منه بين الحديث و تفسيره بشهادة انّ ابن الأثير ذكره بصورة التفسير و قال: «أي».

هذه مصادر عشرة جاء فيها ذكر الحديث، و المتتبع يجده في غير تلك المواضع أيضا، و لعلّ هذا المقدار منه يثبت تضافره و صدوره في غير واحد من الموارد.

إنّما الكلام في مدلول الحديث.

مدلول الحديث

إنّ في الحديث في بدء الأمر احتمالات ثلاثة:

الأوّل: انّ الإسلام يمحو الكفر.

الثاني: انّ الإسلام يرفع آثار الكفر.

الثالث: انّ الإسلام يرفع كلّ ما صدر من الكافر من الخطيئات، من ترك الواجبات و اقتراف المحرمات، و بالتالي يرفع ما يتبعها من التعزير و الحدّ، و القضاء و الضمان، و الحاصل يفرض كأنّه لم يصدر منه الخطيئة.

فالاحتمال الأوّل كأنّه توضيح للواضح، و نظيره الاحتمال الثاني فإنّ الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه؛ فلو قلنا بنجاسة بدن الكافر، فإذا أسلم تنتفي النجاسة لانتفاء الموضوع، و هذا أمر كالبديهي، فتعيّن الثالث، و المراد انّ العقوبات الثابتة في الإسلام لمن ارتكب الحرام أو ترك الواجب مسلما كان أو كافرا إذا أسلم ترتفع و تنتفي، و الإسلام يقطع بين الحالتين و يرفع تلك العقوبات.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

و يؤيد ذلك موارد الروايات التي مرّت، ففي الحديث الثاني، قال عمرو بن العاص

للنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لا أبايعك يا رسول اللّه حتى تغفر لي ما تقدّم من ذنبي ...

و في الحديث الرابع ارتكب هبّار جريمة و هو انّه عرض لزينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في نفر من سفهاء قريش حين أرسلها زوجها أبو العاص إلى المدينة، فأهوى إليها هبّار و ضرب هودجها و نخس الراحلة و كانت حاملا فأسقطت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن لقيتم هبّارا هذا فأحرقوه بالنار ثمّ اقتلوه، فانّه لا يعذب بالنار إلّا رب النار». «1»

كما أنّ الحرمة الأبدية بعد طلقات ثلاث، عقوبة من الشارع على الزوج، لأنّه يهتك حرمة الزوجة، و هو جريمة، فإذا أسلم ارتفعت تلك العقوبة، كما في الحديث الخامس.

كما أنّ المغيرة بن شعبة ارتكب جريمة لا تغتفر بقتله رفقة سفره من دون جرم، و لذا أسماه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بالغدر و هو محرم، و لو ارتكبها المسلم لعوقب، فإذا كان الفاعل كافرا و أسلم رفعت تلك الجريمة. إلى غير ذلك من الموارد.

و ربما يقال بأنّ المكاتبة (8) صريحة في عدم اعتناء الإمام بمضمون حديث الجب و إنّما هو أمر معروف و لم يثبت عندنا، و المسألة التي تضمّنتها الرواية محرّرة في الفقه، و قد أفتى الأصحاب بعدم سقوط الحد عن الزاني، سواء أسلم قبل صدور الحكم من الحاكم أم بعده. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ عدم عمل الإمام بحديث الجبّ في المقام لم يكن لأجل عدم حجّية القاعدة، بل لأجل عدم كون المسألة من مصاديقها، لأنّ المراد من

______________________________

(1). أسد الغابة: 5/ 53.

(2). مستند العروة: 1/ 135، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

الإسلام الذي يجبّ ما قبله هو الإسلام النابع من صميم الإرادة و الاختيار لا النابع من الخوف و الفرار من الحد كما في المقام، حيث إنّ النصراني لمّا رأى انّه يجرى عليه الحد أسلم لإسقاط الحدّ، فيكون إسلامه إسلاما غير نابع من صميم الذات، بل للفرار من الحد، و هو لا يجبّ ما قبله.

و على ذلك فكلّ ما صدر منه من الخطيئات بين ترك الفريضة أو اقتراف الجريمة، يفرض كأنّه لم يصدر عنه، و بالتالي العقوبات المترتبة على الفاعل المختار و منه الكافر إذا أسلم فيسقط، و منه يعلم عدم سقوط الأمور التالية:

1. أحكام الأحداث و النجاسات: فإنّ إمكانها ليست من قبيل العقوبات، بل أحكام نابعة من صميمها تابعة لمصالح و مفاسد في مكامنها.

2. العقود و الإيقاعات و الديون و نحوها ممّا لا يرتفع بالإسلام فلو أعتق الكافر عبدا بقي على حريته بعد إسلامه، و لو استدان مالا بقي على ذمته بعد الإسلام، فإنّ هذه الالتزامات العقلائية التي أمضاها الشارع أيضا ليست عقوبة.

كما أنّه لو باع خمرا أو اشتراه، أو باع ربويا، أو مجهولا، فبما انّ هذه المعاملات تستعقب عقوبة إسلامية أقلّها بطلان تصرفاتهم ترتفع بالإسلام، خصوصا بالنظر إلى ما ورد في مورد الربا فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهىٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ «1»، و قوله في مورد الجمع بين الأختين: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ. «2»

بقي الكلام في الزكاة فلو لم يؤدّ الزكاة حتى تلفت أو أتلفها، فقد ترك الواجب الذي يستعقب ضمانا؛ فإذا أسلم يفرض كأنّه لم يصدر منه الخلاف، و بالتالي يرتفع الضمان.

______________________________

(1). البقرة: 275.

(2). النساء: 23.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

131

[المسألة 18: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة وجب عليه إخراجها]

المسألة 18: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة وجب عليه إخراجها.* (1)

______________________________

و لذلك قلنا بالضمان عند التلف و الإتلاف ما لم يسلم.

نعم، لو أسلم و النصاب موجود فلا وجه لسقوط الزكاة، فإنّ إيجابها لم يكن عقوبة حتى تسقط و إنّما كان حكما شرعيا و تعاونا اجتماعيا أوجبها سبحانه على كلّ فاعل مختار، فلا وجه لسقوطها بعد الإسلام، كما لا وجه لخروج حولان الحول في زمان الكفر أو الإسلام عن التأثير.

و بذلك يظهر انّ قول المصنّف: «سقطت عنه و إن كانت العين موجودة» غير تام.

هذا بعض ما يمكن أن يقال في القاعدة و التفصيل موكول إلى محلّه.

(1)* و الحكم على وفق القاعدة فإنّ الزكاة حقّ ثابت في العين بنحو من الأنحاء فلا وجه لسقوطها بانتقالها من الكافر إلى المسلم.

و إنّما قيّده بتمام النصاب، لأجل انّ تعلّق الزكاة بالنصاب- عند المصنّف- من قبيل الكلّي في المعين، فلو بقي عند البائع مقدار يفي بالواجب، فلا شي ء على المشتري أخذا بحكم الكلّي من المعين، نعم لو قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بالنصاب من قبيل الإشاعة، و انّ أصحاب الزكاة شركاء في كلّ جزء من النصاب، فلا يكون هناك فرق بين شراء تمام النصاب أو بعض منه غاية الأمر يجب على المشتري حسب ما اشتراه.

و تؤيد ذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتّبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع». «1»

نعم، ورد في باب الخمس بأنّ انتقال ما

فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه لا يؤثر في وجوب الخمس على الآخذ لأحاديث التحليل، و أمّا في باب الزكاة فلم يرد فيه شي ء.

نعم انّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لم يكن يخرج الزكاة من غنائم الكفّار بعد جمعها، و يحتمل أن يكون ذلك لأجل عدم إحراز شروط وجوبها من حولان الحول و بلوغ نصيب كلّ فرد حدّ النصاب، أو كان لأجل الولاية التشريعية في صرف الزكاة أيضا في مصارف الغنائم.

و على كلّ تقدير لا يجوز لنا أن نرفض القاعدة المذكورة بفعل لم يعلم وجهه.

تمّ الكلام في شروط الوجوب

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 133

الفصل الأوّل في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 135

الفصل الأوّل في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة* (1)

[تجب في تسعة أشياء:]

اشارة

تجب في تسعة أشياء:

الأنعام الثلاثة و هي: الإبل، و البقر، و الغنم.

و النقدين، و هما: الذهب و الفضة.

و الغلّات الأربع و هي: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصحّ.* (2)

______________________________

(1)* انّ البحث في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة، هو بيت القصيد في هذا الباب.

فانّ المشهور و إن ذهب إلى وجوبها في الأجناس التسعة، لكن يوجد القول بكون الموضوع أوسع من التسعة كما سيوافيك.

أضف إلى ذلك ما ورد من تعلّقها بأزيد من التسعة على ما سيأتي.

على انّ تعلّقها بالحنطة و الشعير، و عدم تعلّقها بالأرز و نحوه، ممّا يثير العجب فلو ثبت الاختصاص- كما هو كذلك- بالتسعة، ففي عدم تعلّقها بالأرز و الذرّة، حكمة خفية علينا.

(2)* انّ وجوب الزكاة فيما ذكر مما اتّفقت عليه كلمة فقهاء الإسلام، إنّما الكلام فيما وراءها و ممّن نقل الاتّفاق من أصحابنا: العلّامة الحلّي في «التذكرة»،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

و من غيرهم ابن رشد.

فقال الأوّل: قد أجمع المسلمون على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل، و البقر، و الغنم، و الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. «1»

و قال الثاني: أمّا ما تجب فيه الزكاة من الأموال فإنّهم اتّفقوا منها على أشياء، و اختلفوا في أشياء.

أمّا ما اتّفقوا: فصنفان من المعدن: الذهب و الفضة، اللتين ليستا بحليّ؛ و ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل و البقر و الغنم؛ و صنفان من الحبوب: الحنطة و الشعير؛ و صنفان من الثمر: التمر و الزبيب. «2»

فالوجوب في التسعة ليس مورد خلاف. و

لذلك وصف صاحب الجواهر الوجوب فيها من ضروريات الفقه، إن لم يكن من ضروريات الدين و النصوص به متواترة، كتواترها من أنّه لا تجب فيما عدا ذلك. «3»

و لعلّ الضرورة في جانب الإثبات، أي الوجوب في التسعة لا في جانب النفي أي عدم وجوبها في غيرها و إن وردت فيه أيضا أخبار مستفيضة.

و قد ورد التصريح بعدد التسعة في أكثر الكلمات نذكر منها ما يلي:

1. قال الصدوق في «المقنع»: اعلم أنّ الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم، و الذهب، و الفضة، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك. «4»

2. قال المفيد: و الزكاة إنّما يجب جميعها في تسعة أشياء خصّها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 43.

(2). بداية المجتهد: 242.

(3). الجواهر: 15/ 65.

(4). المقنع: 155.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

بفريضتها فيها، و هي: الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم؛ و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك. «1»

3. و قال السيد المرتضى: و ممّا ظن انفراد الإمامية به، القول بأنّ الزكاة لا تجب إلّا في تسعة أصناف: الدنانير، و الدراهم، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم؛ و لا زكاة فيما عدا ذلك. و باقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك. «2»

4. و قال الشيخ في «النهاية»: الذي تجب فيه الزكاة فرضا لازما تسعة أشياء. «3»

ثمّ ذكر أسماء التسعة على غرار ما مرّ في كلمات الآخرين، و لم يذكر في الخلاف عدد التسعة، لكن نفي في ضمن مسائل، الزكاة

عن غيرها، فقال مثلا: لا زكاة في الزيتون، أو لا زكاة في العسل، أو لا زكاة في مال التجارة. «4»

5. و قال الديلمي: تجب الزكاة في الأشياء التسعة، و انّه لا تجب في غيرها .... «5»

6. و قال ابن البرّاج: الذي تجب فيه الزكاة تسعة أشياء، و هي: الذهب، و الفضة، و الإبل، و الغنم، و البقر، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. «6»

7. و قال ابن حمزة: ما تجب فيه الزكاة من الأموال تسعة أشياء: ثمّ ذكرها على غرار ما سبق ذكرها من غيره. «7»

______________________________

(1). المقنعة: 234.

(2). الانتصار: 207.

(3). النهاية: 175.

(4). الخلاف: 2/ 64، 91 و غيرهما.

(5). المراسم: 127، ط بيروت.

(6). المهذب: 1/ 159.

(7). الوسيلة: 122.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

8. و قال ابن زهرة: فزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء. «1»

9. و قال ابن إدريس: فأمّا الذي تجب فيه الزكاة فتسعة أشياء. «2» ثمّ ذكرها على غرار السابقين.

10. و قال الكيدري: و زكاة الأموال تجب في تسعة أشياء: الذهب، و الفضة، و الخارج من الأرض من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و في الإبل، و الغنم، و البقر؛ و لا تجب في ما عدا ذلك. «3»

11. قال المحقّق: تجب في الأنعام، و البقر، و الغنم، و في الحجرين: الذهب و الفضة، و في الغلّات الأربع: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؛ و لا تجب في غير ذلك. و هو مذهب علمائنا من غير ابن الجنيد؛ و به قال الحسن، و ابن سيرين، و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلى، و إحدى الروايتين عن أحمد. «4»

12. و قال ابن سعيد: لا تجب الزكاة

إلّا في الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم. «5»

13. و قال العلّامة: تجب الزكاة في تسعة أصناف، هي: أنعام، و أثمان، و أثمار. و قد اتّفق علماء الإسلام على وجوب الزكاة في هذه الأصناف، و لا تجب في غيرها. و ذهب إليه علماؤنا أجمع؛ و به قال: ابن عمر، و موسى بن طلحة، و الحسن البصري، و ابن سيرين، و الشعبي، و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلى، و ابن المبارك، و أبو عبيدة، و أحمد في إحدى الروايتين. «6»

14. و في الختام ذكر العلّامة في «المختلف»، اختلاف ابن الجنيد، مع غيره

______________________________

(1). الغنية: 2/ 114.

(2). السرائر: 1/ 428.

(3). إصباح الشيعة: 107.

(4). المعتبر: 2/ 493.

(5). الجامع للشرائع: 125.

(6). المنتهى: 1/ 473.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

في مواضع:

الف: تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كلّ ما دخل القفيز من حنطة و شعير، و سمسم، و أرز، و دخن، و ذرة، و عدس، و سلت، و سائر الحبوب، و من التمر و الزبيب.

ب: أوجب ابن الجنيد الزكاة في الزيتون و الزيت إذا كانا في الأرض العشرية.

ج: أوجب ابن الجنيد الزكاة في العسل المأخوذ من أرض العشر.

د: اختلف علماؤنا في مال التجارة على قولين، فالأكثر قالوا بالاستحباب، و آخرون قالوا بالوجوب. «1»

و يظهر ممّا رواه الكليني في ذيل حديث أبي بكر الحضرمي عن يونس بن عبد الرحمن انّ رسول اللّه وضعها و سنّها في أوّل نبوته على تسعة أشياء، ثمّ وضعها على جميع الحبوب. «2»

و أمّا أقوال أهل السنّة فقال ابن قدامة:

قال مالك و الشافعي: لا زكاة في ثمر إلّا التمر

و الزبيب، و لا في حبّ إلّا ما كان قوتا في حالة الاختيار لذلك، إلّا في الزيتون على اختلاف، و حكي عن أحمد إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و هذا قول ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبي عبيد، و السلت نوع من الشعير، و وافقهم إبراهيم و زاد الذرة، و وافقهم ابن

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 195، 197، 191.

(2). الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5، لاحظ التعليقة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 140

..........

______________________________

عباس و زاد الزيتون، لأنّ ما عدا هذا لا نصّ فيه و لا إجماع، و لا هو في معنى المنصوص عليه و لا المجمع عليه فيبقى على الأصل.

و قد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو أنّه قال: إنّما سنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و في رواية عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «و العشر في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير».

و عن موسى بن طلحة، عن عمر أنّه قال: إنّما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و عن أبي بردة، عن أبي موسى و معاذ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بعثهما إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلّا من هذه

الأربعة:

الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. رواهن كلّهن الدارقطني و لأنّ غير هذه الأربعة لا نصّ فيها و لا إجماع و لا هو في معناها في غلبة الاقتيات بها و كثرة نفعها و وجودها، فلم يصح قياسه عليها و لا إلحاقة بها فيبقى على الأصل.

و قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلّا الحطب و القصب و الحشيش، لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «فيما سقت السماء العشر» و هذا عام، و لأنّ هذا يقصد بزراعته نماء الأرض فأشبه الحب. «1»

أمّا القول المشهور فرواه فضلاء أصحاب الصادقين و الكاظمين من الثقات و غيرهم و تنتهي اسنادها إلى: 1. زرارة، 2. محمد بن مسلم، 3. أبي بصير، 4. بريد ابن معاوية العجلي، 5. الفضيل بن يسار، 6. عبد اللّه بن سنان، 7. البلخي، 8.

______________________________

(1). المغني: 2/ 549- 550.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

جميل بن درّاج، 9. أبو سعيد القمّاط و لعلّ المراد هو خالد بن سعيد الذي لم يوثّق، 10. الحسن بن شهاب الدين، له في التهذيبين روايات يروي عنه جعفر بن بشر الذي لا يروي إلّا عن ثقة، 11. أبو بكر الحضرمي، 12. مسعدة بن صدقة، 13. علي بن جعفر، 14. الفضل بن شاذان، 15. بكير بن أعين. و لو ادّعي التواتر فإنّما هو بالنسبة إلى ما ينتهي إليه الاسناد، و لعلّه كذلك إلى أن يصل السند إلى أرباب الكتب.

فخلاصة القول: إنّ في المقام روايات تحصر الوجوب في التسعة، مع ذكر عفو رسول اللّه عن غيرها، و روايات تحصر الوجوب فيها دون أن تذكر عفو الرسول- صلوات اللّه عليه- عن غيرها، و قد ورد

بالمضمون الأوّل إحدى عشرة رواية «1»، و بالمضمون الثاني اثنتان «2» فلاحظ، و هناك طائفة ترد القول بتعلّقها بغير التسعة، و يكذبها. «3»

[الروايات الدالّة على حصر وجوب الخمس في التسعة، على طوائف]
اشارة

و بذلك أصبحت الروايات الدالّة على الحصر، على طوائف ثلاث:

1. ما يحصر و يذكر عفو رسول اللّه.

2. ما يحصر و لا يذكر منه شيئا.

3. ما يحصر و يرد قول من قال بوجوبها بغيرها.

و ها نحن نذكر من كلّ طائفة حديثين:

______________________________

(1). لاحظ الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1، 3، 4، 5، 8، 10، 11، 12، 13، 16، 17.

(2). المصدر نفسه، الحديث 2، 9.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 142

الف: ما يدلّ على الحصر مع ذكر العفو

______________________________

1. روى ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لما أنزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا فأمر رسول اللّه مناديه فنادى في الناس: إنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و عفا عمّا سوى ذلك. «1»

2. روى حريز، عن زرارة، و محمد بن مسلم، و أبي بصير، و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلّهم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: «فرض اللّه عزّ و جلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في تسعة أشياء، و عفا عمّا سواهنّ، في الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و الحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك. 2

ثمّ إنّ

الظاهر انّ غرض الإمام من نقل فعل رسول اللّه، هو بيان الحكم الشرعي المستمر إلى يوم القيامة مستندا إلى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و يؤيّد ذلك انّه عليه السّلام يندد بقول من يزعم انّ موضوع الزكاة هو أوسع من التسعة، مستندا إلى عفو الرسول، و لا يتم الردّ إلّا إذا كانت الغاية من نقل عمل الرسول هو بيان الحكم الفعلي.

ب: ما يدلّ على الحصر من دون التعرض للعفو

1. روى الفضيل بن شاذان عن الرضا (في حديث) قال: و الزكاة على تسعة

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1، 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

أشياء: على الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم، و الذهب و الفضة. «1»

2. روى زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال، فقال: «في تسعة أشياء ليس من غيرها شي ء: في الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم السائمة و هي الراعية، و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج». 2

ج: ما يردّ القول بتعلّقها بغير التسعة

1. روى أبو سعيد القمّاط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الزكاة؟ فقال: «وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب، و الفضة، و البقر، و الغنم، و الإبل» فقال السّائل: و الذّرة، فغضب عليه السّلام، ثمّ قال: «كان و اللّه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم السّماسم و الذّرة و الدّخن و جميع ذلك» فقال: إنّهم يقولون: إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب و قال: «كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء قد كان،

و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر». «3»

2. روى محمد بن جعفر الطيار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّا تجب فيه

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2، 9. و لاحظ الباب 9، الحديث 9.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

الزكاة؟ فقال: في تسعة أشياء: الذهب و الفضة، و الحنطة و الشعير و التمر و الزّبيب، و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عمّا سوى ذلك» فقلت: أصلحك اللّه فإنّ عندنا حبا كثيرا، قال: فقال: «و ما هو؟» قلت: الأرز، قال: «نعم ما أكثره»، فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثمّ قال: «أقول لك: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عفا عمّا سوى ذلك و تقول لي: إنّ عندنا حبّا كثيرا، أ فيه الزكاة؟!». «1»

هذه كلّها حول ما دلّ على انحصار الزكاة في التسعة، و قد عرفت أنّها على أقسام ثلاثة، و أمّا ما يعارضها فإليك بيانه.

الأخبار المعارضة

و هناك روايات تدلّ على أنّ موضوع الزكاة أوسع من التسعة تنتهي اسنادها إلى زرارة و محمد بن مسلم و أبي مريم و محمد بن إسماعيل و أبي بصير، و العجب انّ بعض هؤلاء كزرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير ممّن نقلوا ما دلّ على الحصر على التسعة كما مرّ.

ثمّ إنّ ما يدلّ على أنّ الموضوع أوسع على أصناف:

الأوّل: انّ الموضوع هو كلّما يكال

ففيه الزكاة، و قد ورد بهذا المضمون روايات أربع (وراء رواية علي بن مهزيار التي سنرجع إليها).

1. روى زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في الذرة شي ء؟ فقال لي: «الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10، و لاحظ الحديث 3، 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 145

..........

______________________________

2. روى محمد بن إسماعيل قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام انّ لنا الرطبة و أرزا، فما الذي علينا فيها؟ فقال: «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أمّا الأرز فما سقت السماء، العشر، و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كلت بالصاع، أو قال: وكيل بالمكيال». «1»

الثاني: ما يظهر منه انّ الموضوع هو الحبوب، ففي صحيح محمد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال عليه السّلام: «البرّ و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم، كلّ هذا يزكّى و أشباهه». «2»

الثالث: ما يظهر انّ الموضوع «ما أنبتت الأرض» روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة، و قال: جعل رسول اللّه الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض إلّا ما كان في الخضر و البقول، و كلّ شي ء يفسد من يومه». 3

يمكن إرجاع الضابطة الثالثة إلى الأولى: حيث إنّ الإمام عرف الموضوع بقوله: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ

الأوساق ...» ثمّ نقل فعل رسول اللّه ...، و من المعلوم أنّ قول الإمام أصرح في بيان الموضوع من فعل الرسول.

و أمّا الثانية فلم يرد الحبوب إلّا في كلام الراوي، فلو كان الموضوع هو الحبوب كان الأظهر أن يقول في الحبوب كلّها زكاة من دون حاجة إلى عدّها، فالأظهر انّ الموضوع هو ما يكال، فلو كان ممّا يوزن لا ممّا يكال و بلغ النصاب كورق السدر و الآس، فهل فيهما الزكاة أو لا، وجهان، و الأظهر الإلحاق.

الرابع: ما يظهر ممّا كتب الإمام أبو الحسن الهادي عليه السّلام إلى عبد اللّه بن محمد،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2، و لاحظ الحديث 3، 7.

(2) (2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4 و 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

تصويب كلا القولين و رواه الكليني و قطّعه صاحب الوسائل في البابين 8 و 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و نحن ننقله من «الكافي»:

عن عليّ بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك، روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الزّكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التّمر و الزّبيب، و الذّهب و الفضّة، و الغنم و البقر و الإبل. و عفا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عمّا سوى ذلك»؛ فقال له القائل: عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك، فقال: و ما هو؟ فقال له: الارز، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«أقول

لك: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم وضع الزّكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك و تقول: عندنا أرز و عندنا ذرة، و قد كانت الذّرة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم».

فوقّع عليه السّلام: «كذلك هو، و الزكاة على كلّ ما كيل بالصّاع».

و كتب عبد اللّه: و روى غير هذا الرّجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن الحبوب فقال: و ما هي؟ فقال: السّمسم و الارز و الدخن، و كلّ هذا غلّة كالحنطة و الشعير، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «في الحبوب كلّها زكاة».

و روى أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشّعير و التّمر و الزّبيب، قال: فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب الحمّص و العدس زكاة؟ فوقّع عليه السّلام: «صدقوا الزّكاة في كلّ شي ء كيل». «1»

انّ هذه الرواية تشهد على صدق كلتا الطائفتين و صدورهما من الإمام، حيث إنّ الراوي في المكاتبة الأولى يحكي عمّا روى عن أبي عبد اللّه من أنّ رسول

______________________________

(1). الكافي: 3/ 510 ح 3 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

اللّه وضع الزكاة على تسعة و عفا عمّا سواها، فيصدقه الإمام بقوله: «كذلك هو»، و في الوقت يعقبه فورا بقوله: «و الزكاة على ما كيل بالصاع» فيجمع بين القولين، و يصدق القول الأوّل، مع صحّة القول الثاني أيضا.

كما أنّه يحكي في المكاتبة الثانية عن أبي عبد اللّه انّه قال: كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،

ثمّ يسأل الإمام عن الحبوب و الحمص و العدس، فيجيب الإمام: «صدقوا الزكاة في كلّ شي ء كيل» و ما معنى الجمع بين القول بالاختصاص و القول بالتوسعة؟

هذه هي روايات الباب، و قد عرفت أقسامها، و قد اختلفت كلمة الأصحاب في الجمع بينها، فهناك وجوه من الجمع نشير إليها:

الأوّل: ما يظهر من يونس بن عبد الرحمن و ربما يعبر عنه ب «يونس» مولى علي بن يقطين و قد روى بعنوان «يونس بن عبد الرحمن» حوالي 263 حديثا، فقد روى الكليني عنه و قال: قال يونس: معنى قوله: إنّ الزكاة في تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك إنّما كان ذلك في أوّل النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثمّ زاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فيها سبع ركعات، و كذلك الزكاة وضعها و سنّها أوّل نبوته على تسعة أشياء ثمّ وضعها على جميع الحبوب. «1»

و لعل إلى ذلك يشير ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض إلّا ما كان في الخضر و البقول، و كلّ شي ء يفسد من يومه». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5، قسم التعليقة، و قد حذف صاحب الوسائل ما نقل الكليني عن يونس و نقله محقّق الكتاب في التعليقة.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

و حاصله: انّ تشريع كلا الأمرين كان في عصر الرسول، فهو الذي حصره أوّلا في التسعة و عفا عن غيره، ثمّ وضعها على

جميع الحبوب.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ ما ذكر، يضاد مضمون روايات العفو التي هي ظاهرة في بقاء العفو إلى رحيله، و إلّا فلو كان العفو مختصا بفترة خاصة من حياته، لما صحّ الاحتجاج بعفوه على حكم الأجيال الآتية، مع أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السّلام قد احتجّوا بها على معاصريهم و من يأتي بعدهم.

و ثانيا: أنّ الطائفة الثالثة- كما مرّت- ترد أصل النسبة، ففي مرسلة القمّاط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء قد كان، و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا». «1»

و في رواية محمد الطيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أقول لك إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عفا عمّا سوى ذلك و تقول لي إنّ عندنا حبا كثيرا». 2

نعم في سند كلتا الروايتين ضعف، إذ الأولى مرسلة، و الثانية مشتملة على مجهول، أعني: محمدا الطيّار، نعم مضمون الحديث موجود في ما رواه علي بن مهزيار.

*** الثاني: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب، و هو الذي اختاره المفيد في «المقنعة» و الشيخ الطوسي في «التهذيب».

قال الأوّل: و تزكّى سائر الحبوب ممّا أنبتت الأرض فدخل القفيز و المكيال بالعشر و نصف العشر كالحنطة و الشعير سنّة مؤكّدة دون فريضة واجبة، و ذلك انّه

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

قد ورد في زكاة سائر الحبوب آثار عن الصادقين عليهم السّلام مع ما ورد عنهم في حصرها في التسعة، و قد ثبت انّ أخبارهم لا تناقض، فلم

يكن لنا طريق إلى الجمع بينها إلّا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه و حمل ما اختلفوا منه مع عدم التأكيد في الأمر به على السنّة المؤكدة. «1»

و قال الشيخ- بعد نقل ما رواه محمد بن مسلم، و أبو مريم الدالّين على وجوب الزكاة في سائر الحبوب-: و ما يجري مجراهما ممّا يتضمن وجوب الزكاة عليه فإنّها محمولة على الندب و الاستحباب دون الفرض و الإيجاب، و إنّما قلنا ذلك لئلّا تتناقض الأخبار. «2»

و أورد عليه صاحب الحدائق: بأنّه لو كان ما يدّعونه حقّا من أنّ أخبار الوجوب إنّما خرجت عنهم عليهم السّلام مرادا بها الاستحباب، و انّه لا تناقض و لا تدافع بين الأخبار في هذا الباب، لما خفي هذا المعنى على أصحاب الأئمّة المعاصرين لهم، و لما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار المنقولة عن المتقدمين، على المتأخرين عنهم «3» (كما في رواية علي بن مهزيار).

و الحقّ معه، فإنّ الممعن في الروايات يرى بينها تدافعا ظاهرا، فإنّ قوله:

«و ليس فيما أنبتت الأرض شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» «4»، أو قوله: «ليس في شي ء أنبتت الأرض من الارز و الذرّة و الدخن و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف» 5، يضاد مع ما دلّ على أنّ «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة». 6

______________________________

(1). المقنعة: 244، باب حكم الحبوب بأسرها في الزكاة.

(2). التهذيب: 4/ 3، باب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

(3). الحدائق: 12/ 109.

(4) (4 و 5 و 6). لاحظ الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8، 9، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي

استوجه كلام صاحب الحدائق، و انّ روايات الباب من المتناقضين في نظر العرف بحيث لا قرينية لإحداهما على الأخرى، لكنّه عدل عمّا ذكره و قال: «غير انّ هناك رواية واحدة من أجلها نحكم بالاستحباب، و هي صحيحة علي بن مهزيار، ثمّ ذكر الرواية الماضية» و قال: فإنّ تصديق الإمام لتلك الروايات المتعارضة المروية عن الصادق عليه السّلام ليس له وجه صحيح عدا إرادة الاستحباب فيما عدا التسع، و إلّا فلا يمكن في مثله الحمل على التقية بالضرورة، إذ لا معنى للتقية في تصديق الخبرين المتعارضين (إذ يكفي في رفعها، نقل أحدهما الموافق للتقيّة). «1»

يلاحظ عليه: أنّ أثر التقية ظاهر في الرواية، إذ لو كان الإمام بصدد بيان انّ الواجب هو التسعة و ما عداها مستحب، كان في وسعه بيان ذلك بأوضح العبارات لا بالنحو الوارد في المكاتبة.

توضيح ذلك: انّ الرواية تشتمل على مكاتبتين:

ففي المكاتبة الأولى حكى الراوي عن الإمام الصادق عليه السّلام، وضع الزكاة على التسعة و عفو رسول اللّه عمّا سواها، و ضمّ إليه ما دار بينه عليه السّلام و بين شخص آخر، حيث طرح الأرز على أمل أن تكون فيها الزكاة، لكن الإمام لم يعجبه كلامه و قال: «أقول لك: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك و تقول عندنا أرز ...».

هذا هو الذي كتبه عبد اللّه بن محمد إلى الإمام أبي الحسن الهادي عليه السّلام فأجاب الإمام بجملتين:

الف: «كذلك هو»: أي ما نقلت من الحديث عن الإمام الصادق صحيح

______________________________

(1). مستند العروة: 1/ 141- 142، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

حتى الحوار الذي دار بينه

و بين شخص آخر.

ب: و الزكاة على كلّ ما كيل بالصاع: أي مع أنّ الأوّل صحيح لكن موضوع الزكاة أوسع من التسعة.

هذا هو الجواب الذي كتبه الإمام، فلو كان الهدف من تصديق المتناقضين هو كون الزكاة في الأولى واجبة و في مطلق الحبوب مستحبة كان في وسعه أن يبيّنه بلفظ قالع للشبهة و رافع للحيرة، مع أنّه اقتصر بتصديق المتناقضين، و هذا يعرب عن أنّ الإمام كان بصدد بيان أمر آخر.

و في المكاتبة الثانية، حكى الراوي عن الإمام الصادق عليه السّلام خلاف ما حكاه عنه في المكاتبة الأولى حيث نقل عنه أنّه قال في الحبوب كلّها زكاة، و انّ كلّ ما دخل القفيز فهو في حكم الغلّات الأربع، فعندئذ صدّقه الإمام و وقع: صدقوا، الزكاة في كلّ شي ء.

و هذا النوع من الجواب (تصديق المتناقضين في الأولى) و اختيار أحد المتناقضين في الثاني، لا يكون دليلا على ما استفاده المحقّق الخوئي، من الوجوب في التسعة و الاستحباب في غيرها.

بل الحقّ انّ هذا النوع من التكلّم من أفصح الناس و أبلغهم، دليل على اقتران ظرف الجواب بمحذور أو محاذير دفعته إلى هذا النوع من التكلّم المحفوف بالإجمال.

و قد أشار صاحب الحدائق إلى بعض ما ذكرنا فقال: «فلو لم يحمل كلامه على التقية للزم التناقض بين الكلامين، و لو كان الاستحباب مرادا لما خفي على أصحاب الأئمّة المعاصرين لهم، و لما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار على الإمام، و مع تسليم الخفاء عليهم كان الأظهر في الجواب أن يقال: انّ المراد ممّا ظاهره

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

الوجوب، الاستحباب لا انّه يقرّ السائل على الحصر على التسعة، و مع هذا يوجب عليه إخراج الزكاة

فيما عداها. «1»

الثالث: حمل ما دلّ على سعة الموضوع على التقية، و أوّل من أشار إليه، هو السيد المرتضى في «الانتصار» حيث إنّه بعد ما نقل الخلاف عن يونس بن عبد الرحمن و ابن الجنيد- قال: و الأخبار التي تعلّق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الإمامية معارضة بأظهر و أكثر و أقوى منها و يمكن حملها بعد ذلك على أنّها خرجت مخرج التقية، فإنّ الأكثر من مخالفي الإمامية يذهبون إلى أنّ الزكاة واجبة في الأصناف كلّها. «2»

و ممّن أيّد خروج هذه الأخبار مخرج التقيّة صاحب الحدائق حيث قال:

الأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كلّ بلية، فإنّ القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و أحمد كما نقل في «المنتهى». «3»

و يؤيد الحمل على التقية روايات:

1. ما في مرسلة القمّاط «4» من قوله، فقال: إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إنّما وضع على تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب و قال: «كذبوا فهل يكون العفو إلّا عن شي ء قد كان» فهو ظاهر في أنّ القول بالتعلّق بمطلق الحبوب كان قولا مشهورا عند السنّة.

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 109.

(2). الانتصار: 210 ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(3). الحدائق: 12/ 108.

(4). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

2. ما روي من التأكيد على عدم التعلّق كما في صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عن صدقات الأموال؟ فقال: «في تسعة أشياء، ليس في غيرها شي ء».

«1»

و خبر الطيّار حيث إنّ السائل عند ما سأل عن الزكاة من الأرز، فنهره الإمام و زبره و قال: «أقول لك انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عفا عمّا سوى ذلك و تقول لي إنّ عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة؟!». 2

و سند الرواية و إن كان غير صحيح، لكن مضمونها موجود في رواية علي ابن مهزيار «3»، و بذلك يصير خبرا معتبرا.

إلى غير ذلك من الروايات التي تصلح لأن تكون قرينة على صدور الطائفة الأخرى من باب التقيّة.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9، 12.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 154

نعم يستحبّ إخراجها من أربعة أنواع أخر:

أحدها: الحبوب ممّا يكال أو يوزن، كالأرز، و الحمص، و الماش، و العدس، و نحوها.

و كذا الثمار كالتفاح، و المشمش، و نحوهما.

دون الخضر و البقول كالقثّ و الباذنجان، و الخيار، و البطيخ، و نحوها.

الثاني: مال التجارة على الأصحّ.

الثالث: الخيل الإناث دون الذكور، و دون البغال و الحمير و الرقيق.

الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء، كالبستان، و الخان، و الدكّان، و نحوها.* (1)

______________________________

(1)* أفاد المصنّف استحباب استخراج الزكاة من أنواع أربعة:

الأوّل: عامة الحبوب، و من الثمار: التفاح و المشمش و نحوها، و لا يستحب في الخضر و البقول، فنقول:

أمّا الحبوب فقد عرفت حال ما دلّ على الزكاة فيها و انّها وردت تقية، فكيف يمكن الحكم فيها بالاستحباب؟ إلّا من باب الصدقة المطلقة.

و أمّا الثمار: فقد ذكر التفاح و المشمش و نحوهما ممّا لها إمكان البقاء، فإنّ الأوّل إذ

جني غير ناضج يبقى مدّة مديدة، و الثاني يبقى بالتجفيف، إنّما الكلام في وجود الدليل على تعلّق الزكاة بالثمار، و الفواكه، فإنّ العناوين الواردة في روايات الطائفة الثانية الموسّعة لموضوع الزكاة لا يتجاوز عن الأمور التالية:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

1. الحبوب.

2. كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. «1»

3. كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. «2»

4. الصدقة في كلّ شي ء ممّا أنبتت الأرض.

5. الخضر.

أمّا الأوّل فالثمار ليست منها قطعا.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 155

و أمّا الثاني و الثالث، فالثمار تباع بالوزن أو بالعدّ، أو بالمشاهدة لا بالكيل مطلقا الذي منه القفيز.

و أمّا الرابع فالمتبادر «ممّا أنبتت» هو الحرث، لا الأشجار فثمرة الأرض هي نباتها و ثمرة الشجر، هي الفواكه فلا يطلق على ثمار الأشجار انّه ممّا أنبتت الأرض و إن كان حسب الدقة مما أنبتته الأرض، و لذلك عطف الإمام في صحيحة زرارة «الفواكه»، على ما أنبتته الأرض، مشعرا بمغايرتهما و قال: «ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرّة، و الدخن و الحمص، و العدس و سائر الحبوب و الفواكه ...». «3» بناء على عطف الفواكه على «شي ء».

و في صحيحة أخرى له: «جعل رسول اللّه الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض، إلّا ما كان من الخضر و البقول و كلّ شي ء يفسد من يومه» 4 فإنّ الاستنباط ظاهر في كون المستثنى منه، من سنخه و هو الحرث و النبات النابت من الأرض

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6،

الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، 1، 6.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(3) (3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9، 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 156

..........

______________________________

الموضوع عليها أو المرتفع عنها بقليل.

نعم ورد في روايتين «1»، عدّ الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر ممّا أنبتتها الأرض، لكن الإطلاق من باب التغليب، أي وصف الثمرتين بما يوصف به الأصفران من كونهما من نبات الأرض.

فما جنح إليه الفقيه الهمداني من أنّه لا يبعد دعوى خروج ثمر الأشجار عن منصرف إطلاق ما أنبتته الأرض متين «2»، و دعوى شموله لها «3»، غير واضح.

فتبيّن انّه لا دليل على وجوب الزكاة أو استحبابه في الثمار.

و أمّا الخضر، فلا يطلق على ثمار الأشجار و على فرض الإطلاق فهو منصرف عن الثمار.

إلى هنا تبين حكم الحبوب و الثمار، بقي حكم الخضر بما هو هو من غير تقييد بالثمار، فنقول:

قد تضافرت الروايات على عدمها في الخضر ففي صحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام انّه سئل عن الخضر فيها زكاة و إن بيعت بالمال العظيم؟

فقال: «لا، حتى يحول عليه الحول». «4» و الضمير يرجع إلى المال العظيم أي النقدين.

***

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 14، و الباب 9 منه، الحديث 8.

(2). مصباح الفقيه: كتاب الزكاة: 13/ 111.

(3). مستند العروة، كتاب الزكاة: 1/ 142.

(4). الوسائل: الجزء 6، الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

الثاني: أعني استحباب الزكاة في التجارة، و

سيأتي الكلام فيه من المصنّف في الفصل الخامس المختص بما يستحب فيه الزكاة، و نحن نحيل البحث فيها إليه.

الثالث: استحباب الزكاة في الخيل الإناث دون الذكور، روى محمد بن مسلم و زرارة عنهما عليهما السّلام قالا: «وضع أمير المؤمنين عليه السّلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا». «1»

و العتاق جمع العتيق، و المراد به كريم الأصل و هو ما كان أبواه عربيين، و البرذون- بكسر الباء- خلافه.

و لأجله يذم الشاعر: «برذون» أبا عصام بأنّه ليس فرسا، و إنّما هو حمار، دق باللّجام يقول:

كإن برذون أبا عصام زيد، حمار دقّ باللجام

و روى زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام هل في البغال شي ء؟ فقال: «لا» فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: «لأنّ البغال لا تلقح و الخيل الاناث ينتجن و ليس على الخيل الذكور شي ء». قال قلت: فما في الحمير؟

فقال: ليس فيها شي ء. قال: قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ فقال: «لا»، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء». «2»

أقول: المرج- بالجيم-: المرعى.

و إنّما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع أنّ ظاهرهما الوجوب لما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 158

[المسألة 1: لو تولّد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة و عدمها]

المسألة 1: لو تولّد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة و عدمها سواء كانا زكويّين أو

غير زكويّين أو مختلفين، بل سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين مع فرض تحقّق الاسم حقيقة، لا أن يكون بمجرد الصورة، و لا يبعد ذلك فإنّ اللّه قادر على كلّ شي ء.* (1)

______________________________

تقدّم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الأصناف التسعة.

و احتمل بعضهم انّ هذه الزكاة كانت تؤخذ في عصر الإمام علي عليه السّلام من أموال المجوس يومئذ جزية أو عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. و ظاهر الخبر الثاني يدفعه كما نبّه بذلك في الحدائق. «1»

*** الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء كالبستان و الدكان و نحوها. و ليس له دليل صالح و إلحاقه بالتجارة غير معلوم، لأنّها عبارة عن تبادل الأموال بعقود مختلفة من البيع، و الاجارة، و الرهن و الجعالة، و أمّا المقام فالأموال ثابتة و يراد منها الاستنماء و الاستغلال.

(1)* و ذلك لأنّ الأحكام تدور مدار الأسماء، و هي قاعدة فقهية مبحوث عنها في القواعد الفقهية.

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 152.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 159

الفصل الثاني في زكاة الأنعام الثلاثة

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 161

الفصل الثاني في زكاة الأنعام الثلاثة و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامّة- أمور:

[أما شرائطها]

[الأوّل: النصاب]
اشارة

الأوّل: النصاب و هو في الإبل اثنا عشر نصابا:

الأوّل: الخمس و فيها شاة.

الثاني: العشر و فيها شاتان.

الثالث: خمسة عشر و فيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون و فيها خمس شياه.

السادس: ستّ و عشرون و فيها بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن: ستّ و أربعون و فيها حقّة، و هي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع: إحدى و ستّون، و فيها جذعة و هي الّتي دخلت في

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 162

السنة الخامسة.

العاشر: ستّ و سبعون و فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى و تسعون و فيها حقّتان.

الثاني عشر: مائة و إحدى و عشرون، و فيها في كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين بنت لبون.* (1)

______________________________

(1)* النصاب هو الشرط الأوّل و يليه الشرط الثاني و هو السوم، و الثالث أن لا تكون عوامل، و الرابع مضيّ الحول، و سيوافيك الجميع في محلّه.

أمّا لزوم النصاب فعليه النصّ و الفتوى، أمّا الأوّل فيدلّ عليه ما يمر عليك من بيان النصب المختلفة المنتهية إلى اثني عشر نصابا، و أمّا الثاني: فقال في الحدائق بالإجماع من علماء الإسلام على ما نقله جملة من الأعلام «1» و لو كان هنا خلاف فإنّما هو في عدد النصب كما سيوافيك بيانه.

و قال ابن قدامة: أجمع المسلمون على أنّ ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه. «2»

و قال العلّامة في «المنتهى»: و قد أجمع

المسلمون على وجوب الزكاة في الإبل و قد تقدّم و الشرط فيه الملك و النصاب و السوم و الحلول بلا خلاف بين العلماء.

و قبل الخوض في الاستدلال نذكر أمرين:

الأوّل: في بيان المراد من «بنت مخاض» و غيرها. «3»

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 43 و سيوافيك نصّ العلّامة في ذلك المورد.

(2). المغني: 2/ 479.

(3). المنتهى: 1/ 479.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

قال الصدوق: أسنان الإبل، أوّل ما تطرحه أمّه إلى تمام السنة حوار.

فإذا دخل في السنة الثانية سمّي ابن مخاض، لأنّ أمّه قد حملت (و مثله بنت مخاض).

فإذا دخل في الثالثة سمّي ابن لبون، لأنّ أمّه قد وضعت و صار لها لبن.

فإذا دخل الرابعة سمّي الذكر حقّا و الأنثى حقّة، لأنّه قد استحق أن يحمل عليه.

فإذا دخل في الخامس سمّي جذعا «1» و بما انّ الصدقة تؤخذ من ابن المخاض إلى الجذع. اكتفينا بهذا المقدار، فمن أراد التفصيل فليرجع إلى «الفقيه». «2»

الثاني: اتّفقت كلمة الأصحاب- عدا ابن أبي عقيل- على أنّ نصاب الإبل هو اثنا عشر، و هو كما ذكره المصنّف و إليك توضيحه:

بيان ما في هذه النصب من الخصوصيات

الفاصل بين النصابين في الخمسة الأولى، هو الخمس فإذا بلغ خمسا و عشرين إبلا، ففيها خمس شياه، و زكاة هذه النصب من جنس الغنم، لا من جنس ما يزكّى أي الإبل، بخلاف النصب التالية فإنّ زكاة كلّ نصاب، من جنس الإبل.

كما أنّ الفاصل بين النصابين، في النصاب السادس و السابع، هو العشر على النحو التالي:

______________________________

(1). وجه التسمية لأنّه يجذع مقدّم أسنانه و يسقط.

(2). الفقيه: 2/ 13.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 164

..........

______________________________

فمن 26- 35 إبلا بنت مخاض.

و في 36- 45 إبلا بنت لبون.

كما أنّ الفاصل بين النصب الثلاثة التالية

هو خمس عشرة:

فمن 46- 60 إبلا حقّة.

و في 61- 75 إبلا جذعة.

و في 76- 90 إبلا بنتا لبون.

و الفاصل بين الحادي عشر و النصاب الثاني عشر، هو الثلاثون.

فمن 91- 120 حقّتان.

و إذا تجاوز عنه، فليس بعده أي نصاب فيها في كلّ خمسين حقة و في كلّ أربعين بنت لبون.

فتحصل انّ الفاصل بين النصابين بين النصب الخمسة الأولى، هو الخمس؛ و الفاصل بين النصابين من النصاب السادس و السابع، هو العشر؛ و الفاصل بين النصب الثلاثة: الثامن و التاسع و العاشر، هو الخمس عشرة؛ و الفاصل بين الحادي عشر إلى الثاني عشر هو الثلاثون، و لا نصاب بعد الثاني عشر.

إذا عرفت فأعلم أنّ النصاب عند أهل السنّة لا يتجاوز عن أحد عشر نصابا بإسقاط النصاب السادس و وافقهم ابن أبي عقيل كما سيوافيك.

فقد اتّفقوا معنا إلى أربعة نصب أي إلى العشرين، ففيه أربع شياه عندنا و عندهم، و افترقوا بأنّه إذا بلغ.

5. خمسا و عشرين فعندنا فيه خمس شياه، و إذا بلغ:

6. ستا و عشرين فعندنا فيه بنت مخاض و إذا بلغ:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

7. ستا و ثلاثين فعندنا فيه بنت لبون إلى خمس و أربعين.

و أمّا عند السنة: فإذا بلغ عندهم:

5. خمسا و عشرين فيه بنت مخاض.

6. اسقطوه.

7. ستا و ثلاثين ففيه ابنة لبون إلى خمس و أربعين.

فقد أسقطوا النصاب السادس: «الست و العشرون».

و قد تبعوا في ذلك الكتاب الذي كتبه أبو بكر لما وجّه أنس إلى البحرين، و جاء فيه: في أربع و عشرين فما دونها من الإبل في كلّ خمس شاة، فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا و

ثلاثين إلى خمس و أربعين ففيها بنت لبون أنثى.

و قال ابن قدامة: بعد ما روى كتاب أبي بكر بطوله: و لا يصحّ عن علي- رضي اللّه عنه- ما روي عنه في خمس و عشرين يعني ما حكي عنه خمس و عشرين خمس شياه. «1»

قال ابن رشد القرطبي: و أجمع المسلمون على أنّ في كلّ خمس من الإبل شاة إلى أربع و عشرين؛ فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا كانت ستا و ثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإذا كانت ستا و أربعين ففيها حقة إلى ستين، فإذا كانت واحدا و ستين ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإذا كانت ستا و سبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا كانت واحدا و تسعين ففيها حقتان إلى عشرين و مائة.

______________________________

(1). المغني: 2/ 479.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

لثبوت هذا كلّه في كتاب الصدقة الذي أمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و عمل به بعده أبو بكر و عمر و اختلفوا منها في مواضع: منها فيما زاد على العشرين و المائة. «1»

و هذا أيضا هو المروي عن ابن أبي عقيل.

قال العلّامة: المشهور انّ في خمس و عشرين من الإبل خمس شياه، فإذا زادت واحدة، وجب بنت مخاض أو ابن لبون ذكر، ذهب إليه الشيخان و السيد المرتضى، و ابنا بابويه، و سلّار، و أبو الصلاح، و ابن البراج و باقي علمائنا إلّا ابن أبي عقيل و ابن الجنيد «2» فانّهما أوجبا في خمس و عشرين بنت مخاض.

قال ابن أبي عقيل: فإذا بلغت خمسا

و عشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون. «3»

و على هذا يكون الفاصل بين النصابين أحد عشر لا العشر.

و قد عطف صاحب المدارك، ابن الجنيد على ابن أبي عقيل و انّه أيضا أسقط النصاب السادس، لكن العبارة التي حكاها العلّامة عنه في «المختلف»، تدلّ على أنّه لم يسقط النصاب السادس و قال فيه بمثل مقالة المشهور، و إنّما خالفهم في النصاب الخامس (خمس و عشرون) فإنّ النصاب فيه عند المشهور، خمس شياه فقط و عنده بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن في الإبل فابن لبون ذكر، فإن لم يكن فخمس شياه، فإن زاد على الخمس و العشرين بواحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين، و قد نبّه بذلك صاحب

______________________________

(1). بداية المجتهد: 259.

(2). شاركا في أنّ الواجب في النصاب الخامس هو بنت مخاض، و لم يشاركا في إسقاط النصاب السادس حيث أسقطه الأوّل دون الثاني كما سيتضح.

(3). المختلف: 3/ 168- 169.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 167

..........

______________________________

الحدائق. «1» فلاحظ.

إذا عرفت الأمرين، فاعلم أنّه يدلّ على قول المشهور روايات متضافرة نظير صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي رواها في «الكافي» و «التهذيب»، و صحيحة أبي بصير و صحيحة زرارة التي رواها الصدوق في «الفقيه» و هي مثل صحيحة أبي بصير إلّا في ذيلها، و إليك الصحيحة:

قال أبو جعفر عليه السّلام: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي ء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشرا ففيها (فإذا بلغت عشرا ففيها) شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت

خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة، ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّة، و إنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها، إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين و مائة، فإن زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون». «2»

و مع هذه الروايات المتضافرة، و فتوى المشهور بمضامينها لا يعتد بالفتوى الشاذة المنقولة عن ابن أبي عقيل و إن وردت على مضمونها رواية، و هي رواية الفضلاء التي يمكن أن يحتجّ بها لفتوى ابن أبي عقيل.

روى زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و بريد العجلي و الفضيل كلّهم، عن

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 44.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «في صدقة الإبل: في كلّ خمس، شاة إلى أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثمّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون ...». «1»

فقد خالفت الصحيحة فتوى المشهور في ثلاثة موارد:

1. جعل الواجب في خمس و عشرين بنت مخاض دون خمس شياه.

2. جعل بنت لبون لخمس و ثلاثين، مع أنها عندهم للست و الثلاثين.

3. أسقط النصاب السادس، أعني: الست و العشرين.

و

لا يحتج بها لوجوه:

أوّلا: أنّه موافق في عدد النصاب و عقوده مع الكتاب الذي كتبه أبو بكر إلى البحرين و قد نقلنا شطرا منه، و هذا يعرب انّ الرواية لم تصدر لبيان الحكم الواقعي، و إنّما يوافقهم في موردين دون مبدأ العقد و منتهاه كما هو معلوم عند المطابقة.

ثانيا: أنّ المحدّث الحرّ العاملي نقله عن كتاب «معاني الأخبار» و قال: و رواه الصدوق في «معاني الأخبار»، بسند ينتهي إلى حماد بن عيسى، مثله، إلّا أنّه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة: فإذا بلغت خمسا و عشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض- إلى أن قال:- فإذا بلغت خمسا و ثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون، ثمّ قال: إذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقّة، ثمّ قال ... «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من زكاة الأنعام، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من زكاة الأنعام، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 169

..........

______________________________

و على هذا فلا محيص من أحد الأمرين: الحمل على التقية، أو الإضمار.

و الأوّل أسهل و تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج حيث إنّه ذكر النصب إلى خمس و عشرين و قال: و في خمس و عشرين خمس؛ و في ست و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين.

و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس.

فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة. «1»

و ثالثا: انّ الإشكال في الصحيحة

المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع، بل الإشكال في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير حيث جعل مبدأ النصاب السادس هو 35 إبلا، و مبدأ السابع هو 45 إبلا، و مبدأ الثامن هو 60 إبلا؛ مع أنّ المبدأ في الجميع عند الفريقين يزيد بواحدة فإنّه لا قائل به بين العامة و الخاصة.

و على كلّ تقدير فلا يحتجّ به.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من زكاة الأنعام، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 170

بمعنى: أنّه يجوز أن يحسب أربعين أربعين و في كلّ منها بنت لبون، أو خمسين خمسين و في كلّ منها حقّة. و يتخيّر بينهما مع المطابقة لكلّ منهما، أو مع عدم المطابقة لشي ء منهما. و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفوا ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلّ منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و أربعين الأحوط اختيار الأربعين، و في المائتين و ستّين يكون الخمسون أقلّ عفوا، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقلّ عفوا.* (1)

______________________________

(1)* انّ الصور المذكورة في عبارة المصنف ثلاث:

1. إذا كان كلّ من العددين قابلا للانقسام لكلّ من العددين و عادّا للإبل الموجودة، بحيث إذا عدّا بكلّ واحد لا يبقى عقد «1»، في البين سواء بقي شي ء دون العشرة أو لا، فانّ النيّف 2، و الكسور قد عفي عنه، ففي صحيحة الفضلاء:

«و ليس على النيّف شي ء، و لا على الكسور شي ء». «3» فيصحّ الإخراج على وفق كلا العددين، و هذا كالمائتين: فيها أربع خمسينات و في كلّ، حقة، كما أنّ فيها خمس أربعينيات و في كلّ، بنت لبون، فيجوز العد بكلّ، و العمل على وفقه

و لا يبقى شي ء في البين، و لو افترضنا انّ الإبل فوق المائتين و دون العشرة لا يضر بقاء ما بقي من الآحاد بين العقود.

2. إذا كان معدودا بأحد العددين دون الآخر، أي قابلا للانقسام إلى

______________________________

(1) (1 و 2). العقد، الواحد إلى العشرة، و منها إلى العشرين و هكذا. و النّيف هو الآحاد، بين العقدين، يقال: عشر و نيّف.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من زكاة الأنعام، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 171

..........

______________________________

أحدهما دون الآخر، و ذلك كما في المائة و الخمسين، ففيها ثلاث خمسينات، و في كلّ حقة، و هل يصحّ عدّه بالأربعين، ففيها ثلاث أربعينيات، فيزيد ثلاثين؟ ظاهر الجواهر «1» تبعا للمدارك هو التخيير أيضا، أخذا بإطلاق صحيح زرارة: «فإن زادت على العشرين و المائة واحدة، ففي كلّ خمسين حقة و في كلّ أربعين ابنة لبون» «2». فله الأخذ بكلّ خمسين، كما له الأخذ بكلّ أربعين.

يلاحظ عليه: بأنّ الاستدلال إنّما يصحّ إذا كان الموضوع هو المائة و الإحدى و العشرين فقط، فإذا حكم فيه بالتخيير يلزم إلغاء العشرين من الإبل من النصاب إذا عد بالخمسين، و يكون دليلا على جواز الإلغاء في المائة و الخمسين إذا عدّت بالأربعين، و أمّا إذا كان الموضوع هو الكلي أي المائة و الاحدى و العشرين فما فوق من المراتب، فلا يكون الحكم بالتخيير منحصرا بالمائة و الإحدى و العشرين حتى يدلّ تلويحا على جواز إلغاء العشرين إذا عدّ بالخمسين.

و يدلّ على ذلك الوارد في صحيحة عبد الرحمن و أبي بصير- بعد قوله: فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة-: «فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقة». «3» فالموضوع ما زاد

على المائة و العشرين و له مصاديق كثيرة.

فالظاهر من الروايات في أمثال المقام ان جعل التخيير بين العددين لأجل الجمع بين حقوق الفقراء و تيسير العملية، فإذا كان أحد العددين عادّا بحيث لا يبقى في البين عقد دون الآخر، كما في المائة و الخمسين، يصدق عليه انّ فيه ثلاث خمسينات، و معه كيف يعدل عنها إلى ثلاث أربعينات؟!

3. أن لا يكون واحد منهما عادّا و كان العدد غير قابل للانقسام، و هذا

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 81.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 172

..........

______________________________

كالمائة و السبعين ففيها ثلاث خمسينات و يزيد عشرون، و أربع أربعينيات فيبقى عشرة، فهناك أقوال:

الأوّل: القول بالتخيير مثل الصورة الثانية، و الفرق بين الصورتين هو انّ أحد العددين كان عادّا في السابق و لم يكن يبقى في البين عقد، دون الآخر؛ بخلاف المقام، فالعددان غير عادّين، و يبقى عقد في البين على كلّ تقدير و عقدان على عد آخر.

الثاني: مراعاة الأقل عفوا، و هو الذي اختاره الماتن، و أوضح ذلك بمثالين:

الف: في المائتين و الستين يختار الخمسين، لكونه أقل عفوا و هو العشرة، بخلاف الأربعين فيزيد العشرون هو أكثر من العشر.

ب: في المائة و الأربعين يختار الأربعين لكونه أقلّ عفوا، إذ يبقى عندئذ عشرون، بخلاف ما إذا عدّ بخمسين، إذ عندئذ يزيد أربعون.

و هذا أيضا خيرة «الجواهر» قال: نعم قد يقال بوجوب مراعاة الأقل في خصوص المائتين و ستين. «1»

الثالث: التلفيق حيث لا يبقى معه موضوع للعفو و هو خيرة سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي و كثير من

أعلام العصر.

وجهه- كما أفاده المحقّق الخوئي قدّس سرّه- انّ مائة و واحدا و عشرين يتألف من ثلاث أربعينيات، فإن كان الزائد عشرة تضاف على واحد منها يصير خمسين أو أربعينين، و إن كان عشرين يضاف على اثنين منها فيصير أربعينا و خمسينين، و إن كان ثلاثين، يضاف على كلّ منها، فيصير ثلاث خمسينات، و إن كان أربعين،

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 81.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 173

[المسألة 1: في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون]
اشارة

المسألة 1: في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون، بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختيارا أيضا. و إذا لم يكونا معا عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء.* (1)

______________________________

فيحاسب بحسابه في حيال تلك الثلاثة فلا تتصور زيادة عقد ليتكلم في العفو عنه و يراعى الأقل عفوا». «1»

و حاصله: الأخذ بما يستوعب العقود منهما و لو بالتفريق، بأن يحاسب بعضها بالأربعين، و بعضها بالخمسين، و على هذا لا يكون عفو في شي ء من العقود و ينحصر العفو في الآحاد بين العقود.

ففي المائتين و ستين، يحسبها خمسينين و أربع أربعينات، و لا يبقى شي ء حتى يكون موضوعا للعفو، و في المائة و أربعين يحسبها خمسينين و أربعين.

و القول الثالث هو الأقرب ذلك- مضافا إلى حفظ حقوق الفقراء- انّه إذا كان الإبل مائة و أربعين، فلو حوسب بالأربعين بقي العشرون و لو حوسب بالخمسين لبقى الأربعون، فهذا المقدار الباقي مصداق لقوله: «في كلّ أربعين ابن لبون» فكيف يترك ذاك العدد؟ و على ذلك فالتلفيق بين العددين ليس شيئا خارجا من مفهوم الحديث بالدلالة المطابقية.

(1)*. الفروع المذكورة في العبارة ثلاثة:

1. إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون، لما في صحيحة زرارة و أبي

بصير و غيرهما: «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر». «2»

______________________________

(1). مستند العروة: كتاب الزكاة: 1/ 157.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 174

[الكلام في زكاة البقر]
اشارة

الكلام في زكاة البقر و أمّا في البقر فنصابان:

الأوّل: ثلاثون، و فيها تبيع أو تبيعة و هو ما دخل في السنة الثانية.

الثاني: أربعون، و فيها مسنّة، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

و فيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنّة.* (1)

______________________________

2. إذا كان عنده البدل و المبدل، فهل يجزي البدل، نظرا إلى قيام علوّ السنّ مقام الانوثة أو لا؟ ظاهر النصّ انّ الإجزاء مشروط بعدم وجود المبدل و إلّا فلا يجزي، و ما ذكره من قيام علو السن مقام الأنوثة أمر ظني لم يدلّ عليه دليل.

3. إذا لم يكن عنده المبدل و البدل، فهل يجب عليه تحصيل المبدل، أو يكون مخيرا بينهما؟ مقتضى البدلية هو لزوم تحصيل المبدل، و ما ورد في النصّ (الفرع الأوّل) من إجزاء البدل عند عدم المبدل في تقدير خاص و هو ما إذا كان عنده بدل، لا ما إذا لم يكن عنده.

(1)* هنا أمور:

1. عدد النصاب منحصر في ثلاثين و أربعين.

2. ما هو الواجب في الأوّل و الثاني؟

3. إذا زاد على الأربعين فهو مخيّر بين العدّ بأحدهما.

4. هل الواجب في الثلاثين خصوص التبيع أو يكفي التبيعة أيضا؟

و إليك التفصيل:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 175

الأمر الأوّل: في نصاب البقر

______________________________

إنّ نصاب البقر منحصر في ثلاثين و أربعين، و أمّا الزائد على الأربعين فيعدّ بأحد العددين.

قال الشيخ: لا شي ء في البقر حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة، و هو مذهب جميع الفقهاء.

و قال سعيد بن المسيب و الزهري: فريضتها في الابتداء كفريضة الإبل في كلّ خمس، شاة إلى ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع. «1»

و قال ابن قدامة: و إذا

ملك الثلاثين من البقر فأسامها أكثر السنة ففيها تبيع أو تبيعة إلى تسع و ثلاثين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنّة إلى تسع و خمسين. «2»

و يدلّ عليه من النصوص، صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا في البقر: «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقلّ من ذلك شي ء، و في أربعين بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين، شي ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة ...». «3»

و عن الأعمش، عن جعفر بن محمد في حديث شرائع الدين: «و تجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حوليّة «4»، فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة، ثمّ يكون فيها مسنّة إلى ستين». «5»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 18، كتاب الزكاة، المسألة 14.

(2). المغني، قسم المتن، للشيخ الخرقي 2/ 493.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4). هذا القيد ورد في هذا الحديث، مع أنّ الزكاة تجب في مطلق البقر. نعم أفتى سلّار باشتراط الأنوثة فلا زكاة في الذكران عنده بالغا ما بلغت، لاحظ المراسم: 129، و المختلف: 3/ 167.

(5). الوسائل: الجزء 6، الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

و المسألة مورد اتفاق إلّا ما سمعته من الشيخ.

الأمر الثاني: في إجزاء التبيعة

إنّ الوارد في الروايتين هو «تبيع حولي» (و سيوافيك معنى اللفظين) لكن المفتى به لدى المشهور، هو الأعم من التبيع و التبيعة؛ فقد عطف الثانية على الأوّل كل من الشيخين في المقنعة، و الخلاف و المبسوط، و السيد المرتضى، و سلّار، و أضاف العلّامة: و باقي المتأخّرين. «1» كما في

الوسيلة «2» و الغنية «3»، و السرائر «4» و الشرائع «5»، و الجامع لابن سعيد. «6»

و لكن الوارد في النصوص هو التبيع فقط، ففي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا في البقر: «في كلّ ثلاثين بقرة، تبيع حوليّ» «7» كما أنّ رواية الخصال عن الأعمش، عن جعفر بن محمد «و تجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حوليّة فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة». «8»

فعليهما يتعيّن التبيع و لا تجزي التبيعة. و عليه ابن أبي عقيل، و علي بن بابويه. «9»

و ممّن نبّه بهذا صاحب الحدائق، قال: إنّ التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار، و صحيحة الفضلاء إنّما تضمّنت التبيع خاصة

______________________________

(1). المختلف: 3/ 178.

(2). الوسيلة: 125.

(3). الغنية: 1/ 222.

(4). السرائر: 1/ 436.

(5). الشرائع: 1/ 111.

(6). الجامع للشرائع: 128.

(7). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(8). الوسائل: الجزء 6، الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(9). المختلف: 3/ 178.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

كما عرفت. «1»

و قد حاول صاحب الجواهر «2» و غيره أن يدعم فتوى المشهور، فذكروا وجوها، نذكرها تباعا:

الوجه الأوّل: انّ المحقّق في «المعتبر» نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور، و لعلّه كان في بعض الأصول التي كانت عنده، فروى: و في البقر من كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة. «3»

يلاحظ عليه: أنّ العبرة بالمصدرين: «الكافي» و «التهذيب» و ليس فيهما عنها عين و لا أثر، و لعلّه صدر عن قلمه سهوا.

الوجه الثاني: انّ الصدوق و إن اقتصر في «الفقيه» و «المقنع» على قوله: «تبيع حولي» لكنّه

في النّصب المتأخّرة كالستين و السبعين عبر بما يلي: فإذا بلغت ستين ففيها تبيعتان إلى سبعين، ثمّ فيها تبيعة و مسنّة إلى ثمانين.

يلاحظ عليه: أنّ النسخة المحقّقة الصحيحة على سبع نسخ من المقنع على خلاف هذا، فقد جاء فيها «تبيعان» مكان «تبيعتان» و «تبيع» مكان «تبيعة».

ثمّ نقل المحقّق في الهامش اللفظ المؤنث عن نسختين، و يظهر من مقدمة المحقّق انّه صحح النسخة المطبوعة على سبع نسخ، فعلى هذا ففي خمس منها جاء اللفظ مذكرا و في اثنتين مؤنثا. «4»

الوجه الثالث: قد جاء في نصاب التسعين في رواية الفضلاء، قوله: «فإذا

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 56.

(2). الجواهر: 15/ 115.

(3). المعتبر: 260، الطبعة الحجرية.

(4). المقنع: 159، ط مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 178

..........

______________________________

بلغ التسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات» كما عليه نسخة الوسائل «1». و التبايع جمع التبيعة.

يلاحظ عليه: أنّ الموجود في «التهذيب» ثلاث حوليات. «2» و نقله صاحب الحدائق «3» هكذا: ففيها ثلاث حوليات تبيعات، و هي في غير ذوي العقول جمع للمذكر و المؤنث، و على ذلك فلا يبقى اطمئنان بنسخة الوسائل و إن كان الموجود في الكافي أيضا مثلها.

الوجه الرابع: انّ في تذكير العدد «ثلاث تبايع أو تبيعات» دلالة على تأنيث المعدود، لأنّ العدد بين الثلاث و التسع يخالف المعدود في التذكير و التأنيث.

و أجاب عنه المحقّق الخوئي بأنّ التأنيث لأجل التأويل إلى الجماعة لا باعتبار تأنيث المفرد، كما وقع نظيره في بعض النصوص كروايتين وردتا في باب الشهادة على الزنا فقد عبر فيهما بأربع شهود. «4» مع عدم ثبوته بشهادة أربع نسوة جزما فكان اللازم أن يعبر فيهما بأربعة شهود.

يلاحظ عليه: أنّ التأنيث لأجل التأويل إلى الجماعة خلاف

الظاهر، و ما استشهد من الحديثين ففي غير محلّه، و ذلك لأنّ النسخة المصححة من «التهذيب» على خلاف المطبوع من الوسائل.

روى في الوسائل الرواية الأولى، هكذا: حدّ الرجم أن يشهد أربع انّهم رأوه ...» و لكن في التهذيب المطبوع المصحح، هكذا: أن يشهد أربعة انّهم رأوه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). التهذيب: 4/ 25، باب زكاة الغنم، الحديث 1.

(3). الحدائق: 12/ 55.

(4). الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 1 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

روى في الوسائل الحديث الثاني: حتى يشهد الشهود الأربع.

و لكن الموجود في التهذيب المصحّح: حتى تقوم البيّنة الأربعة شهود، أنّهم ... «1»

و العجب انّ السيد الخوئي مع أنّه لمس ما في هذه الكتب المطبوعة من التحريف و التحوير اعتمد على النسخة المطبوعة من الوسائل و جعلها شاهدا لكلامه.

و الأولى أن يجاب بما نوّه به، و هو انّ سياق الصحيح يشهد بأنّ المراد إنّما هو «التبيع» لا «التبيعة»، و ذلك لأنّ الحكم في المراتب اللاحقة ليس حكما ابتدائيا، و إنّما هو تطبيقات و تفريعات على الضابط المذكور في الصدر من أنّ في كلّ ثلاثين تبيع و في كلّ أربعين مسنّة، و لأجله تنحصر أصول نصب البقر في نصابين كما مرّ، فالستون و السبعون و الثمانون و التسعون و المائة و العشرون كلّها مصاديق لتلك الكبرى لا أنّها تتضمن حكما جديدا، و حيث إنّ المذكور في الصدر تبيع في الثلاثين و لأجله ذكر تبيعان في الستين، فلا جرم يكون المراد ثلاثة تبايع ذكور في التسعين. «2»

الوجه الخامس: ما رواه صاحب «المستدرك» عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي بصير،

قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس فيما دون ثلاثين من البقر شي ء، فإذا كانت الثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، و إذا كانت أربعين ففيها مسنّة». «3»

______________________________

(1). التهذيب: 10/ 2، باب حدود الزنا، الحديث 4 و 2.

(2). مستند العروة الوثقى: 1/ 169.

(3). المستدرك: 7/ 60، باب تقدير النصب في البقر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

و الحديث غير مسند كما هو الحال في أكثر ما ينقله النوري في مستدركه، إذ لم يثبت انّ النسخة التي نقل عنها المحدّث النوري تطابق نسخة المؤلّف إذ ليس له سند إلى الكتاب.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي ذكر ورود التبيعة في الفقه الرضوي و رواية الأعمش في الخصال. «1» و لكن النسبة غير صحيحة.

أمّا الرضوي فقد نقلها في «المستدرك» هكذا: «في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي». «2»

و أمّا رواية الأعمش فقد سبق منّا القول بموافقتها لصحيحة الفضلاء، و إليك نصّها: إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ إلى أربعين بقرة. «3»

و لعلّ وجود التبيعة وصفا لما يزكّى في حديث الأعمش صار سببا لخطأ الباصرة و توهم أنّها وصف لما يجب على المالك إخراجه.

الوجه السادس: ما ذكره العلّامة في «المختلف» بأنّ التبيعة أفضل من التبيع، فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس، و هو أحوط فيتعين التخيير. «4»

و ما ذكره مضافا إلى أنّه غير تام، لأنّه ربّما يكون التبيع أفضل لضراب

______________________________

(1). مستند العروة: كتاب الزكاة: 1/ 169.

(2). المستدرك: 7/ 61، الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(3). الوسائل: 6، الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(4). المختلف: 3/ 178. و كأنّه يريد من الايجاب «الامتثال»

إذ لا معنى انّ ايجاب «الأفضل» يستلزم ايجاب «الفاضل» فتدبّر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

الفحل و الحرث و غير ذلك، انّه أشبه بتنقيح المناط بصورة ظنية، و هي ليست بحجّة.

فلم يبق في المقام شي ء يستند إليه سوى الشهرة الفتوائية الآنفة الذكر مع رواية حميد الحنّاط، و لعلّ المشهور جعلوا ذكر «التبيع» رمزا للتبيعة، أي البقر الحولي من دون نظر إلى الذكورية أو الأنوثية كما في قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم». و في الآيات التي تتخذ المؤمنين موضوعا للحكم مع أنّها أعمّ.

و على كلّ تقدير فالأحوط الاقتصار على التبيع دون التبيعة.

إلى هنا تمّ الكلام في الأمرين.

الأمر الثالث: ما هو معنى التبيع و المسنّة؟

قد ذكر الجوهري و الفيروزآبادي أنّ التبيع ولد البقر في السنة الأولى، و يظهر من بعضهم أنّه ولد البقر إذا أتمّ السنة الأولى و دخل في الثانية.

ففي «اللسان» التبيع من البقر يسمّى تبيعا حينما يستكمل الحول، و لا يسمّى تبيعا قبل ذلك، فإذا استكمل عامين فهو جذع، فإذا استوفى ثلاثة أعوام فهو ثني. «1»

و يؤيد ذلك رواية الفضلاء: في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي؛ فلو كان المراد هو البقر في السنة الأولى لما احتاج إلى كلمة حولي، لأنّ ولد البقر إذا ولد يكون في السنة الأولى، فأراد انتقاله من السنة الأولى إلى الثانية، و الحولي منسوب إلى الحول كأنّه يحول من حول إلى حول بإكمال السنة الأولى.

و أمّا المسنّة فهي الثنية التي كملت لها سنتان و دخلت في الثالثة.

______________________________

(1). لسان العرب: 8/ 29، مادة تبع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

قال العلّامة في «التذكرة»: إنّ ولد البقر إذا كمل سنتين و دخل في الثالثة فهو ثني

و ثنية، و هي المسنة شرعا. «1»

و يظهر من «اللسان» انّها عبارة عمّا يستكمل ثلاثة أعوام، يقول: فإذا استوفى ثلاثة أعوام فهو ثني و حينئذ مسن، و الأنثى مسنّة، و هي التي تؤخذ في أربعين من البقر.

الأمر الرابع: في كيفية عدّ فوق الأربعين

اختار المصنّف فيه التخيير و قال: و فيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنّة.

و ظاهر العبارة انّه يتخيّر في العد كما كان يتخيّر في عدّ الإبل؛ فعلى ذلك فلو كان عنده ستون بقرة يتخيّر بين عدّها بالثلاثين فيعطي تبيعين، كما أنّ له عدّها بالأربعين فيعطي مسنّة.

و مثله السبعون فله عدّه بأحد العددين، و لكنّه غير مراد قطعا فإنّ الإمام قد صرّح بعده بالثلاثين في الستين و بالتلفيق في السبعين، فقال: «فإذا بلغ الستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين» و هذا يدلّ على لزوم التطبيق على أحد العددين أو التلفيق.

______________________________

(1). التذكرة: 1/ 213.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 183

[ [الكلام في زكاة الغنم]]
اشارة

[الكلام في زكاة الغنم] و أمّا في الغنم فخمسة نصب:

الأوّل: أربعون، و فيها شاة.

الثاني: مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كلّ مائة شاة. و ما بين النصابين في الجميع عفو فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.* (1)

______________________________

(1)* قال الشيخ: زكاة الغنم في كلّ أربعين، شاة إلى مائة و عشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاثة شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة، فإذا بلغت ذلك ففي كلّ مائة شاة: و بهذا التفصيل قال النخعي و الحسن بن صالح بن حي.

و قال جميع الفقهاء: أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم مثل ذلك، إلّا أنّهم

لم يجعلوا بعد المائتين و واحدة أكثر من ثلاث إلى أربعمائة، و لم يجعلوا في الثلاثمائة و واحدة أربعا كما جعلناه.

و في أصحابنا من ذهب إلى هذا على رواية شاذة، و قد بيّنّا الوجه فيها، و هو اختيار المرتضى. «1»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 21، كتاب الزكاة، المسألة 17.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

و يظهر من العلّامة انّ الخلاف بين أصحابنا في موردين:

الأوّل: انّ أول نصب الغنم أربعون عند الشيخين و ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و السيد المرتضى و سلّار و ابن البراج و ابن حمزة.

غير انّ ابنا بابويه ذهبا إلى أنّه ليس على الغنم شي ء حتى يبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة. «1»

الثاني: ما أشار إليه الشيخ في كلامه من أنّ نصاب الغنم خمسة؛ و هو خيرة الشيخ، و ابن الجنيد، و أبي الصلاح، و ابن البراج.

و هناك من ذهب إلى أنّ النصاب أربعة حيث لم يجعلوا بعد المائتين و واحدة أكثر من ثلاث إلى أربعمائة، و لم يجعلوا في الثلاثمائة و واحدة أربعا، و هو خيرة السيد المرتضى، كما هو خيرة ابن أبي عقيل، و ابن بابويه، و سلّار، و ابن حمزة، و ابن إدريس. 2

فعلى هذا القول فالنصب بالنحو التالي:

الأوّل: أربعون، و فيها شاة.

الثاني: مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة و فيهما ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة فما زاد ففي كلّ مائة شاة.

و على كلا القولين رواية.

أمّا خيرة الشيخ فتدلّ عليها صحيحة الفضلاء. فقد جاء فيها:

______________________________

(1) (1 و 2). المختلف: 3/ 81 و 179.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 185

..........

______________________________

1. في كلّ أربعين شاة شاة.

2. فإذا زادت على مائة و

عشرين (واحدة) ففيها شاتان.

3. فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه.

4. فإذا بلغت ثلاثمائة و زادت واحدة ففيها أربع شياه.

5. فإذا تمت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة. «1»

و يدلّ على القول الآخر رواية محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة.

فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين.

فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة». 2

و على ذلك فالروايتان متعارضان فيمن كان له ثلاثمائة و خمسين غنما، فعلى الصحيحة، يدفع أربع شياه، و على رواية محمد بن قيس يدفع ثلاث شياه، لتصريحها بأنّه لكلّ مائة بعد المائتين و واحدة، شاة، فيقع الكلام في معالجة التعارض فذهب العلّامة إلى وجود الضعف في طريق الرواية الثانية و قال: بأنّ في طريقه محمد بن قيس، و هو مشترك بين أربعة أحدهم ضعيف، فلعلّه إيّاه. «3»

يلاحظ عليه: أنّه مشترك بين ستة أشخاص؛ و هم بين: ضعيف و ممدوح، و مهمل و ثقة؛ لكنّه عند الإطلاق ينصرف إلى محمد بن قيس البجلي صاحب

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

(3). المختلف: 3/ 180.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

الأقضية، و محمد بن قيس أبو نصر الأسديّ، و كلاهما ثقة. «1»

و ينحصر العلاج في الجمع، أو الطرح.

أمّا الأوّل فيمكن أن يقال لا تعارض بين الصحيحين، لخلو صحيح ابن قيس عن التعرّض لذكر زيادة الواحدة على ثلاثمائة، فإنّ قوله عليه السّلام: «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» يقتضي كون بلوغ

الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا.

و الكلام الذي بعده «فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» يقتضي إناطة الحكم بثبوت وصف الكثرة، و فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي ء، فلا يتناوله الحكم حتى يقع التعارض، بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على بيان حكم لم يتعرض له في الصحيح المزبور لحكمة و لعلّها التقية. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من الحديث انّ الإمام في مقام البيان، فعدم ذكره النصاب الرابع، أعني: «الثلاثمائة و واحدة» يكشف عن عدم كونه نصابا، بل النصاب بعد الثلاثمائة، هو لكلّ مائة شاة، و على ضوئها ففي ثلاثمائة و واحدة ثلاث شياه، مع أنّ مقتضى صحيحة الفضلاء، هو أربع شياه.

و الوجه الواضح ما في ذيل كلامه من أنّ عدم ذكر النصاب الرابع للتقيّة، و يؤيّد ذلك أنّه فتوى فقهائهم، ففي «المغني»: فإذا ملك أربعين من الغنم فأسامها أكثر السنة ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت ففي كل مائة شاة، شاة. «3»

______________________________

(1). معجم رجال الحديث: 17/ 175- 176.

(2). الجواهر: 15/ 84- 85 نقلا عن بعض الأفاضل.

(3). المغني: 2/ 497.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 187

سؤال و إجابة

______________________________

ثمّ إنّ هنا سؤالا طرحه المحقّق- على ما في المدارك- في درسه «1» و حاصله:

ما هو فائدة تشريع النصاب الخامس، فإذا كان الواجب في أربعمائة ما هو الواجب في ثلاثمائة و واحدة، فأيّ فائدة في تشريع نصابين، فإنّ الواجب لا يتغيّر من ثلاثمائة و واحدة إلى أربعمائة و تسع و تسعين، فتشريع النصاب الرابع باسم أربعمائة أمر لا فائدة فيه؟

و هذا السؤال لا يختص بقول المشهور بل يطرح على

القول الآخر، فإذا كان الواجب في ثلاثمائة و واحدة نفس الواجب في المائتين و واحدة، فأي فائدة في تشريع النصاب الرابع، لأنّ الواجب في كلا النصابين ثلاث شياه و لا تتغير الفريضة حتى تبلغ أربعمائة.

و قد أجاب عنه المحقّق في «الشرائع» بقوله: «تظهر الفائدة في الوجوب و في الضمان». «2»

و إليك توضيح الفائدتين:

أمّا الفائدة الأولى فتنحصر في تعيين متعلّق الوجوب، فلو قلنا بأنّ النصاب بعد الثلاثمائة و واحدة هو الأربعمائة فتكون الأخيرة متعلّقة للوجوب، و أمّا إذا قلنا بأنّه لا نصاب بعد الثلاثمائة و واحدة إلّا أن يبلغ إلى خمسمائة تكون الأخيرة متعلقة للوجوب.

هذا من جانب و من جانب آخر لو قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بالنصاب من باب

______________________________

(1). المدارك: 5/ 63.

(2). الجواهر: 15/ 87، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

الشركة و الإشاعة و من المعلوم أنّ الإشاعة فيما يقع تحت النصاب لا الخارج عنه الذي يسمّى بالعفو، و على هذا فلو ملك أربعمائة فلا يجوز له التصرف فيه قبل إخراج حقّ الفقير لكونه متعلّقا للنصاب.

نعم يجوز له التصرف بين الثلاثمائة و واحدة و أربعمائة كما يجوز له التصرف بين أربعمائة و أربعمائة و تسع و تسعين، و أمّا في خصوص الأربعمائة فلا لكونه متعلّقا للوجوب.

بخلافه على القول الآخر فيجوز له التصرف بعد الثلاثمائة و واحدة حتى في أربعمائة إلى أربعمائة و تسع و تسعين.

نعم هذه الثمرة مبنية على القول بتعلّق الزكاة بالعين على وجه الإشاعة و الشركة، و أمّا على القول بأنّ تعلّقها من قبيل الكلّي في المعيّن أو المالية السيّالة كما هو المختار فالثمرة منتفية. لأنّ التصرّف في النصاب جائز إلى أن يبقى بمقدار الواجب على القول بأنّ التعلّق

من قبيل الكلّي في المعين، و مطلقا على القول بالمالية السيّالة، لأنّه عندئذ تنتقل الزكاة إلى عوض النصاب.

هذا كلّه حول الثمرة الأولى، و أمّا الثمرة الثانية التي أشار إليها المحقّق بقوله: في الضمان، و هي أيضا متفرعة على محل الوجوب، و ما سيوافيك من أنّ تلف ما بين النصابين الذي يسمّى بالعفو لا يكون مؤثرا في سهم الفقير من الزكاة، فلو قلنا بأنّ الأربعمائة نصاب فلو تلفت واحدة من أربعمائة بعد الحول بغير تفريط فقد سقط من الوجوب جزء من مائة جزء من شاة، لأنّ كلّ شاة من النصاب تقسم إلى مائة جزء، فجزء منه للفقير و الباقي (التسع و التسعون) للمالك هذا إذا قلنا بأنّ أربعمائة نصاب، و أمّا إذا لم نقل به فلا يسقط من الوجوب شي ء ما لم يصل إلى الخمسمائة، لأنّ الأربعمائة من مصاديق العفو على هذا القول.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 189

[المسألة 2: البقر و الجاموس جنس واحد، كما أنّه لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي]

المسألة 2: البقر و الجاموس جنس واحد، كما أنّه لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي «1»، و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن. و كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى في الكلّ.* (1)

______________________________

و أمّا إذا قلنا بأنّ النصاب هو الثلاثمائة و واحدة فلو تلفت واحدة من ذلك النصاب يسقط جزء من ثلاثمائة جزء و جزء، من أربع شياه أي يقسم أربع شياه إلى ثلاثمائة و واحدة فيسقط منه جزء، و ذلك لأنّ نسبة التالف إلى النصاب نسبة فيسقط من 4 شياه، بمقدار هذه النسبة أي جزء من 301 جزءا.

و إلى ما ذكرنا يشير الشهيد الثاني في «الروضة» بقوله: و منه تظهر فائدة النصابين الأخيرين من الغنم على القولين، فإنّ وجوب

الأربع في الأزيد و الأنقص يختلف حكمه مع تلف بعض النصاب كذلك (بلا تفريط) فيسقط من الواجب بنسبة ما اعتبر من النصاب.

فبالواحدة من الثلاثمائة و واحدة، (يسقط) جزء من ثلاثمائة جزء و جزء، من أربع شياه، و من الأربعمائة جزء من أربعمائة جزء منها. «2»

(1)* أمّا عدم الفرق بين البقر و الجاموس فيدلّ عليه مضافا إلى صدق الاسم عليهما صحيحة زرارة قال: قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال: «مثل ما في البقر». «3»

و أمّا عدم الفرق بين العراب و البخاتي فيدلّ عليه مضافا إلى صدق الاسم عليهما ما في صحيحة الفضلاء قال: فما في البخت السائمة شي ء؟ قال: «مثل ما

______________________________

(1). البخت نوع من الإبل، الواحد بختي مثل روم و رومي، و هناك نوع آخر من الإبل يسمى لوكا و هو قسم من الإبل قليل الشعر. لاحظ المبسوط: 1/ 201؛ إصباح الشيعة: 113.

(2). الروضة البهية: 2/ 21.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 190

[المسألة 3: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت عليهم]

المسألة 3: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت عليهم، و إن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط، و إن كان المجموع نصابا، و كان نصيب كلّ منهم أقلّ لم يجب على واحد منهم.* (1)

______________________________

في الإبل العربية». «1»

(1)* المسألة مورد خلاف بيننا و بين فقهاء السنّة، فانّه لا عبرة عندنا بالخلط في الزكاة؛ من غير فرق بين خلطة الأعيان، كالشركة المشاعة مثل أن يكون بين الرجلين أربعون شاة مشتركة مشاعة، أو خلطة الأوصاف كما إذا كان مال كلّ واحد منهما معينا لكن يشتركان في المرعى و الفحولة؛ خلافا للشافعي حيث قال بأنّه لو كان بينهما أربعون شاة

كان فيها شاة كما لو كانت لواحد، كما أنّه لو كان بينهما ثمانون ففيها شاة أيضا كما لو كانت لواحد، بل لو كانت مائة و عشرون شاة لثلاثة ففيها شاة واحدة، كما لو كانت لواحد. «2»

و أمّا على ضوء ما ذكرنا من أنّه لا تأثير للخلطة و الإشاعة، فلو بلغ نصيب كلّ حدّ النصاب يجب على كلّ منهم إخراجها، فلو بلغ البعض دون الآخر، يجب على من بلغ فقط، و إن لم يبلغ نصيب كلّ النصاب لا يجب على الجميع.

و حكم الجميع واضح، لأنّ قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» خطاب للمكلّف، و الخطاب و الشرط متحقّقان في الجميع كما في القسم الأوّل أو في القسم الثاني فيجب على كلّ واحد ما يجب في نصابهم أخذا بالإطلاق، و ليس كذلك في الثالث خصوصا بالنظر إلى ما رواه زرارة عن أبي

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الخلاف: 2/ 35، كتاب الزكاة، المسألة 35.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 191

[المسألة 4: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا- و لو متباعدا- يلاحظ المجموع]

المسألة 4: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا- و لو متباعدا- يلاحظ المجموع، فإذا كان بقدر النصاب وجبت، و لا يلاحظ كلّ واحد على حدة.* (1)

______________________________

جعفر: قلت له: مائتا درهم بين خمسة اناس أو عشرة حال عليهما الحول و هي عندهم أ تجب عليهما زكاتها؟ قال عليه السّلام: لا هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شي ء حتّى يتم لكلّ إنسان منهم مائتا درهم. قلت: و كذا في الشاة و الإبل و البقرة و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم. «1»

(1)* لا عبرة بالتفرق في المكان إذا

كان المالك واحدا فيلاحظ المتفرقات كأنّها مجتمعة في مكان واحد، كما إذا كان في المكان الواحد حقيقة، مثلا إذا كان لرجل واحد ثمانون شاة في موضعين أو مائة و عشرون في ثلاثة مواضع لا يجب عليه أكثر من شاة واحدة لما مرّ في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في كلّ أربعين شاة، شاة و ليس فيما دون الأربعين شاة، شي ء ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة ... فإذا زادت واحدة ففيها شاتان. «2» خلافا للشافعي، حيث قال: لا يجمع بين ذلك بل يؤخذ منه في كلّ موضع إذا بلغ النصاب ما يجب فيه، و كأنّه يرى تعلق الزكاة بالنصاب تعلّقا وضعيا فأينما وجد أربعون شاة فواحدة منها للفقراء مثلا سواء أ كان المالك واحدا أو كثيرا، و المفروض انّ هنا ثمانين شاة في موضعين فيجب شاتان و إن كان المالك واحدا، و قد عرفت أنّه خلاف ظاهر الأدلّة.

و أمّا ما رواه الفريقان عن النبي لا يجمع بين متفرق، و لا يفرق بين مجتمع «3»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). سنن أبي داود: 2/ 98 برقم 1568؛ الوسائل: 6، الباب 11 من زكاة الأنعام الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 192

[المسألة 5: أقلّ أسنان الشاة الّتي تؤخذ في الغنم و الإبل من الضأن الجذع، و من المعز الثنيّ]
اشارة

المسألة 5: أقلّ أسنان الشاة الّتي تؤخذ في الغنم و الإبل من الضأن الجذع، و من المعز الثنيّ. و الأوّل ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية، و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة. و لا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة

من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى، سواء كانت من ذلك البلد أو غيره، و إن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب، و كذا الحال في الإبل و البقر، فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى لا الأعلى و لا الأدنى، و إن كان لو تطوّع بالعالي أو الأعلى كان أحسن و زاد خيرا. و الخيار للمالك لا الساعي أو الفقير، فليس لهما الاقتراح عليه، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقيّة، من النقدين أو غيرهما. و إن كان الإخراج من العين أفضل.* (1)

______________________________

فهو كلام مجمل، يحتمل أن يكون راجعا إلى آداب الصدقة، مضافا إلى ما ذكره الشيخ في «الخلاف» و قال: أمّا ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لا يجمع بين متفرق، و لا يفرق بين مجتمع» فنحمله على أنّه لا يجمع بين متفرق في الملك لتؤخذ منه زكاة رجل واحد، و لا يفرّق بين مجتمع في الملك، لأنّه إذا كان ملكا للواحد، و إن كان في مواضع متفرقة لم يفرّق بينه. «1»

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

الفرع الأوّل: أسنان الشاة التي تؤخذ في الإبل و الغنم.

الفرع الثاني: معنى الجذع في الضأن و الثنيّ في المعز.

الفرع الثالث: عدم تعين الدفع من النصاب.

______________________________

(1). الخلاف: 2، كتاب الزكاة، المسألة 35.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

الفرع الرابع: المدار عند الدفع من النصاب هو الفرد الوسط من المسمّى.

الفرع الخامس: الخيار في تعيين الشاة للمالك لا للساعي و للفقير.

الفرع السادس: يجوز للمالك الإخراج بالقيمة السوقيّة من النقدين و غيرهما.

فهذه فروع ستة نذكرها تباعا:

1. ما هو المأخوذ من أسنان الشاة؟

قال الشيخ في الخلاف: المأخوذ من الغنم، الجذع من الضأن، و الثنيّ من المعز. فلا يؤخذ دون الجذعة، و لا يلزمه أكثر من الثنية. و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ إلّا الثنية فيهما.

و قال مالك: الواجب الجذعة فيهما.

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا روى سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدق رسول اللّه، فقال: نهانا أن نأخذ من المراضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية. «1»

و قال الخرقي في متن «المغني» و يؤخذ من المعز، الثنيّ، و من الضأن الجذع. «2»

ثمّ إنّ الأصحاب بين من أطلق و اكتفى بقوله: «فيها شاة» كالمفيد في مقنعته «3»، و الشيخ في نهايته «4»، و ابن البراح في مهذبه «5»، و ابن حمزة في وسيلته «6»، و ابن إدريس في سرائره «7»، فما في الجواهر من نسبة التقييد إلى ابن حمزة و ابن

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 25، كتاب الزكاة، المسألة 20.

(2). المغني: 2/ 4- 5.

(3). المقنعة: 238.

(4). النهاية: 181.

(5). المهذب: 1/ 164.

(6). الوسيلة: 125.

(7). السرائر: 1/ 436.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 194

..........

______________________________

إدريس ليس بموضعه، و بين من قيّده مثل الشيخ في الخلاف، قال ابن زهرة:

و المأخوذ من الضأن الجذع، و

من المعز الثني، و لا يؤخذ دون الجذع و لا يلزم فوق الثني، بدليل الإجماع المشار إليه. «1»

و قال الكيدري: و المأخوذ من الضأن الجذع، و من المعز الثني، و لا يؤخذ دون الجذع و لا يلزم فوق الثني. «2»

قال المحقّق: و الشاة التي تؤخذ في الزكاة، قيل: أقله الجذع من الضأن أو الثني من المعز، و قيل ما يسمّى شاة، و الأوّل أظهر. «3»

و استدلّ عليه بأمور:

1. ما عرفت من رواية سويد بن غفلة، فقد روى مضمونها في سنن أبي داود، عن مسلم بن شعبة في حديث قال: قد نهانا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أن نأخذ شافعا، قلت: فأي شي ء تأخذان؟ قالا: عناقا جذعة أو ثنية. «4»

2. ما رواه ابن أبي جمهور في كتابه قال في الحديث: إنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أمر عامله على الصدقة أن يأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز. «5»

3. و يؤيد ذلك ما روي في باب الأضحية، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما انّه سأل عن الأضحية، فقال: و الجذع من الضأن يجزي و الثني من المعز. «6»

و في صحيحة حماد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّه أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي؟ فقال: «الجذع من الضأن»، قلت: فالمعز، قال: «لا يجوز

______________________________

(1). غنية النزوع: 2/ 123.

(2). إصباح الشيعة: 1/ 110.

(3). شرائع الإسلام: 1/ 147.

(4). سنن أبي داود: 2، كتاب الزكاة برقم 1581.

(5). غوالي اللآلي: 2/ 230، كتاب الزكاة، الحديث 10.

(6). الوسائل: 10، الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

الجذع من المعز»، قلت: و لم؟ قال: «لأنّ

الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح». «1»

هذه هي أدلّة المسألة و الإجماع غير متحقّق و الروايتان غير نقيّتي السند، و ما ورد في باب الأضحية لا يستدلّ به ما لم يحرز وحدة المناط بين باب الزكاة و باب الأضحية، فليس هناك دليل تطمئن به النفس في تقييد الإطلاقات، أعني قوله: في خمس من الإبل شاة، و في أربعين شاة، شاة.

نعم الأحوط هو إخراج الجذع من الغنم و الثني من المعز.

2. ما هو معنى الجذع و الثني؟

اختلفت أقوال اللغويين في تفسيرهما.

أمّا الجذع فقد عرّفه المصنّف تبعا لبعض اللغويين بما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية، و عرّف الثانية بما كمل له سنتان و دخل في الثالثة. و وافقه في ذلك بعض اللغويين.

قال في الصحاح: الجذع قبل الثني، تقول لولد الشاة في السنة الثانية و لولد البقر و الحافر في السنة الثالثة، و للإبل في السنة الخامسة أجذع.

و قال في القاموس: الجذع ولد الشاة في السنة الثانية.

و هناك من فسّر بغير هذا المعنى.

قال ابن الأثير في نهايته: الجذع من أسنان الدواب هو ما كان منها شابا فتيّا فهو من الإبل في السنة الخامسة، و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و من الضأن ما تمت له سنة، و قيل أقل منهم.

و قال الطريحي: في الحديث تكرر ذكر الجذع و هو من الإبل ما دخل في

______________________________

(1). الوسائل: 10، الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 4 و غيره.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

الخامسة، و من البقر و المعز ما دخل في الثانية.

و في المغرب: الجذع من المعز لسنة، و من الضأن ثمانية أشهر.

و في حياة الحيوان: الجذع من الضأن ماله سنة

تامة، و هذا هو الصحيح عند أصحابنا، و هو الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم، و قيل: ماله ستة أشهر، و قيل:

ماله سبعة أشهر، و قيل: ثمانية، و قيل: اثني عشرة». «1»

و فسره ابن قدامة و قال: الجذع من الضأن ما له ستة أشهر، و الثني من المعز ماله سنة. «2»

و مع هذا الاختلاف لا يبقى اطمئنان بتفسيره بأحد المعاني، فقد فسّر بالسنتين و السنة الواحدة، ابن عشرة أشهر، ثمانية أشهر، سبعة أشهر، ستة أشهر.

كما اختلفت كلماتهم في تفسير الثني و إن كان أقلّ اختلافا من الجذع.

فقال الجوهري: الثني الذي يلقي ثنيّه، و يكون ذلك في الظلف و الحافر في السنة الثالثة.

و قال ابن الأثير في النهاية: الثني من المعز ما دخل في السنة الثانية و الذكر ثني.

و قال ابن منظور في اللسان: الثني من المعز ما دخل في الثانية.

و قال الطريحي في مجمع البحرين: الثني من المعز ما دخل في الثانية.

فالاختلاف بين الدخول في الثانية و الثالثة.

و بما انّ المخصص في كلا المقامين مجمل مردّد بين الأقل و الأكثر، يؤخذ بالقدر المتيقّن عدم جواز الإخراج لأقل من ستة أشهر من الضأن و السنة في المعز، و في غيره يرجع إلى إطلاق قوله: «في أربعين شاة، شاة أو في خمس من الإبل شاة».

نعم ما ذكره في المتن هو الأحوط.

______________________________

(1). مجمع البحرين: مادة جذع.

(2). المغني: 2/ 504.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 197

3. إخراج الزكاة من خارج النصاب

______________________________

إذا كان المزكّى، مثل الإبل فلا محيص عن الإخراج من غير النصاب لعدم اشتمال النصاب على الشاة دائما، و مثله ما إذا اتّفق عدم اشتماله عليه، كما إذا وجب «التبيع» من البقر، و لم يكن فيه «تبيع» إنّما الكلام فيما إذا

اشتمل النصاب عليه، فهل له إخراجه من خارج النصاب من دون اعتبار القيمة؟ و أمّا إخراجه على وجه القيمة فسيوافيك بيانه في الفرع السادس.

نعم قد خصّ النراقي الجواز على وجه القيمة قائلا بأنّه لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب، فإنّ الإطلاقات كلها ممّا يستدلّ بها على التعلّق بالعين كقولهم: في أربعين شاة، شاة، و نحوه، و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين، و أمّا المطلق من غيره فلا دليل عليه. «1»

و ربما يرد بأنّه نظير قوله: «في كلّ خمس من الإبل شاة»، أ فهل يحتمل أن يكون المراد منه هو الشاة التي في الإبل الخمسة التي هي خالية عنها بالمرّة؟

فوحدة اللسان و اتحاد السياق تكشف عن الإطلاق و عدم التقييد بالعين الزكوية في كلا المقامين بمناط واحد. «2»

يلاحظ عليه: أنّ القياس مع الفارق، لوجود القرينة العقلية في الثاني دون الأوّل لعدم اشتمال الخمس من الإبل على نفس الواجب، بخلاف الأربعين من الشاة.

فالأولى الاستدلال بوجوه أخرى غير القياس على ما ورد في الإبل.

1. ادّعاء الإطلاق في كلّ ما ورد في باب الأنعام، حيث لم يقيّده بالدفع من

______________________________

(1). مستند الشيعة: 9/ 223.

(2). مستند العروة: 1/ 188، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

النصاب، ففي صحيح أبي بصير: «فإذا زادت واحدة (46 إبلا) ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين». «1»

و في صحيح الفضلاء: قالا في البقر: «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شي ء». «2»

و مثل قوله: في زكاة الغنم: «في كلّ أربعين شاة، شاة» «3»، فلو كان الدفع من النصاب لازما طلب

لنفسه البيان مع كثرة الروايات الواردة في الأنعام.

2. صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع». «4»

فقوله: «أو يؤدي زكاتها البائع» منصرف إلى الأداء من جنس الواجب، أو مطلق يعمّه و القيمة.

أضف إلى ذلك انّ ملتقى العرف في هذه المقامات تمويل الفقراء و المستحقين بالزكاة فإلزام الدفع من خصوص النصاب يحتاج إلى التنبيه.

و بذلك يظهر عدم الفرق بين كونه من ذلك البلد أو غيره للإطلاق و لكن يظهر من الشيخ في «الخلاف» «5» انّه يؤخذ نوع البلد، لا من نوع بلد آخر، لأنّ الأنواع تختلف.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(5). الخلاف: 2/ 17، كتاب الزكاة، المسألة 12.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 199

..........

______________________________

ثمّ إنّ المصنّف عمّم الجواز إلى ما إذا كان الخارج من النصاب أدون من أفراد ما في النصاب، و كان عليه أن يقيّده بشرط صدق اسم المتوسط عليه، لما سيوافيك في الفرع الآتي انّ الميزان هو الفرد الوسط.

4. المدار هو الفرد الوسط من المسمّى

إذا كان النصاب مشتملا على أفراد متفاوتة من حيث السمن و الهزل و غير ذلك، فهل المدار هو الوسط من المسمّى كما عليه الماتن، أو الخيار للمالك في انتخاب أي واحد شاء و إن كان الأدنى؟

ذهب إلى الأوّل صاحب

الجواهر، و تبعه المصنّف، قائلا بأنّه قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه اسم الفريضة في المقام و غيره فلا يكلف الأعلى و لا يجزيه الأدنى، لأنّه المنساق إلى الذهن من أمثال هذه الخطابات. «1»

و حاصل هذا الدليل: هو انصراف الخطابات إلى الفرد الوسط من المسمّى، و لكن الاعتماد عليه في مقابل الإطلاقات مشكل، إذ ليس الانصراف إلى حدّ يكون كالقرينة المتصلة بحيث يوجب صرف الإطلاق.

و يمكن الاستدلال بقوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. «2»

أخرج الكليني عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير الآية، قال:

«كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 245.

(2). البقرة: 267.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحاء عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين». «1»

و الاستدلال به فرع أن يكون الأدنى بالغا حدّ الخبيث الذي لا يرغب إليه.

مضافا إلى قاعدة العدل و الإنصاف فإنّ المستحقين شركاء المالك بنحو من الأنحاء، فدفع الأدنى مع وجود الوسط و الأعلى نوع تعد لحقوقهم،

كما أنّ إلزام الأعلى يعدّ إجحافا للمالك، و الاقتصار على الفرد الوسط هو الأقوى إلّا أن يكون الجميع من قبيل الأدنى.

5. الخيار للمالك لا للساعي أو الفقير

و يدلّ على ذلك أنّه المخاطب بإيتاء الزكاة فيدفعها على مقتضى ما خوطب به.

و إن شئت قلت: يجب عليه إخراج شاة من الغنم فيكون هو المخيّر في إيجاد الطبيعة بأي فرد.

نعم لو قلنا بتعلّق الزكاة بنحو الإشاعة فإنّ الإفراز يتوقّف على رضا الطرفين، و هذا من الأدلة الواضحة على عدم كونها من باب الإشاعة.

مضافا إلى صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 201

..........

______________________________

«بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثرن دنياك على آخرتك، إلى أن قال:

... فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أي الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرض له، ثمّ اصدع الباقي صدعين ثمّ خيره فأيّهما اختار فلا تعرض له، و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّه منه، و إن استقالك فأقله ثمّ اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أوّلا حتى تأخذ حق اللّه في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشي ء منها». «1»

6. الإخراج بالقيمة السوقية
اشارة

المشهور بين الأصحاب الاجتزاء بالقيمة في الغلّات و النقدين و الأنعام، أمّا الأوليان فقد ورد النص به كما سيوافيك في محلهما، إنّما الكلام في الاجتزاء بها في الأخيرة فذهب الشيخ المفيد إلى عدم الجواز فقال: «لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة». «2»

و يظهر من المحقّق في «المعتبر» الميل إليه، حيث ردّ الإجماع و

الأخبار التي استدلّ بهما الشيخ في الجواز «3» و مع ذلك قال المحقق في «الشرائع»: «و يجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية و من العين أفضل، و كذا في سائر الأجناس». «4»

و يظهر من صاحب المدارك اختياره حيث قال: إنّ إقامة غير الفريضة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). المقنعة: 253، باب من الزيادات في الزكاة.

(3). المعتبر: 2/ 517.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 201

(4). الجواهر: 15/ 125، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 202

..........

______________________________

مقامها حكم شرعي يتوقّف على الدليل الشرعي. «1»

و المهم في المقام عدم النص في الأنعام و وروده في النقدين و الغلّات، و مع ذلك فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز.

قال الشيخ في «الخلاف»: يجوز إخراج القيمة في الزكاة، كلها، و في الفطرة أيّ شي ء كانت القيمة، و يكون القيمة على وجه البدل لا على أنّه أصل. و به قال أبو حنيفة- إلى أن قال- دليلنا: إجماع الفرقة فانّهم لا يختلفون في ذلك؛ ثمّ استدلّ بروايتي: البرقي عن أبي جعفر، و علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام. «2»

و على كل تقدير فيمكن تقريب الجواز بوجوه:

1. روى الكليني بسنده إلى أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد البرقي، قال:

كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: هل يجوز أن يخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم، بقيمة ما يسوّي أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب

عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج منه». «3»

وجه الاستدلال: إنّ السائل و إن سأل عن الحنطة و الشعير و النقدين غير انّه ذكرهما بعنوان المثال بشهادة قوله: «إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه» فيصير السؤال عن لزوم الإخراج في الزكاة بالجنس أو تقوم القيمة مقامه.

و يؤيده قوله: «أيّما تيسّر» حيث إنّ الظاهر انّ المدار هو الميسور.

2. صحيح علي بن جعفر، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحل ذلك؟

قال: «لا بأس به». 4

______________________________

(1). المدارك: 5/ 92.

(2). الخلاف: 2/ 50، كتاب الزكاة، المسألة 59.

(3) (3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 203

..........

______________________________

فإنّ مورد الرواية الثانية و إن كان الأثمان حيث تعلّق الزكاة بالدينار فيخرجها بالدرهم أو بالعكس، كما أنّ مورد الأولى في قسم الغلّات هو الحنطة و الشعير فيخرجها بأحد النقدين، لكن الأصحاب لم يفرّقوا بين المنصوص في الغلّات و غيره فيها كالتمر و الزبيب، و ما ذلك إلّا لأنّ الفهم العرفي في المقام يناسب إلغاء الخصوصية في متعلّق الزكاة، فيجوز إخراج زكاة الزبيب و التمر، بالأثمان و إن لم يردا في الرواية الأولى، كما يجوز إخراج الأنعام بها و إن لم يرد فيها نصّ.

3. خبر «قرب الاسناد» عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أنّ ذلك خير لهم قال فقال: «لا بأس». «1»

إنّ في قوله: «أعطيهم من الزكاة ...» احتمالات:

الف: عزل الزكاة من العين و

دفعها إلى المستحقّ ثمّ شراء ما يحتاج إليه المستحق من الثياب و الطعام بها، و هذا ليس بمراد قطعا، لأنّ جوازه من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى السؤال.

ب: عزل الزكاة من العين و إفرازها من المال، لغاية الإعطاء لعيال المسلمين، و لمّا وجدهم قاصرين لا ينتفعون بها، استجاز الإمام أن يتصرّف في أموال المستحقّين، بشراء ما يحتاجون إليه من الأطعمة و الألبسة، بما أفرزه من العين فأجاز الإمام الاحتمال و هو الذي قوّاه المحقّق الخوئي. «2»

ج: قوله: «أعطيهم من الزكاة» كناية عن تقويم الواجب بالأثمان، و لمّا كان

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(2). مستند العروة: 1/ 197.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

التصرّف فيها متوقّفا على الولاية، سأل الإمام التصرّف فيها باشتراء ما فيه الخير للمستحق، فيكون دليلا على هذا الفرع.

د: «أعطيهم من الزكاة» مجمل يوضحه قوله: «فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما» و ليس المراد، إفراز الزكاة بإخراج العين، أو إخراجه بالقيمة، بل دفع الثياب و الطعام مكان الزكاة، فيكون دليلا على الفرع الآتي.

و لعل ثالث الوجوه أظهرها فيكون من أدلّة الباب.

4. ما دلّ على إحجاج الموالي و الأقارب، ففي صحيحة علي بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام يكون عندي من الزكاة أ فأحجّ مواليّ و أقاربي؟ قال:

«نعم، لا بأس». «1»

و الإحجاج لا يكون إلّا بإخراج الزكاة بالقيمة، و إطلاق الرواية يعمّ الأنعام.

5. ما دلّ على جواز احتساب الديون من الزكاة، إطلاقه يعم العين أنعاما. «2»

6. ما دلّ على جواز تصرف المالك في الزكاة و صرفها في الموارد الثمانية التي منها الغارمون، وَ فِي الرِّقٰابِ، و لا يتحقّق ذلك إلّا

بتقويم الزكاة ثمّ صرف قيمتها في الموارد المذكورة.

7. قال العلّامة: إنّ المقصود، هو دفع حاجة الفقير، و هو كما يحصل بدفع العين، فكذا يحصل بدفع القيمة. «3» بل ربما يكون دفع العين في بعض الأوقات ضررا على الفقير لحاجته إلى السياسة العاجز عنها. «4»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3). المختلف: 3/ 230.

(4). الجواهر: 15/ 127.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

و ما ذكره العلّامة قرينة واضحة على أنّ الشارع، لم يلزم المالك بدفع العين و إن ضعّفه صاحب المدارك «1» و تبعه صاحب الحدائق «2» و لكن التضعيف في غير محله فهل تجد من نفسك انّ الشارع ألزم المالك بدفع عين الأنعام إلى الفقير الذي لا يملك محلا لحفظها، و لا تعليفها و لا ...؟

إلى غير ذلك من الوجوه التي يشرف الفقيه على القطع بالحكم الشرعي.

قال صاحب الجواهر: لا يكاد يخفى على من تصفّح النصوص في الباب- حتى ما ورد من المقاصة بها عن الدين، و دفع الكفن بها و نحو ذلك و قد رزقه اللّه معرفة لسانهم و لحن خطابهم- ظهور اجتزاء الشارع بالقيمة لو دفعها المالك و انّه لا يكلف العين. «3»

و قال المحقّق الهمداني: مع أنّ الحقّ عدم الحاجة في إثبات جواز إخراج القيمة إلى التشبّث بشي ء من الأمور المزبورة، بل يستفاد جواز إبدالها بالقيمة بل وجوبه غالبا لمن يتولّى صرفها إلى مصارفها من الأصناف الثمانية التي ستعرفها من الكتاب و السنّة الآمرة بصرفها إلى هذه المصارف بدلالة الاقتضاء، حيث إنّ الغالب تعذّر صرف عين الفريضة أو تعسّره من غير تبديل أو تغيير،

خصوصا إذا كانت من جنس الأنعام، إلى تلك المصارف؛ إذ كيف يتمكّن من صرف بنت المخاض أو بنت اللبون بعينها في عمارة المساجد و بناء القناطر و معونة الحاج و غير ذلك من وجوه البرّ، أو في أداء مال الكتابة و فكاك الرقاب و وفاء دين الغارمين الذين لا يبلغ دينهم هذا المبلغ، أو لا يرضى صاحبه إلّا بحقّه!

فليس الأمر بصرف الزكاة إلى هذه الوجوه إلّا كالوصيّة بصرف ثلث تركته من

______________________________

(1). المدارك: 5/ 19.

(2). الحدائق: 13/ 137.

(3). الجواهر: 15/ 128.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

المواشي و العقار و الغلّات إلى استئجار العبادات، أو شي ء من مثل هذه الوجوه، فإنّ مفادها عرفا ليس إلّا إرادة صرف ثلثه إلى هذه المصارف بأيّ وجه تيسّر.

و ستعرف أنّه يجوز للمالك أن يتولّى بنفسه صرف الزكاة إلى مصارفها، بل هو المكلّف بذلك أوّلا و بالذات، و إن جاز له إيكاله إلى الإمام عليه السّلام، أو الساعي، أو وجب عليه ذلك لدى مطالبته، و حيثما يجوز له الصرف، يجوز له الإبدال بالقيمة، بل قد يجب ذلك، كما لو انحصر المصرف فيما لا يمكن صرفها إليها إلّا بالقيمة، و متى جاز له الإبدال لم يتفاوت الحال في ذلك بين أن يبيعها من شخص آخر، و يصرف ثمنها في مصرفها، أو يخرج قيمتها ابتداء بدلا عمّا وجب عليه؛ إذ لا وجه لاعتبار خصوصيّة البيع أو المعاوضة مع الغير في ذلك، كما لا يخفى. «1»

[تتمة] الفرع السادس: الإخراج من غير النقدين

كان الفرع السابق متمحّضا في الإخراج بالنقدين، و أمّا هذا الفرع فهو يتمحّض في أنّه يقوم الزكاة بشي ء من الأثمان من دون أن يخرجها منها، فيدفع مكانها جنسا آخر، فيدفع مثلا عن التبيع المقوم بشي ء،

فرسا، أو ثيابا تعادله من القيمة و لو لم يقوم العين بشي ء من الأثمان، لا تعلم قيمتها، و بالتالي لا يصحّ دفع الجنس الآخر مكانه.

يظهر من «الخلاف» كون الجواز إجماعيا، قال: يجوز إخراج القيمة في الزكاة، كلّها، و في الفطرة، أيّ شي ء كانت القيمة». «2»

فإنّ قوله: «أي شي ء كانت القيمة» راجع إلى الزكاة و الفطرة لا إلى خصوص الفطرة، كما يظهر العموم من إطلاق كلام المحقّق: «و يجوز أن يخرج من غير جنس

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 220.

(2). الخلاف: 2/ 50، كتاب الزكاة، المسألة 59.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 207

..........

______________________________

الفريضة بالقيمة السوقية» «1» حتى أنّ الشهيد جوز أن تكون المنفعة بدلا من العين، قال: لو أخرج من الزكاة منفعة بدلا من العين، كسكنى الدار، فالأقرب الصحة، و تسليمها بتسليم العين- ثمّ قال:- و يحتمل المنع لأنّها تحصل تدريجا، و لو آجر (من عليه الزكاة) الفقير نفسه أو عقاره ثمّ احتسب مال الإجارة جاز و إن كان معرضا للفسخ. «2»

و فصّل صاحب المدارك بين احتساب مال الاجارة فاستجوده و بين احتساب المنفعة فاستشكله، و قال: بل يمكن تطرق الإشكال إلى إخراج القيمة ما عدا النقدين، لقصور الروايتين عن إفادة العموم. «3»

و مقصوده من الروايتين: صحيحا البرقي، و علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام الآنف ذكرهما.

و من مشاهير العصر من يستشكل الإخراج من غير النقدين و ما بحكمهما «4»، و يقول الآخر: الأحوط الاقتصار على النقدين. «5»

و قد استدلّ على الجواز برواية يونس بناء على الاحتمال الرابع، و الأولى أن يستدلّ بما عرفته من صاحب المصباح من أنّ الأمر بصرف الزكاة إلى هذه الوجوه إلّا كالوصية بصرف ثلثه من المواشي و العقار

في الأمور الخيرية، فإنّ مفادها عرفا ليس إلّا إرادة صرف ثلثه إلى مصارفها بأيّ وجه تيسّر.

مضافا إلى ما ورد من جواز صرفها في الكفن، أو تقاص الدين، فلو كان

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 128، قسم المتن.

(2). البيان: 186.

(3). المدارك: 5/ 96.

(4). تعليقة المحقّق الشاهرودي على العروة.

(5). تعليقة المحقّق الخوئي على العروة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 208

[المسألة 6: المدار في القيمة على وقت الأداء]
اشارة

المسألة 6: المدار في القيمة على وقت الأداء، سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة، و إن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد الّتي هي فيه.* (1)

______________________________

الكفن موجودا عند المؤدّي، أو كان الدين من غير الأنعام، فهل يشك أحد في احتساب الكفن أو الدين من الزكاة؟! أو كان عنده ما يعمّر به المساجد، و يبني القناطير أو يعان به الحجاج، فهل يشكّ أحد في احتساب ما عنده من الزكاة؟!

و الحقّ انّ منظر الإسلام في هذه الأمور العرفية المعلومة الغاية، أوسع ممّا يتصور، و قد قال رسول اللّه: «إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، و لا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباد اللّه، فتكونوا كالراكب المنبّت الذي لا سفرا قطع و لا ظهرا أبقى». «1»

(1)* قد عرفت أنّه يجوز للمالك إخراج الزكاة بالقيمة السوقية، و لكن القيمة تختلف حسب الزمان و المكان، فيقع البحث في تعيين القيمة من حيث الزمان و المكان، و إنّ المدار هل هو وقت الأداء أو وقت الوجوب و تعلّق الزكاة؟ و هكذا في المكان هل المدار بلد الإخراج أو بلد العين؟

فالمصنّف ذهب إلى أنّ الاعتبار من حيث الزمان بزمان الأداء، سواء أ كانت العين موجودة أم تالفة، و لكن

من حيث المكان ببلد العين إن كانت موجودة، و بلد الإخراج إن كانت تالفة.

و لكنّ الحقّ انّ المدار هو بلد الإخراج فقط زمانا و مكانا، موجودة كانت العين أو تالفة.

______________________________

(1). الكافي: 2/ 86، باب الاقتصاد في العبادة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

و الكلام في المقام في اعتبار القيمة قبل إخراج الزكاة و عزلها خارجا، و أمّا الكلام في لحاظ القيمة بعد العزل فسيوافيك الكلام فيه من المصنّف في المسألة 34 من زكاة الغلات، فانتظر. و نحن نقتفي أثره و نخصّ البحث بصورة قبل الإخراج، فنقول

هنا فرعان:
أ: ما هو المدار في الزمان؟

إذا كانت للعين قيم مختلفة عبر الزمان، فما هو الواجب على المالك عند التقويم؟ فهنا احتمالات:

الأوّل: انّ المدار هو وقت الأداء، سواء أ كانت العين موجودة أم تالفة. و هو خيرة المصنّف.

الثاني: ذاك القول فيما إذا كانت موجودة، و أمّا إذا كانت تالفة فيفرق بين المثلي كالغلّات، و القيمي كالأنعام؛ فالمدار في الأوّل يوم الأداء، و في الثاني قيمة يوم التلف. و هو خيرة بعض الأعاظم في تعاليقه.

الثالث: المدار وقت تعلّق الوجوب، و هو احتمال ذكره المصنّف و لم نعثر على قائل به.

و الحقّ هو خيرة المصنّف من غير فرق بين كون النصاب موجودا أو تالفا، و في صورة التلف بين كونه مثليا أو قيميا.

وجهه: انّ المستحق و إن كان شريك المالك في النصاب بنحو من الأنحاء التي ستوافيك، لكن المالك حسب الشرع مخيّر في مقام الأداء بين أمور ثلاثة:

أ: الإخراج من النصاب.

ب: الإخراج من خارج النصاب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

ج: التقويم و دفع القيمة.

و هذا نظير إرث الزوجة في الأعيان، فإنّ الإرث يتعلّق بالعين، فهي شريكة الورثة في الأعيان غير انّ

للوارث تبديل ما ورثته بالقيمة.

فإذا جاز له التبديل بالقيمة يتبادر منه دفع قيمة زمان التبدل و زمان التقويم على وجه تقوم القيمة مقام العين، فالمستحقّ شريك المالك في النصاب، إلّا إذا لوحظ حقّه و بدّل إلى القيمة، و معنى ذلك هو انتقال حقّه إلى قيمة زمان التقويم.

هذا إذا كانت العين موجودة، و أمّا إذا كانت تالفة فكذلك، لأنّ المستحقّ و إن تعلّق حقّه بالعين و قد تلفت و لكن كان للمالك الخيار من بدء الأمر بين أمور ثلاثة: الدفع من النصاب، الدفع من خارج النصاب، الدفع من القيمة السوقية.

فإذا امتنع الدفع من الأوّل فله الدفع من خارج النصاب كما له تقويم ما هو الموجود في خارجه و إفراغ الذمة بالقيمة، فإذا خوطب هو بدفع قيمة الموجود خارج النصاب، يتبادر منه قيمة حالة التقويم و زمان الملاحظة.

و الحاصل: انّ كون المالك عند التلف مخيّرا بين أمرين: الدفع من خارج النصاب أو قيمته، يكون المتبادر قيمة خارجه حين التقويم و الأداء.

هذا هو الوجه الأوّل و دليله.

و أمّا الوجه الثاني: أعني: التفصيل في صورة التلف بين المثلي و القيمي فبيانه: انّ الواجب إذا كان مثليا كالغلّات تكون ذمّته مشغولة بالمثل، فإذا حاول تبديلها إلى القيمة يكون المدار وقت الملاحظة و التبديل، و أمّا إذا كانت الفريضة قيمية كالأنعام تكون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف و انّ القيمة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 211

..........

______________________________

المضمون لها، قيمة يوم التلف، لأنّه اليوم الذي تبدل المضمون من العين إلى القيمة. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ المتبادر من قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» انّ المالك مسئول عن العين و الخروج عن عهدتها إلى زمان الأداء، فما لم يتحقّق الأداء

فهو مسئول عن العين من غير فرق بين القسم المثلي و القيميّ.

لا أقول إنّ العين الشخصية في الذمّة حتى يقال انّ وعاء الأعيان هو الخارج، و الذمّة وعاء الكليات، فكيف تكون العين الخارجية في ذمة الضامن؟ بل أقول: إنّ الضامن مسئول عن العين مطلقا،- قيميّة كانت أو مثليّة- إلى أن يؤدّي، فإن خرج عن العهدة بدفع نفس العين أو مثلها فهو، و إلّا فهو مسئول عن العين و إن كان قيمية إلى وقت الخروج عنها، فإذا حاول الخروج عنها بأداء القيمة و قيامها مقام العين يكون المدار طبعا هو قيمة زمان الخروج لا القيم السابقة، لأنّ إرادة غير هذا يتوقّف على دليل خاص.

و بهذا يعلم أنّه لا فرق بين المثلي و القيمي حتى في صورة التلف.

و أمّا الوجه الثالث، أعني: كون الميزان قيمة وقت الوجوب، فهو احتمال ذكره المصنّف، و لعلّ وجهه عدم تعلّق الزكاة بالعين و جعل مالية الشاة في النصاب للفقير في ذمّة المالك، و لما كانت مالية الشاة مختلفة باختلاف الأزمنة فمقتضى الإطلاق المقامي هو تعيين وقت الوجوب، لأنّ تعيين غيره يحتاج إلى الدليل.

و ضعفه ظاهر لعدم تعلّق الزكاة بمالية الشاة في ذمّة المالك، بل يتعلّق بنفس

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 86.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 212

..........

______________________________

العين كما سيأتي تفصيله.

ب: ما هو المدار في المكان؟

إنّ قيمة الشاة كما تختلف زمانا كذلك تختلف مكانا، ففي تعيين مكان القيمة وجوه و أقوال:

أ: كون الميزان بلد الإخراج.

ب: كون الميزان بلد الإخراج إذا كان تالفا و إلّا فبلد العين الّتي تكون الزكاة فيه، و هو خيرة الماتن.

ج: بلد التلف.

د: أعلى القيمتين، من قيمة البلد الذي هي فيه و قيمة بلد الإخراج.

و الأوّل هو المختار، و الثاني خيرة المصنّف،

و الثالث خيرة بعض المعلّقين، و الرابع خيرة السيد البروجردي و غيره.

أمّا وجه القول الأوّل فقد عرفت أنّ المالك مخيّر من أوّل الأمر بين أمور ثلاثة:

الإعطاء من النصاب أو من خارجه أو دفع القيمة، فإذا حاول الامتثال و الخروج عن العهدة بالتقويم يكون المتبادر هو دفع بلد الإخراج مثل تبادر زمان الإخراج.

و بعبارة أخرى: عند ما يقوم المالك بتقويم الشاة ليدفع قيمتها يكون المتبادر دفع قيمة البلد الذي يقوّم به بهذه المهمة.

هذا من غير فرق بين كون العين تالفة أو موجودة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 213

..........

______________________________

و أمّا وجه القول الثاني الذي هو خيرة المصنّف، أعني: التفصيل بين كون العين تالفة فبلد الإخراج و موجودة فالبلد الذي تكون العين فيه، فمبني على مشاركة الفقير للمالك في العين الشخصية بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن.

فعلى هذا فيجب عليه الخروج عن عهدة العين الموجودة المتشخصة بالزمان و المكان، فيكون الميزان قيمة البلد الذي تكون العين موجودة فيه، و لكن المبنى ضعيف لما ستعرف من كون الفريضة ليس على وجه الإشاعة، بل بنحو المالية السيّالة بين العين و الدفع من خارج النصاب أو القيمة.

و أمّا وجه القول الثالث: أي كون المدار بلد الإخراج إن كان موجودا و إلّا فبلد التلف، فلأنّه بالتلف تتبدّل الفريضة إلى القيمة، فيكون الواجب أداء قيمة بلد التلف، لأنّ غيره يحتاج إلى الدليل.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ ما ذكره إن صحّ فإنّما يصحّ في باب الضمانات فهو أحد الأقوال فيه، و أمّا المقام فقد عرفت أنّ تلف النصاب لا يوجب الانتقال إلى القيمة، بل له العمل بالفريضة بالدفع من نصاب آخر دون أن ينتقل إلى القيمة، فما دلّ على جواز الدفع من نصاب

آخر هو الفاصل بين المقام و باب الضمانات.

و ثانيا: ما عرفت من أنّ تلف الشي ء القيمي لا يوجب تبدّل الفريضة إلى القيمة، بل المسئولية بالنسبة إلى العين على عاتق الضامن إلى أن يخرج، فإذا حاول الخروج بالتقويم يكون المدار بلد الإخراج.

و أما الرابع فهو الموافق للاحتياط.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 214

[المسألة 7: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس]

المسألة 7: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس، كما أنّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس، و إن اختلفت في القيمة، و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس، و كذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس، تساوت في القيمة أو اختلفت.* (1)

______________________________

(1)* إنّ في المسألة فروعا ثلاثة:

الأوّل: إذا كان النصاب في الغنم كلّه ذكورا فهل يجوز دفع الأنثى من خارج النصاب أو لا، و هكذا بالعكس؟

الثاني: إذا كان النصاب من صنف واحد كالضأن فهل يجوز دفع الزكاة من صنف آخر كالماعز أو لا؟

و مثله إذا كان الإبل كلّه عرابيا فهل يجوز دفع الزكاة من البخاتي أو لا؟

و هكذا بالعكس.

و مثله البقر و الجاموس إذا كان النصاب كلّه بقرا فهل يجوز دفع الجاموس أو لا، و هكذا بالعكس.

الثالث: إذا كان النصاب مشتملا على الضأن و الماعز، فهل يتخيّر المالك بين الصنفين أو يجب التقسيط؟

و حكم الفروع الثلاثة مبني على ما هو المختار في تعلّق الزكاة، فلو قلنا بالإشاعة يجب في الأوّل و الثاني كون المدفوع من سنخ ما تعلّق به الوجوب، و في الثالث التقسيط بين الصنفين. و ستوافيك كيفية التقسيط

في الفرع الثالث.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 215

..........

______________________________

و أمّا إذا قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بالعين ليس على وجه الإشاعة، بل يتخيّر المالك بين الدفع من النصاب أو من خارجه أو القيمة السوقية، فيكون الحكم هو الجواز في جميع الصور.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تفاصيل الفروض.

أمّا الأوّل: أي دفع الذكر مكان الأنثى إذا كان النصاب أنثى أو بالعكس، فقد ذهب الشيخ إلى عدم جواز دفع الذكر مكان الأنثى في كتاب «الخلاف» و جوّزه في كتاب «المبسوط»، مستدلا بتناول الاسم.

قال في الأوّل: من كان عنده أربعون شاة أنثى، أخذ منه أنثى، و إن كانت ذكورا كان مخيّرا بين إعطاء الذّكر و الأنثى. «1»

و لعلّ وجهه انّ الأنثى أعلى قيمة من الذكر، فدفع الذكر مكان الأنثى نوع إضرار على المستحق، و لكنّه قال في «المبسوط»: إن كانت كلّها ذكورا أخذ منه ذكر، و إن كانت أنثى أخذ منه أنثى، فإن أعطى بدل الذكور أنثى أو بدل الأنثى ذكرا أخذ منه، لأنّ الاسم يتناوله. «2»

و فصل العلّامة في «المختلف» بين مساواة الذكر للأنثى فيجوز و إلّا فلا، قال: لنا انّه مع مساواة القيمة يكون قد أخرج الواجب عليه فيخرج عن العهدة، و مع القصور يكون قد أخرج معيبا عن صحاح، لأنّ الذكورة بالنسبة إلى الأنوثة عيب فلا يقع مجزئا ثمّ ردّ استدلال الشيخ بتناول الاسم للذكر و الأنثى بأنّ التناول مسلم، لكن الواجب الإخراج من العين أو القيمة و لم يفعله أحدهما فلا يقع مجزئا، كما لو أخرج المعيب عن الصحيح و إن شاركه في الاسم. «3»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 25، كتاب الزكاة، المسألة 22.

(2). المبسوط: 1/ 200.

(3). المختلف: 3/ 258.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

216

..........

______________________________

و كلامه يعرب عن قوله بالإشاعة في الزكاة و انّه إذا أخرج الواجب بالقيمة يجب دفع قيمة ما شارك فيه، ففي الأنثى دفع قيمة الأنثى، و الذكر ليس مساويا لها في القيمة، و لكنّ الحقّ ما ذكره المصنّف من جواز دفع الأنثى مكان الذكر و بالعكس أخذا بإطلاق الدليل، حيث إنّ في أربعين شاة، شاة، من غير فرق بين أن يكون النصاب ذكورا أو إناثا، فالواجب ما يصدق عليه الشاة، و هي مشتركة بين الأنثى و الذكر.

اللّهمّ إلّا أن يقال من انصراف إطلاق الفريضة إلى واحدة من صنف النصاب الموجود عنده المتعلّق به الزكاة، فإن كان ذكورا فالواجب هو الذكر و إن كان إناثا فالواجب هو الأنثى، و لكنّ الانصراف ضعيف و إن مال إليه المحقّق الهمداني في هذه الفروع كما سيوافيك كلامه.

و أمّا الثاني: إذا كان النصاب كلّه من الضأن فهل يجوز دفع الماعز أو لا، و هكذا العكس؟

قال في «التذكرة»: الأقرب، جواز إخراج ثنية من المعز عن الأربعين من الضأن، و جذعة من الضأن عن أربعين من المعز، و هو أحد وجهي الشافعي.

الثاني: المنع فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس، لأنّ الضأن فوق المعز. «1»

و قال في «الجواهر»: يجزي عن نصاب كلّ من الصنفين فرد من الصنف الآخر، فيجزي عن نصاب الضأن ثني من المعز، و عن نصاب المعز جذع من الضأن كما عن «التذكرة» التصريح به. «2»

و قد مرّ في المسألة الخامسة انّ أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم و الإبل،

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 116، المسألة 59، تحت عنوان فروع.

(2). الجواهر: 15/ 153.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

من الضأن الجذع و من المعز الثني.

و وجهه: إطلاق الدليل فانّ

الشاة يعم الماعز و الضأن، فيكفي كلّ مكان الآخر، غير انّه يجب مراعاة أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم، فمن الضأن الجذع (ما دخل في الثانية) و من المعز الثنيّ (ما دخل في الثالثة) و قد سبق الكلام في لزوم مراعاته.

نعم ادّعى صاحب المصباح انصراف إطلاق الفريضة (فيما إذا لم تكن من غير الجنس كالشاة بالنسبة للإبل) إلى واحد من صنف النصاب الموجود عنده، المتعلّق به الزكاة، فإن كان جميع النصاب من الجاموس فتبيع منه (لا من البقر)، و إن كان الجميع من البقر فتبيع منه، و كذا إن كان الجميع من الضأن فواحدة منه، أو من المعز فكذلك، و هكذا بالنسبة إلى سائر الأصناف التي تتفاوت بها الرغبات، إلى آخر ما أفاد. «1» و لكن التبادر بدوي.

و أمّا الثالث: أعني إذا كان النصاب مشتملا على الضأن و الماعز يجوز الدفع من أي الصنفين شاء، فوجهه هو إطلاق الدليل، قال في الشرائع: و النصاب المجتمع من المعز و الضأن، و كذا من البقر و الجاموس، و كذا من الإبل العراب و البخاتي تجب فيه الزكاة و المالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء» «2». أي مطلقا تساوت القيم أم اختلفت كلّ ذلك لإطلاق الدليل.

و احتمل في «الجواهر» مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة، و قال: نعم لو كان هناك خطابان: أحدهما يقتضي وجوب تبيع الجاموس لو كان هو النصاب و الآخر يقتضي تبيع البقر، اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 266.

(2). الجواهر، قسم المتن: 15/ 151.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 218

[المسألة 8: لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب]

المسألة 8: لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشابّ

و الهرم في الدخول في النصاب و العدّ منه. لكن إذا كانت كلّها صحاحا لا يجوز دفع المريض، و كذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب، و لو كانت كلّ منها شابّا لا يجوز دفع الهرم، بل مع الاختلاف أيضا الأحوط إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط، نعم لو كانت كلّها مراضا أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها.* (1)

______________________________

حسب النسبة. «1»

و على ذلك لو كان عنده عشرون من البقر و عشرون من الجاموس، و قيمة المسنة من البقر اثنا عشر درهما مثلا و من الجاموس أربعة عشر يجب دفع مسنّة قيمتها ثلاثة عشر، بقرا كان أو جاموسا.

و هو كما ترى إذ لازم ذلك أن يكون لكلّ نصاب خاص، و على ذلك فلو كان عنده خمسة عشر من البقر و مثلها في الجاموس، لم يجب عليه الزكاة، لعدم بلوغ الموجود إلى حدّ النصاب.

و الحاصل؛ انّ التفاوت في القيمة مغتفر تسهيلا للأمر.

و بذلك يعلم الجواب عمّا يمكن أن يقال: انّ أصحاب الزكاة مشاركون مع المالك في المالية السيّالة حسب مختارنا،- فاللازم، هو مراعاة التقسيط، و ذلك لأنّ إطلاق الدليل حاكم على رعاية هذا النوع من الحقّ.

(1)* للمسألة فروع:

1. إذا كان جميع ما في النصاب صحاحا.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 152.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 219

..........

______________________________

1. إذا كان النصاب مختلطا من الصحيح و المريض، و المعيب و السليم، و الشاب و الهرم.

3. إذا كان الكل مراضا أو معيبة أو هرمة.

لا إشكال في أنّ عامة الأقسام داخلة في النصاب، و يعدّ منه لإطلاق الأدلّة، و إنّما الكلام في كيفية الأداء مع الحالات الثلاث.

أمّا الأوّل، أعني: ما إذا كان الجميع صحاحا، فلا يجوز دفع المريض، أو

إذا كان الجميع سليمة من العيب فلا يجوز دفع المعيب، أو كان الكل شابا لا يجوز دفع الهرم. «1»

قال في «الحدائق»: قد صرح الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) بأنّه لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار (و العوار مثلثة: العيب كما في القاموس). و الحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم. «2»

و يدلّ عليه:

1. قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا- كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ «3»: أي تقصدوا الرديّ من المال، و إطلاق الآية يعمّ الصدقة الفريضة و المقطوع بها، و كون مورد الآية ما كسب بالتجارة لا يوجب الاختصاص بعد وحدة الملاك، و انّ الإنسان لا يتصدّق ما لا يأخذه من

______________________________

(1). الهرم- بكسر الراء- صفة مشبهة: من بلغ أقصى الكبر. و بفتحها مصدر: بلوغ أقصى الكبر، و يطلق أيضا على المخروط المضلّع الذي تكون قاعدته مثلّثة أو مربّعة أو كثيرة الأضلاع، جمعه أهرام. و منه أهرام مصر.

(2). الحدائق: 12/ 65.

(3). البقرة: 267.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 220

..........

______________________________

غرمائه إلّا بغمض العين.

2. روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث زكاة الإبل: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار، إلّا أن يشاء المصدّق، و يعد صغيرها و كبيرها». «1»

3. روى محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «و لا تؤخذ هرمة و ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق، و لا يفرق بين مجمع، و لا يجمع بين متفرق، و يعدّ صغيرها و كبيرها». «2»

و في الروايتين غنى و كفاية و قد

روى في «المستدرك» «3» ما يؤيد ذلك.

و أمّا الثاني، أعني: إذا كان النصاب مختلطا، فقال المصنّف: الأحوط، إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط، و عن عدة من الأصحاب مراعاة التقسيط في صورة التلفيق منهم صاحب الحدائق قال: «و المخرج يخرج منه بالنسبة» و ما ذكره المصنّف هو الأقوى، للحديثين الماضيين، لأنّ حملهما على ما إذا كان الجميع صحاحا، أو سليما، حمل على الفرد النادر، لأنّ الغالب، هو اشتمال النصاب على المريض، و المعيب و الهرم، و هذا هو القدر المتيقّن من الحديث.

نعم مقتضى الشركة، على وجه الإشاعة أو المالية السيّالة- التي هي المختار عندنا- هو التقسيط لكن النصّ حاكم عليها.

و أمّا الثالث، أعني: إذا كانت كلّها مراضا أو معيبة أو هرمة، لا يكلّف صاحبها بشراء صحيحة للزكاة، بل تؤخذ منها.

قال الشيخ: إذا كانت الإبل كلّها مراضا لا يكلّف صاحبها شراء صحيحة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2. و لاحظ ذيل الحديث في التعليقة.

(3). المستدرك: 7/ 65، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 221

[ [الشرط الثاني: السوم]]
اشارة

[الشرط الثاني: السوم] الشرط الثاني: السوم طول الحول، فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها، و لو كان شهرا بل أسبوعا، نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين.

و لا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار، أو بالاضطرار- لمنع مانع من السوم، من ثلج، أو مطر، أو ظالم غاصب، أو نحو ذلك- و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو

غيره، بإذنه أو لا بإذنه، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السوم، و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز، أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك.

نعم لا يخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى، أو بشرائه إذا لم يكن مزروعا، كما أنّها لا يخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة.* (1)

______________________________

للزكاة، و تؤخذ منها. و به قال الشافعي، و قال مالك: يكلف شراء صحيحة.

قال: دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا الخبر الذي تضمّن ذكر كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى عامله قال فيه: فلا تدخلنّ عليه دخول متسلّط، و اجعل الخيار إلى ربّ المال، يدلّ على ذلك. «1» و هو خيرة صاحب الحدائق. «2»

و على ذلك فيدفع الفرد المتوسط من الفريضة و إن كان الجميع مراضا.

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

الأوّل: في لزوم كون الماشية سائمة طول السنة.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 15، كتاب الزكاة، المسألة 9.

(2). الحدائق: 12/ 66.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 222

..........

______________________________

الثاني: حكم التعليف يوما أو يومين أو أسبوعا.

الثالث: الاضطرار إلى التعليف لمانع على نحو يسلب عنها عنوان السائمة.

الرابع: التعليف من مال الغير بإذنه أو لا بإذنه.

الخامس: الرعي في الزرع المملوك.

السادس: حكم السوم في المرعى المستأجر أو المشترى.

السابع: الرعي في الأرض المباحة بمصانعة الظالم.

فلنذكر حكم الجميع واحدا تلو الآخر:

الأوّل: اشتراط السوم في تعلّق الوجوب

اتّفق الفقهاء شيعة و سنّة على شرطية السوم في تعلّق الوجوب و لم يخالف إلّا مالك حيث قال: تجب في النعم الزكاة سائمة كانت أو غير سائمة فاعتبر الجنس، و قد تفرّد مالك بهذا الرأي تبعا لشيوخه الثلاثة: مكحول و ربيعة و قتادة. «1» و بما انّ الشرط مورد اتّفاق بين الفقهاء قاطبة إلّا من عرفت فلا حاجة إلى نقل كلماتهم، و إنّما المهم في المقام بيان أمر آخر، و هو انّه يظهر من المتأخّرين انّ الزكاة رهن شروط أربعة:

1. النصاب، 2. الحول، 3. السوم، 4. عدم العمل.

و عليه المصنّف في المتن، فعندهم السوم و عدم العمل شرطان مستقلان، لكن الظاهر من فقهائنا المتقدّمين هو وحدة الشرط لا تعدّده و انّ الشرط عبارة عن السوم، منهم: المفيد «2»، و الشيخ «3»، و سلّار «4»، و ابن البراج «5»، و ابن

______________________________

(1). المدونة الكبرى لفتاوى مالك: 1/ 313؛ المغني: 2/ 456؛ الخلاف: 2/ 51- 52، المسألة 61.

(2). المقنعة: 246.

(3). النهاية: 177 و المبسوط: 1/ 191.

(4). المراسم العلوية: 139.

(5). المهذب: 1/ 161، 163، 164.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 223

..........

______________________________

زهرة «1»، و ابن إدريس «2»، و الكيدري «3»، و ابن سعيد الحلّي.

«4»

نعم الظاهر من الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «الشرائع» انّ عدم العمل شرط برأسه وراء السوم قال في «الخلاف»: لا تجب الزكاة في الماشية حتى تكون سائمة للدرّ و النسل، فإن كانت سائمة للانتفاع بظهرها و عملها فلا زكاة فيها. «5»

ترى أنّه عد العمل مانعا من تعلّق الزكاة مع كون الماشية سائمة.

و قال في «الشرائع»: الشرط الثاني: السوم- إلى أن قال-: الشرط الرابع: أن لا تكون عوامل، فانّه ليس في العوامل زكاة و لو كانت سائمة. «6» إلى غير ذلك من الكلمات.

و المهم هو دراسة الروايات و انّ المتبادر منها هل هو وحدة الشرط أو تعدّده؟ و الظاهر هو الأوّل، و إليك الروايات:

1. صحيحة الفضلاء الأولى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في حديث زكاة الإبل، قالا: «و ليس على العوامل شي ء، إنّما ذلك على السائمة الراعية». «7»

2. صحيحة الفضلاء الثانية عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في حديث زكاة البقر، قالا: «و لا على العوامل شي ء إنّما الصدقة على السائمة الراعية». 8

3. صحيحة الفضلاء الثالثة: قالا:

«ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية». 9

و الذي يهمّنا في هذه الأحاديث هو بيان أمرين:

______________________________

(1). الغنية: 2/ 119.

(2). السرائر: 1/ 432.

(3). إصباح الشيعة 114.

(4). الجامع للشرائع: 126، 129.

(5). الخلاف: 2، كتاب الزكاة، المسألة 62.

(6). الشرائع: 1/ 110.

(7) (7 و 8 و 9). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2، 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 224

..........

______________________________

الأوّل: انّ الإمام جعل السائمة في مقابل العوامل، و ما ذلك إلّا لأجل انّ الغالب عليها هو عدم السوم، فلو لم تكن الزكاة دائرة

مدار السوم و عدمه فلا معنى للتقابل.

الثاني: انّ الإمام جعل الضابطة في آخر الأحاديث هو السوم، و قال: «إنّما ذلك على السائمة الراعية» و ركّز عليها و هذا يدلّ على أنّ الميزان هو السوم.

و يقرب من هذا صحيحة زرارة قال:

4. قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال: «لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء». «1»

وجه الدلالة على أنّ الشرط هو السوم و أنّ عدم تعلّق الزكاة بالعوامل لأجل الملازمة بينها و بين التعليف، هو انّ السائل سأل عن الفرس و البعير المركوبين، و أجاب الإمام بأنّه ليس على ما يعلف شي ء و إنّما الصدقة على السائمة، فلو كان للعمل موضوعية و مانعية فكان على الإمام أن يجيب بأنّه ليس على المركوب شي ء و لكنّه عليه السّلام يجيبه بأنّه «ليس على ما يعلف شي ء»، و هذا دليل على أنّ عدم تعلّقها بالمركوب لأجل كونها معلوفة لا عاملة.

ثمّ إنّ الإمام أشار إلى الضابطة الكلية و قال: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها». و من المعلوم أنّ السائمة المرسلة في المرج لا تعدّ للركوب و لا للنضح و لا للنقل إذ تكون خارجة عن تحت يد المالك.

5. موثّقة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و كلّ شي ء من هذه الأصناف من

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 225

..........

______________________________

الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء».

«1»

وجه الدلالة انّ الإمام قسّم الأنعام إلى أقسام ثلاثة:

أ. السائمة في الصحراء، المرسلة في مرجها، و هذا هو المراد من قوله: الإبل و البقر و الغنم.

ب. الدواجن و الأنعام الأهلية التي تربّى في المنازل.

ج. العوامل التي يعلف عليها في المعطن و المعلف.

ترى أنّه ذكر العوامل في جنب الدواجن لاشتراكهما في كونهما معلوفتين.

إلى هنا تمت الروايات الدالّة على أنّ الميزان هو السوم و لا مدخلية للعمل بما هو هو إلّا أنّه يلازم التعليف، لأنّ العمل فرع كون الحيوان تحت اختيار المالك و هو لا يجتمع مع السوم في الصحراء إلّا قليلا.

نعم هنا رواية ربما يتبادر منها انّ عدم العمل بما هو هو شرط مستقل، و هو ما رواه ابن أبي عمير في حديث قال: كان عليّ عليه السّلام لا يأخذ من جمال العمل صدقة، كأنّه لم يحب أن يؤخذ من الذكورة شي ء، لأنّه ظهر يحمل عليها. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ لفظ الإمام ينتهي عند قوله: «لا يأخذ من جمال العمل صدقة» و ليس في كلامه إشارة إلى ما هو السبب لعدم الأخذ، فهل هو التعليف أو مانعية العمل؟

و أمّا ما ذكره ابن أبي عمير من قوله: «كأنّه لم يجب أن يؤخذ من الذكورة شي ء، لأنّه ظهر يحمل عليه» فهو استنباط شخصي من الراوي حيث استنبط من الحديث شرطية الأنوثة و مانعية العمل.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.

(2). الوسائل 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 226

..........

______________________________

فإن قلت: ذهب الفقهاء إلى أنّ حول السخال من حين النتاج تبعا للرواية «1» مع أنّها ليست بسائمة.

قلت: لو افترضنا العمل بالرواية، نقول: إنّ السخلة قبل التمكّن من

الرعي ليست بسائمة و لا معلوفة، فلو دلّ الدليل على اشتراط السوم فإنّما يدلّ فيما إذا كان الحيوان قابلا للسوم و التعليف، و السخلة التي تعيش بلبن الأم لا سائمة و لا معلوفة فلا يضرّ عدّها من النصاب باشتراط السوم في تعلّق الزكاة، لأنّ الشرط مختصّ بما يقدر عليه، دون ما لا يقدر.

على أنّ العلّامة ذهب في «المختلف» إلى أنّ السخال لا تعد مع الأمهات، بل لها حول بانفرادها. «2»

فإن قلت: يلزم على شرطية السوم خروج أكثر الأنعام عن مصبّ الحكم لا سيّما في إيران و البلاد الباردة حيث إنّ الحيوان يعلف في المعاطن عدة شهور.

قلت: سيوافيك جوابه في الفروع الآتي و انّه يكفي كونها سائمة في أكثر الحول و لا يضرّ التعليف ما دام يوصف كونها سائمة.

فإن قلت: ما مرّ من الأخبار يدلّ على شرطية السوم في الإبل و البقر الصالحين للعمل و ليس فيها ما يدلّ على شرطيته في الغنم الذي ليس صالحا إلّا للدرّ و النسل و غيرهما.

قلت: ورد تقييد الغنم في السوم في روايات الفريقين.

أخرج أبو داود في سننه و هكذا غيره كتاب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم الذي بعث مصدقة به و فيه: و في سائمة الغنم إذا كان أربعينا ففيها شاة. «3»

______________________________

(1). الوسائل 6، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 168.

(3). سنن أبي داود: 2/ 97، باب زكاة السائمة، برقم 1567؛ صحيح البخاري: 3/ 146؛ سنن الدارقطني: 2/ 114؛ و سنن البيهقى: 4/ 100.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

كما ورد في موثّقة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال؟

فقال: «في تسعة أشياء ليس في غيرها

شي ء: في الذهب و الفضة، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الإبل و البقر و الغنم السائمة- و هي الراعية- و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج». «1»

الثاني: حكم التعليف يوما أو يومين أو أسبوعا

إذا كانت سائمة طول السنة إلّا يوما أو يومين أو أسبوعا، فهل يسقط وجوب الزكاة؟ فهناك أقوال:

1. يراعى الأغلب في ذلك، و سقوط الزكاة مع التساوي. و هو خيرة الشيخ في «المبسوط».

2. يعتبر أن تكون سائمة طول الحول، و لا يعتبر الأغلب. و هو خيرة ابن إدريس، و المحقّق في «المعتبر».

3. الحكم يدور مدار الاسم، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت الزكاة و إلّا سقطت و هو المشهور بين المتأخرين. «2»

هذا بعض ما قيل في المقام، و قد عرفت من الماتن أنّ الميزان كونها سائمة في نظر العرف، و ليس علفها يوما أو يومين مخلا في نظر العرف، و هو المرجع في هذه المجالات.

أقول: لا يخفى ما في هذه الأقوال من الإفراط و التفريط، فعلى قول الشيخ

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، الحديث 9.

(2). الحدائق: 12/ 79.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 228

..........

______________________________

الطوسي يكفي كونها سائمة سبعة أشهر و معلوفة في باقيها، كما أنّه على قول المحقّق يزول عنوان السائمة بالعلف اليسير مع أنّ الماشية مهما كانت سائمة لا ينفك عن العلف اليسير طول السنة.

فالحقّ ما عليه المشهور ببيان خاص. أشار إليه الشيخ الأعظم في كتاب الزكاة، قال:

و تحقيقه انّ الحكم مرتب على السائمة لا السوم، و بعد ملاحظة اعتبار

حلول الحول على الملك الخاص، الواجد للشروط المقررة للمال الزكوي، يعتبر أن يكون في تمام الحول سائمة، لا بمعنى أن يتلبّس بالسوم في طول الحول كما يعتبر تلبسه بالمملوكية طول الحول، كيف و هو ينام و يشرب و يسكن و غير ذلك، بل يعتبر أن يكون من المصاديق الحقيقيّة للسائمة التي هي من المشتقات التي لا يشترط في صدقها قيام المبدأ بها بالفعل، فإنّ الغنم إذا سامت إلى حدّ يصدق عليها عرفا انّها سائمة، فكما يصدق عليها في حال السوم انّها سائمة، فكذلك حال اشتغالها بالاعتلاف يصدق عليها انّها سائمة إلّا أن يبلغ الاعتلاف حدّا يصدق أنّها غير سائمة، و الحدّ الموجب لصدق السائمة و المعلوفة موكول إلى العرف.

و الظاهر تحقّق الأوّل بمجرّد بناء المالك على أن لا يعلفها ما تحتاج إليه، و يكتفي عن ذلك برعيها في المرعى، و يمضي على ذلك مدّة، فإذا اتّفق بعد ذلك يوم لا يرعاها لمانع من المرعى فاعلفها، فيقال: إنّها سائمة أعلفت في هذا اليوم، و لا يسلب عنها صدق هذا المشتق بمجرّد يوم أو يومين بل أكثر. «1»

فحاصل ما ذكره هو انّ المناط استمرار صدق عنوان السائمة طول الحول لا

______________________________

(1). كتاب الزكاة، للشيخ الأنصاري: 151- 152.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

استمرار السوم و لا يقاس بالملك، فإنّ الماشية إذا خرجت عن الملك لحظة واحدة ثمّ عادت يكون مخلا، لأنّ عنوان الملك لا يتحقّق إلّا بالتلبس بالمبدإ دائما، فلهذا يقدح انقطاعه لحظة.

و نزيد بيانا:

إنّ صدق عنوان السائمة و المعلوفة كصدق عنوان النجّار و الخبّاز، فكما أنّ عدم مزاولة النجارة و الخبازة لمدة قصيرة لا يضرّ بصدق العنوان، فهكذا الحال في السائمة و المعلوفة فتعليف

السائمة لمدة قصيرة لا يخرجها عن صدق عنوان السائمة؛ و مثلها المعلوفة فإنّ رعيها في المراتع أياما معدودة لا يخرجها عن صدق عنوان المعلوفة، فكأنّ المالك يقسّم ماشيته إلى قسمين:

قسم منها خاص للرعي في الصحراء للدرّ و النسل و لا يرجعها إلى المعلف إلّا لغاية خاصة، و قسم منها معدّة للتعليف في المعلف و لا يرسلها إليه إلّا لغاية خاصة.

فما دامت الماشية تحمل أحد هذين العنوانين: من شأنها الرعي في المرج، أو من شأنها التعليف في المعلف، يترتب على كلّ منها حكمه الخاص. و على هذا فيكفي كونها سائمة في أكثر السنة و لا يضرّ الأقل و إن كان شهرا أو شهرين ما دام يصدق عليها انّها سائمة.

هذا كلّه إذا قلنا بأنّ السوم شرط، و انّ الموضوع هو السائمة، و أمّا إذا قلنا بأنّ الموضوع هو الماشية و انّ التعليف مانع، كما هو الظاهر من صحيحة زرارة «ليس على ما يعلف شي ء» فالمتبادر هو ما إذا كانت معدة للتعليف طول السنة، و أمّا إذا كانت معدّة للسوم في المرج و لكن اقتضت الحاجة و الضرورة التعليف في

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

المعلف فلا يصدق عليه انّه ممّا يعلف، فإنّ ظاهره هو الاستمرار على ذلك. «1»

الثالث: الاضطرار إلى التعليف لمانع

إذا اضطر إلى التعليف في المعلف على نحو يسلب عنه عنوان السائمة فلا تجب فيه الزكاة، مثل صورة الاختيار، فلو منع مانع من السوم، من ثلج أو مطر أو ظلم ظالم على نحو تخرج عن كونها سائمة، لأنّ الحكم يتبع الموضوع و إن كان السبب غير اختياري.

الرابع: التعليف من مال الغير بإذنه أو لا بإذنه

إذا كان العلف بشكل لا يوجب مئونة على المالك و ذلك في الصور الآتية:

الأولى: إذا كان العلف من مال المالك لكن بدون إذنه حيث يستقر الضمان على عهدة العامل.

الثانية: إذا كان العلف من غير المالك بإذنه.

الثالثة: إذا كان العلف من غير المالك يبذله شخص آخر من دون رضا مالك العلف.

ففي هذه الصور الثلاث ربما يتصوّر إلحاقها بالسائمة لعدم المئونة لاستقرار ضمان العلف على العامل في الأولى و الثالثة و المفروض في الثانية كون العلف برضا مالكه، و هذا ما احتمله الشهيد في «البيان» و استوجهه في «المسالك» متمسّكا «2» بأنّ المناط في عدم الزكاة على السائمة لأجل عدم المئونة و الملاك موجود في هذه الصور.

لكن الكلام في حجّية العلة المستنبطة.

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 90، ببيان منّا.

(2). المسالك: 2/ 307.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 231

الخامس: الرعي في الزرع المملوك

______________________________

إذا أرسلها للرعي في الزرع المملوك فالظاهر انّه لا يصدق عليها السائمة لما في الرواية في تحديد السائمة في صحيحة زرارة من قوله: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيها الرجل». «1» فإنّ المرج يطلق على الأرض الواسعة فيها نبت كثير يمرج فيها الدواب، و أمّا الأرض الواسعة المزروعة من قبل المالك فلا يطلق عليها المرج.

نعم احتمل سيدنا الأستاذ في تعليقته على العروة بأنّ ما يخل بالسوم هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع إذا كانت مزروعة على النحو المتعارف المألوف و أمّا لو فرض تبذير البذور التي هي من جنس كلاء المرعى في المراتع من غير عمل في تربيتها فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم.

و على ما ذكره فهناك فرق بين الرعي في الأراضي المعدة للزرع و ما ليست كذلك و لكن لو بذر صاحب الماشية

البذور في الأرض من دون رعاية و عناية على نحو تصبح كأنّها نباتات طبيعية، لا تتعلّق به الزكاة.

السادس: حكم السوم في المرعى المستأجر أو المشترى

إرسالها للرعي في المرعى المستأجر أو المشترى إذا لم يكن مزروعا من قبل المالك بل كان طبيعي المنبت.

ففي الفرع وجهان:

1. انّها سائمة، لأنّ الرعي في المرج سوم، سواء أ كان ملكا أم لم يكن، كما هو مقتضى اللغة و العرف.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

2. انّها ملحقة بالمعلوفة لوجود الغرامة و المئونة على المالك.

و لكن الحقّ هو الأوّل، خصوصا إذا قلنا بأنّ الموضوع الماشية و التعليف مانع كما هو مقتضى رواية زرارة «1» و من المعلوم عدم صدق المعلوفة.

اللّهمّ إلّا أن يقال بأنّ المرج يطلق على الأرض الواسعة التي لم يتملكها أحد، بل يعد من المباحات للناس و ليس المفروض منه.

و بعبارة أخرى: ليس الملاك هو الرعي في مقابل التعليف بالعلف المجزوز، بل صدق السائمة، و من المحتمل مدخلية المرعى في الأراضي المباحة في صدقها.

و منه يعلم عدم كفاية الرعي في نبات الدار و البستان و إن صدق عليها الرعي و السوم، إنّما الإشكال في صدق عنوان السائمة.

و من هنا يتبيّن التأمّل فيما يقال من أنّه لا تتعلّق الزكاة بالأنعام في إيران لا سيما في المناطق الباردة.

قال صاحب الجواهر: و الأمر سهل بعد ما عرفت من أنّ المدار ذلك الذي يعلم منه عدم الزكاة في بهائم إيران و خراسان و آذربيجان إلّا ما شذّ و ندر منها، لأنّها على ما قيل تعلف الشهرين و الثلاثة لا تخرج إلى المرعى و عدمها أيضا في المعلوف ليلا، و السائم نهارا، و الأمر واضح في ذلك كلّه

فتأمّل. «2»

السابع: الرعي في الأرض المباحة بمصانعة الظالم

أي الرعي في الأرض المباحة بمصانعة الظالم، لصدق عنوان السائمة، و لا مدخلية للمئونة في سلب اسم السائمة.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(2). الجواهر: 15/ 97.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 233

[ [الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل]]

[الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل] الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل، و لو في بعض الحول بحيث لا يصدق عليها أنّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول، و لا يضرّ إعمالها يوما أو يومين في السنة كما مرّ في السوم.* (1)

[الرابع: مضيّ الحول]
اشارة

[الرابع: مضيّ الحول] الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط، و يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر، فلا يعتبر تمامه، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب، بل الأقوى استقراره أيضا، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه.* (2)

______________________________

(1)* مرّ الكلام في هذا الشرط، في الشرط الثاني فلا نعيد.

(2)*

في المسألة فروع:
الأوّل: تعلّق الوجوب مشروط بمضيّ الحول جامعة للشرائط

اعتبر في تعلّق الزكاة بالأنعام مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط بأن يكون مالكا للنصاب طول السنة، و تكون الأنعام سائمة، فلو اختلت بعض الشروط في أثناء السنة انقطع الحول.

قال الشيخ: إذا مات المالك في أثناء الحول و انتقل ماله إلى الورثة، انقطع حوله، و استأنف الورثة الحول.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

و للشافعي قولان: في القديم: لا ينقطع حوله، و في الجديد: مثل قولنا. «1»

و كلامه صريح في شرطية بقاء الملكية للنصاب طول السنة.

و قال: إذا كان لإنسان أربعون شاة، فأقامت في يده ستة أشهر ثمّ باع نصفها، بطل حوله ... و قال الشافعي: إنّ حوله باق إذا باع مشاعا، فمتى حال عليه الحول وجب عليه الزكاة. «2»

و هذا صريح في شرطية بقاء النصاب طول السنة.

و قال أيضا: إذا كانت الماشية سائمة دهرها، فإنّ فيها الزكاة؛ و إن كانت دهرها معلوفة أو عاملة، لا زكاة فيها. «3»

هذا ما لدى الشيعة و أمّا ما لدى السنّة:

ففي مختصر الخرقي: و لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

و قال ابن قدامة في شرح تلك العبارة: روى أبو عبد اللّه بن ماجة في السنن باسناد عن عمر: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

ثمّ استدلّ على لزوم النصاب في جميع الحول بقوله: لنا

قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» فهو يقتضي مرور الحول على جميعه، و لأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك و الإسلام. «4»

و لو كان هناك اختلاف من الشافعي فإنّما هو في صورة الانتقال إلى الورثة أو إذا باع على وجه الإشاعة كما مرّ و إلّا فلا كلام في أصل الشرط.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 48، كتاب الزكاة، المسألة 56.

(2). الخلاف: 2/ 38، كتاب الزكاة، المسألة 38.

(3). الخلاف: 2/ 53، كتاب الزكاة، المسألة 62.

(4). المغني: 2/ 522- 526.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 235

..........

______________________________

هذه كلمات العلماء و أمّا ما يدلّ على شرطية أصل الحول إجمالا من الأخبار- فمضافا إلى النبوي السابق- صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء- إلى أن قال- و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه». «1»

و نحوه مرسل محمد بن سماعة، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام. «2»

إنّما الكلام فيما يدلّ على اعتبار بقاء الشروط الماضية طول السنة، فتدل الصحيحة السابقة على شرطية بقاء الملك و النصاب في طول العام حيث إنّها بعد ما ذكرت نصب الغنم ذيله بقوله: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا حول عليه» فبما انّ الموصول: «ما لم يحل» كناية عن النصاب، تكون صريحة في بقاء النصاب طول السنة في ملك ربه.

و أمّا ما يدلّ على شرطية السوم طول السنة فهو قوله في صحيحة زرارة: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها

الذي يقتنيها فيه الرجل». «3»

إلى هنا تم الكلام في الفرع الأوّل و هو لزوم مضي السنة مع اجتماع الشرائط.

الثاني: حدّ الحول، الدخول في الشهر الثاني عشر

اتّفق الأصحاب على أنّ حدّ الحول، و بتعبير آخر حولان الحول، أن يمضي له أحد عشر شهرا و يحلّ الثاني عشر، و عند هلاله تجب و لو لم تكمل أيام الحول،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

و إليك بعض كلماتهم:

قال الشيخ في «النهاية»: و إذا استهلّ هلال الشهر الثاني عشر، فقد حال على المال الحول، و وجبت فيه الزكاة، فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثاني عشر، سقط عنه فرض الزكاة، و إن أخرجه من ملكه بعد دخول الشهر الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و كانت في ذمّته إلى أن يخرج منه. «1»

و قال ابن إدريس في «السرائر»: و إذا استهلّ هلال الثاني عشر، فقد حال على المال الحول، و وجبت الزكاة في المال ليلة الهلال، لا باستكمال جميع الشهر الثاني عشر، بل بدخول أوّله. «2»

و قال المحقّق الحلي في «المعتبر»: إنّه مذهب علمائنا. «3»

و قال أيضا في «الشرائع»: فحدّه أن يمضي أحد عشر شهرا ثمّ يهلّ الثاني عشر، فعند هلاله تجب و لو لم تكمل أيام الحول. «4»

و قال العلّامة الحلي في «التذكرة»: و حولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة و إن لم تكمل أيّامه. «5»

و قال الشهيد الأوّل في «الدروس»: الحول، و هو مضي أحد عشر شهرا كاملة. «6»

إلى غير

ذلك من الكلمات.

و الدليل على ذلك صحيحة زرارة حيث يفسر الحول الوارد في النصوص-

______________________________

(1). النهاية: 182.

(2). السرائر: 1/ 452.

(3). المعتبر: 2/ 507.

(4). الجواهر: 15/ 97، قسم المتن.

(5). تذكرة الفقهاء: 5/ 51، المسألة 33.

(6). الدروس: 1/ 232، الدرس 61.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 237

..........

______________________________

أو بتعبير أفضل يفسّر حولان الحول- برؤية هلال الثاني عشر.

روي عن زرارة و محمد بن مسلم أنّهما قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟

قال: «ليس عليه شي ء أبدا».

و قال: إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز، و لم يكن عليه شي ء- إلى أن قال:-

قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه، أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال: «إذا دخل الشهر الثاني عشر، فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة». «1»

و الرواية صحيحة لا حسنة، و إبراهيم بن هاشم من الثقات.

الثالث: استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر
اشارة

لا شكّ في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر، إنّما الكلام في أنّه هل يستقر الوجوب به أو يكون واجبا متزلزلا و يستقر بإتمام الثاني عشر؟ وجهان.

و تظهر الثمرة فيما إذا اختلّت بعض الشرائط في الشهر الثاني عشر، كما إذا باع بعض النصاب أو نقص أو صارت الغنم معلوفة أو من العوامل، فعلى القول باستقرار الوجوب لا تسقط الزكاة، بخلافه على الثاني فتسقط.

و الظاهر هو الوجه الأوّل و يدلّ عليه أمران:

أ. قوله: «إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو وهبها

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

قبل ذلك جاز و لم يكن عليه شي ء»، فإنّ معناه انّه لو وهبها في ضمن الثاني عشر لما جاز، أي لما يسقط الزكاة.

ب. لفظ «الفاء» في قوله: «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت الزكاة» حيث إنّ «الفاء» تقتضي التعقيب بلا مهلة. كما أنّ قوله: «وجبت» ظاهر في الوجوب المستقر دون المتزلزل.

هذا و ربما يناقش في سند الحديث لأجل إبراهيم بن هاشم، لعدم ورود توثيق صريح فيه، و المناقشة ساقطة، و قد ذكرنا في محلّه: إنّه غني عن التوثيق، و إنّ ما ورد من المدح و الإطراء في حقّه يدلّ على أنّه من الأجلّاء الذين كانت الثقات يرحلون إليه لأخذ الحديث، كيف و هو نشر حديث الكوفيّين بين القميّين المعروفين بالحزم و الاحتياط. و قد روى عنه ابنه ما يناهز أربعة آلاف حديث.

و أمّا الوجه الثاني، أي تعلّق الوجوب تعلّقا متزلزلا و يستقر بتمام الشهر الثاني عشر فيمكن أن يقال: انّ الصحيح المزبور و إن كان ظاهرا في الوجوب المستقر بالدخول في الثاني عشر، إلّا أنّ ما دلّ على اشتراط الشروط الأخر طول الحول يقتضي حمله على إرادة المعنى الحقيقي من الحول، لعدم ما يصلح قرينة للتصرّف فيه، فالجمع بينهما يقتضي حملها على الوجوب المتزلزل، و ما دلّ على تلك الشرائط على الوجوب المستقر من إبقاء الحول فيها على الحقيقة.

يلاحظ عليه: أنّ الصحيحة ظاهرة في أنّ جميع ما يعتبر في وجوب الزكاة يتحقّق بالدخول في الثاني عشر، لا انّ الوجوب وحده يتحقّق به، و لكنّ الشرائط الأخر تبقى مستمرة إلى تمام الثاني

عشر، فإنّه تفكيك في مفاد النصوص. «1»

إلى هنا تم بيان الوجهين و قد عرفت أنّ الأقوى هو الوجه الأوّل.

______________________________

(1). لاحظ الجواهر: 15/ 99- 100.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 239

نظرية الفيض في تفسير الصحيحة

______________________________

يظهر من المحدّث الكاشاني وجه ثالث و حاصله: أنّ المقصود من حولان الحول بدخول الشهر الثاني عشر، هو انّه لا يجوز تفويت الزكاة بعد دخول الشهر الثاني عشر، و يجب التحفّظ عليها، و لا يسوغ التصرّف ببيع و نحوه ممّا ينافي بقاء المال.

أمّا الوجوب فلا يتأتّى إلّا بعد مضي الحول بكامله، و إليك نصّ كلامه:

قال: لعلّ المراد بوجوب الزكاة و حول الحول برؤية هلال الثاني عشر، الوجوب و الحول لمريد الفرار، بمعنى انّه لا يجوز الفرار حينئذ، لاستقرار الزكاة في المال بذلك، كيف و الحول معناه معروف و الأخبار بإطلاقه مستفيضة، و لو حملناه على معنى استقرار الزكاة، فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه، و إنّما يستقيم بوجوه من التكلّف. «1» انتهى.

و استجوده صاحب الحدائق و قال: لو لا اتّفاق الأصحاب قديما و حديثا على العمل بمضمون الصحيحة في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره. «2»

ثمّ أيّده بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «3» في شهر رمضان، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مناديه فنادى في الناس: إنّ اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة، و من الإبل و البقر

______________________________

(1). الوافي: 10/ 136.

(2). الحدائق الناضرة: 12/ 75.

(3). التوبة: 103.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و عفا لهم عن ما سوى ذلك. قال: ثمّ لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا، فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم، قال: ثمّ وجه عمّال الصدقة، و عمّال الطسوق». «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ثبت بضرورة الفقه، كون الوجوب مشروطا بمضي الحول، و هذا أمر مسلّم لا غبار عليه، و أمّا اشتراط مضي سنة كاملة و عدم كفاية دخول الشهر الثاني عشر، فلم يثبت بضرورة الفقه.

و أمّا الخدشة في السند التي أشار إليها بقوله: «بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه»، فقد عرفت دفعها و انّ إبراهيم بن هاشم من أجلّاء الثقات.

و أمّا دعمه بصحيحة عبد اللّه بن سنان، فهي على خلاف المقصود أدلّ، لأنّ ظاهر الرواية انّه سبحانه فرض عليهم الزكاة في أوّل شهر رمضان، فلو كان الشرط هو مضي سنة كاملة، كان على الرسول أن ينادي بالزكاة، و يوجّه عمّال الصدقة إليهم في أوّل شهر رمضان، و هذا آية انّ الرسول أخّر الطلب لمصلحة حتى ينقضي شهر رمضان، فلو صحّ ذلك، فللقائل أن يقول: أخّر الطلب إلى شهرين لمصلحة وقتية.

و الحاصل انّ صحّة الرواية، و فتوى المشهور على وفقها يصدّنا عن العدول عنها و الأخذ بإطلاق الحول في الروايات.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1؛ و الباب 8 من تلك الأبواب، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 241

الرابع: الشهر الثاني عشر محسوب من السنة الأولى

______________________________

إذا كان مرور أحد عشر شهرا كافيا في استقرار

الوجوب، فهل الشهر الثاني عشر يحسب من الحول الأوّل أيضا، أو من الحول الثاني؟

قال العلّامة: في احتساب الثاني عشر من الحول الأوّل، أو الثاني إشكال ينشأ من تمام الأوّل حقيقة، و من صدق الحولان باستهلال الثاني عشر. «1»

و الأظهر انّ الوجهين مبنيان على كيفية تفسير قوله: «إذا دخل الثاني عشر، فقد حال عليه الحول» فهل هو تصرّف في لفظ الحول بجعله حقيقة شرعية في أحد عشر شهرا- و عليه يلزم حمل كلّ ما ورد في الروايات لفظ «الحول» أو «السنة» أو «العام» على هذا- أو تصرف في حولان الحول، و صدقه و تطبيقه.

فالظاهر هو الثاني و انّه اكتفى في صدقه بدخول الشهر الآخر، بضرب من المجاز، و على هذا لا يحسب الشهر الآخر من العام القابل، لعدم التصرّف في لفظ الحول. نعم لا يحسب من العام الأوّل أيضا، و بذلك يظهر التسامح في عبارة المصنّف، و الأولى أن يقول لا يحسب من العام الثاني.

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 51.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 242

[أحكامها]

[المسألة 9: لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول]
اشارة

المسألة 9: لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول، كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكّن من التصرّف فيها، أو عاوضها بغيرها، و إن كان زكويّا من جنسها، فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلا و مضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها و مضى عليه ستّة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة و إن كانت بقصد الفرار من الزكاة.* (1)

______________________________

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. حكم اختلال بعض الشروط في أثناء الحول بالموت و عدم التمكّن.

2. معاوضة النصاب بغيرها لغاية من الغايات.

3. التصرّف في النصاب للفرار من الزكاة.

1. حكم اختلال بعض الشروط

إذا اختلّت بعض الشروط، كما لو نقص النصاب بالموت، أو لم يتمكّن من التصرّف فيها، لم تجب عليه الزكاة، لعدم مضي الحول عليها جامعة للشرائط، و تدلّ عليه جملة من النصوص:

منها: صحيحة الفضلاء: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه». «1»

و منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا يزكّى من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه الحول، و ما لم يحلّ عليه الحول فكأنّه لم يكن». 2 إلى غير ذلك من الروايات.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 243

2. حكم المعاوضة بالجنس أو بغيره

______________________________

إذا عاوضها بغيرها، فهل ينقطع الحول أو لا؟ فلنذكر الأقوال فيه و في الفرع التالي ثم نستدلّ عليهما فقال المحقّق: و لو اختلّ أحد شروطها في أثناء الحول، بطل الحول- إلى أن قال:- أو عاوضها بمثلها أو بجنسها على الأصح. «1»

هذا و قد فصّل الشيخ بين التبديل بجنس مخالف، فحكم بانقطاع الحول؛ و التبديل بجنسه، فحكم بعدم انقطاعه و لزوم الزكاة.

قال في «الخلاف»: من كان معه نصاب فبادل بغيره، لا يخلو أن يبادل بجنس مثله. مثل أن بادل إبلا بإبل، أو بقرا ببقر أو غنما بغنم، أو ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، فإنّه لا ينقطع الحول و يبني. و إن كان بغيره مثل أن بادل إبلا بغنم، أو ذهبا بفضة، أو ما أشبه ذلك، انقطع حوله، و استأنف الحول في البدل الثاني.

و به قال مالك. «2»

و قال في «المبسوط»: إذا بادل جنسا بجنس مخالف، مثل إبل ببقر، أو بقر بغنم، أو غنم

بذهب، أو ذهب بفضة، أو فضة بذهب، استأنف الحول بالبدل و انقطع حول الأوّل ... و إذا بادل بجنسه لزمه الزكاة، مثل: ذهب بذهب، أو فضة بفضة، أو غنم بغنم، و ما أشبه ذلك. «3»

و يظهر من ابن قدامة انّه متى أبدل نصابا من غير جنسه انقطع حول الزكاة و استأنف حولا، غير انّه استثنى الذهب و الفضة، لكون الذهب و الفضة كالمال الواحد، يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة. «4»

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 110.

(2). الخلاف: 2/ 55، كتاب الزكاة، المسألة 64.

(3). المبسوط: 1/ 206.

(4). المغني: 2/ 564.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

و ما ذكره الشيخ مبني على تعلّق الزكاة بالنوع لا الشخص، فإذا بادله بنفس الجنس صدق انّه ملك أربعين شاة سنة كاملة و إن تبدّلت أعيانه، و لكنّه خلاف الظاهر، فإنّ المتبادر من صحيح الفضلاء الآنف ذكره «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب» هو مضي الحول على العين.

قال ابن إدريس: و أيضا إجماعنا، بخلاف ما ذهب إليه في مبسوطه، و أصول مذهبنا منافية لذلك، لأنّهم عليهم السّلام أوجبوا الزكاة في الأعيان، دون غيرها من الذمم، بشرط حئول الحول على العين، من أوّله إلى آخره، فيما يعتبر فيه الحول، و من المعلوم أنّ عين البدل غير عين المبدل، و انّ إحداهما لم يحل عليها الحول. «1»

3. التصرّف في النصاب لأجل الفرار

التصرّف في النصاب لأجل الفرار، فقد تعرّض له المصنّف هنا و في زكاة النقدين عند الكلام في الشرط الثالث. و يظهر من الأقوال التي سنذكرها انّ المسألة مورد اختلاف بين فقهائنا.

قال العلّامة: لو جعل الدنانير و الدراهم حليّا قبل الحول فرارا، سقطت الزكاة عند

أكثر علمائنا، لانتفاء الشرط. و قال ابن أبي عقيل: تجب الزكاة مقابلة بنقيض مقصوده، كالقاتل و المطلّق، و هو ممنوع. «2»

و يظهر من العلّامة انّ المخالف هو ابن أبي عقيل فقط، مع أنّه ليس كذلك، كيف و قد وافقه الشيخ في «الخلاف» فانّه فصل بين التنقيص و التبديل

______________________________

(1). السرائر: 1/ 452.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 188.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 245

..........

______________________________

بغير الجنس و كان الكل للفرار عن الزكاة، فقال بعدم الزكاة في الأوّل و بها في الثاني، و إليك نصوصه في «الخلاف».

و قال: يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من الزكاة، فإن فعل و حال عليه الحول و هو أقل من النصاب، فلا زكاة عليه. و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي.

و قال بعض التابعين: لا ينفعه الفرار منها، فإذا حال عليه الحول، و ليس معه نصاب أخذت الزكاة منه. و به قال مالك. «1»

و قال: إذا كان معه نصاب من جنس واحد، ففرّقه في أجناس مختلفة فرارا من الزكاة، لزمته الزكاة إذا حال عليه الحول، على أشهر الروايات، و قد روي «انّ ما أدخله على نفسه أكثر».

و قال الفقهاء في هذه المسألة مثل ما قالوه في مسألة التنقيص سواء.

دليلنا على هذه الرواية: ما رواه إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه الزكاة؟ قال: «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة».

قلت: لم يفرّ بها، ورث مائة درهم و عشرة دنانير؟

قال: «ليس عليه زكاة»، قلت: لا يكسر الدراهم على الدنانير، و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: «لا». «2»

و قال أيضا في موضع ثالث: لا

زكاة في سبائك الذهب و الفضة، و متى

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 56، كتاب الزكاة، المسألة 65.

(2). الخلاف: 2/ 57، كتاب الزكاة، المسألة 66.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

اجتمع معه دراهم أو دنانير و معه سبائك أو نقار، أخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير إذا بلغا النصاب، و لم يضم السبائك و النقار إليها.

و قال جميع الفقهاء: يضم بعضها إلى بعض. و عندنا انّ ذلك يلزمه إذا قصد به الفرار من الزكاة. «1»

و قال في «المبسوط» عند مبادلة جنس بجنس: و إن فعل ذلك فرارا من الزكاة لزمه الزكاة. «2»

فقد ظهر من ذلك انّ الشيخ من المفصّلين بين التنقيص و التبديل بجنس آخر و إن كان الكل لغاية الفرار.

و قد بسط السيد المرتضى الكلام في المسألة و عدّ وجوب الزكاة ممّا انفرد به الإمامية على خلاف العلّامة حيث نسبه إلى ابن أبي عقيل فقط، و إليك كلامه:

و ممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ من فرّ بدراهم أو بدنانير من الزكاة فسبكها أو أبدل في الحول جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة، فإنّ الزكاة تجب عليه إذا كان قصده بما فعله الهرب منها، و إن كان له غرض آخر سوى الفرار من الزكاة فلا زكاة عليه.

و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و لا يوجبون على من ذكرناه الزكاة و إن كان قصده الهرب منها. و روي عن مالك و بعض التابعين انّ عليه الزكاة.

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه: إجماع الطائفة.

فإن قيل: قد ذكر أبو علي بن الجنيد انّ الزكاة لا تلزم الفارّ منها ببعض ما ذكرناه.

______________________________

(1). الخلاف: 1/ 77، كتاب الزكاة، المسألة 90.

(2). المبسوط: 1/ 206.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

قلنا: الإجماع قد تقدّم ابن الجنيد و تأخّر عنه، و إنّما عوّل ابن الجنيد على أخبار رويت عن أئمتنا عليهم السّلام تتضمّن انّه لا زكاة عليه و إن فرّ بما له، و بإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر و أقوى و أولى و أوضح طريقا تتضمن أنّ الزكاة تلزمه.

و يمكن حمل ما تضمن من الأخبار أنّها لا تلزم، على التقية، فإنّ ذلك مذهب جميع المخالفين، و لا تأويل للأخبار التي وردت بأنّ الزكاة تلزمه إذا فرّ منها إلّا إيجاب الزكاة فالعمل بهذه الأخبار أولى. «1»

و القدر المتيقن من كلامه، هو لزوم الزكاة عند التبديل أو السبك دون التنقيص.

إلى هنا علم أنّ المخالف هو ابن أبي عقيل و الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» و السيد المرتضى في «الانتصار».

و قد وافق الشيخ ابن زهرة الحلبي في «الغنية» في السبائك، قال: «أو سبائك فرّ بسبكها من الزكاة». «2»

و مثله أبو مجد الحلبي في «إشارة السبق» فقال: أو سبائك قصد الفرار من الزكاة بسبكها. «3»

و أمّا المتأخّرون فالمشهور بينهم عدم الوجوب، هذا هو السير التاريخي للمسألة، و قد علم أقوال أهل السنّة ممّا نقلناه عن «الخلاف»، و يظهر من «المغني» انّ التصرّف في النصاب سواء كان بتنقيص أو إبدال بغير جنسه للفرار عن الزكاة، لا يسقط الزكاة قال: إنّ إبدال النصاب بغير جنسه يقطع الحول و يستأنف حولا

______________________________

(1). الانتصار: 219- 220.

(2). غنية النزوع، قسم الفقه: 118.

(3). إشارة السبق: 109.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 248

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

آخر، فإن فعل

هذا فرارا من الزكاة لم تسقط عنه سواء كان المبدل ماشية أو غيرها من النصب، و كذا لو أتلف جزءا من النصاب قصدا للتنقيص، لتسقط عنه الزكاة لم تسقط ... و قال أبو حنيفة و الشافعي تسقط عنه الزكاة. «1»

و قد عرفت قول مالك من «الخلاف»، فالمسألة خلافية بين كلا الفريقين، و أمّا مصدر الاختلاف عندنا فهو اختلاف الروايات فانّها على طائفتين:

الطائفة الأولى: ما يدلّ على سقوط الزكاة و هي كثيرة و بينها صحاح، نذكر منها ما يلي:

1. صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ... قلت له:

فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال: «جائز ذلك».

قلت: إنّه فرّ بها من الزكاة.

قال: «ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها». «2»

2. صحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل فرّ بماله من الزكاة، فاشترى به أرضا أو دارا، أ عليه شي ء؟ فقال: لا، و لو جعله حليّا أو نقرا «3» فلا شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّه الذي يكون فيه». «4»

3. صحيحة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم، أعمالا، أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك

______________________________

(1). المغني: 2/ 564.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3). النّقر جمع مفرده نقرة، و هي القطعة المذابة من الذهب و الفضة.

(4). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 249

..........

______________________________

المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال:

«ليس على الحلّي زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه، فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة». «1»

4. صحيحة علي بن يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «لا تجب الزكاة فيما سبك»، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ قال: «ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا تجب عليه الزكاة». 2

و رواها الصدوق أيضا بسند آخر. 3

إلى غير ذلك من الروايات.

و في مقابل ذلك روايات أربع ظاهرها وجوب الزكاة، و هي التي استند إليها السيد المرتضى و أوّل ما دلّ على السقوط، و إليك دراسة تلك الروايات:

1. صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلي، فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة». «4»

و الرواية ظاهرة في الوجوب فما ربما يقال من أنّ قوله: «فيه زكاة» حكم وضعي شامل للواجب و المندوب ليس بتام خصوصا انّ الوجوب لا يحتاج إلى بيان زائد بخلاف الندب، و الأولى أن يحمل على ما بعد الحول بقرينة الطائفة الأولى المصرّحة بسقوط الزكاة فيما إذا كان الفرار أثناء الحول.

2. موثقة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ أباك، قال: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها، فقال: «صدق أبي: إنّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم

______________________________

(1) (1 و 2 و 3). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4، 2، 3.

(4). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

يجب عليه فلا شي ء عليه منه». «1»

و الرواية على خلاف مقصود المستدلّ أدلّ، حيث

إنّ الإمام فسر كلام أبيه و حمل كلامه على ما إذا كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه و لا ينفعه الفرار، بخلاف ما إذا عمل قبل استقراره.

3. موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير، أ عليه زكاة؟ قال: «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة».

قلت: لم يفرّ بها، ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال: «ليس عليه زكاة»، قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم، قال: «لا». «2»

و تحمل الرواية على ما حمل عليه الأوّلان، إذ ليست الرواية نصا في التصرّف قبل الحول.

4. رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار و المائتي دينار- و أراني قد قلت: ثلاثمائة- فعليه الزكاة؟

قال: «ليس فيه زكاة».

قلت له: فانّه فرّ به من الزكاة، فقال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة». «3»

و هذا الحديث على خلاف الأحاديث السابقة حيث يمكن حمل ما سبق على ما بعد الحول بخلاف هذا الحديث، إذ لا يمكن حمله عليه، إذ لا فرق في

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(3). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6؛ و الباب 11 من تلك الأبواب، الحديث 6 حيث قطّعه صاحب الوسائل في البابين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 251

[المسألة 10: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي ء]

المسألة 10: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب

شي ء، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن، و إن كان بتفريط منه- و لو بالتأخير مع التمكّن من الأداء- ضمن بالنسبة، نعم لو كان أزيد من النصاب و تلف منه شي ء مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شي ء، و كان التلف عليه بتمامه مطلقا على إشكال.* (1)

______________________________

التصرّف بعد الحول بين كونه نابعا عن قصد التجمّل أو عن قصد الفرار، فالتفريق بين الأمرين دال على أنّ التصرّف كان قبل الحول.

و لكن لا يمكن الاحتجاج برواية واحدة أمام الروايات المستفيضة المرخصة، فلا بأس بحملها على الاستحباب، أو على التقية، لما عرفت من ذهاب مالك و أحمد إلى وجوب الزكاة.

و على فرض التعارض بين الروايتين، يرجع إلى الإطلاقات الدالّة على لزوم مضي الحول جامعة للشرائط و المفروض عدم الشرط.

(1)* الموضوع في كلام المصنّف، هو ما إذا تلف البعض لا الكلّ، و كان التلف قبل العزل لا بعده، فالتلف بعد العزل، أو تلف جميع النصاب خارج عن محط البحث، و على هذا تكون صور المسألة كالتالي:

إذا تلف البعض قبل العزل فإمّا أن يكون المال بقدر النصاب، أو أزيد منه، و على كلّ تقدير فإمّا أن يكون التلف مع التفريط أو لا، فهذه صور أربعة و دراستها في ضمن فرعين:

1. إذا كان المال بقدر النصاب فتلف منه شي ء، كما إذا كان له أربعون غنما، فتلف منه عشرون، فقد فصّل المصنّف بين التفريط- فيضمن بالنسبة-

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

و غيره فلا يضمن شيئا و ينقص من الزكاة بنسبة التالف، و هي نصف الشاة في المثال المفروض، و ذلك لأنّ الزكاة عندئذ أمانة في يد المالك حتى يوصلها إلى أصحابها، و الأمين لا

يضمن إلّا إذا فرّط في الأداء، و من التفريط، التأخير في الأداء مع وجود المستحق، فالتفصيل على وفق القاعدة.

يلاحظ عليه: أنّ حكمه بالضمان بالنسبة في صورة التفريط يحتاج إلى التفسير فإن قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بالنصاب على نحو الإشاعة في العين أو المالية، يصح تعبير المصنّف بأنّ المالك يضمن بالنسبة، أي بنسبة ما مات كالنصف فيما إذا مات عشرون غنما بالتفريط، لأنّ المستحق شريك المالك، و بما انّه فرّط يحسب عليه بالنسبة.

و أمّا لو كان تعلّقها بالنصاب، على الكلّي في المعيّن، أو أنّه من قبيل حق الرهانة، فالتعبير الصحيح انّه يحسب الخسارة على المالك لا انّه يضمن بالنسبة إذ لا شريك له حتى يضمن له.

و النتيجة على القولين و إن كانت واحدة، إلّا انّ التعبير بالنسبة صحيح على الإشاعة دون غيرها.

و أمّا حكمه بعدم الضمان في صورة عدم التفريط لا يصحّ إلّا على القول بكون تعلّق الزكاة على العين على نحو الإشاعة في العين أو في الماليّة السيّالة فيكون المستحق أحد الشريكين، فإذا طرأ التلف بلا تفريط، يحسب على كليهما، و أمّا على القول بأنّ تعلّقها على العين على نحو الكلّي في المعيّن، كبيع صاع من صبرة، كما عليه المصنّف فطرء التلف على بعض الصبرة لا يحسب إلّا على المالك، فما دامت الصبرة تكون مشتملة عليها، يجب عليه الخروج عن العهدة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

و مثله القول بأنّ تعلّقه بها، من قبيل حقّ الرهانة، و الزكاة في الذمّة و العين رهن عليه، و تلف الرهن لا يوجب سقوط ما في الذمّة.

2. إذا تلف شي ء من النصاب قبل العزل و كان الباقي بمقدار النصاب، كما إذا كان المال مشتملا على النصاب و

العفو، مثل ما إذا كان له خمسون شاة، فتلف منه عشر شياه و بقى أربعون شاة من دون أن ينقص من النصاب شي ء، فاحتمل المصنّف أن يكون من المالك مطلقا دون أن ينقص من الزكاة شي ء مطلقا سواء كان هناك تفريط أو لا، و ذهب بعض المعلّقين إلى أنّها كالصورة الأولى يقسط التالف على المالك و أصحاب الزكاة.

أقول: إنّ القول بأنّه يحسب على المالك في صورة التفريط واضح لا سترة عليه إنّما الكلام فيما إذا تلف الزائد على النصاب بلا تفريط، فحكم المصنّف بأنّه يحسب على المالك على إشكال.

فلو قلنا بأنّ متعلّق الزكاة فيما إذا اشتمل النصاب على الزائد الذي يعبر عنه بالعفو، هو المجموع من النصاب و العفو، غاية الأمر لا تجب الزكاة في الزائد على النصاب و عندئذ يكون حكمه، حكم ما إذا تلف بعض النصاب في أنّه ينتقص من الزكاة بقدر التالف على القول بالإشاعة في العين أو المالية السيّالة.

و أمّا لو قلنا بأنّ متعلّقها، هو الأربعون شاة على الوجه الكلّي و المفروض انّه صادق على الباقي بعد التلف، فلا وجه للاحتساب على المستحق، لعدم طروء التلف على متعلّقها، و يكون التلف بتمامه من المالك، حتى على القول بالإشاعة مطلقا فضلا عن سائر المباني.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 254

[المسألة 11: إذا ارتدّ الرجل المسلم، فإمّا أن يكون عن ملّة، أو عن فطرة]

المسألة 11: إذا ارتدّ الرجل المسلم، فإمّا أن يكون عن ملّة، أو عن فطرة. و على التقديرين إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فإن كان بعده وجبت الزكاة، سواء كان عن فطرة أو ملّة. و لكن المتولّي لإخراجها الإمام عليه السّلام أو نائبه.

و إن كان في أثنائه و كان عن فطرة انقطع الحول، و لم تجب الزكاة و

استأنف الورثة الحول.

لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته.

و إن كان عن ملّة لم ينقطع؟ و وجبت بعد حول الحول، لكن المتولّي الإمام عليه السّلام أو نائبه إن لم يتب.

و إن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه، و أمّا لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه.

إلّا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النيّة، أو كان الفقير القابض عالما بالحال، فانّه يجوز له الاحتساب عليه، لأنّه مشغول الذمّة بها إذا قبضها مع العلم بالحال و أتلفها، أو تلفت في يده.

و أمّا المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقا.* (1)

______________________________

(1)* الصور الأصلية للمسألة لا تتجاوز عن ثمان.

لأنّ الارتداد تارة يكون بعد الحول أو في أثنائه، و على كلا التقديرين تارة يكون عن فطرة و أخرى عن ملّة، و على التقادير الأربعة، فالمرتد تارة يكون رجلا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 255

..........

______________________________

و أخرى امرأة. فنقدّم صور الرجل:

1. إذا ارتدّ بعد الحول و استقرار الزكاة عليه و كان الارتداد عن فطرة انتقلت أمواله إلى الورثة، و يحكم عليه بالقتل و بينونة الزوجة، و يكون المقام أشبه بما إذا مات المورّث بعد تعلّق الزكاة، فعندئذ يقع الكلام في المتولّي لإخراج الزكاة، فهل هو نفس المرتد- إذا حاول الأداء و الحال هذه- أو الورثة، أو الإمام أو نائبه كما عليه المصنّف وجوه.

الأظهر هو الأوّل- لو حاول الأداء- لعدم الدليل على سقوط التكليف عنه- مع الارتداد و القول بعدم تمشّي القربة منه- غير تام لوجوه ثلاثة:

1. انّه إنّما يتمّ لو لم يتب دون ما إذا تاب.

2. انّه إنّما يصحّ إذا كفر باللّه، دون ما إذا صار كتابيا، أو ناصبيّا أو غير ذلك إذ ربّما يتمشّى منهم قصد القربة.

3. لا دليل

على لزومه مع التعذّر، فالزكاة حقّ للفقراء في أموال الأغنياء، يجب عليهم القيام بذلك بقصد التقرّب، فإذا تعذّر سقط وجوبه و يبقى أداء الدين على حاله.

فإن قلت: إنّ انتقال الأموال إلى الورثة صار سببا لمشاركة المستحق معهم، فإخراج الزكاة نوع تصرّف في المال المشترك و هو رهن الولاية و المرتد فاقد لها.

قلت: يكفي في صحة الإخراج رضا الورثة بالتقسيم، و إلّا يرفع الأمر إلى الحاكم و يقسم برعايته و رضاه.

نعم لو لم يقم بذلك تقوم به الورثة، لانتقال أمواله إلى الورثة- غير سهم الزكاة- فيكون المستحق أضعف الشركاء و الورثة أقواهم، و يكون الخيار بيد

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 256

..........

______________________________

أقواهم أخذا بما في صحيح بريد بن معاوية من أنّ الخيار للمالك دون المصدّق و العامل. «1»

و إنّما يتدخل الحاكم في موردين:

أ. إذا حاول المرتد الإخراج و منعت الورثة.

ب. لم يقم هو و لا الورثة بالإخراج.

و بذلك يعلم أنّه لا تصل النوبة إلى الإمام أو نائبه، لأنّه إنّما خوّل إليهما الأمور التي ليس لها مسئول خاص في الشرع، و يكون القيام به من باب الحسبة، و أمّا الأمر الذي له مسئول بالخصوص فهو خارج عن إطار أمرهما.

2. إذا ارتد بعد الحول و كان الارتداد عن ملّة و حكم هذه الصورة أوضح من الصورة السابقة لعدم انتقال أمواله إلى الورثة، بل هي باقية في ملكه، و مع عدم تمشي القربة يسقط قصد القربة للتعذر، و يأت بالجزء الآخر، و قد عرفت أنّ الزكاة دين في ذمّة الغني لصالح الفقير فيجب عليه ردّ دينه، غاية الأمر دلّ الدليل على أنّه يجب أن يكون الأداء مقرونا بقصد التقرّب، فإذا تعذّر- و الحال هذه- يبقى وجوب

أداء الدين بحاله.

هذا إذا حاول الأداء، و أمّا إذا امتنع عن الأداء، فيقوم به الحاكم، لأنّه ولي الممتنع، لا الورثة، لعدم انتقال أمواله إليهم، حتى يخاطبوا، بإخراج الزكاة من أموالهم كما لا يخفى.

فلا يتدخل الحاكم إلّا في مورد واحد بخلاف السابق فيتدخل في موردين.

3. إذا ارتدّ أثناء الحول و كان الارتداد عن فطرة انقطع الحول، لانتقال

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 257

..........

______________________________

أمواله إلى الوارث، فلا موضوع للزكاة بالنسبة إلى المرتدّ و يتولّاها الورثة عند تمام الحول الجديد الخاص بهم.

4. إذا ارتدّ أثناء الحول و كان الارتداد عن ملّة، فلا وجه لانقطاع الحول، لبقاء أمواله في ملكه و له صور عند المصنّف:

ألف. إن لم يتب بعد الحول قال الماتن: أخرجه الإمام، و على المختار يخرجه بنفسه، إلّا إذا لم يخرج فيتولاه الإمام.

ب. إن تاب بعد الحول أخرجه بنفسه.

ج. إن أخرج ثمّ تاب. فقد فصّل الماتن بين الأقسام التالية:

1. فإن كانت العين باقية في يد الفقير جدّد النية.

2. إن كانت تالفة و كان الفقير عالما بالحال- فبما انّه لم يكن هنا غرور من الدافع يكون ضامنا للمالك، و دائنا له، فله أن يحتسب الدين من الزكاة و يجزيه.

3. إن كان جاهلا فبما انّه كان مغرورا من قبل المالك، لأنّه سلّطه على ماله مجانا و غرّره، فلا يكون ضامنا دائنا، فتجب عليه الإعادة.

هذا التفصيل مبني على القول بعدم سقوط قصد القربة، و أمّا على ما قوينا من أنّه مخاطب بأداء الزكاة مطلقا، فإذا تعذّر و إن كان عن اختيار يسقط الشرط و يكفي إذا أخرجه بنفسه في جميع الصور، و لا يعد مثل هذا

من قبيل الممتنع، لأنّ المراد منه إذا امتنع من الأداء، لا ما إذا لم يمكن قصد التقرّب و إن كان عن تقصير.

هذا كلّه إذا كان المرتد، هو الرجل، و أمّا إذا ارتدّت المرأة المسلمة، فحكمها حكم المرتد عن ملّة، حرفا بحرف فلا ينقطع الحول إذا كان في الأثناء، و تجب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 258

[المسألة 12: لو كان مالكا للنصاب لا أزيد- كأربعين شاة- مثلا فحال عليه أحوال]

المسألة 12: لو كان مالكا للنصاب لا أزيد- كأربعين شاة- مثلا فحال عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت، لعدم نقصانه حينئذ عن النصاب، و لو أخرجها منه، أو لم يخرج أصلا لم تجب إلّا زكاة سنة واحدة، لنقصانه حينئذ عنه.

و لو كان عنده أزيد من النصاب- كأن كان عنده خمسون شاة- و حال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب، فلو مضى عشر سنين- في المثال المفروض- وجب عشرة، و لو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي ء، لنقصانه عن الأربعين.

و لو كان عنده ستّ و عشرون من الإبل، و مضى عليه سنتان، وجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى، و خمس شياه للثانية. و إن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا أربع شياه. و هكذا إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب.* (1)

______________________________

الزكاة بعد الحول، و تكون هي المتولية للأداء، دون الحاكم، نعم على القول الآخر يأتي التفصيل الماضي، فلا نعيد.

(1)* ما ذكره قدس سرّه مطابق للقاعدة، و إليك البيان:

1. إذا كان مالكا للنصاب لا أزيد- كأربعين شاة- فحال عليه أحوال، فله صور ثلاث:

أ. أخرج زكاته كلّ سنة من غيره.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 1، ص: 259

..........

______________________________

ب. أخرجها من النصاب.

ج. لم يخرج أصلا.

فعلى الأوّل، يخرج زكاته لكلّ سنة، لبقاء النصاب بحاله، و تتكرر الزكاة ما دام النصاب باقيا بحاله.

و على الثاني يجب مرّة واحدة، لنقصان الموجود حينئذ عن النصاب.

و مثله الثالث، لنقصانه حينئذ بالإخراج مرّة واحدة.

2. و لو كان عنده أزيد من النصاب- كأن كان عنده خمسون شاة- و حال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص من النصاب، فلو مضى عشر سنين- في المثال المفروض وجب عشرة- و لو مضى أحد عشر سنة، وجب أحد عشر شاة، و لا يجب بعده عليه شي ء، لنقصانه عن الأربعين.

هذا (عدم وجوبها بعد السنة الحادية عشرة) من غير فرق بين كون تعلّق الزكاة على نحو الإشاعة أو الشركة في المالية أو الكلّي المعيّن، حتى على القول بتعلّقها بالذمة و كون العين من قبيل الوثيقة كحقّ الرهانة، و ذلك، لأنّ العين عندئذ ليس ملكا طلقا، حيث لا يجوز للمالك التصرّف قبل فك الرهن و أداء الدين، و قد تقدّمت شرطية اعتبار الملك الطلق في تعلّق الزكاة.

و مثله إذا ملك أربعون مثقالا من الذهب فلم يخرج زكاتها عدّة أعوام، فيجب إخراج زكاتها، إلى أن ينقص من النصاب، أعني: العشرين.

3. لو كان عنده ست و عشرون من الإبل، فبما انّها مشتملة على عدة نصب فإخراج إبل منها، يوجب الانتقال إلى نصاب آخر فيختلف الحكم حسب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 260

..........

______________________________

اختلاف النصب، و قد عرفت فيما سبق:

أنّ في الست و العشرين بنت مخاض

و في الخمس و العشرين خمس شياه

و في العشرين أربع شياه

و في خمسة عشر ثلاث شياه

و

في العشر شاتان

و في الخمس شاة

و على ذلك لو كان عنده ست و عشرون إبلا و مضى عليه سنتان، وجب للسنة الأولى بنت مخاض، و للسنة الثانية خمس شياه.

هذا إذا كانت بنت مخاض مساوية لقيمة الواحدة من الإبل أو يكون أقل، إذ في كلتا الصورتين لا يملك النصاب الأعلى (الست و العشرين) فينتقل إلى النصاب السابق، أعني: الخمس و العشرين الذي فيه خمس شياه، بخلاف ما لو كانت قيمة بنت مخاض أزيد من قيمة الواحدة من الإبل، فعندئذ لا يملك حتى النصاب السابق (الخمس و العشرون) أيضا بتمامه، بل أقلّ منه و لو بجزء، فلا تجب عليه للسنة الثانية خمس شياه بل أربع شياه، لما عرفت من أنّ الواجب بين العشرين و الخمس و العشرين، أربع شياه.

و لو مضت عليه ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا أربع شياه التي هي النصاب الرابع، و هو يتوقّف على أن يكون قيمة بنت مخاض و خمس شياه، أكثر من قيمة الواحدة، حتى لا يملك الخمس و العشرين و تصل النوبة إلى النصاب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 261

[المسألة 13: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد]

المسألة 13: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد، إمّا بالنتاج، و إمّا بالشراء، أو الإرث، أو نحوهما؛ فإن كان بعد تمام الحول السابق، قبل الدخول في اللاحق فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع، إن كمل بها النصاب اللاحق.* (1)

______________________________

الرابع، و إلّا فلو كان بين الإبل (الست و العشرون) ما تساوي قيمته بنت مخاض و خمس شياه، فلا تصل النوبة إلى النصاب الرابع، لأنّه مع الحكم بإخراجهما، يملك الخمس و العشرين أيضا لا أقلّ، و معه يجب أيضا في هذه الصورة، خمس شياه أيضا، وراء

بنت مخاض و خمس شياه للسنة الأولى و الثانية.

هذا و في تعليقة سيد مشايخنا البروجردي قدس سرّه في المقام: «هذا ما لم يكن فيها إبل ما يسوى قيمته بنت مخاض و خمس شياه، و إلّا كان الواجب في الثالثة خمس شياه».

و وجهه واضح، لأنّه عندئذ لا ينتقل إلى النصاب الاسبق (العشرين و ما فوقها غير بالغ لخمسة و عشرين) بل ينتقل إلى السابق، أعني: خمسة و عشرين إبلا و الواجب فيها خمس شياه.

(1)* إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام، ملك جديد، بسبب من الأسباب، فله صورتان:

الأولى: أن يحصل بعد تمام الحول السابق و قبل الدخول في اللاحق.

الثانية: أن يحصل في أثناء الحول.

أمّا الصورة الأولى؛ فقد ذكر له المصنّف قسما واحدا، و هو ما إذا ملك، ما

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

يكون مكمّلا للنصاب اللاحق، لا عفوا و لا نصابا مستقلا، كما إذا كان له من الإبل سبعة فملك في نهاية الحول ثلاثة فاكتمل به النصاب اللاحق، و هو كون الإنسان مالكا لعشرة من الإبل، نعم لو ملك اثنين منه، يكون عفوا إذ لا يبلغ إلى العشرة، كما أنّه لو ملك خمسة، فقد ملك نصابا مستقلا.

و على كلّ تقدير، فيجعل عند اكتمال النصاب اللاحق أي نهاية الحول الأوّل للمجموع حولا واحدا. و يعلم حكم العفو و النصاب المستقل ممّا سيذكره في الصورة الثانية.

ثمّ إنّ المراد من تمام الحول في كلام الماتن هو انقضاء الشهر الحادي عشر، كما أنّ المراد من اللاحق، هو السنة الجديدة بعد تمامية الشهر الثاني عشر، فيكون المراد إذا ملك بعد الشهر الحادي عشر و قبل تمامية الثاني عشر، و ما ربما نقل من أنّ التعبير بالبعدية و القبلية

غير مناسب لاتصال الحولين، و كان الأنسب التعبير بمقارنة الملك لابتداء الحول الثاني. «1» مبني على تفسير الحول باثني عشر شهرا، لكنّك عرفت أنّه بتمامية الحادي عشر، يستقر الوجوب و يتم الحول الذي هو شرط تعلّقه و استقراره.

*** هذا كلّه فيما إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام، ملك جديد، بعد تمام الحول السابق و قبل و الدخول في اللاحق.

و أمّا إذا حصل في أثناء الحول فهذا هو الذي يقول في حقّه المصنّف:

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 105.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 263

و أمّا إن كان في أثناء الحول، فإمّا أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو، و لم يكن نصابا مستقلا، و لا مكمّلا لنصاب آخر، و إمّا أن يكون نصابا مستقلا، و إمّا أن يكون مكمّلا للنصاب.

أمّا في القسم الأوّل فلا شي ء عليه، كما لو كان له هذا المقدار ابتداء.

و ذلك كما لو كان عنده من الإبل خمسة، فحصل له في أثناء الحول أربعة أخرى؛ أو كان عنده أربعون شاة، ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول.

و أمّا في القسم الثاني فلا يضمّ الجديد إلى السابق، بل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده، كما لو كان عنده خمس من الإبل، ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمسة أخرى، فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضا يخرج شاة، و هكذا.

و أمّا في القسم الثالث فيستأنف حولا واحدا بعد انتهاء الحول الأوّل، و ليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شي ء، و ذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، فملك في أثناء حولها أحد عشر، أو كان عنده ثمانون من الغنم، فملك في أثناء حولها اثنتين و أربعين.

و

يلحق بهذا القسم- على الأقوى- ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلّا و مكمّلا للنصاب اللاحق، كما لو كان عنده من الإبل عشرون، فملك في الأثناء ستّة أخرى، أو كان عنده خمسة ثمّ ملك أحد و عشرين، و يحتمل إلحاقه بالقسم الثاني.* (1)

______________________________

(1)* أمّا الصورة الثانية: أعني: ما إذا ملك في أثناء الحول، فله أقسام ثلاثة:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

الأوّل: أن يكون ما ملك بمقدار العفو، كما إذا كان له من الإبل خمسة فملك أربعة، فلا يجب عليه شي ء، لأنّه لا يزيد على ما إذا كان معه من أوّل الحول، فما ليس موضوعا عند الانضمام لا يكون موضوعا عند الانفراد.

ثمّ إنّ هنا قسما آخر و هو أن لا يكون نصابا مستقلا، و لا مكملا عند انضمامه إلى ما ملك سابقا، و لكنّه عند انفراده يكون نصابا مستقلا، كما إذا كان له أربعون شاة في ابتداء الحول، و ملك مثله في أثناء السنة، و الأربعون عند انفراده نصاب، و لكن عند الانضمام إلى الأربعين السابق، ليس نصابا و لا مكمّلا، فقد احتمل المحقّق في «المعتبر» «1» وجوب الزكاة للملك الجديد إذا تم حوله.

و اختاره الشهيد في «الدروس» «2» أخذا بإطلاق قوله: «في أربعين شاة، شاة».

و لكن الظاهر عدم وجوب الزكاة فيها ما لم يكمل النصاب اللاحق، لقوله في صحيحة الفضلاء: «و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثمّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة». «3»

و في صحيحة محمد بن قيس: «فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة». 4

و معنى ذلك، انّه لا حكم للزائد مطلقا، ما لم يصل إلى النصاب التالي:

و ربما يقال: بأنّ الأربعين نصاب كامل عند الانفراد،

فيكون كذلك عند الانضمام.

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 509.

(2). الدروس: 1/ 233.

(3) (3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

يلاحظ عليه: بأنّه يجب فيه الزكاة إذا كان نصابا مبتدأ، بشهادة انّه لو ملك ثمانين من أوّل الأمر لا يجب عليه إلّا شاة واحدة، و عطف الانضمام على الانفراد قياس مع الفارق.

و أمّا القسم الثاني، أعني: ما إذا ملك نصابا مستقلا، فاللازم فيه مراعاة الحول لكلّ نصاب بحياله، فلو كان له خمسة من الإبل، ثمّ ملك بعد ستة أشهر خمسة أخرى، وجب لكلّ، عند تمام حوله، شاة.

و أمّا القسم الثالث، أعني: ما إذا كان مكمّلا لنصاب و في الوقت نفسه لم يكن نصابا، كما إذا ملك في أوّل محرم اثنين و عشرين إبلا، ثمّ ملك في أوّل شهر رجب أربعة، ففيه وجوه:

1. يلاحظ الحول بالإضافة إلى النصاب الأوّل و ليس على الملك الجديد في بقية الحول شي ء.

2. يلاحظ الحول بالإضافة إلى النصاب الثاني و يكون مبدأ الحول، هو زمان الملك الجديد، و ليس على ما تقدّمه من اجزاء الحول شي ء.

3. يلاحظ كلا النصابين و يؤدّى كلتا الزكاتين، فإذا كان له أوّل محرّم اثنان و عشرون من الإبل فملك في شهر رجب أربعة أخرى، ففي نهاية الحول الأوّل يخرج أربعة شياه، و في نهاية حول الملك الجديد، أعني: رجب القادم، يخرج بنت مخاض، لأنّه ملك ستة و عشرين إبلا و زكاته بنت مخاض.

و الأخير منها ضعيف لاستلزامه أن يزكّي المال الواحد (اثنان و عشرون إبلا) مرتين مرّة بنفسه، و أخرى في ضمن الأربعة.

4. يخرج في نهاية عام الملك القديم، أربع شياه زكاة لعشرين

إبلا و الاثنان من قبيل العفو، و في نهاية عام الملك الجديد، أعني: مستهل شهر رجب، يخرج

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 266

..........

______________________________

ستة أجزاء من ستة و عشرين جزءا من بنت مخاض، لأنّه أخرج زكاة العشرين في أوّل المحرم- و المال الواحد لا يزكّى- فيخرج زكاة الملك الجديد بالنصاب اللاحق بنسبة ما لم يخرج زكاته.

و هو أيضا ضعيف، إذ لا دليل على هذا التقسيط و التوزيع.

5. إذا تمّ حول الملك الجديد و ملك ستة من الإبل (اثنان من الملك القديم) و أربعة من الجديد، لا يكون عليه إلّا شاة واحدة.

فإذا لم تتم الوجوه الثلاثة فيدور الأمر بين الوجهين: لحاظ الحول بالإضافة إلى الملك القديم، و إلغائه بالنسبة إلى الجديد ما لم يتم الحول الأوّل، أو إلغائه بالنسبة إلى القديم و لحاظه بالنسبة إلى الجديد، و الأخذ بالنصاب اللاحق (أعني:

ستة و عشرين إبلا) من رجب إلى رجب.

و الأوّل هو المتعيّن، لأنّه إذا تمّ حول الملك القديم ينطبق عليه عنوان النصاب الرابع، و هو انّه ملك عشرين إبلا و فيه أربعة شياه و لا معنى لإخراج الموضوع المتحقّق عن تحت الدليل، و بما انّ الملك الجديد ليس بنصاب، يلغى الحول بالنسبة إليه إلى نهاية العام الأوّل، و من مستهل العام التالي يضم الجديد إلى القديم و يلاحظ نصابا لاحقا.

و هناك قسم رابع، و هو ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلا، و مكملا للنصاب السابق، كما لو كان عنده من الإبل عشرون، فملك في الأثناء ستة أخرى.

فهل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده، فيلحق بالقسم الثاني، و يكون لكلّ حول مستقلّ؟ أو ليس على الملك الجديد في بقيّة الحول شي ء فإذا تمّ الحول، يستأنف الحول

الجديد للمجموع، فيلحق بالقسم الثالث؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 267

[المسألة 14: لو أصدق زوجته نصابا و حال عليه الحول، وجب عليها الزكاة]

المسألة 14: لو أصدق زوجته نصابا و حال عليه الحول، وجب عليها الزكاة. و لو طلّقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج، و وجب عليها زكاة المجموع في نصفها. و لو تلف نصفها يجب إخراج الزكاة من النصف الّذي رجع إلى الزوج، و يرجع بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة. هذا إن كان التلف بتفريط منها. و أمّا إن تلف عندها بلا تفريط، فيخرج نصف الزكاة من النصف الّذي عند الزوج، لعدم ضمان الزوجة حينئذ، لعدم تفريطها، نعم يرجع الزوج حينئذ أيضا عليها بمقدار ما أخرج.* (1)

______________________________

فالأوّل هو خيرة صاحب الجواهر «1»، و الثاني خيرة المصنّف. و الأقوى الأوّل أي: إلحاقه بالقسم الثاني، لأنّه إذا حال الحول على الملك الجديد، صدق انّه ملك خمسا من الإبل من رجب الأوّل إلى رجب الثاني، فتشمله الإطلاقات و في خمس من الإبل شاة، و هذا بخلاف إلحاقه بالقسم الثالث، و هو إلغاء الحول بالنسبة إلى الملك الجديد إلّا بعد نهاية الحول الأوّل من محرم الثاني، فلا تجب الزكاة إلّا عند محرم الثالث حيث إنّه يملك بين محرمين ستة و عشرين إبلا الذي يجب فيه بنت مخاض، و لازم هذا إخراج الموضوع (ستة آبال بين رجبين) عن تحت الدليل بلا وجه.

(1)* في المسألة فروع أربعة:

1. لو أصدق زوجته النصاب و حال الحول مع بقاء علقة الزوجيّة، وجبت الزكاة على الزوجة.

2. لو طلّقها بعد الحول و قبل الدخول و قبل الإخراج، رجع النصف إلى

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 104.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

الزوج، و يجب عليها إخراج زكاة المجموع في نصفها الذي عندها.

و أمّا إذا كان بعد الإخراج فالباقي ملك مشاع بينهما، و يرجع الزوج إلى الزوجة في قيمة النصف التالف بإخراجه الزكاة و إن لم يذكر المصنّف إلّا الصورة الأولى.

3. لو تلف نصف النصاب عن تفريط عند الزوجة يرجع نصف النصاب إلى الزوج، بلا كلام، و عليها زكاة المجموع، لأنّ التلف كان عن تفريط، و إنّما الكلام فيما تخرج منه الزكاة، فهل يخرج من النصف المرجوع إلى الزوج و يرجع هو إلى الزوجة، أو تخرجه الزوجة من مال آخر؟

4. لو تلف نصف النصاب بلا تفريط يرجع النصف إلى الزوج و تجب الزكاة في نصف النصاب، و الكلام فيما تخرج عنها الزكاة ما مرّ في الفرع السابق و إليك التفصيل.

الأوّل: لو أصدق زوجته النصاب و حال عليه الحول، وجبت الزكاة عليها، لاجتماع جميع شروط الوجوب، بناء على أنّها تملك المهر بمجرّد العقد ملكية متزلزلة، فلو طلّقها قبل الدخول يرجع نصفه إلى الزوج، و يكفي في تعلّق الوجوب، مطلق الملكية، سواء أ كانت لازمة أم متزلزلة، كالملكية في زمن الخيار، و ليس في الأدلّة ما يشير إلى شرطية اللزوم فيها. نعم على القول بأنّها لا تملك إلّا النصف و إنّما تملك النصف الآخر بالدخول لا تجب عليها الزكاة لعدم تملّكها النصاب كلّه.

الثاني: لو طلّقها بعد الحول و قبل الدخول، فله صورتان:

الف: طلّقها قبل الإخراج، يكون النصاب مشتركا بين ثلاثة: الزوج يملك النصف، و الفقير يملك واحدة من سهم الزوجة، و الباقي للزوجة، فيرجع النصف إلى الزوج، و يخرج شاة من النصف الآخر، للفقير، و الباقي لها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

ب: إذا طلّقها بعد الإخراج فبما انّ الباقي (تسع و ثلاثون غنما) ملك مشاع بين

الزوجين، فيقسّم بالمناصفة ثمّ يأخذ نصف قيمة الشاة المخرجة زكاة، لأنّ المفروض انّها قيمة تالفة و تتدارك بقيمتها.

و هل يمكن أن يرجع الزوج بتمام النصف- أي العشرين- بلا رضا الزوجة؟

الظاهر لا، لما قلنا من أنّ الباقي مشاع بينهما، إشاعة في العين أو في المالية، و على كلا التقديرين التلف يحسب عليهما، غاية الأمر يرجع الزوج في قيمته إلى الزوجة، نعم لو كان الزوج يملك النصف على نحو الكلّي في المعين كصاع من صبرة، فعليه الرجوع إلى تمام النصف ما دام موجودا، لكنّه غاية التحقيق.

الثالث: لو تلف قبل الإخراج نصف النصاب و كان التلف بتفريط منها، فلا كلام في رجوع النصف الباقي إلى الزوج، و هل تخرج الزكاة من النصف المرجوع إلى الزوج، أو تخرجه الزوجة من مال آخر؟ الثاني هو المتعيّن، بل كان لها ذلك و إن كانت العين باقية.

الرابع: تلك الصورة لكن كان التلف لا عن تفريط فلا كلام في أنّه يسقط نصف الزكاة (نصف الشاة) لأنّ المفروض انّ التالف كان لا عن تفريط، لأنّ الفقير شريك المالك إمّا في العين أو في المالية السيّالة، و على كلا التقديرين يسقط الزكاة من النصف التالف بلا تفريط. و قول المصنف: «لعدم ضمان الزوجة» تعليل لإخراج نصف الزكاة لا تمامه.

و أمّا حكم النصف الباقي، و ما هو متعلّق الزكاة، فهو كالفرع الثالث، حيث إنّ التلف وقع تحت يدها فهي المسئولة عنه فيحسب على الزوجة، كما حسب على الفقير أيضا، و يرجع النصف إلى الزوج، و أمّا نصف الزكاة فتخرجه الزوجة من مالها.

و هناك احتمال آخر قوّيناه في بحوثنا الفقهية و هو انّه إذا كان التلف سماويا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 270

[المسألة 15: إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول»، يسمع منه بلا بيّنة و لا يمين]

المسألة

15: إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول»، يسمع منه بلا بيّنة و لا يمين، و كذا لو ادّعى الإخراج، أو قال: «تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب».* (1)

[المسألة 16: إذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري]

المسألة 16: إذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري، و يكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ، و إن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة.

و حينئذ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج، و إن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين. و إن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين و يغرم للبائع ما أخرج، و أن يخرجها من مال آخر، و يرجع العين بتمامها إلى البائع.* (2)

______________________________

و لم تكن لصاحب اليد كالزوجة أي دور فيه، فلما ذا يحسب التلف عليها؟ و مجرد كون العين تحت يدها لا يؤثر في الضمان إذا لم تكن غاصبة، و على ذلك فنصف النصاب الباقي، يقسم بينهما و إن كانت الزكاة عليها.

(1)* مقتضى القاعدة هو عدم السماع إلّا بالبيّنة، لكن خرجنا عنه بصحيح بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدقا- إلى أن قال:- ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه تعالى في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حق فتأدّوه إلى وليّه، فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه. «1» و نظيره خبر غياث بن إبراهيم. 2

(2)* في المسألة فروع:

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 5.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

1. إذا ملك المشتري نصابا ملكية متزلزلة، كما إذا كان للبائع خيار و فسخ قبل تمام الحول.

2. تلك الصورة، لكنّه فسخ بعد تمام الحول عند المشتري و قد أخرج المشتري الزكاة من العين قبل الفسخ.

3. تلك الصورة و قد أخرج الزكاة- قبل الفسخ- من مال آخر.

4. إذا فسخ بعد الحول و قبل الإخراج.

و إليك التفاصيل:

الف: إذا ملك المشتري النصاب و لكن البائع فسخ قبل تمام الحول، فليس على المشتري شي ء، لعدم حولان الحول في ملكه، و يكون مبدأ الحول للبائع حين الفسخ، لأنّه ملكه في ذلك الزمان.

ب: إذا ملك النصاب و كان الفسخ بعد تمام الحول و بعد إخراج الزكاة من العين، يرجع البائع إلى قيمة ما أخرج، لأنّ مقتضى ردّ الثمن إلى المشتري، رجوع المبيع إلى البائع إمّا نفسه إذا أمكن و إلّا فالأقرب إلى العين، فإذا كانت مثلية فالمثل، و إلّا فالقيمة.

ج: أخرج المشتري الزكاة من مال آخر، ثمّ فسخه البائع، يأخذ البائع تمام العين، لما عرفت من أنّ مقتضى ردّ الثمن هو أخذ العين مع التمكّن و المفروض وجوده.

د: إذا فسخ بعد الحول- و قبل الإخراج- فللمشتري الخيار، بين الإخراج عن العين، و ردّ قيمة ما أخرج إلى البائع، أو ردّ العين إلى البائع و إخراج الزكاة عن مال آخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

أمّا الإخراج عن العين، فلتعلّق الزكاة عليها قبل الفسخ فيكون أصحابها شركاء مع البائع، سواء قلنا بأنّ التعلّق على نحو الإشاعة من العين أو في المالية أو الكلّي في المعيّن، و أمّا الإخراج عن مال آخر، لما عرفت من أنّ المالك له الخيار من أوّل الأمر في أداء الزكاة من

النصاب، و خارجه فتعيين أحد الأمرين بيد المشتري.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 273

الفصل الثالث في زكاة النقدين

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 275

الفصل الثالث في زكاة النقدين و هما: الذهب و الفضّة. و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامّة- أمور:* (1)

______________________________

(1)* كلّما أطلق النقدان يراد بهما الذهب و الفضة المسكوكان، و الأصل في تعلّق الزكاة بهما، قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبٰارِ وَ الرُّهْبٰانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ النّٰاسِ بِالْبٰاطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ. «1»

و الضمير في قوله: وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا و إن كان يرجع إلى خصوص الفضة، لكن المراد هو الأعم منها و من الذهب بقرينة الصدر، و إلّا كان ذكر الذهب فيه بلا وجه، و تقدير الآية وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ. (و لا ينفقونه في سبيل اللّه) وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فحذف المعطوف (و لا ينفقونه) الذي عطف على يَكْنِزُونَ لدلالة الثاني وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا عليه.

ثمّ إنّ المشهور انّ الواو في قوله: وَ الَّذِينَ للاستئناف لا للعطف على الجملة المتقدمة عليه، أعني: وَ يَصُدُّونَ، فيعمّ كلّ مكتنز كتابيا كان أو مسلما.

نعم هناك من يجعل الواو للعطف، فيختص حينئذ مفاد الآية بأهل

______________________________

(1). التوبة: 34.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 276

..........

______________________________

الكتاب، و لعلّ الغاية- من غير وعي- تبرير عمل المكتنزين من الخلفاء و غيرهم.

روى السيوطي في «الدر المنثور» انّ الخليفة عثمان- الذي اكتنز هو و بطانته أموالا طائلة- اختلف مع أبيّ بن كعب عند جمع القرآن على لهجة واحدة، و كان الخليفة

يصرّ على أنّ النازل «الذين» بدون الواو، على خلاف ما كان عليه أبي بن كعب، فلمّا أحسّ الصحابي إصرار الخليفة على حذف الواو هدّده، و قال:

سمعت من النبي يقرأ الآية مع الواو، و لا بدّ أن تكتب، و إلّا لأضع سيفي على عاتقي. «1»

ثمّ إنّ الظاهر انّ الكنز مطلق ما يدفن في الأرض أو في مكان مستور أدّيت زكاته أم لا، و لكن المروي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم انّ كلّ مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز و إن كان ظاهرا، و كلّ مال أدّيت زكاته فليس بكنز و إن كان دفينا.

و روي عن علي عليه السّلام: انّ ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز أدّى زكاته أم لم يؤدّ، و ما دونها نفقة. «2»

فعلى ذلك فالأقوال في الكنز، ثلاثة:

أ. مطلق الدفين تحت الأرض، قليلا كان أو كثيرا، أدّيت زكاته أو لم تؤدّ.

ب. كلّ مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز و إن كان ظاهرا.

ج. التفريق بين أربعة آلاف و انقص منه، فالأوّل كنز دون الثاني.

و التفصيل موكول إلى محله في كتاب الخمس.

______________________________

(1). الدر المنثور: 2/ 223.

(2). مجمع البيان: 3/ 26.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 277

[شرائطها]

[الأوّل: النصاب]
اشارة

الأوّل: النصاب، ففي الذهب نصابان: الأوّل: عشرون دينارا، و فيه نصف دينار، و الدينار مثقال شرعيّ، و هو ثلاثة أرباع الصيرفيّ.

فعلى هذا النصاب الأوّل- بالمثقال الصيرفيّ- خمسة عشر مثقالا، و زكاته ربع المثقال و ثمنه.* (1)

[أمور في نصاب الذهب]
اشارة

______________________________

(1)* حاصل ما ذكره في المتن، أمور ثلاثة:

الأوّل: انّ النصاب الأوّل عشرون دينارا، و فيه نصف دينار.

الثاني: الدينار مثقال شرعي.

الثالث: انّ المثقال الشرعي يعادل ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي.

الرابع: النصاب الأوّل حسب المثقال الصيرفي هو خمسة عشر مثقالا.

الخامس: زكاته ربع المثقال و ثمنه. و إليك التفاصيل.

[1] النصاب الأوّل: هو عشرون دينارا

المشهور انّ النصاب الأوّل هو عشرون دينارا، قال الشيخ في «الخلاف»: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال، فإن نقص من العشرين و لو قيراطا لا تجب فيه الزكاة.

و ما زاد عليه، ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار، و به قال أبو حنيفة- إلى أن قال:- و قال الحسن البصري: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا، فإذا بلغها ففيه دينار، و ذهب إليه قوم من أصحابنا. «1»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 83، كتاب الزكاة، المسألة 99.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 278

..........

______________________________

و قال العلّامة في «المختلف»: المشهور بين علمائنا أجمع انّ أوّل نصاب الذهب عشرون مثقالا، و فيه نصف مثقال.

و قال الشيخ علي بن بابويه: ليس فيه شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا و فيه مثقال واحد.

و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير ذهب إليه علماؤنا أجمع، إلّا الشيخ علي بن بابويه فانّه جعله أربعين مثقالا، فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين. «1»

و المراد من النيف هو ما بعد الأربعين حتى يبلغ أربعينا ثانيا، و يحتمل أن يكون المراد هو ما قبله.

هذا و لكن الظاهر من ولد الشيخ، أعني: الصدوق، هو نسبة الأربعين إلى الرواية، حيث إنّه بعد ما ذكر النصاب المشهور، قال: و قد روي أنّه ليس في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا، فإذا بلغ ففيه مثقال.

«2»

فظهر من ذلك انّ النصاب الأوّل المشهور بين الفريقين هو العشرون، و انّ القول بالأربعين قول شاذ.

و قد روت العامّة عن علي عليه السّلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال». «3»

و روى ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يأخذ من كلّ عشرين دينارا نصف

______________________________

(1). المختلف: 3/ 183- 184.

(2). المقنع: 162.

(3). نقل الحديث بلفظه الإمام أحمد بن يحيى في كتابه البحر الزخار: 3/ 148- 149 عن كتاب أصول الأحكام فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

دينار، و من كلّ أربعين دينارا دينارا. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: فأوّل نصاب الذهب عشرون مثقالا. و عليه إجماع العلماء- إلّا ما حكي عن الحسن البصري، و شيخنا علي بن بابويه، فانّهما قالا: لا شي ء في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا- لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة. «2»

و هو يدلّ بمفهومه على وجوبه في العشرين، خصوصا مع اقترانه بالمائتين و قول علي عليه السّلام: على كلّ أربعين دينارا دينار، و في كلّ عشرين نصف دينار. «3»

ثمّ إنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ما يؤيد موقف المشهور، و إليك قسما منها:

1. صحيحة الحسين بن بشّار، عن أبي الحسن عليه السّلام- في حديث- قال: «في الذهب في كلّ عشرين دينارا، نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه». «4»

2. موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و من الذهب من

كلّ عشرين دينارا، نصف دينار». 5

3. موثّقة علي بن عقبة و عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام:

قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال». 6

______________________________

(1). أخرج الحديث ابن ماجة في سننه: 1/ 571، حديث 1791، و الدارقطني في سننه: 2/ 92، حديث 1، عن عائشة مثله.

(2). الأموال لأبي عبيد: 449 و نقله عنه ابن قدامة في المغني: 2/ 599.

(3). التذكرة: 5/ 119- 120، المسألة 63؛ و لاحظ المغني لابن قدامة: 2/ 599.

(4) (4، 5 و 6). الوسائل: 6، الباب 1، من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3، 4، 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 280

..........

______________________________

4. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شي ء». «1»

5. معتبرة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال. 2

6. موثّقة زرارة و بكير بن أعين، انّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول في الزكاة:

«أمّا في الذهب فليس في أقلّ من عشرين دينارا شي ء، فإذا بلغت عشرين دينارا، ففيه نصف دينار». 3

7. روى علي بن جعفر، عن أخيه قال: «لا تكون زكاة في أقلّ من مائتي درهم، و الذهب عشرون دينارا، فما سوى ذلك فليس عليه زكاة». «4»

8. صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة، عشرين دينارا». «5»

إلى غير

ذلك من الروايات التي يضيق بنقلها المقام، مضافا إلى الشهرة المحقّقة التي تكاد تصل إلى حدّ الإجماع.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ النصاب هو الأربعون دينارا، و يدلّ عليه روايتان:

1. موثّقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام انّهما قالا: «في

______________________________

(1) (1، 2، 3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 9، 10، 11.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 15.

(5). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 281

..........

______________________________

الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال ... و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء». «1»

و يمكن حمل الرواية على أنّ المراد من «شي ء» هو المثقال، و المعنى أو ليس في أقل، من أربعين مثقالا، مثقال، لأنّ المثقال زكاة الأربعين، و أمّا دون ذلك ففيه أقل، ففي العشرين نصف المثقال، و في أربعة و عشرين نصف المثقال مع ربع العشر، و هكذا.

كما يحتمل الحمل على التقية لما عرفت من ذهاب الحسن البصري إليه، و لكن هذا الاحتمال ضعيف للغاية للشهرة المحقّقة بين الفريقين على أنّ النصاب الأوّل هو عشرون دينارا.

2. صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكّيها؟ فقال: «لا، ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم أربعون دينارا و الدراهم مائتا درهم». «2»

و لكن الظاهر تطرق التصحيف إلى نسخة الشيخ في «التهذيب» بشهادة انّ الصدوق رواها بنحو آخر، قال: عن زرارة، أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه

السّلام رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا، أ يزكّيها؟ فقال: «لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم». «3»

و بذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور، و قد نقل المحدّث الكاشاني في كتاب «الوافي» الخبر برواية الصدوق ثمّ نبّه على رواية

______________________________

(1). الوسائل: ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الحديث 13.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 14.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

الشيخ، و قال: إنّ ما في الفقيه هو الصواب. «1»

فلم يبق في المقام إلّا الفقه الرضوي، حيث جاء فيه:

و ليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، و كلّ ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثمّ على هذا الحساب- إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة-: و روي أنّه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، و ليس في النيف شي ء حتّى يبلغ أربعين. «2»

و المتبادر من عبارته انّ المختار عنده، هو العشرون، حيث نسب الأربعين، إلى الرواية، كما عليه «المقنع» على ما عرفت، و على هذا فليس في الشيعة أي مخالف في النصاب الأوّل.

الطائفة الثالثة: ما يستظهر منها انّه ليس للذهب نصاب خاص و إنّما يجب فيه الزكاة إذا كان معادلا لنصاب الفضة، أعني: مائتي درهم.

صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضّة، ما أقلّ ما

تكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم و عدلها من الذهب». «3»

و نحوها صحيحة محمد بن مسلم. 4

و الروايتان محمولتان على الرائج في تلك الأعصار من معادله قيمة نصاب الفضة مع نصاب الدينار.

بقيت هنا رواية و هي موثّقة إسحاق بن عمّار 5 عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:

______________________________

(1). الوافي: 10/ 69.

(2). الفقه الرضوي: 22.

(3) (3 و 4 و 5). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

قلت له: تسعون و مائة درهم، و تسعة عشر دينارا، أ عليها من الزكاة شي ء؟ فقال:

«إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لأنّ عين المال، الدراهم، و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم من الزكاة و الديات».

و الرواية ناظرة إلى مسألة أخرى و هي ضمّ أحدهما إلى الآخر، و سيوافيك البحث فيها. و ليس بصدد عدم استقلال الذهب بالنصاب.

ثمّ إنّ الروايات كما حدّدت النصاب بعشرين دينارا كما هو الأكثر، عبرت بعشرين مثقالا أيضا، كما هو الحال من موثّقة علي بن عقبة «1»، و موثّقة زرارة 2 فيعلم من ذلك، وحدتهما وزنا و مقدارا، و هذا صار سببا للانتقال إلى الأمر الثاني، أعني:

2. الدينار مثقال شرعي

نصّ علماء اللغة على أنّ الدينار هو المثقال.

قال ابن الأثير في مادة «ثقل»: إنّ المثقال في الأصل مقدار من الوزن، سواء أ كان قليلا أم كثيرا. و الناس يطلقونه في العرف على الدينار.

هذا و «المثقال» على المعنى الأوّل يرادف لفظة «سنگينى»، و عليه قوله سبحانه: يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ «3»، و قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً

يَرَهُ. «4»

و لكن المقصود في المقام هو المعنى الثاني الذي هو مقدار خاص.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5 و 10.

(3). لقمان: 16.

(4). الزلزلة: 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و قال الطريحي في مادة «دنر»: تكرر ذكر الدينار، و هو واحد الدنانير الذي هو مثقال من الذهب.

و يشهد على ما ذكره اللغويون موثّقة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا، ففيه نصف مثقال، ثمّ على حساب ذلك، إذا زاد المال في كلّ أربعين دينارا، دينار». «1» و نظيره رواية علي بن عقبة. 2

و يظهر من القاموس انّ الكلمة غير عربية، و انّ أصلها «دنّار» فبدّلت إحدى النونين ياء لئلّا يلتبس بالمصادر مثل كذّاب.

3. كلّ مثقال شرعي يعادل ثلاثة أرباع الصيرفي

إنّ عشرين مثقالا يعاد خمسة عشر مثقالا صيرفيا، نصّ بذلك الفيض في «الوافي»، و المجلسي في رسالة الأوزان، و والده في «روضة المتّقين» «3» و الطريحي في مادة «ثقل»، و على ذلك فالتفاوت بينهما بالربع، و ربع العشرين هو الخمس، فيكون خمسة عشر مثقالا صيرفيا مساويا لعشرين مثقالا شرعيا، و يكون النصاب الأوّل حسب المثقال الصيرفي هو الخمسة عشر مثقالا صيرفيا.

4. زكاته ربع المثقال و ثمنه

أمّا كون مقدار زكاته ربع المثقال و ثمنه فبيانه:

إنّ كلّ مثقال صيرفي يعادل 24 حبّة، فإذا ضرب في الخمس عشر تكون

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 10 و 5.

(3). مستند الشيعة: 9/ 145.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 285

و الثاني: أربعة دنانير، و هي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة، و فيه ربع العشر، أي من أربعين واحد، فيكون فيه قيراطان، إذ كلّ دينار عشرون قيراطا.* (1)

______________________________

النتيجة كالتالي:

24* 15 360 حبّة.

و أمّا زكاته، أعني: ربع العشر (نسبة نصف الدينار إلى عشرين دينارا هو ربع العشر) فهو يساوي ربع المثقال و ثمنه، و ذلك لأنّ عشر (300) حبة هو (30) حبة، و عشر (60) هو (6)، فإذا جمعناه يكون 36 جزءا.

و أمّا ربعه، أي ربع العشر فانّ ربع (32) جزءا هو ثمانية أجزاء، و ربع الباقي جزء واحد، فيكون المجموع تسعة أجزاء 8+ 1 9.

و نسبة (9) إلى (24) هو ربع المثقال و ثمنه، لأنّ ربع (24) هو (6) و ثمنه (3) فيكون المجموع 6+ 3 9، و هو ربع المثقال و ثمنه.

(1)* هنا أمور:

أ. انّ النصاب الثاني أربعة دنانير.

ب. انّ أربعة دنانير تعادل ثلاثة مثاقيل صيرفية.

ج. الواجب فيه (أي أربعة دنانير) بعنوان الزكاة ربع العشر،

و هو قيراطان.

أمّا الأمر الأوّل، أي كون النصاب أربعة دنانير، فقد اتّفق عليه الأصحاب و لم يخالف فيه أحد، و إن نسبه العلّامة في «المختلف» إلى علي بن بابويه حيث قال:

و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا الشيخ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

علي بن بابويه فانّه جعله أربعين مثقالا، فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين. «1»

و نقله عنه أيضا في السرائر. «2» و مراده من النيف ما بعد النصاب الأوّل أي بعد العشرين.

و أمّا السنّة فقد وافقنا أبو حنيفة و خالفنا غيره، قال في «الخلاف»: فإن نقص من العشرين و لو قيراط لا تجب فيه الزكاة، و ما زاد عليه ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار. و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: ما زاد على العشرين فبحسابه و لو نقص شي ء و لو حبة فلا زكاة. «3»

و قال الخرقي في متن المغني: «و في زيادتها و إن قلت» و الضمير في زيادتها يرجع إلى العشرين.

و قال ابن قدامة في شرحه: روي هذا عن علي و ابن عمر؛ و به قال: عمر بن عبد العزيز، و النخعي، و مالك، و الثوري، و ابن أبي ليلى، و الشافعي، و أبو يوسف، و محمد، و أبو عبيد، و أبو ثور، و ابن المنذر.

و قال سعيد بن المسيب و عطاء، و طاوس، و الحسن، و الشعبي، و مكحول، و الزهري، و عمرو بن دينار، و أبو حنيفة: لا شي ء في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير. «4»

و يدلّ على القول المشهور صحيحة علي بن عقبة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:

«... فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة

______________________________

(1). المختلف: 3/ 184.

(2). السرائر: 1/ 447.

(3). الخلاف: 2/ 83، كتاب الزكاة، المسألة 99.

(4). المغني: 3/ 7- 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة». «1»

فما جاء في الرواية من كون الواجب ثلاثة أخماس الدينار فإنّما هو للمجموع، أي أربعة و عشرين دينارا، و هو يوافق لما سيوافيك في الرواية الثانية من أنّ الواجب في أربعة دنانير هو عشر دينار، و ذلك لأنّ ثلاثة أخماس تشتمل على، و الأعشار الخمسة يعادل نصف دينار و هو زكاة العشرين، و يبقى العشر الواحد و هو زكاة الأربعة دنانير الباقية، و إليك الشكل الرياضي لهذه المسألة:

هذه العشر المتبقية هي زكاة الدنانير الأربعة.

و رواية ابن عتيبة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا جازت الزكاة العشرين دينارا، ففي كلّ أربعة دنانير، عشر دينار». «2»

و بما انّ المسألة مورد اتّفاق نقتصر على هذا المقدار.

و أمّا الأمر الثاني، أي انّ أربعة دنانير تساوي ثلاثة مثاقيل صيرفية، فوجهه واضح، لما عرفت من أنّ التفاوت بينهما بالربع، فإذا نقصت من الأربعة، ربعها تكون النتيجة ثلاثة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 288

..........

______________________________

و أمّا الأمر الثالث، و هو ما أشار إليه بقوله: و فيه ربع العشر، و الضمير يرجع إلى أربعة دنانير، أي في أربعة دنانير ربع العشر، و هو عبارة أخرى عمّا في الرواية من أنّ

في أربعة دنانير هو عشر دينار.

فسواء قلت: في أربعة دنانير عشر دينار.

أو قلت: في أربعة دنانير ربع العشر.

فكلاهما يشيران إلى أمر واحد، و ذلك:

لأنّ كلّ دينار يشتمل على 20 قيراطا، فعشره، قيراطان.

فعلى ضوء هذا أربعة دنانير تشتمل على 80 قيراطا، فعشره 8 أقراط، و ربعه قيراطان.

فصارت النتيجة: انّ عشر دينار يعادل ربع العشر من أربعة دنانير.

4* 20 80

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 289

ثمّ إذا زاد أربعة فكذلك، و ليس قبل أن يبلغ عشرين دينارا شي ء، كما أنّه ليس بعد العشرين- قبل أن يزيد أربعة- شي ء و كذلك ليس بعد هذه الأربعة شي ء إلّا إذا زاد أربعة أخرى، و هكذا.

و الحاصل: أنّ في العشرين دينارا ربع العشر، و هو نصف دينار؛ و كذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، و فيها ربع عشره، و هو نصف دينار و قيراطان؛ و كذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين. و فيها نصف دينار و أربع قيراطات، و هكذا.

و على هذا فإذا أخرج- بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد- من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه، و في بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.* (1)

______________________________

(1)* و حاصل كلامه أنّه إذا كان الواجب في الأربعة الأولى بعد العشرين، قيراطين، فيكون الواجب هو نفس ذلك الشي ء في كلّ أربعة إلى أن يصل إلى الأربعين، فيكون الواجب فيه دينار للجميع.

مثلا إذا زاد أربعة و صار 28 دينارا، تكون فيه أربعة قيراطات (وراء نصف الدينار للعشرين).

ثمّ إذا زاد و صار 32 قيراطا، تكون فيه ستة قيراطات؛ فإذا زاد و صار 36 دينارا، ففيه ثمانية قيراطات؛

فإذا بلغ الأربعين، ففيه عشر قيراطات الذي هو نصف الدينار.

فإذا يصحّ أن يقال انّ في كلّ أربعين دينارا، دينار واحد، نصفه للعشرين

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 290

و في الفضّة أيضا نصابان:

الأوّل: مائتا درهم و فيها خمسة دراهم.

و الثاني: أربعون درهما، و فيها درهم. و الدرهم نصف المثقال الصيرفيّ و ربع عشره.

و على هذا فالنصاب الأوّل: مائة و خمسة مثاقيل صيرفيّة.

و الثاني: أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأوّل، و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ. و في الفضّة أيضا- بعد بلوغ النصاب- إذا أخرج من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه، و قد يكون زاد خيرا قليلا.* (1)

______________________________

الأوّل، و النصف الآخر للعشرين الثاني. فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد في كلّ أربعين، واحدا، فقد أدّى ما هو الواجب، و في بعض الأوقات زاد الواجب بقليل، أعني: ما إذا تجاوز عن النصاب و لم يصل إلى النصاب الآخر.

و في مجمع البحرين: المثقال الشرعي على ما هو المشهور المعول عليه في الحكم، عبارة عن عشرين قيراطا، و القيراط ثلاث حبات من شعير، كلّ حبة عبارة عن ثلاث حبات من الارز. «1»

(1)* حاصل ما ذكره الأمور التالية:

الأمر الأوّل: انّ في الفضة نصابين: الأوّل: مائتا درهم، الثاني: أربعون درهما.

الأمر الثاني: انّ الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره.

______________________________

(1). مجمع البحرين: 1/ 316، مادة «ثقل».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

الأمر الثالث: انّ النصاب الأوّل حسب المثقال الصيرفي 105 مثاقيل، و انّ النصاب الثاني: حسبها أحد و عشرون مثقالا.

الأمر الرابع: ليس فيما بين النصابين شي ء.

الأمر الخامس: انّه إذا أخرج من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى الواجب.

و

إليك التفاصيل:

[أمور في نصاب الفضة]
الأمر الأوّل: انّ في الفضة نصابين:

الأوّل: مائتا درهم.

الثاني: أربعون درهما.

و هذا ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، قال الشيخ في «الخلاف»: لا زكاة فيما زاد على المائتين حتى يبلغ أربعين درهما، و على هذا بالغا ما بلغ، في كلّ أربعين درهما درهم، و ما نقص عنه لا شي ء فيه.

و قال الشافعي: فيما زاد على المائتين و على العشرين دينارا ربع العشر، و لو كان قيراطا بالغا ما بلغ، و به قال ابن عمر و رووه عن علي عليه السّلام، و قال: ابن أبي ليلى، و الثوري، و أبو يوسف، و محمد، و مالك. «1»

و قال الخرقي في متن المغني: لا زكاة فيما دون المائتين، فإذا تمت ففيها ربع العشر، و في زيادتها و إن قلّت. «2»

و يدلّ على القول المشهور من الروايات ما نقله الشيخ الحرّ العاملي في الباب الثاني من أبواب زكاة الذهب و الفضة، منها:

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 81، كتاب الزكاة، المسألة 97.

(2). المغني: 2/ 596- 601.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 292

..........

______________________________

1. صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضة، ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم و عدلها من الذهب»، قال: و سألته عن النيف الخمسة و العشرة؟ قال: «ليس عليه شي ء حتى يبلغ أربعين فيعطي من كلّ أربعين درهما درهم». «1»

2. صحيحة رفاعة النخّاس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: إنّي رجل صائغ أعمل بيدي، و انّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال:

«إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فانّ عليها الزكاة». 2

3. صحيحة الحسين بن بشار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلى اللّه

عليه و آله و سلم الزكاة؟ فقال: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها». 3

4. موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة، و إن نقصت فليس عليك زكاة». 4

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الباب الأوّل و الثاني من أبواب زكاة الذهب و الفضة، فبعضها يشير إلى النصاب الأوّل، و البعض الآخر إلى النصاب الثاني، و قسم منها يشير إلى كلا النصابين.

الأمر الثاني: انّ الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره

و الهدف من تبديل الدرهم إلى المثقال الصيرفي هو الإشارة إلى مسألة فقهية معنونة في كتاب الزكاة، و هو انّ الميزان في تعلّق الزكاة هو الوزن لا العدد، فيجب أن يبلغ وزن مائتي درهم إلى مائة و خمسة مثاقيل صيرفية.

______________________________

(1) (1، 2، 3 و 4). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 3، 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

قال الشيخ في «الخلاف»: «المعتبر» في الفضة التي تجب فيها الزكاة الوزن، و هو أن يكون كلّ درهم ستة دوانيق، و كلّ عشرة سبعة مثاقيل، و لا اعتبار بالعدد.

و به قال جميع الفقهاء. «1»

و قال ابن قدامة: و يعتبر في النصاب في الحليّ الذي تجب فيه الزكاة الوزن، فلو ملك حليا قيمته مائتا درهم و وزنه دون المائتين لم يكن عليه زكاة، و إن بلغ مائتين وزنا ففيه الزكاة، و إن نقص في القيمة. «2»

و قال المحقّق في «المعتبر»: و المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كلّ عشرة منها سبعة مثاقيل و هو الوزن المعدّل، فانّه يقال: انّ السود كانت ثمانية دوانيق و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا و

جعلا درهمين، و ذلك موافق لسنّة النبي.

و لا عبرة بالعدد، و قال المغربي: يعتبر العدد، لكن الإجماع على خلافه، فلا عبرة بقوله. «3»

و الظاهر انّ التعديل بين الدرهمين حدث في عصر عبد الملك بن مروان.

و قال العلّامة في «التذكرة»: «المعتبر» في نصاب الفضة الوزن، و هو أن يكون كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و كلّ درهم ستة دوانيق، و لا اعتبار بالعدد، و به قال عامة فقهاء الإسلام. «4»

فظهر ممّا ذكرنا انّ الدرهم الشرعي هو ستة دوانيق، و ذلك لأنّ السود من الدراهم كانت ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة فجمعت و صارت 12 دانقا، و جعل كلّ درهم يعادل 6 دوانيق، و 12 دانق يعادل درهمين.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 79، كتاب الزكاة، المسألة 95.

(2). المغني: 3/ 12- 13.

(3). المعتبر: 2/ 529.

(4). تذكرة الفقهاء: 5/ 123، المسألة 66.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم:

إنّ الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره، و ذلك انّ المثقال الصيرفي يعادل واحدا و تسعين و ثلاثة أسباع حبة من حبات الشعير المتوسطات، و الدرهم يعادل تقريبا ستة دوانق كما عرفت، و الدانق يساوي ثمانية حبات من أوسط حبات الشعير.

فلو ضربنا 6 دوانيق* 8 حبات، تصير النتيجة 48 حبة.

و نسبة 48 إلى 91 نسبة النصف مع إضافة ربع العشر، و على ذلك فيصحّ قوله: إنّ نسبة الدرهم إلى المثقال الصيرفي يعادل نصف مثقال و ربع العشر. «1»

الأمر الثالث: انّ النصاب الأوّل حسب المثقال الصيرفي 105 مثاقيل،

______________________________

(1). و الدليل على ذلك انّ المثقال الصيرفي يعادل مثقالا شرعيا و ثلثه و المثقال الشرعي يعادل درهما و ثلاثة أسباعه، لأنّ عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية و كلّ درهم شرعي

يعادل ستة دوانق و كلّ دانقة يساوي ثمانية حبات من أوسط حبّات الشعير، فإذا ضربنا ثمانية حبات في ستة دوانق ثمّ في درهم و ثلاثة أسباعه ثمّ في مثقال شرعي و ثلثه، فالنتيجة هو واحد و تسعون و ثلاثة أسباعه.

و إليك الصورة العملية الحسابية:

المثقال الصيرفي (من المثقال الشرعي) (الدرهم الشرعي)* 48 (حبّة) فالمثقال الصيرفي: (حبّة) الدرهم الشرعي المثقال الصيرفي نصف و ربع العشر

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 295

[الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة]

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة.* (1)

______________________________

و انّ النصاب الثاني حسبها أحد و عشرون مثقالا.

و بعبارة أخرى: أنّ 200 درهم الذي هو النصاب في لسان الأدلّة يعادل 105 مثاقيل، و انّ أربعين درهما الذي هو النصاب الثاني في لسان الأدلّة يعادل 21 مثقالا.

و ذلك لما عرفت من أنّ الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره، فيجب علينا أن نأخذ من 200 درهم، نصفها و ربع عشرها، فنصف 200 درهم هو 100، و عشر المائتين هو 20 درهما، و ربعه هو 5، فيكون المجموع 100+ 5 105.

و أمّا كون النصاب الثاني، أي أربعين درهما يساوي 21 مثقالا صيرفيا، فلأنّ نصف 40 هو 20، و عشره هو 4 و ربعه 1، فيكون المجموع 21 مثقالا صيرفيا، و ذلك كالشكل التالي: 20+ 1 21.

(1)* و مما انفردت به الإمامية تخصيص وجوب إخراج الزكاة عن الذهب و الفضة بالمسكوكين منهما، فتخرج الحلّي و الظروف و الذرات المخلوطة بالتراب، و قد عدّه المرتضى في «الانتصار» ممّا انفردت به الإمامية. «1»

و قال الشيخ في «الخلاف»: لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة، و متى اجتمع معه دراهم أو دنانير و معه سبائك أو نقار، أخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير

إذا بلغا النصاب، و لم يضمّ السبائك و النقار إليها: و قال جميع الفقهاء:

يضم بعضها إلى بعض. «2»

______________________________

(1). الانتصار: 214، المسألة 102.

(2). الخلاف: 2/ 77، كتاب الزكاة، المسألة 90.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

و قال الخرقي في متن المغني: و ليس في حليّ المرأة زكاة إذا كان ممّا تلبسه أو تعيره و المتخذ آنية الذهب و الفضة عاص و فيها الزكاة. «1» و قد استثنوا خصوص الحلية.

و يدلّ على القول المشهور عندنا، صحيحة علي بن يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السّلام في حديث قال: «و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء» قال:

قلت: و ما الركاز؟ قال: «الصامت المنقوش، ثمّ قال: إذا أردت فاسبكه فانّه ليس في سبائك الذهب و لا نقار الفضة شي ء من الزكاة». «2»

و الرواية صحيحة، لا حسنة لأجل إبراهيم بن هاشم، و هو عندنا فوق الثقة.

و «الصامت» بمعنى الساكت، و الصامت من المال: الذهب و الفضة، في مقابل المال الناطق الذي هو الحيوان، يقال: ما له، ناطق و لا صامت، أي لا شي ء له؛ و المراد من المنقوش: المسكوك بشهادة تفسيره في المرسلة الآتية بالدراهم و الدنانير، كما سيوافيك.

2. و مرسلة جميل، عن بعض أصحابنا انّه قال: ليس في التبر، إنّما هي على الدنانير و الدراهم. 3

و «التبر»: ما كان من الذهب غير مضروب، أو غير مصوغ، أو في تراب معدنه، الواحدة «تبرة».

3. و خبر جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام انّه قال: «ليس في التبر زكاة إنّما هي على الدنانير و الدراهم». 4 و في سند الرواية: جعفر بن محمد

______________________________

(1). المغني 3/ 10 و 15.

(2) (2 و 3

و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2، 3، 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 297

سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر، بكتابة أو غيرها، بقيت سكّتها أو صارا ممسوحين بالعارض. و أمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما، إلّا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط كما أنّ الأحوط ذلك أيضا إذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير. و لو اتّخذ الدراهم أو الدينار للزينة فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة و إلّا وجبت.* (1)

______________________________

بن حكيم، و هو لم يوثّق، و يحتمل اتحاده مع ما قبله بسقوط لفظة: «عن بعض أصحابنا» عن الثالث.

و الروايتان دليلان على أنّ المراد من المنقوش، هو المسكوك لا مطلق النقش.

و يؤيد ذلك ما دلّ من الأخبار على نفي الزكاة عن السبائك و الحليّ و النقار و التبر، كلّ ذلك يؤيد على أنّ المراد من المنقوش ليس مطلق النقش لعدم خلو الحلي و الظروف عن النقش، بل المراد سكة المعاملة، و لذا فسّره في صحيح ابن يقطين بالدراهم و الدنانير.

(1)* هنا فروع خمسة:

1. لا فرق بين سكة دار الإسلام و دار الكفر.

2. إذا صارت السكة ممسوحة بالعرض.

3. السكة الممسوحة بالأصالة.

4. إذا ضرب للتعامل لكن لم يتعامل بهما، أو تعومل بهما و لكن لم يصل إلى حدّ تعدّ دراهم و دنانير.

5. إذا اتخذت الدراهم و الدنانير زينة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

أمّا الأوّل، فلا فرق بين السكّتين، لأنّ الموضوع هو الدرهم و الدينار المطلقين، مضافا إلى تداول النقود الرومية و الكسروية بين المسلمين، و

أوّل من ضرب السكة في الإسلام هو عبد الملك بن مروان، و قد نقل قصته مفصلا الدميري في كتاب «حياة الحيوان»، و انّه قد قام بذلك بإشارة الإمام محمد الباقر عليه السّلام. «1»

و على كلّ حال، فالموضوع التعامل بهذه النقود و هو صادق على كلا القسمين.

و أمّا الثاني، أعني: إذا كانا ممسوحين بالعرض، فربما يقال بأنّ وجوب الزكاة دائر مدار صدق الدرهم و الدينار عملا بالنصّ. و الأولى أن يقال: انّ وجوب الزكاة رهن التعامل بهما و عدمه، و لا يبعد أن يقال: انّ الدرهم و الدينار في النص منصرفان إلى صورة التعامل بهما، و ذلك لما في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السّلام، قال: «لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا به من الزكاة، ألا ترى انّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة». «2»

و المراد من المنفعة، كون الدرهم و الدينار ثمنا رائجا يسهل بهما التعامل في عامة الأمكنة و الأزمنة، و هذه مزية لهما لا توجد في مطلق الذهب و الفضة.

و على ذلك فيكون المدار وجود المنفعة المزبورة لا صدق الدرهم و الدينار و إن خلا عن تلك المنفعة بأن لا يتعامل بهما لأجل مسح نقشهما.

فإن قلت: انّ مقتضى الاستصحاب التعليقي هو وجوب الزكاة فيهما و إن لم يتعامل بهما، و ذلك لأنّ الدرهم و الدينار الممسوحين إذا كانا منقوشين يتعلّق بهما

______________________________

(1). حياة الحيوان: 1/ 59 و القصة جديرة بالمطالعة حيث تكشف عن علم الإمام الواسع.

(2). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 299

..........

______________________________

الزكاة بعد حولان الحول، فهكذا إذا أزيل نقشهما بكثرة الاستعمال.

قلت: الأصل محكوم بالدليل

الاجتهادي الذي يفرق بين السبائك و الدرهم و الدينار بفقدان الأوّل المنفعة الخاصة بخلافهما، و لذلك يجب فيهما الزكاة، و معنى ذلك عدم وجوبها إذا خليا عن تلك المنفعة، و مع هذا لا تصل النوبة إلى الاستصحاب التعليقي.

و أمّا الثالث، أعني: إذا كان ممسوحين بالأصالة، و المراد ما لم ينقش عليهما عند الضرب، فالحكم فيه مثل الحكم السابق، فلا يعبأ بإطلاق الدرهم و الدينار و إن صدقا عليهما، لما عرفت من انصراف الدليل إلى التعامل بهما كما لا يعبأ بالأصل التعليقي.

و أمّا الرابع، أعني: ما ضرب و لكن لم يتعامل بهما أو تعومل بهما لكن لم يصل رواجها إلى حد تعدّ دراهم أو دنانير، أو ضرب و كان رائجا ثمّ سقطت السكة عن الاعتبار لسبب من الأسباب، فالحكم في هذه الفروع كالحكم في الصورتين السابقتين، فالمدار على الرواج و عدمه، و التعامل و عدمه، لا إطلاق الدرهم و الدينار و لا الاستصحاب.

و أمّا الفرع الخامس، أعني: إذا اتّخذ الدرهم و الدينار للزينة، فقد فصّل المصنّف بين رواج المعاملة و عدمه، فيجب في الأوّل دون الثاني، و ليس في المسألة جذور في كتب القدماء، و قد عنونه الشهيد في «الروضة» و تبعه شارحها الاصفهاني، و للفرع صورتان:

الأولى: إذا تغيّر الدرهم و الدينار باتّخاذهما حليا بثقب أو نحوه بحيث لا يتعامل بهما، و في هذه الصورة اتجه عدم وجوب الزكاة فيهما لانتفاء المنفعة الواردة في صحيحة علي بن يقطين، إنّما الكلام فيما إذا بقيا بحالهما و لم يحدث فيهما تغير

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛

ج 1، ص: 300

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

يوجب سقوطهما، فهل يجب فيهما الزكاة أو لا؟

مقتضى إطلاق أدلّة وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار هو وجوب الزكاة فيهما، كما أنّ مقتضى ما دلّ على عدم وجوب الزكاة في الحليّ عدمه، و بين الإطلاقين عموم و خصوص من وجه، فيفارق الأوّل فيما إذا لم يتخذا حليّا، كما يفارق الثاني في الحليّ بغير الدرهم و الدينار و يتصادقان فيما إذا اتخذ المضروب بالسكة زينة، فما هو الدليل على ترجيح أحد الإطلاقين على الآخر؟

ثمّ إنّ صاحب الجواهر «1» ذكر لتقديم إطلاق الوجوب في الدرهم و الدنانير على إطلاق عدمه في الحليّ وجهين:

1. الإطلاق مؤيّد بالاستصحاب.

2. المفهوم من نصوص الحلي ما كان معدّا لذلك أصالة بخلاف المورد.

يلاحظ على الأوّل: أنّه لا موضوع للأصل مع الدليل، و على الثاني بمنعه، لظهور بعض الروايات في جعلهما بأنفسهما زينة.

1. صحيحة عمر بن يزيد: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه شي ء؟ فقال: «لا، و لو جعله حليّا أو نقرا فلا شي ء عليه». «2» فانّ الظاهر- بشهادة استعمال الشراء في الأوّل، و الجعل في الثاني- انّه جعلهما بأنفسهما زينة لا أنّه اشتراها بالمال.

2. خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم، أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك المال حليّا أراد به أن يفرّ من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال: «ليس على الحلي زكاة». 3

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 182.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة: 1، 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

كما ذكر صاحب الجواهر أيضا لتقديم إطلاق اخبار الحليّ على الآخر وجها و هو التعليل الوارد في الحليّ الظاهر باختصاص تشريع الزكاة بالمال الذي لا ينفد بإخراج الزكاة كما في النقود، حيث يقوم مقام ما أخرج، غيره بخلاف الحليّ فإذا أخرج لا يقوم مقامه شي ء، ففي خبر يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحليّ أ يزكّى؟ فقال: «إذا لا يبقى منه شي ء». «1» و نحوه غيره. 2

و ذهب المحقّق الخوئي إلى تقديم إطلاق عدم الوجوب في الحليّ على إطلاق وجوبه في الدرهم و الدنانير قائلا: إنّ النسبة بينهما و إن كانت عموما من وجه إلّا أنّ المتعيّن ترجيح الأوّل، إذ لا محذور فيه عدا تقييد الثاني و حمله على الدرهم و الدينار غير المستعملين في الحليّ، و هذا بخلاف العكس، إذ لو قدمنا الثاني و قيّدنا أدلّة الحلي بغير الدرهم و الدينار لم يبق حينئذ خصوصية بعنوان الحليّ في الحكم بعدم الزكاة ضرورة انّ غير الحليّ أيضا في غير الدرهم و الدينار لا زكاة فيه، فالحلي و غير الحلي سيان في هذه الجهة- بعد فرض كون الموضوع غير الدرهم و الدينار كما هو مقتضى التقييد المزبور- فيلزم إلغاء هذا العنوان مع أنّ ظاهر الدليل لزوم رعايته و انّ له دخلا في تعلّق الحكم و معه لا مناص من ترجيح أدلّة الحلي، و تقييد أدلّة الزكاة من الدرهم و الدينار بغير المتخذ للحلية. «3»

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتم إذا وقع الحلي موضوعا للحكم في كلام الإمام من دون تقدّم السؤال بأن يقول ابتداء: «ليس في الحلي زكاة» فهو عندئذ يصلح لئن يكون مانعا عن تعلّق الزكاة إذا

كان المقتضي موجودا كما في التزيّن بالدرهم و الدينار.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 9.

(3). مستند العروة، قسم الزكاة: 1/ 280.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 302

[الثالث: مضيّ الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعا للشرائط]

الثالث: مضيّ الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعا للشرائط التي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، و كذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره، و كذا لو غيّر بالسبك سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى، و إن كان الأحوط الإخراج على الأوّل. و لو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة، و وجب الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك.* (1)

______________________________

و أمّا إذا ورد الحلي في كلام الإمام، لأجل تقدّم السؤال عنه، كما هو الحال في عامّة الروايات «1»، فمثله لا يكون شاهدا على الموضوعية، بشهادة انّه لو تقدّمه السؤال عن التبر و السبائك و الظروف، لحكم عليها بمثل ما حكم على الحلي مع أنّ المفروض أنّها ليست موضوعة للحكم.

و على هذا فكلّ ما ورد في هذا المجال من عدم الزكاة في الحلي و التبر و السبائك و غيرها عنوان مشير إلى أنّه لا زكاة في غير الدرهم و الدينار، من دون أن يكون لواحد منها مدخلية و موضوعية.

و الأولى تقديم إطلاق أدلّة الدرهم و الدينار لاشتراك المورد، مع غيره في المنفعة التي يدور عليها وجوبها و عدمها، إذ ليس بين ما اتّخذ زينة و ما اكتنز في الصندوق أيّ فرق و يترتب عليهما، ما يترتب على غيرهما من تبادل شيوع الأجناس بهما دون غيرهما.

(1)* في

المقام فروع:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 303

..........

______________________________

1. تعلّق الوجوب مشروط بمضي الحول- الذي هو أحد عشر شهرا- على النصاب.

2. عدم طروء النقص في أثناء السنة على النصاب.

3. عدم تبديله بغيره أو سبكه.

4. حكم التبديل و السبك في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة.

5. السبك و التبديل بعد الحول.

أمّا الفرع الأوّل، فقد اتّفقت عليه كلمة الفقهاء إلّا ما نقل عن ابن عباس و ابن مسعود.

قال المحقّق: و حول الحول حتّى يكون النصاب موجودا فيه أجمع. «1»

و قال العلّامة: «و الحول شرط في الأنعام الثلاث، و الذهب و الفضة و هو قول أهل العلم كافة إلّا ما حكي عن ابن عباس و ابن مسعود لنا من طريق الجمهور انّ النبيّ قال: «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول». «2»

و في الجواهر- بعد قول المحقّق-: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. 3

و بما انّ الركاز عند أهل الحجاز هو: الكنز المدفون، و عند أهل العراق:

المعدن، فلعلّ كلامه ناظر إلى الخمس فيه الذي يعتبره فقهاء السنّة زكاة.

و قد تضافرت الروايات من طرقنا على لزوم مضي الحول على النصاب، التي نقلها صاحب الوسائل في الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة و يظهر من الجميع انّ شرط مضي الحول كان أمرا مسلما، و لذلك ركّز السؤال على جعلها

______________________________

(1) (1، 3). الجواهر: 15/ 182 قسم المتن.

(2). المنتهى: 1/ 486.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 304

..........

______________________________

حليا، أو سبائك و غيرهما بعد الحول.

و يدلّ على الشرط بالدلالة المطابقية روايات.

1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّما الزكاة فيه إذا كان

ركازا أو كنزا موضوعا، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة». «1»

2. صحيحة أخرى له، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحركه». 2

3. عن زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سمعا أبا جعفر يقول: «إنّما الزكاة على الذهب و الفضة الموضوع، إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي ء». «3»

و أمّا كفاية مضي أحد عشر شهرا فقد مضى الكلام فيه عند البحث في زكاة الأنعام، و مرّ هناك انّ الشهر الثاني عشر، لا يحسب لا من السنة الأولى و لا من السنة الثانية.

و أمّا الفرع الثاني، أي طروء النقص فقال الشيخ: «إذا نقص من المائتي درهم حبة أو حبّتان في جميع الموازين، أو بعض الموازين، فلا زكاة فيه. و به قال أبو حنيفة و الشافعي.

و قال مالك: إن نقص الحبة و الحبتين في جميع الموازين ففيها الزكاة. هذا هو المعروف من مذهب مالك. «4»

و لا شكّ في عدم التعلّق عند عدم مضيّ الحول على النصاب الذي حدّده الشارع بمائتي درهم، أو عشرين دينارا، فلو طرأ النقص لا تجب الزكاة كما إذا لم

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1، 3.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(4). الخلاف 2/ 75، كتاب الزكاة، المسألة 88.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 305

[أحكامها]

[المسألة 1: لا تجب الزكاة في الحليّ و لا في أواني الذهب و الفضّة]

المسألة 1: لا تجب الزكاة في الحليّ و لا في أواني الذهب و الفضّة، و إن بلغت ما بلغت، بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار إذا اتّخذا للزينة

و خرجا عن رواج المعاملة بهما، نعم في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها.* (1)

______________________________

يبلغ من أوّل الأمر إلى حدّ النصاب.

و أمّا الفرع الثالث، إذا بدّله و سبكه لغاية من الغايات دون الفرار عن الزكاة، فقد مرّ حكمه عند البحث عن زكاة الأنعام، غير انّ الشيخ قال بوجوبها إذا بدل بجنسه دون غيره زاعما انّ الزكاة تتعلّق على الكلّي من الذهب و إن تبدّلت أفراده، و قد استوفينا الكلام فيه، فراجع.

و أمّا الفرع الرابع، أعني: التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة، فقد مضى الكلام فيه عند البحث عن زكاة الأنعام. «1»

و أمّا الفرع الخامس، أعني: التبديل و السبك بعد الحول، فلا يؤثر بعد استقرار الوجوب، و قد شبّه هذا العمل في الروايات بمن أفطر، ثمّ سافر «2» و يترتب عليه أنّه لو نقصت قيمة الدرهم و الدينار بالسبك ضمن قيمة النقص.

(1)* في المسألة فروع:

1. لا زكاة في الحلي.

2. لا زكاة في الدرهم و الدينار فيما إذا خرجا عن رواج المعاملة بهما.

3. زكاة الحلي إعارتها.

أمّا الأوّل: فالمسألة مورد اتّفاق بيننا سواء كان حلالا أم حراما. أمّا الحلال

______________________________

(1). لاحظ المسألة التاسعة تحت الشرط الرابع، أعني: مضي الحول في زكاة الأنعام.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

فواضح؛ و أمّا الحرام، كالسوار و الخلخال للرجل، و المنطقة و حلية السيف للمرأة فقد تضافرت الأخبار عنهم «1» انّه لا زكاة في الحلي و إطلاق الروايات يشمل كلا النوعين.

و قد فصل بعض منّا و العامة بين الحلال و الحرام. قال الشيخ في «الخلاف»:

الحلي على ضربين: مباح، و غير مباح.

فغير المباح أن يتخذ الرجل لنفسه

حليّ النساء كالسوار و الخلخال، و الطوق؛ و أن تتخذ المرأة لنفسها حليّ الرجال كالمنطقة، و حلية السيف و غيره، فهذا عندنا لا زكاة فيه. لأنّه مصاغ، لا من حيث كان حليا، و قد بينّا انّ السبائك ليس فيها زكاة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و قالوا: فيه زكاة.

و أمّا المباح، فهو أن تتخذ المرأة لنفسها حليّ النساء، و يتخذ الرجل لنفسه حلي الرجال كالسكين و المنطقة، فهذا المباح عندنا لا زكاة فيه. و للشافعي فيه قولان ... «2»

و قال المحقّق في «الشرائع»: لا تجب الزكاة في الحلي محلّلا كان كالسوار للمرأة و حلية السيف للرجل؛ أو محرما، كالخلخال للرجل و المنطقة للمرأة، و كالأواني المتّخذة من الذهب و الفضة، و آلات اللهو لو عملت منهما. «3»

و قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك من بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع بقسميه. 4 و قد تضافرت الروايات في ذلك. «5»

و أمّا الفرع الثاني فقد مرّ الكلام فيه في الشرط السابق.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

(2). الخلاف: 2/ 87، كتاب الزكاة، المسألة 102.

(3) (3 و 4). الجواهر: 15/ 183 قسم المتن.

(5). الوسائل: الجزء 6، الباب 9 و 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 307

[المسألة 2: و لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيّد منها و الرديّ]

المسألة 2: و لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيّد منها و الرديّ، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيّدا و بعضه رديّا.

و يجوز الإخراج من الرديّ و إن كان تمام النصاب من الجيّد، لكنّ الأحوط خلافه، بل يخرج الجيّد من الجيّد، و يبعض بالنسبة مع التبعّض، و إن أخرج الجيّد

عن الجميع فهو أحسن.

نعم لا يجوز دفع الجيّد عن الرديّ بالتقويم، بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوي دينارا رديّا عن دينار، إلّا إذا صالح الفقير بقيمة في ذمّته. ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة، فإنّه لا مانع منه.

كما لا مانع من دفع الدينار الرديّ عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك.* (1)

______________________________

كما أنّ الفرع الثالث، أعني: زكاتها إعارتها، فقد وردت في مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «زكاة الحليّ عاريته». «1»

و الرواية محمولة على الاستحباب، لأنّ العارية بنفسها عقد جائز، و ربما تصلح لأن تكون قرينة على الاستحباب، بشرط الاطمئنان من عدم الإفساد و الكسر، كما هو المروي. «2»

(1)* في المسألة فروع:

1. وجوب الزكاة في الجيد و الردي ء.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

2. إخراج الردي ء إذا كان تمام النصاب جيدا.

3. إخراج الردي ء إذا كان النصاب مؤلفا من الردي ء و الجيد.

4. دفع الجيد عن الردي ء بالتقويم.

5. دفع الدينار الردي ء عن النصف الجيد إذا كان الواجب النصف.

أمّا الفرع الأوّل، فلا كلام فيه، لإطلاق الأدلّة الشامل للجيد و الردي ء مع شيوعهما بين الناس، ثمّ إنّ رداءة الذهب أو الفضة لا تستند إلى جوهرهما، و إنّما تستند إلى قلّة الخليط و كثرته.

و بعبارة أخرى: يستند إلى اختلاف العيار، فكلّما كان الخليط من النحاس و الرصاص و غيره أقل فهو جيد و أجود.

و أمّا الفرع الثاني، أي إخراج الردي ء إذا كان تمام النصاب جيدا، ففي المسألة قولان:

أحدهما: التخيير و هو

خيرة المصنّف، حيث قال: و يجوز الإخراج من الردي ء و إن كان تمام النصاب من الجيد.

الثاني: الاقتصار على إخراج الجيد.

و الأقوى هو القول الثاني إلا أن تقع المعاملة عليه مثل الجيّد، فالأقوى جواز الدفع.

أمّا على القول بالإشاعة، فالفريضة عليه جزء من أربعين جزءا من كلّ دينار، فيجب أن يكون المخرج مساويا لما يستحقه.

كما هو كذلك على القول بأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن، فالواجب واحد من هذا النصاب الذي كلّه جيد.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 309

..........

______________________________

و أمّا على المختار من أنّ متعلّقها المالية السيّالة، فالواجب عليه، دفع كسر خاص من قيمة النصاب، و دفع الردي ء لا يساوي ذلك الكسر، و التمسّك بإطلاق ما دلّ على إخراج الزكاة من خارج النصاب منصرف إلى ما إذا كان مساويا في القيمة لما يستحقه بالأصالة، كما ذكرنا مثله في باب الأنعام، إلّا إذا كان الردي ء و الجيّد سواسية في وقوع المعاملة. هذا كلّه إذا كان الجميع جيدا، و أمّا إذا كان مؤلّفا من الجيد و الردي ء فهذا هو الفرع الثالث.

و أمّا الفرع الثالث، أي إذا كان النصاب مؤلفا من الجيد و الردي ء، فهل يجوز الإخراج من الردي ء، أو يجب التقسيط؟ قولان:

اختار الشيخ الوجه الأوّل، فقال: إذا كان معه دراهم جيدة الثمن مثل الروضيّة و الراضية و دراهم دونها في القيمة و مثلها في العيار، ضم بعضها إلى بعض و أخرج منها الزكاة، و الأفضل أن يخرج من كلّ جنس ما يخصه و إن اقتصر على الإخراج من جنس واحد لم يكن به بأس، لأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم و لم يفرق و كذلك حكم الدنانير سواء».

«1»

و حاصل الدليل التمسّك بإطلاق قوله: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم»، و هو يشمل في كلّ من الجانبين «المائتين» و «خمسة دراهم» الردي ء.

و اختار المحقّق في «الشرائع» القول الثاني، فقال: لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين، بل يضم بعضها إلى بعض، و في الإخراج إن تطوّع (المالك) بالأرغب، و إلّا كان له الإخراج من كلّ جنس بقسطه. «2»

و علّله في الجواهر بأنّه مقتضى قاعدة الشركة و لا يجزيه الدفع من الأردإ لما

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 209، فصل في زكاة الذهب و الفضة.

(2). الجواهر: 15/ 193، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

فاته لقاعدة الشركة.

ثمّ إنّه اختار القول الأوّل متمسّكا بإطلاق أدلّة الفرائض التي لا فرق فيها بين أفراد النصاب.

و مقتضى ما ذكرنا في الفرع السابق عدم الفرق بينه و بين الثاني، لما عرفت من حديث الشركة في المالية، و أمّا الإطلاق فمنصرف إلى ما إذا تساويا في العيار، أو اختلفا اختلافا بشي ء يسير.

و أمّا الفرع الرابع، أي دفع الجيد عن الردي ء بالتقويم، فلو كان عنده أربعون دينارا رديا التي فيها دينار، فهل يجوز له أن يدفع نصف دينار جيد إذا كان قيمته مساوية مع قيمة الدينار الواحد من الردي ء؟

فقال المصنّف: لا يجوز دفع الجيد عن الردي ء بالتقويم، إلّا إذا صالح الفقير بقيمته في ذمته ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة.

و لعلّ وجه عدم الجواز منصرف الأدلّة و هو إخراج كمية معينة من النصاب و دفع نصف دينار جيد و إن كان يعادل دينارا رديا في القيمة لكنّه لا يعادله في الكمية.

و قال العلّامة في «التذكرة»: و لو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد،

احتمل الإجزاء اعتبارا بالقيمة و احتمل عدمه، لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه. «1»

و قال في «الحدائق»: و لو أخرج من الأعلى بقدر الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون، فالمشهور عدم الجواز من حيث إنّ الواجب عليه

______________________________

(1). التذكرة: 2/ 228.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 311

[المسألة 3: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب]

المسألة 3: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب، و لو شكّ في بلوغه و لا طريق للعلم بذلك- و لو للضرر- لم تجب، و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار إشكال، أحوطه ذلك، و إن كان عدمه لا يخلو عن قوّة.* (1)

______________________________

دينار فلا يجزي ما نقص عنه، و احتمل العلّامة في «التذكرة» الإجزاء، و ردّه جملة من أفاضل متأخّري المتأخّرين بأنّه ضعيف. «1»

و المسألة مبنية على أنّ المراد من دفع ربع العشر هو دفعه عينا و قيمة أو تكفي القيمة.

فعلى الأوّل لا يجوز بخلاف ما إذا قلنا بالثاني، و لكنّ الأقوى الجواز، لما عرفت من أنّ الشركة في المالية السيّالة فلو دفع نصف دينار جيد فقد أخرج ما هو الواجب من حيث القيمة.

و الذي يؤيد ذلك انّه لو دفع نصف دينار جيد بعنوان القيمة أوّل الأمر يكفي بالاتّفاق.

و أمّا الفرع الخامس، أي دفع الدينار الردي ء عن نصف دينار جيد، فجائز على جميع الأقوال، لأنّه لو كان الميزان هو الكمية فقد دفع أكثر ممّا يجب، و لو كان المقياس هو القيمة فقد أخرج القيمة، و لو كان الواجب كلاهما فقد أخرجهما.

(1)* في المسألة فروع:

1. تعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة.

2. لو شكّ في بلوغ المغشوش حدّ النصاب و

لا طريق للعلم به.

______________________________

(1). الحدائق الناضرة: 12/ 94.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

3. وجوب التصفية للاختبار.

و إليك التفصيل:

أمّا الفرع الأوّل: فالواجب علينا تفسير الدينار و الدرهم المغشوشين، فليس المراد من المغشوش، مطلق المزيج بغيره من النحاس و الرصاص و نحوهما من الفلزّات، و ذلك لأنّ الذهب الخالص حسب ما نقل عن أهل الخبرة، ليّن لا يقبل النقش و لا الطبع ما لم يخلط بشي ء من الفلزات، و الأقل اللازم في كلّ مثقال صيرفي هو حمصة و نصف من غير الذهب حتى تتماسك أجزاؤه و تقبل النقش و الطبع.

و على ذلك فليس المراد من المغشوش اختلاط الذهب بغيره، لما عرفت من ضرورة الاختلاط، بل المراد كون الخليط أزيد ممّا هو رائج في البلد الذي ضرب و طبع فيه، مثلا: إذا كان الرائج في كلّ مثقال، خلط الذهب بحمصتين أو ثلاث حمصات من النحاس، فإذا زاد الخليط عن هذا المقدار يعدّ مغشوشا.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الشيخ ممّن ذهب إلى وجوب الزكاة في المغشوشة، و قال: إذا كان عنده دراهم محمول عليها، لا زكاة فيها حتى تبلغ ما فيها من الفضة مائتي درهم، سواء كان الغش النصف أو أقل أو أكثر. و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: إن كان الغش النصف أو أكثر مثل ما قلناه، و إن كان الغش دون النصف سقط حكم الغش، و كانت كالفضة الخالصة التي لا غش فيها. فإن كان مائتي درهم فضة خالصة، فأخرج منها خمسة مغشوشة أجزأه، و لو كان عليه دين مائتا درهم فضة خالصة، فأعطى مائتين من هذه أجزأه.

و كلّ هذا لا يجوز عندنا، و لا عند الشافعي. «1»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 76، كتاب الزكاة،

المسألة 89.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 313

..........

______________________________

و قال في «المبسوط»: و لا يجب فيها (المغشوشة) الزكاة حتى يبلغ ما فيها من الفضة نصابا، فإذا بلغ ذلك فلا يجوز أن يخرج دراهم مغشوشة، و كذلك إن كان عليه دين دراهم فضة لا يجوز أن يعطي مغشوشة، و إن أعطى لم تبرأ ذمّته بها و كان عليها تمامها. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصابا، و كذا المختلط بغيره عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد. «2»

لقوله عليه السّلام: ليس فيما دون خمس أوراق من الورق صدقة.

و لأنّ المناط كونه ذهبا و فضة، و الغش ليس أحدهما.

و قال أبو حنيفة: إن كان الغش النصف أو أكثر كانت كالعروض تعتبر بالقيمة، و إن كان الغش دون النصف سقط حكم الغش و كانت كالفضة الخالصة التي لا غش فيها، لأنّ الفضة لا تنطبع إلّا بالغش و ليس حجّة. 3

و على كلّ تقدير فقد استدلّ على وجوب إخراج الزكاة عن الدينار و الفضة المغشوشين بوجوه ثلاثة:

الأوّل: الإجماع على وجوب الإخراج. قال صاحب الجواهر في شرح قول المحقّق: «الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا»: بلا خلاف أجده فيما قبل الغاية و لا بعدها، بل الأوّل من الواضحات. «4»

الثاني: التمسّك بإطلاق ما دلّ على الزكاة في الدراهم، مثلا متى وقعت

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 209- 210، كتاب الزكاة.

(2) (2 و 3). التذكرة: 5/ 126، كتاب الزكاة، المسألة 69.

(4). الجواهر: 15/ 195.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

السكة عليها و لو في ضمن غيرها كما في المقام حيث إنّ الفضة في ضمن سائر الفلزات.

الثالث: خبر زيد الصائغ، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان، يقال لها: بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة، و ثلث مسا، و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم».

فقلت: أ رأيت إن حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة، أزكّيها؟

قال: «نعم، إنّما هو مالك».

قلت: فان أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكّيها؟

قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث».

قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟

قال: «فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة». «1»

و موضع الاستدلال هو الجواب عن السؤال الثالث.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 315

..........

______________________________

هذه هي أدلّة القول بوجوب إخراج الزكاة من المغشوش إذا بلغ الخالص من الذهب أو الفضة إلى حدّ النصاب.

يلاحظ عليها أوّلا: بأنّ المتبادر من قولهم: «إذا بلغ خالصهما النصاب» هو بلوغ الذهب الخالص في الدينار المغشوش إلى عشرين مثقالا شرعيا مع أنّ موضوع الزكاة في غير المغشوش كونه عشرين دينارا لا عشرين مثقالا شرعيا ذهبا خالصا، و قد علمت أنّ كلّ دينار ينقص على الأقل بحمصة و نصف من الذهب الخالص. فيكون الخليط في عشرين دينارا، دينار و

نصف و أظن انّ مرادهم غير ما يعطي ظاهر عباراتهم.

و ثانيا: أنّ المسألة غير معنونة في كتب القدماء التي كتبت لتنظيم الفتاوى على وفق النصوص حتى نستكشف عن وجود النص، و إنّما ذكرها الشيخ في كتابيه اللّذين ألّفا لغير تلك الغاية.

و أمّا الدليل الثاني من وجوب الزكاة في الدرهم و لو في ضمن غيره فلا بأس به لكن على التفصيل التالي: و هو انّ الدنانير و الدراهم على الإطلاق على أقسام:

الأوّل: الدينار و الدرهم غير المغشوشين، و إن شئت قلت: الخالصين من الغش لا الخالصين من غير جنسهما، لما عرفت من أنّ الخالص ليّن لا يقبل الطبع و النقش.

الثاني: الدينار و الدرهم المغشوشان لكن يصدق عليهما العنوانان و يترتب عليهما الفائدة الخاصة بالدراهم و الدنانير الواردة في رواية علي بن يقطين حيث قال فيما سبك من الدرهم و الدينار: ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة. «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

و المفروض في المقام وجود المنفعة، لكون الغش معلوما و لكن يتسامح الناس فيه، و في مثل ذلك يخرج زكاته مثل إخراج الزكاة عن غير المغشوش، أي في أربعين دينارا دينار واحد، و في مائتي درهم خمسة دراهم من غير ملاحظة بلوغ خالصهما النصاب أو لا.

و لعلّ ما نقله الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «التذكرة» عن أبي حنيفة من أنّه يتعامل مع المغشوش، معاملة الفضة الخالصة إذا كان الغشّ دون النصف ناظر إلى هذه الصورة.

فعلى ضوء ذلك فلو كان عنده أربعون دينارا مغشوشة فحسب يجب واحد من نفس المغشوشة، بخلاف ما إذا قلنا بالقول المعروف،

أي اشتراط بلوغهما حد النصاب فلا يجب فيه الزكاة إلّا إذا ملك أكثر من أربعين دينارا حتى يبلغ خالصها حدّ النصاب، و بذلك نفارق المشهور في هذه الصورة.

الثالث: ما إذا كان الغش واضحا كثيرا لا يطلق عليه الدرهم و الدينار، و لكن مع ذلك يتعامل بهما في بيئة خاصة لغرض من الأغراض، كتدهور الوضع الاقتصادي أو غيره، و هذا هو الذي جاء في رواية زيد الصائغ، حيث نقل انّه كان في بخارى و رأى فيها دراهم ثلثها فضة و ثلثاها من غير الفضة و لكن كانت جائزة.

فقد حكم الإمام في الإجابة عن السؤال الثاني بإخراج الزكاة، كإخراجه من غير المغشوش، أي من مائتي درهم، خمسة دراهم؛ أو من أربعين دينارا، دينار واحد؛ فإنّ ظاهر العبارة انّ إخراج الزكاة في هذه الصورة على غرار إخراجها في القسمين الأوّلين. و الدليل على وجوب الزكاة، إطلاق الدرهم و الدينار، و يصلح خبر زيد الصائغ للتأييد، لعدم كونه حجّة كما سيوافيك.

و هنا أيضا نفارق المشهور حيث قالوا باشتراط بلوغ الخالص منهما حد

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 317

..........

______________________________

النصاب، بخلاف ما قلناه فالكمية «المعتبرة» في النصاب كافية لإخراج الزكاة من نفس العين بلا رعاية بلوغ خالص المغشوش حدّ النصاب.

الرابع: ما لا يطلق عليه الدرهم و الدينار و لا يتعامل به بل يعد ثمنا ممنوعا في البلد، و هذا ما أشار إليه زيد الصائغ في سؤاله الثالث من قوله: «فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول، أزكّيها؟ قال:

«إن كنت تعرف انّ فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة»، و هذا يطابق فتوى المشهور، غير انّ خبر زيد الصائغ ليس

بحجة لورود محمد بن عبد اللّه ابن هلال في سنده، و هو لم يوثق.

و أمّا نفس زيد الصائغ فهو مجهول ليس له إلّا هذا الخبر في الكتب الأربعة، فلا يعمل به في هذه الصورة، و مقتضى القاعدة عدم وجوب الزكاة مطلقا و إن بلغ خالصهما حدّ النصاب كما إذا ملك ستين دينارا ممّا يكون ثلثه ذهبا، لما عرفت من أنّ موضوع الوجوب هو الدرهم و الدينار، لا مطلق الذهب و الفضة، و لا المنقوش منهما إذا لم يحمل الفائدة المذكورة في رواية ابن يقطين كما عرفت.

فقد تلخّص ممّا ذكرنا وجوب الزكاة في الصور الثلاث الأوّل على النحو المعروف من إخراج واحد من أربعين، أو خمسة دراهم من مائتي درهم دون الصورة الرابعة. و المعتمد هو إطلاق الدليل لا خبر زيد الصائغ، نعم هو مؤيد لما قلناه في الصورة الثالثة.

و بذلك لم يبق موضوع للبحث عن الفرعين المذكورين في المتن و لكن نبحث فيهما على غرار مختار المشهور فنقول:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

و أمّا الفرع الثاني: لو شكّ في بلوغ المغشوش حد النصاب و لا طريق للعلم به، فهل يجب الفحص أو لا؟ و لو قلنا بالوجوب هل يجب فيما لو استلزم الضرر؟

و المسألة مبنية على المذكور في علم الأصول من وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية و عدمه.

و قد ذهب الشيخ و غيره إلى جريان البراءة العقلية، و الشرعية.

و قد أورد عليه المحقّق البروجردي قدّس سرّه في درسه: بأنّ وظيفة الشارع بيان الكبريات لا الصغريات، فالفحص عن الصغريات وظيفة المكلف و لا شأن للشارع فيها، فلا مورد لحكم العقل «قبح العقاب بلا بيان» لا قبل الفحص و لا بعد الفحص.

و قد

أجاب عنه سيدنا الأستاذ قدّس سرّه بأنّ موضوع حكم العقل هو قبح العقاب بلا حجة، و الحجة متشكلة من كبرى و صغرى، و الكبرى و إن كانت محرزة لكن الصغرى غير محرزة، فعلى ذلك فتجري البراءة بلا فحص.

يلاحظ عليه: أنّ الموضوع لحكم العقل و إن كان هو قبح العقاب بلا حجة، و لكن الحجّة إذا كانت في متناول الشاك بحيث لو فتش عنها في مظانّها لعثر عليها لا يصدق عليه انّه عقاب بلا حجّة، و ليس المتعارف جعل الحجّة بجميع أجزائها في متناول المكلّف على نحو لو فتح عينه لرآها، بل ربما يتوقف على الفحص و التفتيش، و لذلك ذهبت الإمامية إلى لزوم سماع دعوى مدّعي النبوة، لاحتمال صدقه و لزوم النظر إلى معجزته، و ما ذلك إلّا لأنّ الاحتمال منجز قبل الفحص.

و على ما ذكرنا فتجري البراءة خلافا للسيد البروجردي، بعد وجوب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

الفحص خلافا لسيدنا الأستاذ، و لذلك جرت السيرة على الفحص عن مقدار النصاب في الزكاة و وجود الاستطاعة في الحج و عن الماء للطهارة.

نعم قام الإجماع على عدم وجوب الفحص في مورد النجاسات، لأنّ الفحص فيها ربما يوجب حرجا.

هذا كلّه حول الشق الأوّل، أي وجوب الفحص.

و أمّا الشق الثاني، أي لو افترضنا انّ الفحص يوجب الضرر، فظاهر كلام السيد عدم وجوبه لقاعدة لا ضرر.

يلاحظ عليه: أنّ قاعدة لا ضرر إنّما تجري في الأحكام النفسية لا المقدمية، فإذا كان الواقع منجزا و كانت المقدمة ضررية يجب الاحتياط أيضا.

و أمّا الفزع الثالث و هو إذا توقف الاختبار على وجوب التصفية، فقد علم حكمه ممّا ذكر حيث إنّها تجب و إن كانت ضررية لما عرفت من أنّ

القاعدة لا ترفع الحكم المقدمي إذا كان الواقع منجزا، فعندئذ يجب عليه الاحتياط إمّا بالتصفية، أو بإخراج المقدار المحتمل بدونها.

و لكن الفرعين على فرض وجوب إخراج الزكاة و قد علمت عدم وجوبه في الصورة الرابعة. و أمّا الصور الثلاث الأول فيخرج منها الزكاة على غرار الصحيح.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 320

[المسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش]

المسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص، و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه، إلّا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة.* (1)

______________________________

(1)* قد مرّ في المسألة الثانية انّه إذا كان تمام النصاب جيدا يجوز إخراج زكاة النصاب الجيد بالردي ء.

و أمّا المقام فهو يشارك تلك المسألة في أنّ النصاب كلّه جيد، غير انّ الزكاة تخرج من المغشوش دون الردي ء. و بهذا تفترق المسألتان.

قال في «الجواهر»: ثمّ اعلم أنّه لا يجوز له أن يخرج المغشوشة عن الجياد بلا خلاف و لا إشكال، إلّا إذا علم اشتمالها على ما يساوي الجياد. «1»

ثمّ إنّ المصنّف قدس سرّه ذكر هنا أمورا:

1. لا يجوز دفع المغشوش بعنوان الفريضة مطلقا سواء أ كانت قيمة المغشوش مساوية مع قيمة الجيد،- إمّا لأنّ للخليط قيمة أو لكون السكة راقية عتيقة- أو لا.

2. يجوز دفعه من باب الفريضة في مورد واحد، و هو ما ذكره المصنّف بقوله: «إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص».

و المراد من الخالص اشتمال المغشوش من الذهب على ما يشتمل عليه الدينار الخالص كما إذا زادت المغشوشة في العدد.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 196.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

3. نعم، يجوز

دفع المغشوش من باب القيمة إذا ساوى مع ما هو الواجب في القيمة، هذا توضيح ما في العبارة.

أقول: أمّا الأمر الأوّل فالأقوى- كما مرّ في إخراج الردي ء عن الجيد- هو التفصيل بين صدق الدينار على المغشوش و وقوع المعاملة عليه، و بين ما لا يكون.

فعلى الأوّل يكفي الإخراج سواء اشتمل على ما يشتمل عليه الدينار الخالص و عدمه، لعدم الفرق بين الردي ء، و المغشوش بعد صدق الدرهم و الدينار عليهما و ترتّب المنفعة عليهما مثل غيرهما. و قد علمت أنّ الذهب على قسم واحد، و إنّما تتطرّق الرداءة عليه من خلال كثرة الخليط و قلّته.

و على الثاني، لا يجوز إخراجه عن الجيّد حتى و إن اشتمل على ما يشتمل عليه الدينار الخالص، لأنّ النصوص في الإخراج منصرفة إلى الدينار و الدرهم الرائجين اللّذين يترتب عليهما المنفعة الخاصة الواردة في رواية علي بن يقطين، فلا يجوز دفع المغشوش عن النصاب الرائج، و إن اشتمل على ما يشمل عليه غيره.

و أمّا الأمر الثاني، فعلى مبنى الماتن يجوز الدفع من باب الفريضة إذا اشتمل على المقدار الخالص، و أمّا على المختار فلا يجوز إلّا إذا كان مثل غيره في وقوع المعاملة عليه.

و أمّا الأمر الثالث، أي دفعه من باب القيمة، فلا مانع منه، لأنّه يجوز إخراج الزكاة من غير جنس الفريضة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 322

[المسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

المسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش، إلّا مع العلم على النحو المذكور.* (1)

[المسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش]

المسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش، فالأقوى عدم وجوب الزكاة و إن كان أحوط.* (2)

______________________________

(1)* فرض المسألة فيما إذا ملك أربعين دينارا مغشوشة رائجة تقع عليها المعاملة، (و إلّا فلا تتعلّق بها الزكاة حتى يخرج زكاتها من المغشوشة) و يريد أن يخرج زكاتها من خارج النصاب و هو أيضا مغشوش، و يشترط فيه ما اشترط في المسألة الرابعة من اشتمال ذلك المغشوش بما تشتمل عليه الدنانير المغشوشة من الخالص عند المصنّف، و أمّا عندنا فيكفي وقوع المعاملية عليه.

و إلى هذه المسألة أشار صاحب الجواهر بقوله: «و كذا لو أدّى المغشوشة عن المغشوشة». «1»

(2)* قال العلّامة في «التذكرة»: لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غش أو لا؟ وجبت الزكاة لأصالة الصحة و السلامة. «2»

و الأقوى حسب ما ذكرنا انّه إذا صدق عليه الدرهم و الدينار و ترتبت عليها المنفعة المذكورة في رواية علي بن يقطين، وجبت فيها الزكاة، و إلّا فلا.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 196.

(2). التذكرة: 5/ 127.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 323

[المسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضّة لم يجب عليه شي ء]

المسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضّة لم يجب عليه شي ء، إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب، فيجب في البالغ منهما أو فيهما، فإن علم الحال فهو، و إلّا وجبت التصفية.* (1)

______________________________

(1)* كان البحث في السابق في الدراهم و الدنانير المغشوشة بغير الذهب و الفضة من سائر الفلزات كالنحاس، و الكلام في المقام خلط كلّ منهما بالآخر بأن تكون الدراهم مغشوشة بالذهب، و الدنانير مغشوشة بالفضة، و المعروف بين الصاغة انّ الذهب إن كان يميل إلى الحمرة فهو

مغشوش بالنحاس، و إن كان يميل إلى الصفرة فهو مغشوش بالفضة. «1»

و قال في الجواهر: لو كان الغش بأحدهما كالدراهم بالذهب أو بالعكس و بلغ كلّ من الغش و المغشوش نصابا، وجبت الزكاة فيهما أو في البالغ، و يجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه، فإن علمه و إلّا توصل إليه بالسبك و نحوه. «2»

و أمّا توضيح ما في المتن فبالنحو التالي:

إنّ الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدينار المغشوش بالفضة، لو كان الخليط قليلا مستهلكا في الآخر على نحو لا يصدق عليه انّه مغشوش إلّا بالدقّة العقلية غير المطروحة للعرف، ففيها الزكاة كغرار الصحيح. فلو كان عشرين سكة ذهبا، ففيها نصف دينار، و لو بلغ إلى مائتين درهم، ففيها خمسة دراهم، سواء بلغ الغش أو المغشوش النصاب أم لا.

______________________________

(1). مستند العروة: كتاب الزكاة: 1/ 301.

(2). الجواهر: 15/ 196.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

إنّما الكلام إذا كان الخليط كثيرا على نحو لا يصدق على السكة انّها ذهب أو فضة، فقد ذكر المصنّف له صورا ثلاثا:

الأولى: أن يبلغ إلى نصاب الذهب.

الثانية: أن يبلغ إلى نصاب الفضة.

الثالثة: أن يبلغ إلى كلا النصابين.

أمّا الأولى: كما إذا كان له أربعون سكة نصفها ذهب و نصفها فضة، فهذا يشتمل على نصاب الذهب دون الفضة، فيجب إخراج نصف دينار.

و أمّا الثانية: فكما إذا ملك 219 سكة، فالخليط من الذهب فيها بمقدار 19 سكة و الباقي يبلغ حدّ نصاب الفضة، فيجب فيه خمسة دراهم.

و أمّا الثالثة: كما إذا ملك 220 سكة فالذهب فيها بمقدار عشرين و الباقي فضة، فتجب عليه زكاة الدرهم و الدينار كلا النصابين.

و أمّا وجوب الإخراج في هذه الصور فقد أوضحه السيد المحقّق الخوئي قدس سرّه بقوله: إنّ الأدلّة

و إن لم تشمله بمدلولها اللفظي لعدم كون المورد لا من الذهب و لا من الفضة حسب الفرض و لا زكاة إلّا فيما صدق عليه أحد العنوانين، إلّا أنّ المستفاد منها بمعونة الفهم العرفي، شمول الحكم لذلك، فإنّهم لا يشكّون في أنّه لو تألّف مركب من عدّة أجزاء مشاركة في الحكم، فذاك الحكم يثبت للمركب أيضا و إن لم يكن في حدّ نفسه مندرجا في شي ء من عناوين أجزائه.

فلو صنعنا معجونا مؤلّفا من الطحال و الدم المتخلّف في الذبيحة و دم ميتة السمك و سائر ما في الذبيحة من الأجزاء الطاهرة المحرم أكلها كالقضيب و الأنثيين و الفرث و النخاع و المرارة و نحو ذلك، فإنّه لا يرتاب العرف في استفادة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 325

و لو علم أكثريّة أحدهما مردّدا، و لم يمكن العلم وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما، فإذا كان عنده ألف و تردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة و الذهب ستّمائة و بين العكس أخرج عن ستّمائة ذهبا و ستّمائة فضّة، و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستّمائة عن الذهب، و أربعمائة عن الفضّة بقصد ما في الواقع.* (1)

______________________________

تحريم المركب من أدلّة تحريم الأجزاء و إن لم «1» يستهلك بعضها في بعض و لم يكن المركب معنونا بشي ء منها. «2»

يلاحظ عليه: بوجود الفرق بين المقيس و المقيس عليه، فانّ الحرمة في المقيس عليه لذات الأجزاء سواء صدق عليه أسماؤها، أم لا. فالقضيب و الانثيين أو النخاع و المرارة بأعيانها الخارجية محرمة و إن اندكت بعضها في بعض و ذهبت أسماؤها و أمّا المقام فالحكم مترتب على عنوان الدرهم و الدينار، و على المنفعة الموجودة فيها،

و المفروض عدم صدقها و ذهاب المنفعة فكيف يجب فيها الزكاة؟!

و على ما ذكرنا لا زكاة في الأقسام الثلاثة.

و الحاصل: أنّه على مختارنا من أنّ الحكم مترتب على عنوان الدرهم و الدينار تختلف أحكام أكثر هذه المسائل المعنونة في المقام.

(1)* ثمّ إنّ المصنّف بعد ما اختار وجوب الزكاة طرح فرعا آخر، و هو انّه يعلم أكثرية أحد الأمرين من الذهب و الفضة و لكن لا يعلم ما هو الأكثر، مثلا: إذا كان عنده ألف سكة و تردّد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب

______________________________

(1). كذا في المطبوع، و لعلّ الصحيح «و إن استهلك».

(2). مستند العروة: 1/ 301- 303، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

ستمائة و بين العكس، فلا شكّ انّه يخرج تارة عن أربعمائة، زكاة الذهب و عن أربعمائة أخرى، زكاة الفضة و بذلك تكون ثمانمائة سكة مزكّاة، و لكن يبقى الكلام في مائتي سكة، فبما انّ الأكثر مردّد بين الذهب و الفضة فيدور الأمر بين المتباينين، فالواجب إمّا إخراج خمسة سكك إذا كان الأكثر فيها ذهبا، أو عشرة دراهم إذا كان الأكثر فيها فضة، فيجب عليه إخراج خمسة دنانير مع عشرة دراهم، لأنّ الاشتغال اليقيني يستلزم البراءة العقلية و لا يحصل إلّا بامتثال كلا التكليفين المحتملين.

هذا إذا حاول أن يخرج الفريضة من عين النصاب، و أمّا إذا أراد أن يخرج من النصاب لكن بعنوان القيمة فيكفي إخراج خمسة دنانير بعنوان القيمة، إذ كان الواجب هو الذهب فهو، و إن كان الواجب هو الفضة فهو يعادله أو يفوق عليها.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي أفاد بأنّه يكفي قيمة الأقل أيضا لانحلال العلم الإجمالي حينئذ، و ذلك لأنّ للمالك ولاية التبديل

و الإخراج من غير العين بعنوان القيمة، فهو مخير بين الأمرين، أي دفع العين و القيمة، فالواجب هو الجامع بين الأمرين، و بما انّ القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مرددة بين الأقل و الأكثر، فتعلّق التكليف به مشكوك من أوّل الأمر، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. «1»

هذا كلّه على القول بوجوب الزكاة في هذه الصور الثلاث، و قد عرفت أنّ المختار غيره.

______________________________

(1). مستند العروة: 1/ 304- 305، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 327

[المسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أنّ الغشّ ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها]

المسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أنّ الغشّ ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها- يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش، و أمّا إذا كان الغشّ بعد العلم بكونه ثلثا في المجموع- لا على التساوي فيها- فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة إمّا بإخراج الخالص، و إمّا بوجه آخر.* (1)

[المسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب]

المسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه إلّا إذا كان متمكّنا من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائبا.* (2)

______________________________

(1)* أمّا الصورة الأولى، فلأنّ الخالص فيها يبلغ مائتي درهم، فلو حاول الإخراج من خارج النصاب، فعليه أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، لأنّ النصاب الأوّل للدرهم هو المائتان؛ و لو أراد الإخراج من نفس النصاب، فيجب عليه أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش التي ثلثها نحاس أو رصاص.

و أمّا الصورة الثانية، فبما أنّه يعلم أنّ السكوك مغشوشة بمقدار الثلث و لكن لا يعلم نسبتها إلى كلّ واحد من الدراهم فربما تكون بعض الدراهم أكثر غشا من الآخر، فليس له الاقتصار بسبعة و نصف من المغشوش لعدم العلم باشتماله على خمسة دراهم خالصة، فيجب عليه أحد الأمرين:

أ. إمّا الإخراج بالخالص.

ب. و إمّا الاختبار و الدفع من النصاب.

(2)* و المسألة منقولة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام و لذا ذكرها الشيخ في «النهاية» و قال: و إذا خلّف الرجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله، لسنة أو سنتين أو أكثر من

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

ذلك، مقدار ما تجب فيه الزكاة، و كان الرجل غائبا

«1»، لم تجب فيها الزكاة، فإن كان حاضرا وجبت عليه الزكاة. «2»

و قال المحقّق في «الشرائع»: إذا ترك نفقة لأهله فهي معرّضة للإتلاف تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك، و تجب لو كان حاضرا. «3»

و قال العلّامة في «التذكرة»: من ترك لأهله نفقة بلغت النصاب فصاعدا، و حال عليه الحول؛ فإن كان حاضرا وجبت عليه الزكاة، لأنّه مالك متمكّن لم يخرج عنه ملكه؛ و إن كان غائبا فلا زكاة فيه، أمّا على أهله فلعدم الملك في حقّهم، و أمّا عليه فلأنّها في معرض الإتلاف. «4»

و ظاهر هذه العبارات انّ المقياس في الوجوب و عدمه كون المالك حاضرا أو غائبا، سواء أ كان متمكّنا من التصرف أم لا، و يعضدها ظهور الروايات:

1. موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: قلت له: رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين، عليها زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة». «5»

2. مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول، قال: «إن كان مقيما زكّاه و إن كان غائبا لم يزكّ». 6

3. خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يخلّف لأهله

______________________________

(1). في النسخة المطبوعة: غالبا، و الصحيح ما أثبتناه.

(2). النهاية: 178، باب المقادير التي تجب فيها الزكاة.

(3). الجواهر: 15/ 202، قسم المتن.

(4). التذكرة: 5/ 31، المسألة 19.

(5) (5 و 6). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين، عليه زكاة؟ قال: «إن كان

شاهدا فعليه زكاة و إن كان غائبا فليس فيها شي ء». «1»

و ظاهر الروايات يوافق ما نقلناه من الكلمات. غير انّ ابن إدريس لم يعمل بالروايات لأجل انّها آحاد، و جعل المسألة من صغريات الشروط العامة لوجوب الزكاة التي منها تمام التمكّن من التصرف، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرف فيه. و على ذلك فلو كان متمكّنا يجب عليه الزكاة و إن كان غائبا، و إلّا فلا يجب و إن كان شاهدا. حيث قال:

ذكر ذلك (الفرق بين الشاهد و الغائب) شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه في نهايته، و هذا غير واضح، بل حكمه حكم المال الغائب إن قدر على أخذه متى أراده، بحيث متى رامه أخذه، فإنّه يجب عليه فيه الزكاة، سواء أ كان نفقة أو مودعا، أو كنزه في كنز، فانّه ليس بكونه نفقة، خرج من ملكه، و لا فرق بينه و بين المال الذي له في يد وكيله، و مودعه و خزانته، و إنّما أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا، فانّه خبر من أخبار الآحاد لا يلتفت إليه. «2»

و الظاهر انّ الحقّ مع ابن إدريس و لكن ليست الروايات مخالفة لما اختاره، فانّ الغيبة في تلك الأزمنة غالبا كانت مساوقة لعدم التمكّن من التصرف، كما كان الحضور مساوقا مع التمكّن منه.

و على ذلك فالروايات ليست مخصصة لما دلّ على اشتراط التمكّن، بل هي بصدد بيان صغرى ذلك الشرط، و لذلك نرى أنّ الماتن فصل بين التمكّن و عدمه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(2). السرائر: 1/ 447.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 330

[المسألة 10: إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصاب]

المسألة 10: إذا كان عنده أموال زكويّة من

أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر، مثلا: إذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم و لا العكس.* (1)

______________________________

(1)* اتّفقت الإمامية على أنّه لا تجب الزكاة حتى يبلغ كلّ جنس نصابا، و لو قصر كلّ جنس أو بعضها عن النصاب لم يجبر بالجنس الآخر، و وصفه صاحب الجواهر بقوله: إجماعا بقسميه و نصوصا.

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا كان معه ذهب و فضة، ينقص كلّ واحد منهما عن النصاب، لم يضم أحدهما إلى الآخر، مثل أن يكون معه مائة درهم و عشرة دنانير لا بالقيمة و لا بالأجزاء، و به قال الشافعي و أكثر أهل الكوفة: ابن أبي ليلى، و شريك، و الحسن بن صالح بن حي، و أحمد بن حنبل، و أبو عبيد القاسم بن سلام.

و ذهبت طائفة إلى أنّهما متى قصرا عن نصاب ضممنا أحدهما إلى الآخر و أخذنا الزكاة منهما. ذهب إليه: مالك، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و أبو يوسف، و محمد. «1»

و يدلّ على مختار المشهور غير واحد من الروايات:

1. صحيحة زرارة انّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكّيها؟ فقال: «لا، ليس عليه زكاة في الدراهم

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 85، كتاب الزكاة، المسألة 100.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 331

..........

______________________________

و لا في الدنانير حتى يتم». «1»

2. موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير، أ عليه زكاة؟ فقال: «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة».

قلت: لم

يفرّ بها ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال: «ليس عليه زكاة»، قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: «لا». 2

نعم لإسحاق بن عمّار رواية أخرى تعارضها محموله على التقية متروكة. «3»

بلغ الكلام إلى هنا في الدورة الثانية لتدريس كتاب الزكاة صبيحة يوم الخميس في اليوم الحادي و العشرين من ذي القعدة الحرام من شهور عام 1421 ه.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 3.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 333

الفصل الرابع في زكاة الغلّات الأربع

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 335

الفصل الرابع في زكاة الغلّات الأربع و هي كما عرفت: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب.* (1)

و في إلحاق السّلت- الّذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال فلا يترك الاحتياط فيه.

كالإشكال في العلس- الّذي هو كالحنطة، بل قيل: إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان، و هو طعام أهل صنعاء- فلا يترك الاحتياط فيه أيضا.

______________________________

(1)* الزكاة في الغلّات و الثمار واجبة بالنص و الإجماع، قال تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ. «1»

و الزكاة تسمّى نفقة، لقوله تعالى في كنز الذهب و الفضة: وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ. «2»

و قال تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ «3» قال ابن عباس: حقّه الزكاة المفروضة. «4»

و أجمع علماء الإسلام على وجوب الصدقة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

______________________________

(1). البقرة: 267.

(2). التوبة: 34.

(3). الأنعام: 141.

(4). مجمع البيان: 2/ 375.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 336

و لا تجب الزكاة في غيرها، و إن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض، ممّا يكال أو يوزن من الحبوب، كالماش، و الذرّة، و الأرز، و الدخن، و نحوها، إلّا الخضر و البقول.

و حكم ما يستحبّ فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب، و كمّية ما يخرج منه، و غير ذلك.* (1)

______________________________

(1)* هنا فروع:

1. حكم السّلت و العلس.

2. عدم وجوب الزكاة في غير الغلّات الأربع، و إنّما يستحب فيها غير الخضروات و البقول.

3. حكم ما يستحبّ فيه الزكاة، حكم ما يجب فيه، في قدر النصاب، و كمية ما يخرج منه.

أمّا الأوّل: فالظاهر في غير واحد من المعاجم انّ السّلت من أصناف الشعير، و العلس من أصناف الحنطة.

قال في «الصحاح»: السّلت- بالضم- ضرب من الشعير، ليس له قشر كأنّه الحنطة.

و العلس ضرب من الحنطة يكون حبتان في قشر واحد و هو طعام أهل صنعاء.

و قال في «اللسان»: السّلت بالضم ضرب من الشعير، و قيل: هو الشعير بعينه، و قيل: هو الشعير الحامض.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

و قال الليث: السّلت: شعير لا قشر له أملس. و العلس: حب يؤكل، و قيل: هو ضرب من الحنطة- إلى أن قال-: هو ضرب من القمح يكون في الكمام منه حبتان يكون بناحية اليمن.

و قال في القاموس: و السلت- بالضمّ- الشعير أو ضرب منه أو الحامض منه. و العلس: القراد، و ضرب من البرّ، يكون حبتان في قشر، و هو طعام صنعاء.

و لكن الظاهر من المحقّق استقلالهما حيث ذكر انّ السّلت و العلس كالذرة و الارز و العدس و الماش ممّا يستحب فيه الزكاة ثمّ قال: و

قيل: السلت كالشعير و العلس كالحنطة في الوجوب، و الأوّل أشبه. «1»

و تبعه العلّامة في «المختلف»: حيث إنّه بعد ما حكى عن الشيخ انّ الأوّل نوع من الشعير و الثاني نوع من الحنطة، قال: و الأقرب انّهما مغايران للحنطة و الشعير فلا زكاة فيهما. «2»

و الرأي الحاسم في المقام انّه ان تبيّن بالنظر إلى لونه و طعمه و قشره دخولهما تحت أحد العنوانين، فتجب فيه الزكاة، و إلّا فالأصل المحكم هو البراءة.

و ربما يقال بأنّه و إن صدق عليه حدّ الشعير و الحنطة و تبيّن انّهما من مصاديقهما، لا يجب فيه الزكاة أيضا، لانصراف النصوص في عصر الورود، إلى الصنفين الرائجين دون غيرهما.

قال في «الجواهر»- بعد ما نقل كلمات اللغويين و كلام الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «القواعد»-: لا يخفى عليك انّ المدار على الاسم الذي لا

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 205، قسم المتن.

(2). المختلف: 3/ 187.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

مدخلية له في الصورة و الطبيعة، و تناوله له، على وجه الحقيقة المساوية للفرد الآخر في الفهم عند الإطلاق في زمن صدور الأخبار، محل نظر. «1»

يلاحظ عليه: بأنّه لا اعتبار بهذا النوع من الانصراف بعد تعلّق الحكم على العنوان الكلّي، الذي له أصناف، فإنّ الانصراف في المقام رهن أنس المخاطب بما حوله من الأصناف و عدم اطّلاعه على الأصناف الأخرى تعد قسما من ماهيتهما، و هذا كالدم الصناعي، فهو محكوم بحكم الدم الطبيعي مع أنّه لم يكن له أي مصداق في عصر نزول الآيات و ورود الروايات.

و منه يظهر عدم تمامية ما أفاده السيد الحكيم قدس سرّه حيث إنّه بعد ما نقل من أهل اللغة انّ السلت ضرب من الشعير، و

انّ العلس ضرب من الحنطة، أورد عليه بقوله: إنّ كلام أهل اللغة لا يراد منه بيان الفردية للمفهوم العرفي، بل الفردية للمفهوم الحقيقي، مثل قولنا: البخار ماء، و الغبار تراب، و الدخان رماد، و نحو ذلك ممّا يراد منه وحدة الحقيقة لا غير.

و لو سلّم الأوّل فهو مخالف للمفهوم منهما عرفا، كما يشير إلى ذلك مصحح محمد بن مسلم: سألته عن الحبوب، ما يزكّى منها؟ قال عليه السّلام: «البرّ، و الشعير، و الذرة، و الدخن، و الارز، و السلت و العلس» «2» و نحوه غيره، و الحال في العلس هو الحال في السلت. «3»

يلاحظ عليه: بالفرق بين قول اللغويين بأنّ السلت نوع من الشعير، و بين قول الآخرين: البخار ماء.

______________________________

(1). جواهر الكلام: 15/ 207.

(2). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(3). المستمسك: 9/ 134.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

فانّ المراد من الثاني انّ الماء مبدأ البخار و أصله، و هذا بخلاف قولهم:

السلت ضرب من الشعير، أي نوع منه لا انّ الشعير أصله.

و قد عرفت أنّ الحكم إذا تعلّق بعنوان له مصاديق معروفة و غير معروفة يكون الميزان صدق العنوان لا الانصراف إلى الأفراد العادية.

و أمّا الحديث فالسلت و إن ورد في مقابل الشعير، لكن يحتمل أن يكون من باب ذكر الخاص بعد العام.

و أمّا الفرع الثاني، أعني: وجوب الزكاة في الغلّات الأربع دون غيرها من سائر الغلّات، فقد أسلفنا الكلام فيه في صدر الكتاب و قلنا باستحبابها في غيرها غير البقول و الخضروات ممّا يكال أو يوزن.

و أمّا الفرع الثالث، أي يشترط فيما يستحبّ فيه إخراج الزكاة، بلوغ النصاب و سائر الشروط العامة، فلما ذكروه من أنّه

مقتضى الإطلاق المقامي في هذه الموارد مثلا الفريضة و النافلة تشاركان في عامة الأجزاء و الشروط حسب الفهم العرفي إلّا ما دلّ الدليل على عدم المشاركة، و لو كان الواقع غير ذلك كان على الشارع البيان. هذا من غير فرق بين باب الصلاة و الزكاة و الحجّ و غيرها من العبادات، و المراد من الإطلاق المقامي هنا هو سكوته عن تبيين الفرق بين الصنفين على نحو لو لا البيان، لعطف العرف أحدهما على الآخر بلا تردّد، مضافا إلى ورود الروايات في ذلك الصدد. «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 340

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران: الأوّل: بلوغ النصاب، و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيّا- مائة و أربعة و أربعون منّا، إلّا خمسة و أربعين مثقالا، و بالمنّ التبريزيّ- الّذي هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون منّا و ربع منّ و خمسة و عشرون مثقالا، و بحقّة النجف في زماننا سنة 1326- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيّا و ثلث مثقال- ثمان وزنات و خمس حقق و نصف إلّا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال. و بعيار الاسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمسة و ثلاثون مثقالا. و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا.* (1)

______________________________

(1)* أمّا اشتراط النصاب، فهو ممّا لا إشكال و لا خلاف فيه، و النصوص متواترة على ذلك بل هو

ضروري.

قال الشيخ في «الخلاف»: لا زكاة في شي ء من الغلّات حتى تبلغ خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، يكون ثلاثمائة صاع (نتيجة ضرب خمسة في ستين)، و كلّ صاع أربعة أمداد، يكون ألفا و مائتي مد (نتيجة ضرب أربعة في ثلاثمائة) و المدّ رطلان و ربع بالعراقي يكون ألفين و سبعمائة رطل (نتيجة ضرب اثنان و نصف في ألف و مائتي مدّ).

فإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه، و به قال الشافعي، إلّا أنّه خالف في وزن المد و الصاع فجعل وزن كلّ مدّ رطلا و ثلثا، يكون على مذهبه ألفا و ستمائة رطل بالبغدادي (نتيجة ضرب 1200 في). «1»

______________________________

(1). توضيحه: انّ ثلث 1200 يكون أربعمائة، و هو بضميمة 1200 يكون 1600.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

و قال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب بل يجب في قليله و كثيره حتى و لو حملت النخلة رطبة واحدة كان فيها عشرها. «1»

و قال العلّامة: و النصاب في الأربعة واحد و هو خمسة أوسق، فلا يجب فيما دونها شي ء بإجماع علمائنا. و هو قول أكثر أهل العلم، منهم: ابن عمير، و جابر، و عمر بن عبد العزيز، و جابر بن زيد، و الحسن البصري، و عطاء، و مكحول، و النخعي، و مالك، و أهل المدينة، و الثوري، و الأوزاعي، و ابن أبي ليلى، و الشافعي، و أحمد، و أبو يوسف، و محمد، لقوله عليه السّلام: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة». «2»

إلى أن قال: و قال أبو حنيفة و مجاهد: تجب الزكاة في قليل ذلك و كثيره، لعموم قوله عليه السّلام «فيما سقت السماء العشر». «3»

و بما انّ أكثر الأحاديث لم تكن ثابتة عند

أبي حنيفة، فقد أخذ في المقام بإطلاق قوله: «فيما سقت السماء العشر» و لم يعمل بالمخصص.

و أمّا ما ورد من طرقنا في حدّ النصاب، فالمعروف هو خمسة أوسق و وصفها غير واحد بالتواتر.

1. ففي صحيحة سعد بن سعد الأشعري، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب؟ فقال: «خمسة أوساق بوسق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم» فقلت: كم الوسق؟ قال: «ستون صاعا». «4»

2. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس فيما دون خمسة

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 58، المسألة 69.

(2). أخرجه البخاري في صحيحه: 2/ 156، و مسلم في صحيحه: 2/ 673.

(3). التذكرة: 5/ 142، مسألة 78.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

أوساق شي ء، و الوسق ستون صاعا». «1»

3. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر». 2

4. صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: «خمسة أوسق». «3»

إلى غير ذلك من الروايات.

نعم هناك روايات شاذة. ورد فيها أنّ الزكاة تجب في وسق.

1. مرسلة ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال: «في وسق». «4»

2. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟

قال: «في ستين صاعا». «5»

و في بعض: «وسقين».

كخبر أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تجب الصدقة إلّا في وسقين، و الوسق ستون صاعا». «6» و قريب منه روايته الثانية. 7

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 6، 5.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 3.

(4). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 4.

(5). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 10.

(6) (6 و 7). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

و في بعض منها لم يعتبر نصاب، كموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السّلام. «1»

و الروايات شاذة غير مشهورة، فتحمل على الاستحباب، أو على التقية، و قد عرفت فتوى أبي حنيفة على عدم اعتبار النصاب.

فقد علم ممّا ذكرنا انّ النصاب الواجب في الزكاة: خمسة أوساق، فلتبديل هذا الوزن غير المعروف عندنا إلى الوزن الرائج، أعني: الكيلو غرام، نتقدّم بالخطوات التالية:

أ. أن يحدد النصاب الذي يعادل 5 أوساق حسب الصاع.

ب. أن يحدّد الصاع حسب الوزن.

ج. أن يحدد 5 أوساق (النصاب) حسب الوزن.

د. ثمّ يحدّد النصاب وفق المثقال الشرعي.

ه. ثمّ يحدّد النصاب حسب المثقال الشرعي بالمثقال الصيرفي.

و. ثمّ يحدّد النصاب حسب المثقال الصيرفي بالكيلوغرامات، و إليك بيانها:

أمّا الأوّل: فقد دلّت الروايات السابقة انّ كلّ وسق يعادل 60 صاعا، و عليه يكون مجموع 5 أوساق (النصاب) 300 صاع.

60* 5 300

و أمّا الثاني: أي تحديد الصاع حسب الوزن، ففي خبر جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى أبي الحسن على يدي أبي: جعلت فداك

انّ أصحابنا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

اختلفوا في الصاع، بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول بصاع العراقي؟ قال: فكتب إليّ: «الصاع بستة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي»، قال: و أخبرني انّه يكون بالوزن 1170 وزنة، أي درهما. «1»

فحاصل الحديث: أنّ المهم هو معرفة وزن الصاع من دون فرق بين أن يحاسب بالرطل المدني أو بالرطل العراقي. فانّ الجميع ينتهي إلى وزن واحد و إن اختلفت الأرطال.

إلى هنا تبيّن انّ وزن كلّ صاع يعادل 1170 درهما.

و أمّا الثالث: فنقول إذا كان وزن كلّ صاع يعادل 1170 درهما، فلمعرفة وزن النصاب، أعني: 300 صاع، نضرب عدد الأصوعة في وزن صاع واحد، فتكون النتيجة كالتالي:

1170* 300 351000 درهم

و أمّا الرابع: أي تبديل وزن هذه الدراهم إلى المثقال الشرعي، فبما انّ عشرة دراهم يساوي سبعة مثاقيل شرعية، فيقسم العدد المذكور على عشرة دراهم ليعلم ما فيها من العشرات، فتكون النتيجة:

351000/ 10 35100

و حيث إنّ عشرة مثاقيل تعادل سبعة مثاقيل شرعية، فيضرب 35100 في سبعة مثاقيل، و تكون النتيجة كالتالي:

35100* 7 245700

فالنصاب المذكور عبارة عن 245700 مثقال شرعي.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

و أمّا الخامس: أي تبديل وزن النصاب حسب المثقال الشرعي إلى المثقال الصيرفي، فبما انّ كلّ مثقال شرعي يعادل المثقال الصيرفي، فيضرب 245700 في ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي و تكون النتيجة كالتالي:

245700* 184275 مثقالا صيرفيا

فصحّ ما يقوله المصنّف إنّه بالمن التبريزي- الذي هو ألف مثقال- 184 منّ و ربع المن و خمسة و عشرين

مثقالا.

و ليعلم أنّ هذا المن المعروف بالمنّ التبريزي معمول في نفس البلدة، و لكن المن التبريزي المعروف في غير هذه البلدة أقل من هذا المقدار بكثير و هو يساوي 3 كيلوغرامات تقريبا.

إلى هنا تبيّن مقدار النصاب حسب المن التبريزي، و إذا أردنا أن نحوله إلى كيلوغرام، فبما انّ المثقال الصيرفي يساوي أربعة غرامات و ستة أعشار الغرام أي ما يعادل 6 و 4 غرام، فنضرب 184275* 6 و 4 ليعلم انّ هذا العدد الكبير كم يحتوي على أربعة غرامات و ستة أعشار الغرام فتكون النتيجة بالشكل التالي:

184275* 6 و 4 847665 غراما

و حيث إنّ الكيلو غرام يعادل 1000 غرام، فنقسم العدد 847665 على 1000 و تكون النتيجة كالتالي:

847665/ 1000 665، 847 كيلوغراما

*** ثمّ إنّ المصنّف أشار إلى فرع آخر و هو انّ مقتضى النصاب عدم وجوب الزكاة في الناقص و لو يسيرا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

و في كلامه هذا إشارة إلى مخالفة أهل السنّة. قال الشيخ في «الخلاف»: إذا نقص عن النصاب شي ء، قلّ ذلك أو كثر، لم تجب فيه الزكاة، و هو المختار لأصحاب الشافعي و قالوا: لو نقص أوقية لم تجب فيه الزكاة.

و فيه قول آخر و هو انّ ذلك على التقريب، فإن نقص رطل أو رطلان وجب فيه الزكاة. «1»

قال العلّامة في «التذكرة»: هذا التحديد تحقيق لا تقريب، و هو أحد قولي الشافعية، لقوله عليه السّلام: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة».

و لأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض، فكان محدّدا كسائر الأوقاص، و لأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به، فلم يكن بدّ من حد فاصل.

و قال بعضهم: إنّه تقريب، فإن نقص

قليلا وجبت الزكاة، لأنّ الوسق في اللغة: الحمل و هو يزيد و ينقص، و نحن إنّما اعتبرنا التقدير الشرعي لا اللغوي. «2»

و يدلّ على ما ذكرنا: صحيحة زرارة عنه: «و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء». «3»

و في موثّقة زرارة و بكير: «و إن نقص البر و الشعير و التمر و الزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شي ء». 4

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 59، كتاب الزكاة، المسألة 71.

(2). التذكرة: 5/ 145، المسألة 80.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5 و 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 347

الثاني: التملّك بالزراعة فيما يزرع، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة، و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت التعلّق، أو انتقالها إلى ملكه- منفردة أو مع الشجر- قبل وقته.* (1)

______________________________

(1)* قد عبر المحقّق عن هذا الشرط بقوله: «و لا تجب الزكاة إلّا إذا ملكت بالزراعة» و من المعلوم أنّ الموضوع أعمّ من أن يملك الرجل الغلّات بالزراعة أو بسبب آخر، كما إذا كان الزارع غيره و لكن انتقل الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة، و مثله الثمرة فربما يكون مالكا للشجرة فيملك الثمرة تبعا، و ربما تكون الشجرة لغيره و لكن يملك الثمرة على الشجرة قبل وقته.

فلأجل هذا القصور في عبارة المحقّق عدل المصنّف إلى ما في المتن ليعمّ كلا القسمين، أي سواء أ كان زارعا أم مالكا للزرع بالانتقال و هكذا الثمرة، سواء أ كان مالكا للشجرة أم انتقلت الثمرة إليه قبل تعلّق الوجوب، سواء انتقلت مع أصلها أم لا.

ثمّ إنّ السيد الحكيم قدس سرّه ذهب إلى إلغاء

هذا الشرط بالمرة و قال: لأنّه إن أريد اشتراطه في أصل التعلّق يغني عنه ما تقدّم من اعتبار الملك. و إن أريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلّق، فلا خصوصية للملك من بين الشرائط العامة، إذ يعتبر في جميعها أن تكون حال التعلّق، كما لا يخفى. «1»

و يمكن أن يقال انّ الداعي لذكر هذا الشرط وراء اعتبار الملك هو انّ المالكية حين التعلّق لا تكفي في الأنعام و لا في النقدين، بل يعتبر المالكية طول الحول إلى وقت نقلها، بخلاف المقام فتكفي المالكية المؤقتة المحدودة بوقت

______________________________

(1). مستمسك العروة: 9/ 138.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

التعلّق و إن لم يكن مالكا قبله.

و ربما يحتمل انحصار وجوب الزكاة بمن ملك بالزراعة، و أمّا من انتقل إليه حين التعلّق فلا يجب من غير فرق بين الحبوب و الثمار. و وجه ذلك هو وجود التفصيل بين السقي سيحا فيجب العشر، و السقي بالدلاء فيجب نصفه، و المخاطب بهذه الأحكام الزارع و مالك الأشجار، فانّ المشتري للغلّة أو الثمرة قبل وقت التعلّق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها بل لعلها لا تحتاج إلى السقي أصلا.

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّه محمول على الغالب من بقاء الزرع على ملك الزارع و الثمرة على ملك مالك الشجر-: انّ ما ذكره يتمّ إذا كان وقت التعلّق تسميته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا كما عليه المحقّق، فربما لا يحتاج إلى السقي، و أمّا إذا كان وقت التعلّق هو اشتداد الحب في الحنطة و الشعير و احمراره أو اصفراره في التمر و عقد الحصرم، فهو رهن السقي بالماء، فيتفاوت مقدار الزكاة حسب زيادة المئونة و عدمها إذا كانت مئونة السقي على

المشتري قبل التعلّق.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 349

[المسألة 1: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف]

اشارة

المسألة 1: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف، فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما و في ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما.

و ذهب جماعة إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة و الشعير و التمر، و صدق اسم العنب في الزبيب، و هذا القول لا يخلو عن قوّة و إن كان القول الأوّل أحوط، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.* (1)

______________________________

(1)* اختلفت كلمة فقهائنا في وقت تعلّق الزكاة على قولين، ذكرهما العلّامة في «المختلف»، و قال:

المشهور انّ الزكاة تجب في الغلّات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها و احمرارها، و إن كانت غلّة عند اشتداد حبّها، و لا يجب الإخراج إلّا عند الحصاد و الجذاذ إجماعا، و قال بعض علمائنا: إنّما تجب الزكاة عند ما يسمى تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا، و هو بلوغها حدّ اليبس، و اختاره ابن الجنيد. «1»

و قد نسب العلّامة القول الثاني إلى بعض العلماء منهم المحقّق في «الشرائع»، قال: و الحدّ الذي تتعلّق به الزكاة من الأجناس أن يسمّى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا.

و قيل: إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم، و الأشبه هو الأوّل، و قد نقله العلّامة في المنتهى عن والده. «2»

و قال السيد العاملي في «مفتاح الكرامة»: و قد يفوح ذلك، أعني: مذهب

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 186.

(2). منتهى المطلب: 1/ 499.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

المحقّق من المقنع و الهداية و كتاب الاشراف و المقنعة و الغنية و

الإشارة و غيرها، لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها: التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، فيكون «المعتبر» عندهم صدق تلك الأسامي، و لا تصدق حقيقة إلّا عند الجفاف. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: وقت وجوب الزكاة في الحبّ إذا اشتدّ، و في الثمرة إذا بدا صلاحها على الأقوى، لعموم قوله عليه السّلام: فيما سقت السماء العشر.

و لأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البسر (نوع) من التمر، و من أوجب في الثمرة أوجبها في الحب.

و قال بعض علمائنا: إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا لتعلّق الحكم على الاسم.

و قد بيّنا انّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

و على كلا القولين، إنّما يجب الإخراج و يستقر الوجوب حين يصير التمر في الجرين «2»، و الزرع في البيدر بعد التصفية من التبن و القشر، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

و فائدة «الخلاف» فيما لو تصرف في الثمرة بعد بدو الصلاح إمّا بأكل أو بيع، فعلى القول المشهور لم تسقط عنه الزكاة، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

و على القول الآخر لا شي ء عليه، لأنّه تصرّف فيما قبل الوجوب فأشبه بما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول. «3»

______________________________

(1). مفتاح الكرامة: 3/ 44، كتاب الزكاة.

(2). الجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه.

(3). تذكرة الفقهاء: 5/ 147، المسألة 82.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 351

..........

______________________________

فقد ظهر ممّا ذكرنا انّ المشهور انّ وقت التعلّق حين انعقاد الحبة في الحنطة و الشعير أو بدو الصلاح و انعقاد الحصرم في غيرهما.

و أمّا القول الآخر فهو أشبه بغير المشهور و إن لم يكن شاذّا، و على كلّ تقدير ففي المسألة قولان:

1. قول

المحقّق في كتبه الثلاثة: «المعتبر» و «الشرائع» و «النافع»، و حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في «المختلف» «1» و عن والده في «المنتهى» «2»، و الدليل الوحيد لهذا القول انّ الأحكام تدور مدار عناوين موضوعاتها، و قد تعلّق الوجوب بها حيث تضافرت الروايات على انحصار الزكاة ممّا انبتته الأرض في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. ففي حديث الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام، قال:

«و الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب». «3»

يلاحظ عليه: بأنّ مصب هذه الروايات هو بيان تعلّق وجوب الزكاة بهذه الأجناس دون غيرها، و قد ورد في بعض الروايات انّ السائل قال- بعد التسعة- و الذرة، فغضب عليه السّلام ثمّ قال: «كان و اللّه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم السماسم، و الذرة، و الدخن، و جميع ذلك»، فقال: إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إنّما وضع على تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال:

«كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء قد كان». 4

فإذا كانت هذه الأحاديث ناظرة إلى ما ذكرنا فلا تدلّ على أنّ هذه العناوين موضوعة لحين التعلّق.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 186.

(2). منتهى المطلب: 1/ 497.

(3) (3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 352

..........

______________________________

ثمّ إنّ الظاهر انّ النزاع في الحنطة و الشعير لفظي، و القولان متقاربان، لأنّ انعقاد الحب أو اشتداده- كما في عبارة البعض- يلازم صدق عنوان الحنطة و الشعير.

نعم، النزاع في التمر و

الزبيب حقيقي، لأنّ متعلّقه على القول المشهور هو بدوّ الصلاح أي بدا صلاح الثمرة، و هو وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا. «1» فأين هذين العنوانين من عنواني التمر و الزبيب و بين القولين بعد المشرقين.

هذا فكما أنّه لم يكن لقول المحقّق دليل مقنع، فهكذا ليس للقول الآخر الذي ادّعيت شهرته دليل كذلك، و قد ذكروا وجوها عشرة ذكر ثمانية منها السيد الحكيم على نظم خاص، و لكن جميع هذه الوجوه تفقد الدلالة، و إليك التفاصيل:

الأوّل: الإجماع المدّعى في كلام العلّامة في «منتهى المطلب» حيث قال: لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلّا إذا نمت على ملكه فلو ابتاع، أو وهب، أو ورث بعد بدو الصلاح لم يجب عليه الزكاة، فهو قول العلماء كافّة. «2»

يلاحظ عليه: أنّ معقد الإجماع هو قوله: «إلّا إذا نمت على ملكه» ليخرج ما إذا تملّكه من السوق. و ليس معقده قوله: «بعد بدو الصلاح لم يجب عليه الزكاة».

كيف و هذا هو المحقّق خاله، و ابن الجنيد أحد القديمين، و والده ممّن أفتوا بأنّ زمن التعلّق هو صدق هذه العناوين، فكيف يمكن له أن يدّعي أنّ وقت التعلّق هو حالة بدو الصلاح؟!

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 535.

(2). منتهى المطلب: 1/ 497.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 353

[ثمّ إنّه استدلّ بروايات خمس، تدور على محاور ثلاثة]
اشارة

______________________________

ثمّ إنّه استدلّ بروايات خمس، تدور على محاور ثلاثة:

1. انّ بعضها بصدد بيان النصاب، دون بيان وقت التعلّق، و انّ الاستدلال و الإشكال فيه، كلّها تبعيد للمسافة.

2. كما أنّ بعضا منها بصدد بيان وقت الإخراج، لا وقت التعلّق.

3. كما أنّ بعضها بصدد بيان وقت التعلّق، لكنّه لا ينطبق على مذهب المشهور. و إليك التفصيل:

الف: ما هو بصدد بيان النصاب

1. صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا». «1»

2. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا». 2

و كيفية الاستدلال بالحديثين كالتالي:

1. انّه عبر بالنخل، و قال: «ليس في النخل» و المراد ثمر النخل- إنّما عبّر به- ليعمّ ما إذا اصفر الثمر أو احمر، و إن لم يصدق عليه التمر. و إلّا فلا وجه للعدول من التمر إلى النخل.

2. انّ قوله: «العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا». فيدلّ على أنّ متعلّق الزكاة كونه عنبا لا كونه زبيبا.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 353

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 7 و 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

يلاحظ على الوجه الأوّل: بأنّ العدول عن التمر إلى النخل للدلالة على أنّ متعلّق الوجوب هو الثمرة على الشجرة لا مطلق التمر و لو بالابتياع.

و يلاحظ على الوجه الثاني: بأنّ قوله: «و العنب مثل

ذلك» فيه احتمالان:

أحدهما: إناطة الوجوب بحالة ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق حال كونه زبيبا.

و ثانيهما: إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف، و الاستدلال بها إنّما يتم على الثاني و هو في موضع المنع، بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل، إذا اعتبار التقدير خلاف الظاهر. «1»

هذا ما ذكره القوم حول الحديثين دلالة و إشكالا.

و الظاهر انّ الحديثين يهدفان إلى شي ء آخر و هو بيان النصاب و انّه لا يجب في النخل و العنب الزكاة ما لم يبلغ خمسة أوساق، و أمّا ما هو الموضوع لتعلّق الوجوب فالروايتان ساكتتان عنه و ما ذكر من الاستدلال تحميل على الرواية. فسواء قال: «إنّ في النخل أو في التمر» فالهدف من وراء هذا الكلام هو بيان حدّ النصاب الذي هو موضوع الوجوب.

أضف إلى ذلك أنّه لو قلنا بدلالة الحديثين على وقت تعلّق الوجوب، فهو معرض عنه في العنب، لأنّ الموضوع إمّا الحصرم أو الزبيب، و لا قائل بالعنب.

3. خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يكون في الحبّ و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين، و الوسق ستون صاعا». «2»

______________________________

(1). انظر ذخيرة المعاد: 428.

(2). الوسائل: 3، الباب 3 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 355

..........

______________________________

وجه الدلالة: انّه عبر عن الحنطة و الشعير بالحب و هو يصدق مع انعقاده.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الحديث بصدد بيان مقدار النصاب، من غير نظر إلى بيان وقت التعلّق.

و ثانيا: أنّه جعل مقدار النصاب «الوسقين» و هو قول متروك، و قد عرفت أنّ القول الصحيح هو خمسة أوساق.

و ثالثا: أنّ الرواية تتم في الحنطة و الشعير، و قد عرفت

أنّ النزاع فيهما- بين القولين- لفظي. و أمّا الآخران فالموضوع في الرواية هو العنب، و هو معرض عنه.

ب. ما هو بصدد بيان زمان الإخراج

4. صحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: سألته عن الزكاة في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها؟

قال عليه السّلام: «إذا ما صرم، و إذا خرص». «1»

وجه الاستدلال: انّ وقت الخرص عبارة عن كون العنب حصرما، و التمر بسرا كما عليه العلّامة في «التذكرة». «2»

يلاحظ عليه أوّلا: بأنّ الخرص كما يتحقّق عند كون الثمرة بسرا أو حصرما كذلك يتحقّق عند كونه عنبا أو تمرا، و التخمين في المرحلة الثانية أقرب إلى الواقع منه في المرحلة الأولى. غاية الأمر يكون الخرص في المرحلة الأخيرة لأجل سدّ باب إنكار المالك لمقدار الثمرة بعد التشميس و التجفيف.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1؛ و نقل ذيله في الحديث 2.

(2). التذكرة: 5/ 163، و عبارته هكذا: «وقت الخرص حين بدو الصلاح» و هو يلازم ما في المتن لأنّه لا يصلح للأكل إلّا إذا كان حصرما أو بسرا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 356

..........

______________________________

و ثانيا: أنّ الرواية بصدد بيان وقت وجوب الإخراج لا وقت التعلّق بشهادة أنّه عطف قوله: «و إذا خرص» على قوله: «و إذا ما صرم» و المعنى انّه إن صرم في وقته فتخرج الزكاة بعد الصرم، أي بعد حصد الحنطة و الشعير و اجتذاذ الثمرتين، من دون حاجة إلى الخرص لوجود الكيل، و إلّا فيخرص و يخرج حسب التخمين.

و الحاصل انّه إن صرم يخرج بلا حاجة إلى الخرص و إن ترك على الشجرة فيخرص و يخرج.

ج. ما هو بصدد بيان زمان التعلّق

5. صحيحة سعد بن سعد الأشعري الأخرى، قال: سألت أبا الحسن عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب؟، فقال:

«خمسة أوساق بوسق النبي» صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقلت: كم الوسق؟ قال: «ستون صاعا»، قلت: و هل على العنب زكاة أو إنّما يجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال: «نعم إذا خرصه أخرج زكاته». «1»

وجه الدلالة: على أنّ الخرص يتحقّق عند كونه حصرما.

يلاحظ عليه: بأنّ الظاهر من الرواية انّ الراوي كان يعلم بتعلّق الزكاة بثمرة الكرم و إنّما يجهل وقت التعلّق و كان مرددا بين كونه عنبا أو زبيبا، و لذلك طرح سؤاله و قال: و هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا.

فأجاب الإمام بقوله: «نعم».

فهو يحتمل أن يكون تصديقا للجملة الأولى «على العنب زكاة»، كما يحتمل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 357

..........

______________________________

أن يكون تصديقا للجملة الثانية أعني: «إذا صيّره زبيبا» فيكون مجملا.

و على كلا الوجهين لا يكون دليلا على القول المشهور، إذ المشهور في العنب انّه تتعلّق به الزكاة حين كونه حصرما لا عنبا و لا زبيبا.

هذا ما قيل، و لكن الظاهر انّه تصديق لقوله: «على العنب زكاة» بشهادة قوله بعد نعم: «إذا خرصه أخرج زكاته» فانّ الخرص إنّما يحتاج إليه إذا كان عنبا حتى يتبيّن انّه يكون بمقدار النصاب إذا صار زبيبا، و إلّا فلو صار زبيبا فلا يحتاج إلى الخرص، بل يكال أو يوزن، فيكون الميزان صدق كونه عنبا بشرط أن يقدر انّه يكون خمسة أوساق إذا صار زبيبا فيخرج زكاته لكنّه قول ثالث غير قول المشهور كما مرّ.

هذه هي الروايات التي استدلّ بها على القول المشهور، و قد عرفت أنّ كثيرا منها بصدد بيان النصاب لا وقت التعلّق، و بصدد بيان وقت

الإخراج و ما يدلّ على زمان التعلّق كصحيحة سعد الأخيرة فإنّما يدلّ على كون الموضوع هو العنب، و لم يعمل به المشهور.

و إذا أضيفت هذه الروايات الخمس إلى الوجه الأوّل، أعني: الإجماع تنتهي الوجوه التي استدلّ، بها على القول المشهور إلى ستة، و إليك الباقي:

السابع: ما ذكره العلّامة في «المختلف» و «المنتهى» من كون البسر و الرطب تمرا بحسب اللغة.

قال في «المختلف»: لنا: انّ البسر يسمّى تمرا لغة، فيتعلّق به الوجوب.

و ردّ بأنّه يسمّى بسرا لا تمرا في العرف. و الجواب الاعتبار بتسمية اللغة لا بالعرف. «1»

______________________________

(1). المختلف: 3/ 183.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

و في «المنتهى»: أهل اللغة نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر، و كذا نصّوا على أنّ الرطب نوع من التمر. «1»

يلاحظ عليه: أنّ التسمية باعتبار علاقة الأول، أضف إليه انّه يمكن أن يكون التمر موضوعا بوضعين تارة لمطلق ثمر النخل و أخرى لخصوص التمر منه.

الثامن: ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّ مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقت السماء، و أدلّة تعلّق الزكاة بالحنطة و التمر مثلا لا تنهض لتقييدها، لأنّ المتبادر منها إرادة الأجناس الأربعة في مقابل الأجناس الأخر. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ ما دلّ على أنّ فيما سقت السماء العشر بصدد بيان مقدار الفريضة من العشر و نصف العشر لا لبيان متعلّق الوجوب.

التاسع: بأنّه لو كانت مقصورة على التمر و الزبيب لأدّى ذلك إلى ضياع الزكاة، لأنّهم كانوا يحتالون بجعل العنب و الرطب دبسا و خلا، و كانوا يبيعونها كذلك.

يلاحظ عليه: أنّ الفرار من الزكاة من خلال جعل العنب و الرطب دبسا و خلا أشبه بالفرار من المطر إلى تحت الميزاب، فإنّ فيه ضررا كثيرا.

على أنّ التمر

و العنب من النعم المتوفرة التي لا تنفد بهذه الحيل.

العاشر: ما ذكره الفقيه الهمداني، و قال: عمدة ما يصحّ الاستشهاد به لمذهب المشهور: ما علم بالتدبّر في الآثار و الأخبار و كلمات الأصحاب من أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها ليتميّز بذلك

______________________________

(1). منتهى المطلب: 1/ 499.

(2). كتاب الزكاة: 212، المسألة 23.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

مقدار الصدقة المفروضة فيها، و كان صلى اللّه عليه و آله و سلم يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق و العذقين، و أن لا يخرص أم جعرور و معافارة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما نسب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من بعث الخارص فإنّما كان لتعيين الخراج لا الصدقات، يقول الشيخ في «الخلاف» في مسألة جواز الخرص على أرباب الغلّات و تضمينهم حصة المساكين: دليلنا: إجماع الفرقة، و فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأهل خيبر، و كان يبعث في كلّ سنة عبد اللّه بن رواحة حتى يخرص عليهم.

و روت عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا إلى خيبر فأخبرت عن دوام فعله.

و روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتّاب انّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال في الكرم: «يخرص كما يخرص النخل، ثمّ تؤدّى زكاته زبيبا، كما تؤدّى زكاة النخل تمرا». «2» نعم يظهر من سنن البيهقي و الترمذي انّه يبعث الخارص إلى تحديد الزكاة أيضا فلاحظ. «3»

*** هذه الوجوه كما ترى قاصرة الدلالة، كما أنّ ما استدلّ به على القول

الآخر كذلك، فالمرجع هو الأصل، و هو يوافق قول المحقّق، و مع ذلك فالأحوط ما في المتن لما حكي من الشهرة بين الأصحاب.

ثمّ إنّ المصنّف قوّى القول الثاني، و جعل القول الأوّل أحوط. لكنّه قال: بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 353.

(2). الخلاف: 2/ 61، كتاب الزكاة، المسألة 73.

(3). سنن البيهقي: 4/ 121، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 360

[المسألة 2: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر على الخلاف السالف، إلّا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس]

المسألة 2: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر على الخلاف السالف، إلّا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة.* (1)

______________________________

و حاصله: انّ الاحتياط ربما يوافق القول الأوّل، كما إذا انعقد الحب و بدا صلاحه في ملكه، و علم أنّه يكون خمسة أوساق عند وقت الأداء، فلا يتصرف فيه إلّا بالضمان، على القول الأوّل دون الثاني، و ربما يكون الاحتياط موافقا للقول الثاني، كما إذا أدرك أو صار متمكّنا بعد الانعقاد و قبل التسمية؛ فعلى القول الأوّل لا تجب الزكاة، بخلاف القول الثاني.

(1)* في مورد الغلّات الأربع أمور ثلاثة:

1. وقت تعلّق الزكاة بها.

2. وقت إخراجها.

3. ما هو الملاك في النصاب، فهل يكفي بلوغها النصاب مع كونها رطبا أو لا؟

و قد أشار الشيخ الطوسي في «المبسوط» إلى الأمور الثلاثة في موضع واحد و قال:

«وقت وجوب الزكاة في الغلّات إذا كانت حبوبا إذا اشتدّت، و في الثمار إذا بدا صلاحها، و وقت الإخراج إذا ديس الحبّ و نقى وصفا، و في التمرة إذا جفّفت و شمّست، و المراعى في النصاب مجففا مشمّسا. «1»

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 214، فصل

في زكاة الغلّات.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

و قال المحقّق في «المعتبر»: و يعتبر بلوغ الأوساق عند الجفاف، فلو صار رطبا و الكرم عنبا و بلغ النصاب لم يكن به اعتبار، و اعتبر النصاب عند جفافه و عليه اتّفاق العلماء. «1»

و لم نجد للمحقّق نصّا في المسألة في «الشرائع».

و قال العلّامة في «التذكرة»: النصاب المعتبر- و هو خمسة أوسق- أي يعتبر وقت جفاف التمر، و يبس العنب و الغلّة، فلو كان الرطب خمسة أوسق- أو العنب أو الغلّة- و لو جفت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة إجماعا و إن كان وقت تعلّق الزكاة نصابا. «2»

و قال في «المنتهى»: إنّما يعتبر النصاب في التمر و الزبيب بعد الجفاف فلو بلغ العنب و الرطب نصابا لم يعتد به و إن تعلّقت الزكاة بجنسه. «3»

و يظهر من ابن قدامة انّ الحكم كذلك عندهم و لم يخالفهم إلّا الأثرم قال و تعتبر خمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب، و الجفاف في الثمار، فلو كان له عشرة أوسق عنبا، لا يجبي منه خمسة أوسق زبيبا لم يجب عليه شي ء، لأنّه حال وجوب الإخراج منه فاعتبر النصاب بحاله. «4» و يظهر منه انّه موضع اتفاق منهم حتى انّه أوّل ما روي عن الأثرم.

و على كلّ تقدير فيدلّ عليه- وراء الإجماع الوارد في كلمات القوم- صحيح الحلبي حيث قال: «و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا» أي يكون كذلك إذا جفّ و صار زبيبا، و مثله صحيح سليمان بن خالد «5» و يلحق به التمر

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 534.

(2). التذكرة: 5/ 148، المسألة 83.

(3). المنتهى: 1/ 499.

(4). المغني: 2/ 580.

(5). الوسائل: الجزء

6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 11 و 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 362

[المسألة 3: في مثل البربن و شبهه من الدقل الّذي يؤكل رطبا]

المسألة 3: في مثل البربن و شبهه من الدقل «1» الّذي يؤكل رطبا، و إذا لم يؤكل إلى أن يجفّ يقلّ تمره، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا، المدار فيه على تقديره يابسا، و تتعلّق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.* (1)

______________________________

لعدم القول بالفصل.

أضف إلى ذلك انّ الوسق- كما في المنجد- حمل البعير، و لا يجعل فيه إلّا اليابس من الثمرة، لأنّه أشبه بالكيس الكبير.

(1)* و هل فيه الزكاة مطلقا؟ أو ليست فيه كذلك؟ أو التفصيل بين ما يصدق عليه التمر إذا يبس و عدمه؟ فيجب في الأوّل دون الثاني، و هو المحكيّ عن «المدارك» و استوجهه في «الجواهر» و قال: «و لو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم التمر أو الزبيب، اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا». «2»

و يظهر من العلّامة في «التذكرة» اختيار القول الأوّل، قال: أما ما لا يجف مثله و إنّما يؤكل رطبا، كالهلباث، و البرني و شبههما من الدقل الرقيق الثمرة فانّه تجب فيه الزكاة أيضا، لقوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر» و إنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا، و هل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب الأوّل و إن كان التمر يقل كغيره، و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: يعتبر بغيره. «3»

و الظاهر منها انّ فيهما الزكاة و إنّما الاختلاف في اعتبارهما بنفسهما عند

______________________________

(1). الدقل: أردأ التمر.

(2). الجواهر: 15/ 312.

(3). التذكرة: 5/ 148.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 363

[المسألة 4: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بسرا أو رطبا أو حصرما أو عنبا]

المسألة 4: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بسرا أو رطبا أو حصرما أو عنبا بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن وجب عليه ضمان

حصّة الفقير كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب.* (1)

______________________________

اليبس أو بغيرهما، و لعلّ ما في الروايات من أنّه يترك من النخل «معافارة» و «أم جعرور» «1» يشير إلى القول الثاني، لأنّهما من أردأ أنواع التمر و هي «قليلة اللحاء، عظيمة النوى» «2» فخرج التمر الردي ء من تحت العمومات تخصيصا لا تخصّصا، فلو لم يكن القول الثاني أقوى، فالقول بالتفصيل هو المتعيّن.

(1)* إنّ المالك تارة يتصرف في البعض- و قد أشار إليه بقوله: «أراد المالك التصرف في المذكورات»- و أخرى في الكل- و إليه أشار بقوله: كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك»- و على كلّ تقدير فلو قلنا بأنّ الزكاة تتعلّق عند اشتداد الحبة في العنب، و بدو الصلاح في التمر، يضمن زكاة ما يتصرف فيه بعضا و يؤدّي ما وجب عليه من الزكاة عند التصرّف في الكلّ، و إلّا فلا، و بما انّ المصنّف اختار القول الثاني كان عليه الإفتاء بعدم الضمان في الأوّل و عدم الأداء في الثاني، و إن عدل في آخر كلامه و قال بأنّ الأحوط رعاية الاحتياط مطلقا، سواء أوافق القول الأوّل أو الثاني كما مرّ.

ثمّ إنّ المراد من الضمان في الصورة الأولى انتقال زكاة ما تصرف فيه إلى الباقي، و هل يتوقف التصرف في النصاب بعضا أو كلا على إذن الحاكم الشرعي

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 364

[المسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعيّ الزكاة منه]

المسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعيّ الزكاة منه

قبل اليبس لم يجب عليه القبول، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا، فإنّه يجب على الساعي القبول.* (1)

______________________________

أو لا؟ الظاهر هو الأوّل لعدم الولاية للمالك في التصرف، و سيوافيك انّ للمالك عزل الزكاة و انّه لو تلف لم يحسب على المستحق.

(1)*. حاصل الفرع: انّه لا يجب على المالك إجابة طلب الساعي قبل اليبس، و لكن يجب على الساعي قبول بذل المالك الزكاة قبله، و عندئذ يتوجه السؤال عن الفرق حيث لا يجب في الأوّل، دون الثاني.

أمّا الأوّل فلما سيوافيك في المسألة السادسة، انّه يجوز للمالك تأخير دفع الزكاة إلى زمان التصفية و صيرورة الرطب تمرا و العنب زبيبا، و قد نقل العلّامة اتّفاق العلماء على ذلك و إطلاق معقد الإجماع يعمّ حتى ما لو طلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة قبل اليبس.

أمّا الثاني: أعني ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما، يجب على الساعي القبول، فربما يعلل بأنّ جواز التأخير إلى وقت التصفية أو جفاف التمرة لأجل الإرفاق بالمالك، لا لأجل عدم مشروعية الدفع، و كانت الغاية توسيع سلطنة المالك، و قصر سلطنة الفقير. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من جواز التأخير هو الإرفاق بالمالك، و رعاية مصلحة المستحق حيث إنّ أداء الزكاة بعد التصفية، و التجفيف أنفع بحاله. و على ضوء هذا لو كان الأخذ قبل الأمرين، مقرونا بالمصلحة صحّ ما ذكر و إلّا لا يجب

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 221.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 365

[المسألة 6: وقت الإخراج- الّذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه]

اشارة

المسألة 6: وقت الإخراج- الّذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه، و إذا أخّرها عنه ضمن- عند تصفية الغلّة و اجتذاذ «1» التمر، و اقتطاف الزبيب، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق.*

(1)

______________________________

عليه الأخذ بل لا يجوز لعدم الولاية.

(1)* قد تقدّم انّ زمان تعلّق الوجوب على المشهور في الحبوب، هو انعقادها، و في الثمر، هو بدو الصلاح في النخل و كونه حصرما في العنب، و عليه يكون زمان تعلّق الوجوب غير زمان الإخراج، و يكون من باب الواجب المعلّق، حيث يتقدّم الوجوب على زمان الواجب، فالوجوب عند انعقاد الحبة و بدو الصلاح في الثمر و الإخراج بعد التصفية في الحبوب، و بعد التشميس و الجفاف في الثمرتين فانفصال زمان الوجوب عن زمان الإخراج واضح على هذا القول.

إنّما الكلام على القول الآخر، أي كون زمان التعلّق، صدق هذه الأسامي، من الحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب فلا بدّ من ملاحظة كلماتهم فهل يتفق الزمانان أو يختلف؟

قال المحقّق: وقت الإخراج في الغلّة إذا صفت، و في التمر بعد اخترافه، و في الزبيب بعد اقتطافه. «2» و عليه المصنّف في المتن.

و لازم هذا، تقدم زمان التعلّق على زمان الإخراج في الحبوب لتقدّم التسمية فيهما على التصفية، دون الثمرتين، فانّ لازم ما ذكر تقدّم وقت الإخراج (الاجتذاذ) على وقت الوجوب (التسمية)، لأنّ جفاف التمرة، يتحقّق بعد الاجتذاذ.

______________________________

(1). الجذّ و الجزّ بمعنى واحد و هو القطع.

(2). الجواهر: 15/ 220، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

و لمّا كان هذا أمرا غير معقول قال في «المسالك»: و في جعل ذلك وقت الإخراج تجوز، و إنّما وقته عند يبس الثمرة، و صيرورتها تمرا أو زبيبا. «1» و مثله في المدارك. «2»

و لو صحّ ما ذكراه، يكون الوقتان واحدا، و لذلك قال في «الروضة»: «إنّ وقت الوجوب و الإخراج واحد» و لا يتم ذلك، إلّا بجعل وقت الإخراج صدق العنوانين، لا

الاقتطاف و الاجتذاذ.

و أمّا العلّامة فلما وافق المشهور في وقت التعلّق، فجعل وقت التعلّق التصفية، في الحبوب و التشميس و الجفاف في التمر و العنب.

قال: اتّفق العلماء كافة على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلّا بعد التصفية، و في التمر إلّا بعد التشميس و الجفاف. «3»

و قال أيضا: إنّما يجب الإخراج و يستقر الوجوب حين يصير التمر في الجرين، و الزرع في البيدر بعد التصفية من التبن و القشر. «4»

ما هو المراد من وقت الإخراج؟

المراد بوقت الإخراج، هو الوقت الذي لو أخّر عنه الأداء مع التمكّن منه لضمن، و بعبارة أخرى: الوقت الذي لو طلبها الساعي لما جاز للمالك الامتناع من الأداء.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 392.

(2). المدارك: 5/ 139.

(3). المنتهى: 1/ 499.

(4). التذكرة: 5/ 147.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 367

..........

______________________________

و ليس المراد به هو الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه، لما ستعرف في المسألة التالية: انّه يجوز للمالك، المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ، و يجوز للمالك دفع الزكاة و التمر على الشجر قبل الجذاذ، منه أو من قيمته.

و يدلّ على جواز التأخير إلى حدّ التصفية في الحنطة، و الشعير، خبر «أبي مريم» و هو عبد الغفار بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ «1»، قال: «تعطي المسكين يوم حصادك الضغث، ثمّ إذا وقع في البيدر، ثمّ إذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر». «2»

و ما يدفعه، قبل الوقوع في الصاع، هو حق المسكين، لكن لا بعنوان الزكاة بل بعنوان حق يوم الحصاد و ما يعطى بعنوان العشر أو نصف العشر هو الزكاة الواجبة، عند الوقوع في الصاع هو الزكاة، فدلّ

على جواز التأخير إلى هذا الحدّ.

و ربّما يستدلّ بصحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الرجل، تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات، أ يؤخّرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها».

و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟

قال: «إذا صرم و إذا خرص». «3»

فانّ السؤال في قوله: «متى تجب على صاحبها؟»، عن وقت الإخراج لا عن وقت الوجوب، لعلمه بتعلّقها به بشهادة قوله قبله: «تحلّ عليه الزكاة» فدلّ على

______________________________

(1). الأنعام: 141.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 368

[المسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

المسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.* (1)

[المسألة 8: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ منه]

المسألة 8: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ منه، أو من قيمته.* (2)

______________________________

جواز التأخير إلى وقت الصرم و هو الاجتذاذ، هذا فيما إذا صرم، و أمّا إذا تركت على الشجرة فيجوز الإخراج عند الخرص- من نفس النصاب أو من خارجه- و مع ذلك، فهو لا يدلّ على تمام المطلوب و هو جواز التأخير إلى وقت الجفاف و صيرورته زبيبا أو تمرا، لأنّ الثمرتين وقت الصرم، رطبتان. اللّهمّ إلّا إذا تركت الثمرة على الشجرة حتى تجفّ عليه، و هو عمل غير رائج مخافة أن يضر بها البرد في مورد العنب.

و يمكن أن يستدلّ على المطلوب بما جرت عليه السيرة في مورد سائر الشركاء فهم يأخذون سهامهم بعد التصفية من الحنطة و الشعير و بعد الصرم من الثمرتين، فليس الفقير أولى من سائر الشركاء، فليس له المطالبة قبل التصفية من الغلتين، أو قبل الصرم من الثمرتين. «1»

نعم لو تمّت عملية التصفية أو جفّفت التمرة، و مع ذلك تسامح المالك في الإخراج و تلف النصاب أو مقدار منه ضمن المالك حق المستحقّ، و قد مرّ فيما سبق ما يفيدك.

(1)* لأنّ لكلّ ولاية، فلا مانع من المقاسمة إذا كانت فيها مصلحة المستحق.

(2)* لما عرفت من أنّ المراد بوقت الإخراج انّه لا يجوز التأخير إلّا بالضمان،

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 355.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 369

[المسألة 9: يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين من أيّ جنس كان]

المسألة 9: يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين من أيّ جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلا، و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.* (1)

______________________________

و أمّا انّه لا يجوز التقديم بعد وصول زمان التعلّق فلا، نعم إذا كان في التقديم ضرر كثير على المستحق،

امتنع الساعي عن الأخذ كما مرّ.

(1)* مرّ الكلام في الموضوع عند البحث في زكاة الأنعام في المسألة الخامسة حيث قال: «بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية من النقدين أو غيرهما و إن كان الإخراج من العين أفضل».

و على كلّ تقدير، فتارة يخرج من جنس الفريضة من النصاب، و أخرى من خارجه، و ثالثة يخرج من غير جنس الفريضة لكن بالنقدين، و رابعة بغيرهما من سائر الأجناس كالحديد و الجص لبناء المسجد و الكفن لتجهيز الميت الفقير، و خامسة يخرج الزكاة من المنافع كسكنى الدار و تسليمها بتسليم العين و كإعطاء الدابة عند الإحجاج.

و قد مرّ الكلام في الصور الأربع و قلنا بالجواز. بقي الكلام في الإخراج بالمنافع مقدّرا لها بالقيمة السوقية. و الظاهر من قوله في رواية البرقي عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «أيّما تيّسر يخرج» «1» انّ الميزان، هو كون المعطى ميسورا للطرفين، و صالحا لهما، و السؤال و الجواب و إن كان يدوران على الدفع من الجنس و القيمة، لكنّ الجواب، يعمّ كلّ ميسور، و يكون فيه صلاح المستحقّ.

و سكنى الدار من المنافع التي تعم بها البلوى في عامة الأدوار، و الفقير في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 370

[المسألة 10: لا تتكرّر زكاة الغلّات بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالا]

المسألة 10: لا تتكرّر زكاة الغلّات بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالا، فإذا زكّى الحنطة ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء. و كذا التمر و غيره.* (1)

______________________________

حاجة إليها، فلا يشكّ أحد في أنّها تقوم مقام دفع القيمة التي ربما تكون المنافع أصلح بحاله.

و الحاصل: أنّ الإمعان في المصالح التي لأجلها شرّعت الزكاة

و التى أشير إليها في الروايات لا يدع شكّا لشاك و لا ريبا لمرتاب في أنّ الغاية من وضعها، هو معالجة حاجات الفقراء.

ففي رواية معتب مولى الصادق عليه السّلام قال: قال الصادق عليه السّلام: «إنّما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغنى بما فرض اللّه له، و إنّ الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا، و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء ...». «1»

فإذا كان هذا هو الملاك فلا فرق في إخراج حقّهم، بين الأعيان و المنافع.

على أنّا قد قلنا في محلّه: إنّ الإجارة ليست من مقولة تسليم المنافع، بل هو من مقولة تسليم العين لأجل معين لغاية الانتفاع بها، فهو أشبه بإخراج الزكاة من العين.

(1)* إجماعا حكاه الشيخ في «الخلاف» عن جميع الفقهاء، إلّا الحسن البصري فقال: كلّما حال عليه الحول و عنده نصاب منه، ففيه العشر. «2»

و تدلّ على المختار صحيحة زرارة و عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2). الخلاف: 2/ 71، كتاب الزكاة، المسألة 81.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 371

[المسألة 11: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلّات، هو العشر]

اشارة

المسألة 11: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلّات، هو العشر فيما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل و الشجر، بل الزرع أيضا في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقي بالدلو و الرشاء و النواضح و الدوالي و نحوها من العلاجات. و لو سقي بالأمرين فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر. و مع غلبة الصدق

لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب. و لو شكّ في صدق الاشتراك، أو غلبة صدق أحدهما فيكفي الأقلّ، و الأحوط الأكثر.* (1)

______________________________

قال: «فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده». «1»

(1)* في المسألة فروع:

1. المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلّات.

2. إذا سقى بالماء الجاري، و بالدلو بالتساوي.

3. إذا غلب صدق أحدهما على الآخر.

4. إذا شكّ فيما هو الغالب.

*** الأوّل: اتّفق الأصحاب «2» بأنّ ما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء، أو بمصّ عرقه من الأرض كالنخل الذي يقال له البعل، فالواجب هو العشر؛ و لو

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 11 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2). حكاه العلّامة في المنتهى: 1/ 498، و التذكرة: 5/ 149، المسألة 87، و البحراني في الحدائق:

12/ 122 و غيرهم.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

سقي بالدلو، و الرشاء و النواضح و الدوالي ففيه نصف العشر.

أمّا الدلو فمعلوم. و أمّا الرشاء، هو حبل الدلو جمعه «أرشية» و في كلام الإمام عليه السّلام، بعد رحيل النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم: «بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيدة». «1»

و النواضح جمع الناضح، و هو البعير يستقى عليه.

و الدوالي جمع الدالية، هو الدولاب التي يستقى عليها.

و يدلّ على الحكم المذكور مضافا- إلى الإجماع- الأخبار المستفيضة ففي صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال في الزكاة: «ما كان يعالج بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو سماء ففيه العشر كاملا». «2»

و في صحيح الحلبي قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحا أو كان بعلا، العشر، و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر». «3»

و في «المصباح المنير»: الغرب كفلس، الدلو العظيمة يستقى بها على السواني.

و فيه أيضا: «السانية»: البعير يسنّى عليه، أي يستقى من البئر، و يقال:

«و السحابة تسنوا الأرض» أي تسقيها فهي سانية.

______________________________

(1). نهج البلاغة: الخطبة 5.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 5.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

روى معاذ بن جبل أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: فيما سقت السماء و البعل و السيل، العشر؛ و فيما سقي بالنضح نصف العشر. «1»

و قد اختلفت كلمتهم في بيان ما هو الضابط للعشر و نصفه، فقد ذكروا ضوابط مختلفة.

الأوّل ما ذكره العلامة و جعل الضابط افتقار السقي إلى المئونة و عدمه و قال:

فإذا بلغت الغلّات النصاب، وجبت فيها العشر إن لم يفتقر سقيها إلى مئونة كالسقي سيحا أو بعلا أو عذيا «2»، و إن افتقر سقيها إلى مئونة كالدوالي و النواضح وجب فيها نصف العشر و عليه فقهاء الإسلام. «3»

و هذا الضابط غير تام، إذ قلّما ينفك السقي عن المئونة من إعداد المحل لوصول الماء إليه، و إصلاح سبيله و إزالة موانعه و سدّ ثغوره و استيجار شخص للسقي و غيره.

الثاني: ما ذكره المحقّق في «المعتبر» و تبعه صاحب الجواهر، قال في «المعتبر»:

و ضابط ذلك انّ ما تسقى بآلة ترفع الماء إليه، كان فيه نصف العشر كالدالية و السانية «4» و الدولاب. «5»

و قال

في الجواهر: إنّ الظاهر من النصوص و الفتاوى انّ المدار احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب و نحوه و عدمه، و انّه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها لعدم اعتبار الشارع إيّاه. «6»

______________________________

(1). سنن البيهقي: 4/ 129.

(2). العذي- بكسر العين و سكون الذال المعجمة-: ما سقته السماء.

(3). المنتهى: 1/ 498.

(4). السانية: الناعورة، و ربما يطلق على البعير يستقى عليه. كما مرّ من المصباح المنير.

(5). المعتبر: 2/ 539.

(6). الجواهر: 15/ 237.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

و هذا أيضا كسابقه، إذ ربما يكون الماء في مكان عال و لكن يحتاج إيصاله إلى الزرع، إلى نقله في ذلك المكان بآلة من دلو و شبهه.

الثالث: ما ذكره الشيخ الأنصاري من احتياج أصل إيصال الماء إلى الزرع إلى العلاج و استغنائه عنه. «1»

و هذا أيضا غير تام، لأنّ إيصال الماء الجاري على الأرض، إلى الزرع رهن تخلية سبيله، و سدّ ثغوره، إلى غير ذلك من العلاجات.

اللّهمّ إلّا أن يقال المراد من العلاج الوارد في صحيحة زرارة، هو العلاج الصناعي كالدوالي و نظائره، لا تخلية سبيله و سدّ ثغوره بالمسحاة و غيرها، و هذا هو مراد الشيخ الأنصاري قدس سرّه.

الرابع: ما ذكره صاحب المصباح و هو أدق و حاصله: إذا كان وصول الماء إلى الزرع ممّا يقتضيه طبع الماء الموجود، ففيه العشر و إن توقف على تخلية سبيله و سد ثغوره إلى غير ذلك من الأمور، و أمّا إذا كان وصول الماء إلى الزرع متوقفا على نقله بآلة ففيه نصف العشر.

قال قدس سرّه: الظاهر انّ المراد إناطة العشر بجري الماء و وصوله إلى الزرع على حسب ما

يقتضيه طبع الماء عند تخلية سبيله، بعد جعله معدّا للجري على تلك المزرعة، و لو بسدّ سبيله المتعارف الموجب لترقيته و استعلائه عليها و إعداد المحل لوصول الماء إليه و إصلاح مجراه، و إزالة موانعه، و سد ثغوره و غير ذلك من الشرائط «المعتبرة» في تحقّق الإيصال و حصول السقي مما يتوقف في العادة على المئونة و العلاج، و يمتنع حصول السقي بدونه، و إناطة نصف العشر بعدم كون

______________________________

(1). زكاة الشيخ الأنصاري: 236.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 375

..........

______________________________

وصوله إليه بمقتضى طبعه، بل بنقله إليه بآلة من دولاب و شبهه. «1»

*** الثاني: إذا سقي بالأمرين، فله صورتان:

فتارة يكون السقي بالتساوي، و أخرى بالتفاضل.

ففي الصورة الأولى، يؤخذ من النصف العشر، و من النصف الآخر، نصف العشر، و هو يرجع إلى ثلاثة أرباع العشر.

قال في «الخلاف»: إذا سقى الأرض سيحا و غير سيح معا فإن كانا نصفين أخذ نصفين، و إن كانا متفاضلين، غلب الأكثر. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الآخر بحسابه. «2»

و قال في «التذكرة»: لو سقي بعض المدة بالسيح، و بعضها بالآلة، فإن تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك فأخذ للسيح نصف العشر و للدوالي ربع العشر فتجب ثلاثة أرباع العشر. و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي و لا نعلم فيه خلافا و إن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا و به قال عطاء و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين. «3»

و على هذا ففي التساوي بالمناصفة و عند التفاضل يتبع الحكم للأغلب، فلو سقى الزرع أربعة مرات سيحا، و مرتين بالدوالي، يجب عليه العشر في

الجميع، خلافا للشافعي فقال: يعتبر قدرهما و تقسم الزكاة عليهما بالحصة فإن كانا مؤثرين فإن كان المطر مؤثرا بالثلث و السقي بالعلاج مؤثرا بالثلثين، يخرج من ثلث

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 393- 394.

(2). الخلاف: 2/ 67، كتاب الزكاة، المسألة 79.

(3). التذكرة: 5/ 151، المسألة 88.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

النصاب، العشر، و من ثلثيه نصف العشر و هكذا، و هذا مقتضى القاعدة فيما إذا أثرت العلّتان في شي ء.

لكن أورد عليه العلّامة بأنّ اعتبار مقدار السقي و عدد مراته، و قدر ما يشرب في كلّ سقية مما يشق و يتعذر. «1»

و أمّا مقتضى النقل ففي صحيح معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا العشر، فأمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر».

فقلت له: الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي، ثمّ يزيد الماء و تسقى سيحا.

فقال «إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت: نعم، قال: «النصف و النصف، نصف بنصف العشر، و نصف بالعشر».

فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا؟

قال: «و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟» قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر، سبعة أشهر، قال: «نصف العشر». «2»

و الرواية مشتملة على حكم ابتدائي للإمام و سؤالين و جوابين، فلاحظ.

و قد حكى محقّق كتاب «التهذيب» الذي وردت الرواية فيه: إنّ في نسخة مصححة في الموضعين «السقيتان» مكان «السقيتين».

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 151، المسألة 88.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 377

..........

______________________________

فعلى الرفع بدلان من الضمير المرفوع في «تسقى»

و على النصب فهما منصوبان بنزع الخافض.

ثم إنّ قوله: «النصف و النصف» كلام مجمل، يفسّره قوله بعده: «نصف بنصف العشر ...».

ما هو المعيار في التنصيف؟

اختلفت كلماتهم فيما هو المعيار في التنصيف، فالظاهر من الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «المنتهى»- و قد مرّت نصوصهما- و المحقّق في «الشرائع» انّ المعيار في التنصيف هو التساوي، فيحكم عندئذ بالتنصيف و إلّا فالحكم لما غلب و يكفي في الخروج عن التساوي، زيادة السقي بالمطر أو النهر، سقية واحدة، فيحكم لما غلب قال المحقّق: و إن اجتمع الأمران، كان الحكم للأكثر، فإن تساويا أخذ من نصفه العشر، و من نصفه، نصف النصف. «1»

لكن المصنّف عدل عن ذلك المعيار و جعل صدق الاشتراك في الأوّل، و غلبة الصدق لأحد الأمرين في الثاني و قال: فمع صدق الاشتراك في نصفه، العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر، و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم لما غلب.

و المراد من «صدق الاشتراك» تحقّق السقي بكلا الأمرين عرفا بأن يقال انّ الزرع سقي بماء المطر و ماء البئر كليهما، سواء تساويا أم زاد أحدهما على الآخر، فما دام يصدق السقيان، فيعمل بالنصف، و إلّا فلو أسند السقي إلى أحدهما دون الآخر عرفا، لقلّته على نحو لا يعتد به عرفا، فالحكم تابع لما غلب.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 238، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

و بذلك ظهر الفرق بين المعيارين، فعلى الأوّل، المعيار هو التساوي في المناصفة، و عدمه في حاكمية ما غلب و لو بواحد من عشرة، بخلاف الثاني فالمعيار في المناصفة صدق الاشتراك في السقي بأن يقال سقيت الأرض بالمطر و ماء البئر معا، سواء تساوت السقيتان عددا أو زمانا أو نموّا أم اختلفتا،

كما أنّ المعيار بالأخذ لما غلب، هو صدق أحدهما دون الآخر لقلّته بأن يكون نسبة المغلوب إلى الغالب نسبة الواحد إلى السبع، حسب ما ورد في الشقّ الثاني في الرواية فيؤخذ فيه بحكم الثالث.

و الذي يدلّ على ما ذكرنا أمران:

الأوّل: إطلاق السؤال الأوّل، أعني قوله: الأرض تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء و تسقى سيحا، الّذي حكم فيه الإمام بالتناصف فإنّ حمله على صورة التساوي، حمل على فرد نادر أو غير غالب، بخلاف الحمل على صورة الاشتراك في السقي و نسبة الزرع إليهما، سواء تساويا أم لا.

الثاني: انّ الظاهر انّ الإمام في مقام الإجابة عن السؤالين بصدد بيان أحكام جميع الصور المحتملة في المقام و هي ثلاثة:

1. التساوي في السقي.

2. الاشتراك في السقي و إن لم يكونا متساويين.

3. غلبة الصدق لأحد الأمرين على وجه لا يعتد بالآخر، كما إذا كان نسبة المغلوب إلى الغالب نسبة الواحد إلى السبع.

لا شكّ انّ الجواب الثاني ناظر إلى الصورة الثالثة بشهادة انّ الإمام سأله عن نسبة السقي سيحا إلى السقي بالدوالي، فأجاب الراوي بأنّ الأرض تمكث

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

سبعة أشهر أو ستة و تسقى بالدوالي، لا بالسيح، ثمّ يزيد الماء فتسقى به ثلاثين ليلة أو أربعين، فأجاب الإمام بأنّ الحكم للغالب، أي الدوالي.

فلو حمل السؤال الأوّل على صورة التساوي، تبقى الصورة الثانية بلا سؤال و جواب مع أنّها الأكثر تحقّقا من الأولى.

و الذي يؤيد كون المراد من الجواب الثاني ما لا يستند السقي إلّا للغالب دون الأمرين، هو انّ أغلب ما يسقى بالدوالي التي فيها نصف العشر، يسقى طول السنة بالمطر سقية أو سقيتين غالبا و مع ذلك فالفريضة فيها هو نصف العشر، و

ما هذا إلّا لأنّ السقي يستند إلى أحدهما دون الآخر، فليس هناك مساواة، و لا اشتراك في السقي لقلّته.

و بذلك ظهر انّ المعيار، ما ذكره المصنّف دون ما ذكره المحقّق و العلّامة، نعم لو لا النص كان مقتضى القاعدة الأخذ بالنسبة، على ما ذكره الشافعي.

ما هو المعيار في الأكثرية؟

و على كلّ تقدير، ما هو المعيار في الأكثرية فهل هو العدد؟ أو الزمان؟ (كما يستظهر من سؤاله عليه السّلام: (و كم تسقى السقية أو السقيتين سيحا حيث أجاب الراوي بالزمان و قال: في ثلاثين ليلة أو أربعين)، أو النمو و الانتفاع و الأخير خيرة الجواهر و مصباح الفقيه؟

و قد نسب الأوّل إلى المحقّق الأردبيلي و لكن النسبة غير صحيحة ففي «مجمع الفائدة»: «ثمّ إنّ الظاهر من الرواية و كلام أكثر الأصحاب انّ الاعتبار بالزمان و عدد السقي لا نفع السقية كما اعتبره البعض نظرا إلى أنّ الاعتبار في السقي بالنفع للزرع، فكلّ ما كان نفعه أغلب فهو «المعتبر». و فيه تأمّل يفهم ممّا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 380

..........

______________________________

سبق و من أنّ ذلك إرفاق من الشارع باعتبار كثرة التعب و المئونة و قلتهما، و ذلك انّما يظهر من العدد و الزمان لا النفع. «1»

و استوجه الشهيد في «المسالك» كون الملاك هو الزمان مستدلا بأنّه الظاهر من الخبر الدال على ذلك عن الصادق عليه السّلام و نسب الثالث إلى جماعة من الأصحاب. «2»

و ذهب صاحب المصباح تبعا للجواهر إلى أنّ المعيار هو مقدار التأثّر في النمو قائلا: إذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو، و لا بطول مدّتها من حيث هو في ما ينسبق إلى الذهب من إطلاق قول القائل: «ما سقي بالسيح ففيه كذا، و

ما سقي بالدوالي ففيه كذا» بل المنساق منه إرادة السقي الذي يتقوم به تعيّش الزرع و حياته- إلى أن قال:- فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته إليه في تعيّشه و حياته، فقد يحصل في أوان شدة حاجة الزرع إلى الماء، زيادة الماء زيادة مفرطة يبقى أثرها إلى أن يستغني الزرع عن الماء و يبلغ أوان حصاده بحيث لو لا هذه الزيادة لكان في كلّ يوم أو يومين محتاجا إلى السقي بالدوالي، فكأنّ الإمام عليه السّلام أراد بالاستفصال، استكشاف هذا المعنى، و إلّا فسوق كلام السائل يشهد بأنّ السقي بالدوالي كان أكثر بمرات من سقية أو سقيتين. «3»

يلاحظ عليه: بما ذكره العلّامة ردّا على الشافعي الذي كان يقول بأنّه تقسم الزكاة على السقي بالمطر و الدوالي بالحصة، فإن كان المطر مؤثّرا بالثلث، و السقي، بالعلاج مؤثرين بالثلثين، يخرج من ثلث النصاب العشر و من ثلثيه نصف العشر

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 118.

(2). المسالك: 1/ 395.

(3). مصباح الفقيه: 13/ 395- 396.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

فرده بأنّ اعتبار مقدار السقي و عدد مرّاته و قدر ما يشرب في كلّ سقية مما يشق و يتعذر. «1»

فهكذا المقام فانّ إحراز مقدار تأثير كلّ من المؤثرين في نمو الزرع و نحوه ممّا يتعذّر. و بذلك يظهر النظر في ذيل كلامه فانّه إنّما يتم لو كان العبرة بالعدد دون الزمان فلاحظ.

***

الثالث: لو شكّ في صدق الاشتراك أو الغلبة

إذا شكّ في تحقّق الاشتراك، أو غلبة أحد المؤثرين على الآخر فبما انّ الشبهة موضوعية، يؤخذ بالأقل أثرا.

و ربما يورد على الأخذ بالأقل بأنّ استصحاب عدم ملكية الفقير بالنسبة إلى الزائد يعارض عدم ملكية صاحب المال بالنسبة إليه.

يلاحظ بأنّ اللائح من الروايات هو

انّ الزكاة حقّ للفقير في أموال الأغنياء، ففي صحيح زرارة و محمد بن مسلم: «انّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم» «2» فكأنّ النصاب كلّه مال للغني، و قد فرض سبحانه عليه تكليفا أو وضعا، بإخراج العشر منه، أو بملكيته للفقير، فإذا يدور الأمر بين خروج الأقل و الأكثر.

ثمّ إنّ هنا إشكالا معروفا و هو انّ ايجاب العشر في ما إذا قلّت المئونة، و نصفه

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 152، المسألة 88.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 382

[المسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي]

المسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي و مع ذلك سقي بها من غير أن يؤثّر في زيادة الثمر، فالظاهر وجوب العشر. و كذا لو كان سقيه بالدوالي و سقي بالنهر و نحوه من غير أن يؤثّر فيه، فالواجب نصف العشر.* (1)

[المسألة 13: الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي]

المسألة 13: الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه إلّا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذ يتبعهما الحكم.* (2)

______________________________

فيما إذا كثرت، إنّما يتم إذا لم تخرج المئونة من النصاب، و أمّا على القول بتعلّق الزكاة به بعد إخراجها، فلا يتفاوت الحال بين قلّة المئونة و كثرتها كما هو واضح، و سيوافيك ما يفيدك عند البحث في خروج المئونة و عدمه.

(1)* لظهور الروايات في السقي اللازم أو المفيد، لا ما لا يؤثر أبدا، و لا ينافي ما ذكرنا لما مرّ في المسألة السابقة من أنّ الملاك عند البعض في الأغلبية هو العدد، لأنّ المراد من العدد هو العدد المفيد، لا ما يكون وجوده و عدمه سواسية.

(2)* وجهه: انّ ما يسقى بالدوالي الذي يجب فيه نصف العشر لا يخلو طول السنة من السقي بالمطر سقية أو سقيتين، فلو صار ذلك لوجوب العشر، يلزم حمل ما دلّ على نصف العشر عند السقي بالدوالي، على فرد نادر.

نعم، لو كانت الأمطار العادية غزيرة، متعددة، بحيث أغنت الزرع عن السقي بالدوالي أو صار سببا لصدق الاشتراك، فيجب في الأوّل العشر، و في الثاني، العشر، و نصف العشر كما مر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 383

[المسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا، أو لغرض]

المسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا، أو لغرض- فزرعه آخر، و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر.

و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه.

بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائيّ [فسقى به غيره]، و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد

و جرى على أرض أخرى.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع أربعة، حكم في الفرعين الأوّلين بالعشر، و في الفرعين الأخيرين بنصف العشر.

و يجمع الأوّلين، عدم تحمّل الكلفة لغرض سقي الزرع، بخلاف الأخيرين فقد تكلّف فيه لسقي الزرع.

ففي الأوّل أخرج الماء شخص عبثا أو لغرض كالرياضة، و لكن سقي به زرع غيره عفوا بالعروق، لا بالجريان على أرضه، كما أنّ في الثاني أخرج الماء لا لغاية الزرع بل لأجل تطييب الهواء أو السياحة، لكن بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعرقه، فهو لم يتكلّف لسقي الزرع بشي ء أبدا، بخلاف الأخيرين فقد تكلّف و أخرج الماء لغاية الزرع، فأخرجه لسقي زرع خاص، لكن سقي به غير ذلك الزرع و كلا الزرعين لمالك واحد، أو أخرج الماء لسقي زرع خاص محدود، لكن زاد الماء و جرى على أرض أخرى له، و سقى به زرعها.

فحكم في الأوّلين بالعشر، لأنّ الحكمة في تقليل الزكاة بنصف العشر، هو الكلفة الزائدة على السقي بالأمطار، و المفروض عدمها في الموردين؛ بخلاف الأخيرين، فالكلفة متحقّقة، فتكون الزكاة بنصف العشر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 384

[المسألة 15: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

اشارة

المسألة 15: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا، بل ما يأخذه العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما إذا لم يتمكّن من الامتناع جهرا و سرّا، فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء من الزائد.

و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها إذا كان الظلم عامّا، و أمّا إذا كان شخصيّا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا، و إن كان الظلم عامّا.

و أمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهرا فلا

ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.* (1)

______________________________

و الحاصل: انّ مقتضى الجمود على ظاهر النص هو كون الحكم في الجميع واحدا، و هو انّ ما سقي بالعلاج فالواجب فيه نصف العشر و السقي في جميع الصور بالعلاج فيجب فيه نصف العشر، و لكن مقتضى لحاظ الحكمة في تقليل الزكاة، هو العشر، في الأوّلين دون الأخيرين ففيهما نصف العشر، و الأقوى هو الأخذ بظاهر النصوص و إن كان الأحوط هو العشر في الأوّل على خلاف تعبير المصنّف حيث جعل العشر هو الأقوى، بل الأحوط هو العشر، و الأقوى هو نصف العشر.

(1)*

في المسألة فروع
اشارة

1. هل في الأراضي الخراجية- أعني: كلّ أرض فتحت عنوة بالسيف و قبلها الإمام ممّن يراه بما يراه من نصف أو ثلث- زكاة، أو لا؟

2. هل الزكاة بعد إخراج حقّ القبالة، أو في جميع الغلّة؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 385

..........

______________________________

3. على القول بإخراج حقّ القبالة، فهل هو يختصّ بحصة السلطان من الحاصل و يسمّى المقاسمة، أو يعمّ ما يأخذ من نقد و يسمّى بالخراج؟

4. و هل الخارج هو خصوص ما يأخذه حسب الاتّفاق بين السلطان و المتقبّل، أو يعمّ ما يأخذه السلطان أو عمّاله ظلما؟

5. و على فرض العموم لما يأخذه ظلما، فهل يختص بما إذا كان الظلم عاما أو يعم ما يأخذه من متقبّل خاص؟

[أمّا الفرع الأوّل و الثاني في وجوب الزكاة في الأراضي الخراجية و في تعلقها بما بقي بعد إخراج حصة السلطان]

أمّا الفرع الأوّل فالظاهر اتّفاق الفقهاء على تعلّق الزكاة بحاصل الأراضي الخراجية، مضافا إلى ما يدفعه إلى السلطان بما تقبل به و لا خلاف إلّا من أبي حنيفة قال الشيخ في «الخلاف»: كلّ أرض فتحت عنوة بالسيف فهي أرض لجميع المسلمين المقاتلة و غيرهم، و للإمام الناظر فيها تقبيلها ممّن يراه بما يراه من نصف أو ثلث، و على المتقبل بعد إخراج حق القبالة، العشر أو نصف العشر فيما يفضل في يده و بلغ خمسة أوسق.

و قال الشافعي: الخراج و العشر يجتمعان في أرض واحدة، يكون الخراج في رقبتها و العشر في غلتها- إلى أن قال:- و به قال الزهري، و ربيعة، و مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و أحمد، و إسحاق.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: العشر و الخراج لا يجتمعان، بل يسقط العشر و يثبت الخراج. «1»

قال المحقّق في «الشرائع»: و لا تجب الزكاة إلّا بعد إخراج حصة السلطان و المؤن كلّها

على الأظهر. «2»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 67، كتاب الزكاة، المسألة 80.

(2). الجواهر: 15/ 223، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 386

..........

______________________________

و قوله: «على الأظهر» راجع إلى خروج المؤن كلّها، لأنّه موضع اختلاف دون حصة السلطان.

و يدلّ عليه قوله في «المعتبر»: «خراج الأرض يخرج وسطا، و تؤدّى زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا لمسلم، و عليه فقهاؤنا، و أكثر فقهاء الإسلام. و قال أبو حنيفة: لا عشر في الأرض الخراجية. «1»

قال العلّامة: تجب الزكاة في زرع أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها.

أمّا ما فتح عنوة فإنّها للمسلمين و يقبّلها الإمام ممّن شاء؛ فإذا زرعها، و أدّى مال القبالة، وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع، و به قال عمر بن عبد العزيز، و الزبيري، و يحيى الأنصاري، و ربيعة، و الأوزاعي، و مالك، و الثوري، و المغيرة، و الليث، و الحسن بن صالح، و ابن أبي ليلى، و ابن المبارك، و الشافعي، و إسحاق، و أبو عبيد، و أحمد. «2»

و الظاهر انّ المسألة إجماعية و أرسلها صاحب «الحدائق» إرسال المسلّمات و قال: لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصة السلطان، و المراد بها ما يجعل على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمّى خراجا أو حصة من الحاصل و يسمّى مقاسمة. «3»

و يدلّ عليه- بعد الإجماع- صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم جميعا عن أبي جعفر أنّهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: «كلّ

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 540.

(2). التذكرة: 5/ 154- 155.

(3). الحدائق: 12/ 123.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 387

..........

______________________________

أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا

أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها، العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». «1»

2. صحيح أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي- في حديث- قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: «ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام الذي يقبّله بالذي يرى، و قد قبّل رسول اللّه خيبر، و عليهم في حصصهم، العشر و نصف العشر». 2

3. ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أحمد بن اشيم، عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و فيه: و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بخيبر، و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض، العشر و نصف العشر في حصصهم. 3

و الظاهر وحدة الروايتين، غير انّ أحمد بن محمد بن عيسى تارة سمعه من علي بن أحمد بن أشيم عن صفوان و البزنطي و أخرى من البزنطي بلا واسطة، و لا غرو فانّ ابن عيسى يروي بلا واسطة أيضا عن صفوان و البزنطي، و على ذلك فلا يضر عدم صدور توثيق لابن أشيم.

على أنّ في نفس رواية ابن عيسى- ذلك الرجل المحتاط في نقل الحديث- عن ابن اشيم نوع دلالة على الوثوق بقوله و يؤيده وحدة الروايتين مضمونا و إن اختلفتا لفظا.

و على كلّ تقدير فالجميع يدلّ على حكم الفرعين الأوّلين، أي لزوم إخراج

______________________________

(1) (1 و 2 و 3). الوسائل: الجزء 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1، 3، 2.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 388

..........

______________________________

الزكاة و انّ الخراج و الزكاة يجتمعان كما يدلّ على أنّ الزكاة تتعلق بما بقى بعد إخراج حصة السلطان الذي هو الفرع الثاني.

نعم هنا روايات ربما يظهر منها عدم تعلّق الزكاة مطلقا و انّ الخراج و الزكاة لا يجتمعان، و المهم دراسة مضامينها، و هي مبثوثة في الباب 7 و 10 من أبواب زكاة الغلّات.

1. خبر سهل بن اليسع، أنّه حيث أنشأ «سهل آباد» و سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام عمّا يخرج منها، ما عليه؟ فقال: «إنّ كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها». «1»

و بما انّ الراوي عدّ نفسه منشئا لسهل آباد يمكن أن يقال: انّ الأرض لم تكن أرضا خراجية بل أرضا مواتا أحياها و لكن السلطان يأخذ الخراج حتى على مثل تلك الأراضي. فيحسب ما يأخذه السلطان من الزكاة، و سيوافيك الكلام في هذا النوع من المحاسبة.

2. معتبرة رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه فيها عشر؟ قال:

«لا». 2

و بما أنّ الأرض ورثها الرجل أو اشتراها فيحتمل أن تكون من غير الأراضي الخراجية التي لا تشترى و لا تباع، و أخذ الخراج من هذا النوع من الأراضي لا يدلّ على أنّها أراضي خراجية.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

3. خبر أبي كهمس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، من أخذ منه السلطان الخراج، فلا زكاة عليه». «1»

و لعلّ الحديث الأخير

أوضح ما في الباب و قد حمله و ما قبله صاحب الجواهر على أحد الوجوه التالية:

أ. الحمل على التقية لما عرفت من أبي حنيفة من أنّ الخراج و الزكاة لا يجتمعان.

ب. عدم الزكاة فيما أخذه السلطان من الخراج.

ج. انّ الخراج كان من غير الحاصل كالنقد لكن باحتسابه من المؤن لم يبق شي ء تجب فيه الزكاة.

د. احتساب ما يأخذه الحاكم من الزكاة بناء على أنّ للمالك ذلك. «2»

و لعلّ الوجه الثاني هو الأقرب، و انّ المراد عدم وجوب الزكاة إلّا فيما بقي له لا في الجميع، و يؤيد ذلك ما في صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم، حيث جاء فيها: «و ليس على جميع ما أخرجه اللّه منها، العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك». «3»

كما يؤيده مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السّلام قال: في زكاة الأرض: «إذا قبّلها النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أو الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه، و ليس على المتقبّل زكاة إلّا أن يشترط صاحب الأرض انّ الزكاة على المتقبّل، فإن اشترط فانّ الزكاة عليهم، و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلّا على من كان

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 3.

(2). الجواهر: 15/ 227.

(3). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 390

..........

______________________________

في يده شي ء ممّا أقطعه الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم». «1»

فإنّ المراد من قوله: «و ليس على المتقبّل زكاة» انّه ليس عليه زكاة جميع ما خرج من الأرض حتى الحصة التي دفعها للسلطان و إن كان تلزمه زكاة ما يحصل

في يده بعد المقاسمة.

ثمّ إنّه ربما يؤيد الحمل الرابع، أعني: احتساب ما يأخذه الحاكم من الزكاة، بالروايات الواردة في أبواب المستحقين للزكاة.

منها: رواية يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال: «نعم، إن شاء». «2»

و منها: رواية عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الزكاة، قال:

«ما أخذوا منكم بنو أمية فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فانّ المال لا يبقى على هذا ان تزكّيه مرتين». 3

و منها: صحيح عبيد اللّه بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقة المال، يأخذها السلطان، فقال: «لا آمرك أن تعيد». 4

غير انّ التأييد بهذه الأحاديث في غير محلّه، للفرق الواضح بين موردها و ما نحن فيه:

أوّلا: انّ ما يعطى للسلطان في المقام إنّما يعطى بعنوان الخراج لا بعنوان الزكاة و هو أيضا يأخذ بعنوان المقاسمة لا بعنوان الزكاة، خلافا لمورد الروايات السابقة فانّ ما يأخذه السلطان فيها إنّما يأخذ ما هو الفريضة من الزكاة، فجواز

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

(2) (2 و 3 و 4). الوسائل: 6، الباب 20 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 3، 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 391

..........

______________________________

الاحتساب في المورد الثاني لا يكون دليلا على جواز الاحتساب في الأوّل.

و ثانيا: انّ مورد البحث هو الأراضي الخراجية التي يجب فيها دفع شي ء إلى السلطان شرعا وراء ما يجب عليه من فريضة الزكاة، بخلاف مورد الروايات الثلاث، إذ لا يجب فيها شي ء على الزارع إلّا الزكاة، فلا يكون الاحتساب فيه دليلا على الاحتساب في الثاني.

فالأولى

في مقام الجمع ما ذكرنا من الحمل على الوجه الثاني.

إلى هنا تبيّن حكم الفرعين الماضيين، و هو انّه يجب الزكاة في الأراضي الخراجية، و انّ الخراج و الزكاة يجتمعان، و انّه تجب الزكاة فيما بقي من الحصة بعد إخراج حق القبالة. و حان البحث في سائر الفروع.

الثالث: خروج ما يأخذه بعنوان الخراج

هل الخارج هو خصوص ما يدفعه إلى السلطان بعنوان المقاسمة، أو يعمّ ما يدفعه نقدا بعنوان الخراج؟ و على القول بالخروج فلا يضمن زكاة ما يعادله من الحاصل.

هذا و انّ البحث في المقام منصبّ على خروج المقاسمة و الخراج بهذين العنوانين لا بعنوان المئونة، سواء أقلنا بخروج المئونة عن تعلّق الزكاة بها، أم لا.

لا شكّ انّ ما يدفعه بعنوان المقاسمة يستثنى من الزكاة، و عليه اتّفاق العلماء، و هو المتيقّن من الروايات السابقة؛ إنّما الكلام في استثناء ما يدفعه إلى السلطان بعنوان الخراج، فقد اختلفت كلماتهم في استثنائه.

و الظاهر من أكثر العبارات كونه كالمقاسمة إذا كان مضروبا على الأرض، فما يضرب على الأرض يخرج من الحاصل، و تتعلّق الزكاة بالباقي.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 392

..........

______________________________

قال الصدوق: فإذا بلغ ذلك (النصاب) و حصل بعد خراج السلطان و مئونة القرية. «1»

و قال أيضا في «الهداية»: إذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة القرية. «2»

و قال المفيد: لا زكاة على غلّة حتى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة ... بعد خروج مئونتها منها و خراج السلطان. «3»

و هذه التعابير في هذه الكتب التي تعدّ من الفقه المنصوص تكشف عن ورود لفظ الخراج أو ما يدلّ عليه في الروايات. و لأجل ذلك قال صاحب المقاصد: و المراد بحصة السلطان خراج الأرض أو قسمتها. «4»

و قال الشهيد

في «المسالك»: المراد بحصة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج، أو الأجرة و لو بالمقاسمة. «5»

و قال في «الحدائق»: خراج السلطان و حصته هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل و ان يسمّى الأخير مقاسمة. «6»

و قال في «الجواهر»: و ظاهر النصّ و الفتوى انّه لا زكاة إلّا بعد القسمين من غير فرق بين الحصة و غيرها. «7»

______________________________

(1). المقنع: 156، ط مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام.

(2). الهداية: 41.

(3). المقنعة: 239، ط مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

(4). جامع المقاصد: 3/ 22.

(5). مسالك الأفهام: 1/ 393.

(6). الحدائق الناضرة: 12/ 123.

(7). الجواهر: 15/ 225.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 393

..........

______________________________

و مع ذلك كلّه فقد خالف العلّامة و خصّ الإخراج بالمقاسمة دون الخراج.

قال في «التذكرة»: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصة السلطان. «1»

و قال في موضع آخر: تذنيب: لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصة، فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع لأنّه كالدين. «2»

و ما بأيدينا من الروايات ظاهر في إخراج المقاسمة قبل الزكاة، ففي صحيح أبي بصير و محمد بن مسلم: «إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». «3»

و في حديث صفوان و البزنطي: «و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم». 4

فانّ المتبادر كون المفروض عليهم في مقابل الأرض حصة من حاصل الزرع و النخل.

و يمكن أن يقال: انّ التعابير جارية مجرى الغالب، فانّ المضروب على الأرض يوم ذاك كان هو جزء من الحاصل لا شي ء خارج عنه، و ليس الملاك إلّا ما يدفعه الزارع إلى السلطان عوضا عن قبول الأرض و هو تارة يكون جزء الحاصل و أخرى

شيئا غيره.

و يؤيد ذلك ما في «الفقه الرضوي» حيث قال: «و ليس في الحنطة و الشعير شي ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، و الصاع أربعة أمداد، و المد مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف، فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 154.

(2). التذكرة: 5/ 156.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 394

..........

______________________________

و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا، و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير». «1»

الرابع: ما يأخذه العمال زائدا على المقرّر

إنّ ما يأخذه العمّال زائدا على المقرر على وجهين:

أ. تارة يؤخذ من نفس الغلّة من عامّة المتقبّلين أو من متقبّل خاص.

ب. و أخرى يؤخذ من غيرها كذلك.

أمّا الصورة الأولى، فلو أخذ الزائد من عين الغلّة و لم يتمكّن المالك من منعه، كان أشبه بغصب العين الزكوية التي لا ضمان فيها للزكاة. من غير فرق بين كونه عاما أو خاصّا.

و أمّا الصورة الثانية إذا أخذ من غير العين، فلو كان عامّا يحسب من مئونة الزرع و الثمرة، و هذا بخلاف ما إذا أخذ شخصيا، فلا يعد من المئونة.

و يستدلّ على الخروج بما رواه سعيد الكندي، حيث قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، فقال: «أعطهم فضل ما بينهما» فقلت: لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: «نعم، و إنّما زادوا على أرضك». «2»

و لعلّ في الحديث دلالة أيضا على استثناء الخراج من تعلّق الزكاة، لأنّه يؤخذ على الأرض.

ثمّ إنّ

الظاهر من السلطان في الروايات هو المتغلّب المستولي، على

______________________________

(1). الفقه الرضوي: 197.

(2). الوسائل: 13، الباب 16 من أبواب المزارعة و المساقاة، الحديث 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 395

[المسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها]

اشارة

المسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق و اللاحقة.* (1)

______________________________

جباية الخراج و الصدقات فلا فرق بين السلطان العادل و غيره، كما لا فرق بين كونه سنّيّا أو شيعيّا. فمن كانت بيده جباية الخراج و الصدقات فيحسب النصاب بعد إخراجه.

هذا كلّه في الأراضي الخراجية، و أمّا ما يأخذه الجائر من غير الأراضي الخراجية كالموات و أرض الصلح و الأنفال، فهل يحسب النصاب بعد إخراجه أو لا؟ وجهان

قال المحقّق الهمداني:

الظاهر ذلك لجريان السيرة من صدر الإسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان و لو من غير الأرض الخراجية.

و لو منعنا هذه السيرة أو صحّتها- أي كشفها عن إمضاء المعصوم- فهو من المئونة و إن كان الغالب على الظن انّ مراد الأصحاب بحصة السلطان في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المحكية ما يعمّه. «1»

(1)*

في المسألة فروع ثلاثة:
[الأوّل: خروج المؤن عن تعلّق الزكاة بها]
اشارة

الأوّل: خروج المؤن عن تعلّق الزكاة بها. و سيوافيك الفرعان الآخران، و إليك بيان الفرع الأوّل.

هل المئونة التي تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، أو

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 367.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 396

..........

______________________________

على ربّ المال و مصارف الزكاة بالنسبة؟

ذهب فقهاء أهل السنّة إلّا عطاء إلى الأوّل. «1»

و حكاه العلّامة في «التذكرة» عن أبي حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد. «2»

و أمّا أصحابنا فذهب الشيخ في «الخلاف» و في موضع من «المبسوط» و ابن سعيد إلى أنّ المئونة على ربّ المال، و إليك نصوصهم:

1. قال الشيخ في «الخلاف»: كلّ مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال. و استدلّ بإطلاق قوله: «فيما سقت السماء العشر»

أو «نصف العشر» قائلا: فلو ألزمناه المئونة لبقي أقل من العشر أو نصف العشر. «3»

و يقرب منه كلامه في «المبسوط». «4»

قال ابن سعيد: و لا يندر البذر لعموم الآية و الخبر، و لأنّ أحدا لا يندر ثمن الغراس و آلة السقي و أجرته، كالدولاب، و الناضح إلى أن يثمر، و لا فرق بين الثمرة و الغلّة؛ و قال شيخنا المفيد و الطوسي في بعض كتبهما: إنّ الزكاة بعد البذر. «5»

و مال إلى ذلك القول لفيف من المتأخّرين، كالشهيد الثاني في فوائد الفوائد و صاحب المدارك و صاحب المفاتيح، و قد تؤذن به عبارة اللمعة و «الروضة» و الميسية، و لم يتعرّض له صاحب الوسيلة و لا الشيخ في الجمل. «6»

هذا و لكنّ المعروف بين أكثر القدماء و المتأخّرين إلى عصر الشهيد

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 67، كتاب الزكاة، المسألة 78.

(2). التذكرة: 5/ 154.

(3). الخلاف: 2/ 67، كتاب الزكاة، المسألة 78.

(4). المبسوط: 1/ 217.

(5). الجامع للشرائع: 134.

(6). مفتاح الكرامة: 3/ 99.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 397

..........

______________________________

الثاني (911- 966 ه) هو إخراج المئونة عن متعلّق الزكاة، و إليك نقل بعض كلماتهم:

1. قال الصدوق في «المقنع»: و بعد خراج السلطان و مئونة القرية. «1»

2. و قال في الهداية بنفس ذلك النص. «2»

و في دلالة العبارتين على مذهب المشهور، إبهام، فانّ مئونة القرية المستثناة في كلام الصدوق في الكتابين غير مئونة الزرع.

و لعلّ المراد من مئونة القرية، الضريبة التي يدفعها كلّ من يقطن القرية لعمارتها، و كري أنهارها، و رفع سائر حاجاتها، يجبيها «مختار القرية» أو العامل المنصوب من قبل الحكومة، من المحصول بدل النقد لقلّته يوم ذاك. و على ذلك فلا دلالة في العبارة على إخراج

مئونة الزرع عن النصاب.

3. قال المفيد: و كذلك لا زكاة على غلّة حتى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص و الجذاذ و الحصاد و خروج مئونتها منها و خراج السلطان. «3»

4. قال الشيخ: و ليس في شي ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و إخراج المؤن عنها. «4»

5. و قال في «المبسوط»: فالنصاب ما بلغ خمسة أوساق بعد خراج حقّ السلطان و المؤن كلّها. «5»

و قد عرفت تصريحه في «الخلاف» و في موضع آخر من هذا الكتاب بخلاف هذا.

______________________________

(1). المقنع: 256 باب زكاة الحنطة و الشعير.

(2). الهداية: 76.

(3). المقنعة: 239.

(4). النهاية: 178.

(5). المبسوط: 1/ 214.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 398

..........

______________________________

6. و قال سلار: و فيه العشر بعد إخراج المؤن. «1»

7. و قال ابن زهرة: هذا إذا بلغ بعد إخراج المؤن و حق الزرّاع، النصاب على ما قدّمناه و هو خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا بدليل الإجماع الماضي. «2»

إلى غير ذلك من الكلمات.

و العجب انّه لم يرد في المسألة نصّ على الخروج و عدمه، مع عامة البلوى، و مع ذهاب فقهاء السنّة إلى عدم الاستثناء، فانّ مثل هذه المسألة الّتي هي موضع ابتلاء العامّة، طبعها استفسار الأئمّة عنها.

نعم يمكن أن يقال انّ استثناء الشيخين في «المقنعة» و «النهاية» كاشف عن ورود النصّ في المورد، و يؤيده ما في الفقه الرضوي من قوله: فإذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر. «3»

نعم في دلالة عبارة المقنع و الهداية على المقصود تأمّل كما عرفت، و يظهر من العلّامة في «المنتهى» انّ الحكم بالاستثناء من باب القاعدة حيث قال:

إنّه مال مشترك بين المالك و الفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة، و لأنّ المئونة سبب في الزيادة فيكون في الجميع، و لأنّ إلزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و إضرار و هو منفيّ، و لأنّ الزكاة مساواة فلا يتعقب الضرر .... «4»

و هذه التعابير تكشف عن عدم ورود النص في المورد و إنّما استظهر حكمه من القواعد.

______________________________

(1). المراسم: 120.

(2). الغنية: 2/ 120.

(3). المستدرك: 7/ 91.

(4). المنتهى: 1/ 500.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 399

..........

______________________________

ثمّ إنّ المراد من المئونة في باب الزكاة غير المئونة في كتاب الخمس، إذ المراد منها في الثاني مئونة المالك و أولاده، بخلاف المقام فانّ المراد منها هو مئونة الزراعة و الأشجار، فلنقدّم أدلّة القائلين بعدم الاستثناء ثمّ نذكر ما يصلح لأن يكون دليلا للاستثناء.

أدلّة القائلين بعدم الاستثناء

استدلّ القائل بعدم الاستثناء بالوجوه التالية:

1. إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة عند بلوغ النصاب، مثل: صحيحة زرارة: عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر». «1»

وجه الاستدلال: انّ الرواية بصدد بيان موضوع الوجوب و انّه عبارة عن مقدار خمسة أوسق، و لو كان الموضوع هو البلوغ بعد إخراج المئونة كان عليه البيان، و ظاهره كفاية البلوغ المقدار المذكور سببا تاما لإخراج الزكاة سواء أ كان قبل الإندار أو بعده، فلو كان الحكم مقصورا على الصورة الثانية كان عليه البيان.

و قد استحسن الشيخ الأعظم هذا الوجه و قال: إنّ حمل أخبار بلوغ خمسة أوسق على بلوغ فائدة الزرع و ربحه الحاصل للزارع بعد إخراج المؤن، دونه خرط القتاد.

«2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 5، و لاحظ الحديث 7.

(2). كتاب الزكاة: 232.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 400

..........

______________________________

و ليس الإطلاق الوارد في المقام كالإطلاق الوارد في بيان إطلاق الواجب من العشر أو نصفه، مثل قوله في صحيحة الحلبي: «فيما سقت السماء و الأنهار العشر، و ما سقت الدوالي فنصف العشر»، بزعم انّ المتبادر هو عشر الموجود أو نصفه فلو جاز الإندار لكان الواجب أقلّ من عشر الموجود أو نصفه، و ذلك لأنّ الإطلاق في مقام بيان الفرق بين السقيتين، و أمّا ما هو الواجب، فهل هو عشر الموجود أو عشره بعد إندار المئونة، فالرواية ساكتة عنها.

2. إطلاق ما دلّ على وجوب العشر فيما يحصل في يد الزارع بعد إندار خراج السلطان كما في صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام حيث قال: «و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، و إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». «1» فانّ الظاهر انّ تمام الموضوع للعشر أو نصف العشر هو ما حصل في يد الزارع بعد المقاسمة، و لو كان الموضوع أخصّ كان عليه البيان، بأن يقول بعد المقاسمة «و مئونة الزراعة» و احتمال انّ الصحيحة بصدد البيان في جانب عقد السلب (و ليس على جميع ...) لا في عقد الإيجاب (إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك) يدفعه إطلاق سؤال السائل حيث قال: «هذه الأرض يزارع أهلها ما ترى فيها». فانّ السائل يسأل عن تكليفه بالنسبة إلى الأرض التي يزرع فيها، فسؤاله عن عقد الإيجاب أظهر، و دلالتها قويّة لو لا ما سيوافيك في المستقبل من أنّها تصلح

للاستدلال على الاستثناء أيضا فانتظر.

3. تقرير عمل الراوي، ففي رواية محمد بن علي بن شجاع النيسابوري، انّ رجلا أصاب من ضيعته مائة كر فأخذ منه العشر، عشرة أكرار، و ذهب منه

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 401

..........

______________________________

بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، فبقي في يده ستون كرّا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ فوقع عليه السّلام: «لي منه الخمس فيما يفضل من مئونته». «1»

فإنّ الراوي أخرج الزكاة قبل إندار مئونة أمارة الضيعة، و قد أقرّه الإمام بالسكوت، و هذا دليل على كون العمل صحيحا.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 401

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال مبني على قراءة «فأخذ منه» بصيغة المتكلّم الظاهر في أنّه دفع عشرة أكرار باختياره، و لكن الظاهر انّ الفعل بصيغة المجهول، أي أخذوا منه شاء أم لم يشأ، فلا يكون دليلا على الجواز.

4. كيفية الخرص و قد ورد فيه استثناء التمر الردي ء باسم «معافارة» و «أم جعرور» و «العذق و العذقين» للحارس «2» من دون استثناء المئونة، فلو كان الموضوع للزكاة هو ما عدا المئونة فلما ذا ترك ذكرها؟

يلاحظ عليه: أنّ الرواية في مقام بيان كيفية الخرص لا بصدد بيان أحكام الزكاة.

5. إيجاب نصف العشر فيما يسقى بعلاج، فإنّ إيجاب الزكاة بنصف العشر فيما يسقى بعلاج و إيجاب العشر فيما يسقى بالأمطار و الأنهار لأجل كثرة المئونة في الأوّل و قلّتها في الثاني، فلو بني على احتساب المئونة في كلا الموردين لم يبق فرق بين الصورتين فلا

يكون وجه لإيجاب نصف العشر في الأوّل و العشر في الثاني، و قد جعله الشيخ الأعظم من أعظم الشواهد على عدم احتساب المؤن. «3»

يلاحظ عليه: أنّ إيجاب نصف العشر في الأوّل، و العشر في الثاني ليس لأجل قلّة المئونة و كثرتها، بل هو لأجل بذل جهود مضاعفة مع قلة الثمر في الأوّل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 2، نقل بتلخيص.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 4.

(3). كتاب الزكاة: 231.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 402

..........

______________________________

على خلاف الثاني، فإنّ تحصيل أدوات السقي و تأجير العمّال و صرف المئونة الطائلة قبل تحصيل الثمرة يعد عملا شاقا، فناسب التخفيف، فصار الواجب فيه نصف العشر و في الآخر نفس العشر.

نعم ما ذكرناه إنّما هو من مقولة الحكمة لا العلّة، إذ ربما تكون المئونة المالية فيما سقي سيحا أكثر، كما إذا كانت المزارع بعيدة عن الماء.

هذه هي أدلّة القائل بعدم الاستثناء، و قد عرفت أنّ المعتمد هو الدليل الأوّل، أي ما دلّ على سببية بلوغ النصاب لوجوب العشر من الموجود، و أمّا البواقي فلا تخلو من ضعف.

و على ضوء ذلك فلو ثبت دليل على استثناء المئونة يقيد بها إطلاق المطلق.

الاستدلال على استثناء المئونة

قد عرفت أنّه لم يرد في المسألة نصّ على الاستثناء، و انّ بعض القائلين به كصاحب الجواهر استدلّ بوجوه تناهز العشرة بل يزيد عليها «1» و كثير منها ضعيفة، و الذي يمكن استظهار جواز الإندار بعد الشهرة بين القدماء هو ما يلي:

1. انّ المتبادر من قوله في صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم: «إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك». «2» هو وجوب الزكاة فيما يعد نفعا خالصا،

فلو فرضنا انّه بلغ الزرع عشرة أكرار و قد صرف في طريق تحصيلها ستة أكرار لا يقال: انّه قد حصل في يده عشرة أكرار، بل يقال: كان المحصول عشرة أكرار و لكن ما بقي لنا و حصل في أيدينا هو أربعة أكرار.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 228.

(2). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 403

..........

______________________________

و الحاصل: انّ التعبير ب «يحصل في يدك» هو ما يبقى له خالصا بعد استثناء ما بذل في طريقه و يؤيده تقييده في ذيل العبارة بقوله: «بعد مقاسمته لك».

2. الارتكاز العرفي يقضي باستثناء المئونة، فانّها كالخمس ضريبة على الفوائد و العوائد، و هي عبارة عمّا يستحصله الإنسان بعد عزل ما صرف في طريق تحصيلها. و مثل هذا قرينة منفصلة على أنّ المراد العشر أو نصف العشر في الفوائد، و لعلّه إلى ذلك يشير صاحب الجواهر بقوله: و فحوى ما دلّ على اعتبار الخمس من الضيعة و نحوها بعد مئونتها و بعد خراج السلطان إذا الخمس زكاة في المعنى كما ألمعت إليه النصوص، بل لعلّ زيادته على العشر لاعتبار إخراج مئونة المستفيد من الأرباح تمام السنة بخلاف الزكاة. «1»

3. ما ورد من ترك الخارص العذق و العذقين و الثلاثة معلّلا بحفظه إيّاه. «2»

فإنّ عموم التعليل يقتضي انّ كلّ ما يصرف في تحصيل الزكاة يندر عند الاحتساب من غير فرق بين كونه مئونة الحفظ أو مئونة الإيجاد و النمو.

و هذه الوجوه الثلاثة كافية في الإفتاء بالاستثناء، و لعلّ عدم التصريح به في الرواية وجود التقية، لما عرفت من اتّفاق فقهائهم إلّا عطاء على عدم إخراج المؤن، فكان التصريح بالاستثناء لا يخلو من محظور بالنسبة إلى

شيعة الإمام حيث إنّ قوام الحكومات يوم ذاك كان بما يجبيه عمّا لهم من الزكاة و الخراج و المقاسمة، و استثناء المئونة يوجب قلّة عوائدهم، فربما ينتهي الأمر إلى ما لا تستحسن عاقبته.

و بهذه الوجوه يقيّد إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في خمسة أوسق و سببية النصاب على وجه الإطلاق لوجوب العشر أو نصفه.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 229.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 404

[الفرع الثاني في اعتبار النصاب بعد إخراج المئونة أو قبلها وجوه ثلاثة]
اشارة

كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها. و إن كان الأحوط اعتباره قبله، بل الأحوط عدم إخراج المؤن، خصوصا اللاحقة.* (1)

______________________________

(1)* هذا هو الفرع الثاني، فلو قلنا باستثناء المئونة فهل يستثنى قبل اعتبار النصاب فلو بلغ المحصول خمسة أوسق بعد الإخراج تجب فيه الزكاة و إلّا فلا، أو يعتبر النصاب قبل إخراج المئونة لكن لا يخرج العشر إلّا فيما بقي بعد المئونة و إن كان ناقصا عن النصاب؟

فيه وجوه ثلاثة:

أ. إخراج المئونة أوّلا ثمّ ملاحظة النصاب.

ب. ملاحظة النصاب أوّلا ثمّ إخراج المئونة و دفع الزكاة فيما بقي بعد إخراجها و إن لم يبلغ الباقي حدّ النصاب.

ج. التفريق بين ما سبق على الوجوب كالسقي و الحرث فيخرج قبل النصاب فإن لم تبلغ بعد الإخراج حدّ النصاب فلا زكاة، و ما تأخر كالحصاد و الجذاذ فيخرج بعد النصاب و يزكّى الباقي و إن كان غير بالغ حدّ النصاب.

دليل القول الأوّل

قد استدلّ على القول الأوّل بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر». «1»

فإنّ ظاهره ثبوت العشر في مجموع النصاب، و لا يتحقّق إلّا بإخراج المئونة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 405

..........

______________________________

قبل اعتبار النصاب حتى يصدق انّه أخرج عشر مجموع النصاب، و إلّا فلو اعتبر النصاب قبل إخراج المئونة ثمّ استثنيت المئونة فقد أخرج عشر الباقي بعد استثناء المئونة لا عشر النصاب.

هذا هو الدليل الواضح الذي يمكن أن يعتمد عليه الفقيه لو كان الإطلاق في محله.

ثمّ إنّ الظاهر من الشيخ

الأعظم انّ في الحديث إطلاقين:

1. إطلاق في الموضوع: «ما بلغ خمسة أوساق».

2. إطلاق في جانب الحكم: «ففيه العشر».

و انّ هنا قيدا غير مذكور، أعني: بعد وضع المئونة و لكنّه مستنبط من أدلّة مختلفة.

فلو رجع القيد إلى الموضوع أي «ما بلغ خمسة أوساق بعد وضع المئونة» تكون النتيجة اعتبار النصاب بعد وضعها، و عندئذ يحتفظ به إطلاق الحكم- أي «و فيه العشر»- فيصحّ أن يقال يجب أداء عشر النصاب.

و هذا بخلاف ما لو احتفظنا بإطلاق الموضوع و اعتبرنا النصاب قبل وضع المئونة، فلا محيص من إرجاع القيد إلى جانب الحكم بأن يقال: «ففيه العشر بعد وضع المئونة» و عندئذ يلزم ارتكاب خلاف الظاهر في مرجع الضمير حيث إنّ الظاهر- لأجل عدم ذكر القيد في الكلام- رجوع الضمير إلى مجموع النصاب مع أنّ العشر ليس في جميعه بل في بعضه الباقي بعد إخراج المئونة، فلإبقاء الإطلاق في وجوب العشر في النصاب و عدم ارتكاب الاستخدام في الضمير يرجع القيد إلى الموضوع دون الحكم. «1»

______________________________

(1). الزكاة: 234.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 406

..........

______________________________

هذا توضيح ما أفاده الشيخ و النسخة المطبوعة المصحّحة غير مصحّحة في المقام و الصحيح مكان قوله «لا للإطلاق» هو لحفظ الإطلاق، أو إبقائه.

ثمّ إنّ الفقيه الهمداني أورد على الشيخ في كلام مفصّل و حاصله: انّه لا أولوية لحفظ أحد الإطلاقين على الآخر و انّ الاحتمالين متكافئان، و المرجع حينئذ هو الأصول العملية و هي براءة الذمة من وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المئونة عنه. «1» فكلّ من العلمين: الأنصاري و الهمداني اتّفقا في النتيجة و هي أنّ النصاب بعد إخراج المئونة و اختلفا في الطريق، و الشيخ قدم إطلاق

الحكم على إطلاق الموضوع، فصارت النتيجة ملاحظة النصاب بعد إخراج المئونة، و الفقيه الهمداني تمسّك بالأصل و انّ الأصل عدم وجوب الزكاة فيما إذا لم يبلغ النصاب بعد إخراجها.

و الذي يؤيد كلام الفقيه الهمداني هو انّ الإطلاقين في كلام واحد، و القيد المقدر يصلح لأن يرجع إلى أحدهما فلا وجه لتقديم تقييد الموضوع على تقييد الحكم و إن كان لكلّ من التقييدين أثر خاص.

و الأولى أن يستدلّ على تقديم إخراج المئونة على اعتبار النصاب بما جعلناه دليلا على أصل الاستثناء، و هو انّ العشر أو نصف العشر في ارتكاز العرف ضريبة على المنافع و العوائد المحددة بحد معين، فكما أنّ لازم ذلك عدم تعلّق الزكاة بمقدار المئونة فهكذا لازمه كون الحد المزبور حدّا للنفع الخالص لا للمزدوج من النفع و المئونة، فلو دلّ الدليل على إندار المئونة ينتقل العرف إلى أنّ اعتبار النصاب بعد إخراجها و إندارها، فلو نقص بالاستثناء عن النصاب لما وجب الزكاة.

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 385.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 407

..........

______________________________

و يؤيّد ما ذكرناه استثناء العذق و العذقين و المعافارة و أم جعرور قبل الخرص «1»، و عدم ملاحظتها مع النصاب و الجامع بينها و بين سائر المؤن هو كون الجميع غير الأخيرين معدودا من المئونة.

دليل القول الثاني

استدلّ للقول الثاني بظهور الأدلّة في سببية النصاب بوجوب الزكاة في كلّ جزء جزء من أجزاء النصاب، و قد دلّ الدليل على استثناء المئونة و عدم وجوبها بالمستثنى، فترفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المئونة و يعمل فيما بقي على حسب ما تقتضيه سببية النصاب للوجوب.

و على ذلك فلو بلغ المحصول حدّ النصاب و لكن نقص باستثناء المئونة عنه وجبت

الزكاة في كلّ جزء جزء ممّا بقي أخذا بدليل السببية المذكورة.

يلاحظ عليه: أنّ ما دلّ على سببية النصاب على وجوب العشر في كلّ جزء جزء مندفع بما ارتكز عند العرف و هو ما عرفت أنّ النصاب حدّ لما يعد نفعا خالصا للزارع، و لازم ذلك اعتبار النصاب بعد إخراج المئونة.

و ما ربما يقال انّ هنا تقييدين:

أ. التقييد بما بعد المئونة.

ب. التقييد بالنصاب.

فكلاهما في عرض واحد و لا دليل على تقييد أحد القيدين- يعني:

النصاب- بالآخر، فلا يتقيّد النصاب بما بعد المئونة، مدفوع بأنّ مقتضى الارتكاز العرفي هو انّ النصاب حدّ للنفع الخالص و هو يقتضي تقديم أحد القيدين (بما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 408

..........

______________________________

بعد المئونة) على القيد الآخر بلوغ المحصول حدّ النصاب.

دليل القول الثالث

و حاصله: التفصيل بين المؤن السابقة فيعتبر النصاب بعده و اللاحقة فيعتبر النصاب قبله.

و استدلّ عليه بأنّ إبقاء إطلاق قوله: «ففيها العشر» اقتضى اعتبار النصاب بعد المئونة السابقة مثل البذر و أجرة الحرث و غيرهما من المؤن فيصح أن يقال:

ففيها العشر.

و أمّا المؤن اللاحقة كالحصاد و الجذاذ فلا ملزم لإخراجها قبل اعتبار النصاب فيرجع فيها إلى مقتضيات قاعدة الشركة التي اقتضاها إطلاق قوله: «ما بلغ خمسة أوسق ففيها العشر».

يلاحظ عليه: أنّه إذا كانت المئونة ضريبة على العوائد فلا فرق بين السابقة و اللاحقة.

ثمّ إنّ المذكور في عبارة المصنّف هو: بل الأحوط عدم إخراج المؤن خصوصا اللاحقة»، فإن كانت العبارة ناظرة إلى هذا البحث فقد عرفت وجهه، و إن كان ضعيفا.

و أمّا إذا كان راجعا إلى الفرع الأوّل- أي استثناء المئونة من متعلّق الزكاة- فالأحوط عدم إخراج المؤن السابقة على

الوجوب كالحرث و السقي قبل انعقاد الحبة، و أمّا المئونة اللاحقة بعد تعلّق الوجوب فإخراجها أظهر من السابقة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 409

و المراد بالمئونة كل ما يحتاج إليه الزرع و الشجر، من أجرة الفلّاح و الحارث و الساقي، و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ و الحصاد و الجذاذ و تجفيف الثمرة و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر و غير ذلك، كتفاوت نقص الآلات و العوامل، حتّى ثياب المالك و نحوها، و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.* (1)

______________________________

(1)*

الفرع الثالث: ما هو المراد من المئونة؟

لم يرد لفظ المئونة إلّا في عبارة الفقه الرضوي و الهداية و المقنع، و قد أضيف في الأوّل إلى العمارة و القرية حيث قال: و مئونة العمارة و القرية، و في الأخيرين إلى لفظ القرية، و التعبير الواضح أن يقال مئونة الزرع و الغلّة.

نعم وردت مئونة الغلّة في «المقنعة» و «النهاية»، لو قلنا بكفاية ذلك في استكشاف صدور النص بهذا التعبير أو ما هو قريب منها كالنفقة و إلّا فلا بدّ من الرجوع إلى الأدلّة التي ساقتنا إلى القول باستثنائها، و قد عرفت أنّ المهم أمور ثلاثة:

1. من قوله «فيما يحصل في يدك».

2. استثناء العذق و العذقين أو الثلاثة للحارس لحفظه إياه.

3. ارتكاز العرف على أنّ الزكاة ضريبة على العوائد و لا تصدق إلّا على العائد الخالص بعد إسقاط المئونة.

و القدر المتيقّن أو المتبادر من لفظ المئونة ما ينفقه في تحصيل الغلّة و الثمر مثل البذر و أجرة الحرث، و إجارة الأرض، و إيجاد السواقي الصغيرة التي لا تبقى

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 410

[المسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الّذي لا زكاة فيه، من المؤن]

اشارة

المسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الّذي لا زكاة فيه، من المؤن، و المناط قيمته يوم تلفه و هو وقت الزرع.* (1)

______________________________

بعد استيفاء الحاصل، و أمّا ما يصرفه في إحياء الأرض و عمارتها، و تسطيح الأرض، و حفر البئر و القناة و بناء الجدران، و مدّ الأنابيب، و بناء حوض المياه إلى غير ذلك من الأمور الباقية حتى بعد استيفاء الحاصل، فلا تعدّ مئونة له.

و بما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده المصنّف حيث عدّ من المئونة إصلاح موضع التشميس، و حفر النهر فإنّهما من الأمور الباقية بعد استيفاء الحاصل.

و أقصى ما يمكن أن يقال انّ المئونة في هذه الموارد توزّع على السنوات، و على ضوء ذلك فما صرفه في إحياء الأرض و عمارتها و ما بنى من بيوت و ما يستفاد منها من الآلات و العوامل حتى ثياب المالك توزّع على السنوات التي لم تزل هذه الأدوات باقية عائدة.

(1)*

في المسألة فرعان:
اشارة

الأوّل: قيمة البذر من المؤن.

الثاني: المناط في قيمته قيمة يوم التلف.

و إليك دراسة الفرعين واحدا تلو الآخر.

الأوّل: قيمة البذر من المؤن

و خصّ المصنّف البحث بالمال المزكّى، أو المال الذي لا زكاة فيه، مع أنّها مطلقا من المؤن، و ما ذلك إلّا لأجل عدم ترتب الثمرة على الاستثناء إذا كان من المال الذي فيه الزكاة، لأنّه تجب فيه الزكاة في حالتي الاستثناء و عدمه، فلو كان

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 411

..........

______________________________

البذر عشرة أصوع و استثنى، يخرج عشره مثلا للزكاة أوّلا و يزكّي الباقي ثانيا، و لو لم يستثن يزكّي المجموع مرة واحدة فالنتيجة واحدة على الاستثناء و عدمه، و هذا بخلاف القسم الآخر إذ يستثنى البذر و لا يخرج زكاته، لأنّه ملك لصاحب البذر و لا حقّ لمستحق فيه.

غير انّ السيد الحكيم قدس سرّه ذكر ثمرتين للاستثناء فيما إذا كان البذر ممّا فيه الزكاة.

الأولى: ما إذا كان متمّما للنصاب فانّ الاستثناء موجب لنقص النصاب و انتفاء الزكاة بالمرة إلّا ما وجب فيه الزكاة أوّلا (أي زكاة نفس البذر) بخلاف ما إذا لم يستثن فانّه تجب الزكاة في المجموع. «1»

حاصله: انّه إذا كان اعتبار النصاب بعد إندار المئونة كان استثناء البذر موجبا لنقص النصاب، فلو كان البذر ممّا ليس فيه الزكاة لا تجب الزكاة مطلقا، لا في البذر لأنّه ليس زكاة فيه، و لا في الباقي لعدم بلوغه النصاب باستثناء البذر.

و أمّا إذا كان البذر ممّا تعلّق به الزكاة فتظهر الثمرة بين الحالتين، فلو استثني لا تجب الزكاة إلّا في نفس البذر لوجوب الزكاة فيه سابقا دون الحاصل لعدم بلوغه بنفسه النصاب. و إن لم يستثن تجب الزكاة في الحاصل و البذر معا، و الظاهر جواز

الاستثناء لأنّ البذر من المؤن فلا يبلغ الموجود حدّ النصاب.

الثانية: إذا اختلف مقدار الزكاة الواجبة في البذر مع الزكاة الواجبة في الزرع بأن كان الزرع ممّا يسقى بالدلاء و بذره ممّا سقي سيحا أو بالعكس، و في هاتين الحالتين لا بدّ من العمل على الاستثناء، لأنّه من المؤن على كلّ حال، و البناء على عدم الاستثناء في غير الفرضين من جهة عدم الثمرة المترتبة عليه، فإذا فرض ترتّبها

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 161.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 412

..........

______________________________

على الاستثناء وجب البناء عليه كما لا يخفى.

و حاصله: انّ الواجب في البذر على الأوّل العشر و في الزرع نصفه، فلو أخرج نصف العشر من الجميع لما أدّى زكاة الجمع، كما أنّ الواجب في البذر على الثاني نصف العشر و في الزرع العشر، فلو أخرج العشر عن الجميع لأدّى زائدا على الواجب، فلأجل ذلك يجب استثناء البذر في المقام و محاسبة البذر و الزرع على وجه الاستقلال.

الثاني: المئونة قيمة البذر يوم التلف

لا شكّ انّ البذر من المئونة تستثنى من المحصول، لكن الكلام في أنّه هل يستثنى مثله أو قيمته؟ و على فرض استثناء قيمته فهل الملاك قيمة يوم التلف أو غيره؟

و الظاهر من المصنّف انّه سلّم انّ المئونة هي قيمة البذر لا مثله، و إنّما ركّز على تعيين يوم القيمة مع أنّ الظاهر هو الفرق بين ما كان بذره مملوكا له فصرفه في الزرع و ما إذا اشتراه من السوق.

فالمضمون في الأوّل هو مثله، لأنّ المئونة عندئذ هو نفس البذر و قد صرفه و هو مثلي فيكون مضمونا بالمثل.

و أمّا إذا اشتراه من السوق لغاية البذر فهل المضمون هو المثل، أو القيمة، أو يتخيّر بينهما، أو الثمن المسمّى؟ يظهر الثالث

من الشهيد في المسالك، قال:

و لو اشتراه تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه. «1»

و مراده من العين هو المثل.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 393.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 413

[المسألة 18: أجرة العامل من المؤن]

المسألة 18: أجرة العامل من المؤن، و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة، و كذا إذا تبرّع به أجنبيّ.

و كذا لا يحسب أجرة الأرض الّتي يكون مالكا لها، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.* (1)

______________________________

و أورد عليه صاحب الجواهر، و قال: إذ الذي يعد انّه من مؤن الزرع و صار هو سببا لإتلافه، عين البذر لا ثمنه، و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر «1»، و بالجملة: التخيّر المزبور لا يخلو من نظر أو منع. «2»

و لكن الحق هو الوجه الرابع و هو انّ المضمون الثمن المسمّى، و ذلك لما عرفت من أنّه إذا كان مالكا لنفس البذر من دون أن يشتريه من السوق فهو بعينه يعد مئونة فيخرج مثله عن المحصول، و أمّا إذا ما اشتراه من الخارج فالذي يعد مئونة هو نفس الثمن المشترى به البذر فيستثنى الثمن المسمّى لا قيمة يوم التلف الذي هو يوم الزرع- كما عليه المصنّف- و لا قيمة يوم الإخراج.

و مثله ما إذا اشتراه للقوت و نحوه ثمّ بدا فبذر فالمئونة هو الثمن المسمّى الذي اشترى به البذر، و ما ذكرناه هو خيرة سيد مشايخنا البروجردي حيث قال في تعليقته: بل مثله (إذا لم يشتر) نعم إذا كان اشتراه للزرع، ف «المعتبر» ثمنه المسمّى لا مثله و لا قيمته.

(1)* انّ القدر المتيقّن من المئونة هو ما يصرفه من المال في طريق

تحصيل الزرع و الثمر، و عمل العامل؛ و هكذا المتبرّع من ولده أو زوجته أو الأجنبي ليست كذلك، و هكذا أجرة الأرض و العوامل إذا كانتا مملوكتين، إذ ليس فيهما صرف مال

______________________________

(1). المراد قدر البذر.

(2). الجواهر: 15/ 236.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 414

[المسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة]

المسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة و كذا لو ضمن النخل و الشجر. بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر. كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.* (1)

______________________________

في طريق تحصيل الزرع، و قد جرت السيرة على ذلك على وجه لو جعلنا الجميع من المؤن لانخفضت الزكاة لأجل كثرة المؤن.

(1)* أمّا إذا اشترى الزرع فقد صرف ماله في تحصيل المحصول، غاية الأمر بعد إخراج قيمة التبن منه، و مثله إذا ضمن النخل و الشجر بشي ء من المال.

بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر و العوامل، لأنّه و إن صرف شيئا في تحصيلها لكن المتيقّن من المئونة هو ما لا يبقى بعد استيفاء المحصول، و المال المبذول بإزاء هذه الأعيان يبقى سنين متمادية.

نعم لو اشترى الأرض أو الشجر لزرع خاص أو ثمرة خاصة في مدة قصيرة بحيث يترك الأرض و الشجر بعد استيفاء الزرع و الثمر فثمن الأرض و الشجر من المؤن.

ثمّ إنّ السيد الحكيم قدس سرّه استشكل في المقام بقوله: لا يظهر الفرق بين المقام و مئونة السنة التي تستثنى في الخمس، فإذا بنى على استثناء نفس العين التي يحتاج إليها هناك، كان اللازم البناء عليه هنا، إلّا أن يفرق: بإجمال الدليل هنا، و ظهوره هناك. «1»

و هنا فرق آخر و هو انّ المراد من المئونة في الخمس هو

مئونة الإنسان طول السنة، بل أزيد إذا تعارف تحصيلها في السنة السابقة، و في المقام مئونة الغلّة، فتعدّ

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 164.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 415

[المسألة 20: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما]

المسألة 20: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين، و إذا كان المقصود بالذات غير الزكويّ ثمّ عرض قصد الزكويّ بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن، و إذا كان بالعكس حسب منها.* (1)

______________________________

العين هناك من المئونة لحاجته إليها طول السنة بخلاف المقام فلا يعدّ ثمن الأرض و النخل و الشجر من المئونة في المقام.

(1)* الصور المذكورة ثلاث و قد أخذت عن «المسالك»: «1»

الأولى: إذا كان الزكوي و غيره مقصودين للزارع.

الثانية: إذا كان المقصود بالذات هو غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل.

الثالثة: إذا كان المقصود بالذات الزكوي ثمّ عرض قصد غير الزكوي بعد إتمام العمل.

فقد حكم المصنّف في الأولى بتوزيع المئونة عليهما، و في الثانية بعدم احتسابها من المؤن، و في الثالثة باحتسابها منها.

و التأمّل في العبارة يعطي انّه زرع كلا القسمين الزكوي و غير الزكوي في جميع الصور، غاية الأمر انّهما تارة يكونان مقصودين بالذات و أخرى يكون أحدهما مقصودا بالذات و الآخر مقصودا بالعرض. و الشاهد على ذلك انّ المصنّف حكم بالاحتساب في ثالث الصور، و هي إذا كان المقصود بالذات، الزكوي، ثمّ عرض قصد غير الزكوي، فلو لم يزرع الزكويّ، فلا يكون معنى للاحتساب، فالاحتساب في ثالثة الصور آية انّه زرع كلا القسمين لا انّه اكتفى بأحدهما.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 393 و لاحظ الجواهر 15/ 234، و مصباح الفقيه: 13/ 389.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 416

[المسألة 21: الخراج الّذي يأخذه السلطان أيضا يوزّع على الزكويّ و غيره]

المسألة 21: الخراج الّذي يأخذه السلطان أيضا يوزّع على الزكويّ و غيره.* (1)

______________________________

و عند ذلك يظهر وجه الفرق، و هو الاحتساب في الصورة الثالثة دون الثانية، و ذلك لأنّه لم يصرف مبلغا ماليا في تحصيل الزكوي في

الثانية و إنّما انتفع من المئونة المصروفة، بخلاف الصورة الثالثة فقد صرف مبلغا في تحصيل الزكوي ثمّ انتفع غير الزكوي من المئونة المصروفة.

و بذلك يعلم عدم صحّة ما استشكله بعض المحقّقين حيث قال: «بأنّ مئونة الشي ء ما صرف فيه خارجا قصد أم لم يقصد فضلا عمّا تبدل القصد فيه، فلو ألقى السماد في الأرض بقصد الذرة مثلا، ثمّ بدا له فزرع الحنطة معتمدا على السماد الملقى، فكون السماد مما صرف في تحصيل الحنطة أمر واضح، فيعد من مئونته».

يلاحظ عليه: بأنّ ما ذكره خارج عن الصور الثلاث، بل هو صورة رابعة غير مذكورة في عبارة المصنّف، فإنّ عبارته تدور حول ما إذا زرع كلا القسمين لكن شريطة أن يكونا مقصودين بالذات، أو أحدهما مقصودا بالذات و الآخر بالعرض، و أمّا إذا صرف مئونة لغير الزكوي ثمّ بدا له أن يزرع الزكوي بدل غير الزكوي فلا شكّ انّه يحتسب من المئونة لانتفاع الزكوي من المئونة المصروفة و عدم انتفاع غيره منها.

(1)* شريطة أن يكون الخراج مضروبا على الأرض مطلقا من دون تقييده في مقابل خصوص الزكوي، فعندئذ تعدّ المئونة مئونة عليهما فتوزع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 417

[المسألة 22: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه]

المسألة 22: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى، و إن كان الأحوط التوزيع على السنين.* (1)

______________________________

(1)* إذا كان للعمل دخل لإمكان الزرع و أخذ الثمر سنين مديدة كتسميد الأرض و تخليتها ممّا يضرّ بالزرع و الثمر و إحداث السواقي التي يستفاد منها عبر سنين، ففيه احتمالات:

1. احتساب ما صرفه على ما في السنة الأولى.

2. توزيعه على السنين.

3. عدم احتساب ما زاد على السنة الأولى أصلا، أي لا

من الأولى و لا من السنين الآتية.

وجه الأوّل هو توقف الزرع و الشجر في السنة الأولى على ما صرف من المئونة و إن كان أثرها باقيا للسنوات التالية.

وجه الثاني: انّه كما انتفع بما صرف في السنة الأولى فهكذا انتفع به في السنوات الآتية فيوزع، غير انّ المصنّف جعل هذا الوجه هو الأحوط لكنّه أحوط نسبي بالنسبة إلى احتساب الجميع من السنة الأولى لا مطلقا، لأنّه ربما يوجب عدم بلوغ المحصول، النصاب في السنة الثانية كما إذا كان المحصول في الثانية أقلّ من الأولى، بخلاف ما إذا احتسبناه من الأولى فتجب الزكاة في الثانية على وجه الإطلاق.

و أحوط الأقوال هو الثالث، و هو عدم احتساب ما زاد على السنة الأولى أصلا، و هو واضح.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 418

[المسألة 23: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أو لا لم يحسب منها]

المسألة 23: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أو لا لم يحسب منها.* (1)

______________________________

(1)* إذا كانت الشبهة حكمية و منشأ الشك إجمال المخصص المنفصل، ففي مثله يكون المرجع إطلاق ما دلّ على أنّ ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر، نظير المقام إذا قال: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم الفاسق منهم، و دار أمر الفاسق بين كونه مرتكبا للكبيرة أو الأعم منه و الصغيرة، ففي مورد الصغيرة الذي نشك كونه من أفراد الفاسق يرجع إلى إطلاق أو عموم العام.

و على ضوء هذا القول: دلّ الدليل على وجوب الزكاة فيما إذا بلغ المحصول إلى خمسة أوسق و خصص بعنوان المئونة و افترضنا انّها مجملة غير واضحة المفهوم، فيتمسك بإطلاق الدليل فيما إذا شكّ في شي ء انّه من المئونة أو لا.

و نظيره ما إذا قلنا بعدم تعيّن عنوان المخصص، لكن انتقلنا إلى الضابطة الكلية من

إخراج حقّ الحارس، و غيره من الوجوه الثلاثة المذكورة لإخراج المؤن من الزكاة، فعندئذ لو شكّ في كون شي ء مئونة أو لا، يكون المرجع هو إطلاق الدليل أو عمومه، لعموم تعين عنوان المخصص حتى يتمسك بإطلاقه.

نعم إذا كانت الشبهة موضوعية و تفحص بالمقدار اللازم، فالأصل البراءة من إيجاب الزكاة لعدم جواز التمسك بالعام عند الشكّ في التخصيص.

و بذلك ظهر انّه إذا كان الشبهة حكمية فلا يحتسب المشكوك من المئونة، و لعلّ كلام المصنّف بأنّه لا يحسب ناظر إلى الصورة الأولى التي يتمسّك فيها بإطلاق الدليل، دون الموضوعية التي يكون المرجع فيها البراءة عن الزكاة الذي يكون مساوقا للاحتساب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 419

[المسألة 24: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

المسألة 24: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض، و إن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر، و على هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر، و إن كان الّذي أدرك أوّلا أقلّ من النصاب، ينتظر به حتّى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع. و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين يضمّ الثاني إلى الأوّل، لأنّهما ثمرة سنة واحدة، لكن لا يخلو عن إشكال لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع و قد مرّت مثلها في الأنعام حيث قال: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا و لو متباعدا يلاحظ المجموع. لاحظ المسألة الرابعة من فصل زكاة الأنعام الثلاثة، و أمّا فروع المقام فهي:

1. إذا كان

له نخيل أو زرع في أماكن متعددة حكمها حكم الثمرة في مكان واحد فلا عبرة بوحدة المكان.

2. إذا كان له نخيل أو زروع يتفاوت في الإدراك، يضمّ بعضها إلى بعض فيكون حكمها حكم الثمرة في زمان واحد و لا عبرة بوحدة الزمان.

3. و على القول بالانضمام في الفرع السابق إذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ من النصاب أو لا.

4. إذا كان ما أدرك أقلّ من النصاب، فعلى قول الماتن ينتظر به حتى الآخر و يتعلّق به الوجوب إذا اكتمل به النصاب.

5. إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين تضمّ الثمرة الثانية إلى الأولى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 420

..........

______________________________

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر، و الجميع من الفقه المستنبط و ليس من الفقه المنصوص و لا حاجة إلى نقل الكلمات.

أمّا الفرع الأوّل فلا دليل على وحدة البلد بعد إطلاق قوله: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر» «1» فيصدق على الأماكن المتعددة «أنبتت الأرض» و إطلاق قوله في صحيحة أبي بصير و ابن مسلم: «إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك» «2»، أضف إلى ذلك ارتكاز العرف من أنّها ضريبة مالية على عوائد الإنسان المالك للنصاب فلا فرق بين وحدة البلد و عدمها.

أمّا الفرع الثاني، أعني: إذا اختلفت الثمرة في زمان الإدراك، فهو أيضا كالأوّل يضم بعضها إلى بعض. و به قال الشيخ في «المبسوط» «3» و المحقّق في «الشرائع» «4»، و العلّامة في «التذكرة» «5» و «المنتهى» «6» للإطلاق السابق، و الارتكاز العرفي و لما ذكره العلّامة

في «التذكرة» من تعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد و إن كانت في نخلة واحدة، فلو اعتبر اتحاد وقت الإدراك لم تجب الزكاة غالبا، و قد أجمع المسلمون على ضم ما يدرك إلى ما تأخّر.

و بالجملة فالزكاة ضريبة على العوائد لمالك واحد، إذا بلغت حدّ النصاب و أمّا وحدة الملك مكانا أو زمانا، فلا دليل عليه بل الدليل على خلافه.

أمّا الفرع الثالث، أعني: إذا بلغ ما أدرك نصابا أخذ منه- لكونه مصداقا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 1، من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 4.

(3). المبسوط: 1/ 215.

(4). الشرائع: 1/ 154.

(5). التذكرة: 5/ 160.

(6). المنتهى: 1/ 499.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 421

..........

______________________________

للنصاب- فيعمّه قوله: «ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر أو نصفه» ثمّ يؤخذ ما يضم إليه من غير فرق بين بلوغه نصابا- كما هو واضح- و عدم بلوغه، لأنّه جزء من النصاب السابق فيكون حكمه حكمه فيجب إخراج زكاته.

و أمّا الفرع الرابع، أعني إذا كان الذي أدرك أقلّ من النصاب، فقال المحقّق: و إن سبق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا. «1»

و قال المصنّف: ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب فيكمل النصاب و يؤخذ من المجموع.

و ظاهر كلامهما انّ الوجوب مشروط بإدراك ما يكمل نصابا، فما لم يدرك و لم يكمل النصاب فلا وجوب.

و ذهب سيد مشايخنا البروجردي في تعليقته إلى تخصيص التربص بما إذا احتمل عدم بلوغ المجموع حدّ النصاب بعد الإدراك و إلّا فلو علم بأنّه إذا يكمل به النصاب جاز بل وجب زكاة ما أدرك منهما- و إن كان

غير بالغ لحد النصاب- إذا بلغ وقت الأداء.

يلاحظ عليه: بأنّ المتبادر من ظاهر الأدلّة الموضوع للإخراج هو النصاب الذي دخل في ملكه و صار متمكّنا من التصرف فيه، كما هو المتبادر من قوله: «ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر» لا الأعم منه و ممّا سيدخل في ملكه فإنّ هذا خلاف المتبادر، فما ذكره المصنّف أقوى.

و هل يشترط بقاء ما أدرك أوّلا، إلى زمان إدراك ما يكمل به النصاب أو لا؟

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 154.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 422

..........

______________________________

ذهب صاحب الجواهر إلى اعتبار البقاء قال: نعم يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكية و نحوها إلى أن يدرك ما يكمله كذلك. «1»

و عليه لو أدرك الثاني و قد أتلف المالك ما أدرك أوّلا فلا زكاة.

و لعلّ وجهه انّ المتبادر من الأدلّة، هو تعلّق الزكاة بالنصاب الموجود، فلو بلغ حدّ النصاب و قد تلف بعضه باختيار أو خرج عن ملكه، فلا تعمّه الأدلّة.

يلاحظ عليه: بأنّ المتبادر من الأدلّة هو تعلّق الزكاة بالنصاب الذي ملكه ملكية تامة مختارا في التصرف و المفروض انّه دخل النصاب في ملكه بالتدريج، لا النصاب الموجود أجزاؤه. نعم لو تلف بآفة سماوية، أو غصبه غاصب اتجه القول بعدم الزكاة لنقص ملكيته حال تعلّق الوجوب، لأنّ الظاهر أن يكون المالك متمكّنا من التصرف أيّ وقت شاء و هو متحقّق فيما إذا باعه، أو أكله، دون ما إذا غصب أو تلف بآفة سماوية، لأنّ التصرف الاختياري كاشف عن ملكيته التامة.

أضف إلى ذلك انّه لو اشترط بقاء الناقص إلى أن يكمل الباقي، ربما يكون ذلك ذريعة لعدم تعلّق الزكاة، إذا أتلف كلّ ما أدرك من التمر قبل بلوغ النصاب.

و

أمّا الفرع الخامس، أعني: إذا كان له نخل يطلع مرة، و آخر يطلع مرّتين، فذهب الشيخ في «المبسوط» «2» و ابن حمزة في «الوسيلة» «3» إلى عدم الضم، لأنّها في حكم تمرة سنين، و المشهور كما في «مفتاح الكرامة» انّه هو الضم «4» باعتبار اتّحاد العام كالبساتين المختلف إدراك ثمرتها و طلوعها.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 243.

(2). المبسوط: 1/ 215.

(3). الوسيلة: 127.

(4). مفتاح الكرامة: 3/ 105.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 423

[المسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرّطب على أنّه فرضه]

المسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرّطب على أنّه فرضه، و إن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من التمر، و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به. نعم يجوز دفعه على وجه القيمة.

و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب، إلّا على وجه القيمة، و كذا العكس فيهما.

نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة، و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة.

و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر [خارج النصاب] أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضا، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده، و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.* (1)

______________________________

قال العلّامة في «التذكرة»: و لو كان له نخل يطلع في السنة مرتين، قال الشيخ: لا يضم الثاني إلى الأوّل لأنّه في حكم تمرة سنتين. و به قال الشافعي، و قيل تضم لأنّها تمرة عام واحد و هو الأقوى. «1»

و مقتضى الإطلاق هو الثاني لدخوله في

قوله: «ما أنبتت الأرض إذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة»، خرج ما إذا كان ما أنبتت سنتين دون سنة واحدة، و ليس القول بوجوب الزكاة في ثمرة نخلين أحدهما بالعراق و الآخر بالحجاز أوضح من إيجاب الزكاة في المقام، و قد عرفت أنّه لا يعتبر وحدة الملكية لا مكانا و لا زمانا.

(1)* في المسألة فروع أربعة:

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 161.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 424

..........

______________________________

1. دفع الرطب و العنب مكان التمر و الزبيب، و بالعكس بعنوان انّه فرضه.

2. دفع أحدهما مكان الآخر، قيمة لا فرضا.

3. دفع الرطب و العنب زكاة إذا كان النصاب كلّه رطبا أو عنبا.

4. إذا كان عنده تمر و زبيب تعلّق بهما الزكاة، فيخرج زكاتهما من خارج النصاب.

و الفرق بين الأوّل و الرابع هو انّ الرطب و التمر، أو العنب و الزبيب في الأوّل تعلّق بهما الزكاة كما إذا كان له بستانان فبلغت ثمرة أحدهما فجفف فصارت تمرا أو زبيبا، دون الآخر فهي بعد رطب أو عنب و الجميع داخل النصاب، بخلاف الرابع، فانّ التمر أو الزبيب الذي يخرج بهما الزكاة خارج عن النصاب و إنّما هو مماثل مع الواجب في الصفات لكنّه خارج عن دائرة النصاب.

و بالجملة فيركز في الأوّل على أنّ المختلفين في الصفات مع كون الجمع من نصاب واحد، هل يقوم أحدهما مكان الآخر، بخلاف الرابع فهما متحدان في الأوصاف و إنّما الإشكال انّ الثاني من خارج النصاب.

و لا يخفى انّ عبارة المصنّف غير وافية ببيان الفروع بوجه واضح.

إذا عرفت هذا، فإليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

أمّا الفرع الأوّل فذهب المحقّق إلى عدم الجواز و قال: لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب.

«1» و قال العلّامة بالجواز بشرط أن يبلغ قدر الواجب عند الجفاف. «2»

فنقول: إذا كان النصاب ممّا فيه التمر و الرطب أو الزبيب و العنب لكنّه

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 244 قسم المتن.

(2). المنتهى: 1/ 502.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 425

..........

______________________________

يخرج الزكاة من خصوص الرطب و العنب و هذا هو الذي قصده المصنّف، فحكمه من الجواز و عدمه مبني على كيفية تعلّق الزكاة بالنصاب.

فإن قلنا انّ الزكاة تتعلّق بالنصاب بنحو الشركة العينية و انّ مستحق الزكاة يملك عشر أو نصف عشر النصاب فلا يجوز أن يقتصر بواحد من الرطب و التمر، بل يجب أن يخرج من كلا الصنفين بالنسبة.

و إن قلنا بأنّها تتعلّق بالعين بنحو الكلي في المعين، فيكفي إعطاء عشر من النصاب تمرا كان، أو رطبا أو مختلطا و لا تجب رعاية الأوصاف.

و إن قلنا بأنّها تتعلّق بالذمّة و العين رهن، فيجوز له دفع ما يعادل عشر المجموع.

غاية الأمر انّه لو كان المجموع مختلطا، يجب أن يبلغ ما يدفع قدر الواجب عند الجفاف كما نبّه به العلّامة من دون ملاحظة كونه من العين فضلا عن ملاحظة صفاته من كونه تمرا أو رطبا، كما هو مصب البحث في المقام يكون مصداقا لما تعلّق به الوجوب و المفروض انّ كلا منهما متعلّق للوجوب.

و بذلك يعلم أنّ تعليل عدم الجواز في كلام المصنّف و غيره بعدم كونه من أفراد المأمور به، ينحصر بالوجه الأوّل دون الأخيرين.

هذا و الظاهر الجواز حتى على القول بالإشاعة، وفاقا لبعض المحقّقين، فانّ الواجب و إن كان هو عشر المجموع من التمر و الرطب إلّا أنّ اختيار التطبيق و تعيين عشر منه بيد المالك، فله أن يدفع العشر من التمر كما

له أن يدفع من الرطب، أو من المجموع المركب، هذا من غير فرق بين القول بالإشاعة أو الكلّي المعيّن، إلّا أنّه إذا دفع من الرطب يجب أن يكون بمقدار لو جف و صار تمرا يكون

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 426

..........

______________________________

بمقدار الواجب.

و أمّا الفرع الثاني، أي دفع الرطب و العنب مكان التمر و الزبيب أو بالعكس من باب القيمة، فجائز لأنّ للمالك تقويم الزكاة و دفع القيمة، و لا فرق فيها بين النقد و العين إذا كان في الثانية غبطة الفقير، كما مرّ في المسألة التاسعة من فصل زكاة الغلّات.

و أمّا الفرع الثالث، دفع الرطب و العنب زكاة من باب الفريضة إذا كان النصاب كلّه من هذا النوع فجائز، لما مرّ من أنّ الزكاة متعلّقة عند بدو الصلاح و انعقاد الحبة، خلافا للمصنّف حيث قال بتعلّقها عند تسمية الحاصل تمرا أو زبيبا و ما أفاده في المقام (لم يبعد الجوار) غفلة عن مختاره، إذ على مذهبه لا تجب الزكاة لعدم تعلّقها قبل التسمية.

و أمّا الفرع الرابع: فلو قلنا بأنّ تعلّق الزكاة بالعين على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن، فلا يجوز أن يدفع المماثل بعنوان الفريضة و يجوز من باب دفع القيمة و أمّا على القول بتعلّقها بالذمة أو بالعين كالرهن أو قلنا بأنّ الزكاة تتعلّق بمالية العين السيّالة المتمثلة في المماثل أيضا فالقيمة بنفسها زكاة لا عوض عنها، و لذلك يشترط في أدائها القربة فيجوز كلا الأمرين.

فإن قلت: ما الفرق بين المقام، حيث لا يجوز دفع المماثل و باب الأنعام الثلاثة حيث قالوا بجواز دفعه؟

قلت: الفرق وجود الإطلاق في الثاني دون الأوّل، حيث إنّ قوله: «في أربعين شاة، شاة» مطلق يعم

الشاة داخل النصاب و خارجه، بخلاف الأوّل فانّ قوله:

فيما سقت السماء العشر ظاهر في العشر من العين الخارجية التي تعلّقت به الزكاة لا مجرد مقدار العشر، و لو من خارج العين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 427

[المسألة 26: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا]

المسألة 26: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا بل هو من باب الوفاء.* (1)

______________________________

و مع ذلك كلّه فالظاهر عدم الفرق بين الموردين، فانّ الكسر في المقام بصدد بيان مقدار الواجب لا انّه يجب أن يكون الكسر من العين و ظهوره من العين بدويّ، كظهور قوله: «في أربعين شاة، شاة» يزول بالتأمل و الإمعان في ماهية الزكاة، فانّ الغاية منها، رفع حاجات الفقراء و سدّ خلّتهم- و عند ذاك- لا يكون هناك فرق بين الدفع من العين أو خارجه.

إنّ عطف باب الزكاة على العبادات المحضة مقتضى الجمود، على الظهورات البدويّة و تصور انّهما صنوان على أصل واحد، بعيد عن الذوق الفقهيّ. نعم الأحوط الدفع من العين لا من خارجه.

(1)* مبني على أنّ ما يدفعه من جنس ما عليه، هل هو من باب المعاوضة فلو زاد أو نقص يكون ربا معاوضيّا، أو من باب الوفاء و امتثال التكليف؟ قال في الجواهر: و لا ربا في متحد الجنس بعد ان لم يكن ذلك من المعاوضة، بل هو من قبيل امتثال التكليف و لذا لم يعتبر التراضي في دفع القيمة. «1»

و على هذا فالقيمة و لو كان من جنس ما عليه، بنفسها زكاة لا عوض عن الزكاة، و قد أمضى الشارع ولاية المالك على إخراجها من العين أو القيمة، و الثاني من النقد أو الجنس.

و تظهر قوة الجواز لو قلنا من أنّ

متعلّق الزكاة هو المالية السيّالة في العين و مماثله و غير مماثله من النقد و الجنس إذا كان فيه غبطة المستحق.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 246.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 428

[المسألة 27: لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب]

المسألة 27: لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب، أمّا لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه، و إن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فرعان:

1. إذا مات الزارع بعد تعلّق الزكاة.

2. إذا مات الزارع قبل تعلّقه.

أمّا الفرع الأوّل: إذا مات الزارع مثلا بعد بدو الصلاح و انعقاد الحبة على المشهور، أو بعد التسمية عند المحقّق و المصنّف، وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب، لأنّه دين «و دين اللّه أحقّ أن يقضى» و ما نقل عن أبي حنيفة «1» انّه لا تقضى إلّا أن يوصي، لأنّها عبادة فتسقط بالموت كالصلاة و الصوم، غير تام، لعدم تمحضها في العبادة، بل هو فريضة مالية لسدّ خلة الفقراء، مقرونة بالقربة عند الأداء.

و أمّا الفرع الثاني، أعني: إذا مات قبل التعلّق فالنخل و الزرع ينتقل إلى الورثة، فمن بلغ نصيبه حدّ النصاب وجب دون من لم يبلغ. و قد تقدّم انّ الاختلاط إذا كان المالك متعدّدا لا يؤثر في وجوب الزكاة.

______________________________

(1). سنن النسائي: 6/ 253 باب فضل الصدقة عن الميت.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 429

[المسألة 28: لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين]

المسألة 28: لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فإمّا أن يكون الدّين مستغرقا أو لا، ثمّ إمّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب، أو قبله بعد ظهور الثمر، أو قبل ظهور الثمر أيضا.

فإن كان الموت بعد تعلّق الوجوب وجب إخراجها، سواء كان الدين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاص مع

الغرماء، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين.

نعم لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمّة وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و بين الغرماء كسائر الديون.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع ثلاثة و لكلّ فرع شقان:

أ. إذا مات المالك بعد تعلّق الوجوب، كما إذا بدا صلاحها- عند المشهور- أو صار تمرا عند المحقّق، و الدين إمّا مستغرق أو غير مستغرق.

ب. إذا مات المالك بعد ظهور الثمرة و قبل التعلّق، كظهور ثمر النخل قبل بدو صلاحه، و الدين إمّا مستغرق أو غير مستغرق.

ج. إذا مات المالك قبل ظهور الثمرة- فضلا عن التعلّق- كالزرع قبل انعقاد الحبة، و الدين مستغرق أو غير مستغرق. فلندرس الفروع الثلاثة واحدا تلو الآخر.

أمّا الفرع الأوّل، فقد أشار إليه المصنّف في المتن بقوله: فإن كان الموت بعد تعلّق الوجوب و أشار إليه المحقّق في الشرائع بقوله: و لو صار تمرا (أو بدا صلاحه على المشهور) و المالك حي ثمّ مات وجبت الزكاة، و لو «1» كان دينه يستغرق تركته.

و لو ضاقت التركة عن الدين، قيل: يقع التحاص بين أرباب الزكاة

______________________________

(1). وصلية لا فائدة لهذا التشقيق فانّ الزكاة تزاحم الدين في كلتا الصورتين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 430

..........

______________________________

و الديان، و قيل: تقدم الزكاة لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها، و هو الأقوى. «1»

لا كلام فيما إذا لم يكن تزاحم بين أداء الدين و إخراج الزكاة، إنّما الكلام إذا ضاقت التركة عن أداء الدين الزكاة، و صار هناك تزاحم بين أداء الدين كلّه أو بعضه و الزكاة. ففي المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: ما نقله المحقّق من وقوع التحاص بين أرباب الزكاة و الديان و هو قول الشيخ في «المبسوط»، حيث قال: و متى بدا

صلاح الثمرة قبل موت صاحبها وجب فيها الزكاة و لم تسقط الزكاة بحصول الدين، لأنّ الدين في الذمة و الزكاة تستحق في الأعيان و يجتمع الدين و الزكاة في هذه الثمرة و يخرجان معا و ليس أحدهما بالتقديم أولى من صاحبه «و إن لم يسع المال الزكاة و الدين كان بحساب ذلك». «2»

و قوله: «فإن لم يسع المال» ناظر إلى هذا الفرع، و يعلم بالمفهوم انّه إذا وسع المال الزكاة و الدين يجب أداؤهما.

الثاني: ما ذكره المحقّق و قواه من تقديم الزكاة على الدين و عدم التحاص، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين و هو مانع من تعلّق حقّ الديان بها.

الثالث: احتمال سقوط الزكاة و تقديم الدين و بالعكس احتمله العلّامة في «التذكرة» حيث قال: فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها لتعلّق الدين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة. (كما احتمل) وجوبها، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين، و هي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء. «3»

أقول: ما ذهب إليه المحقّق هو الأقوى، لأنّ تعلّق الزكاة بالعين، إمّا بنحو

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 155.

(2). المبسوط: 1/ 218.

(3). تذكرة الفقهاء: 5/ 160.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 431

و إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور، فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب و عدمه، و إن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق ففي الوجوب و عدمه إشكال.

و الأحوط الإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.* (1)

______________________________

الإشاعة و المشاركة النسبية أو بنحو الكلّي في المعيّن، أو بذمّته و العين رهن على وجه لو لم يؤدّ فلأرباب الزكاة بيعها لاستيفاء حقوقهم.

فعلى هذه الوجوه الثلاثة تقدّم الزكاة،

لأنّها لم تكن مملوكة للميت في حال حياته حتّى يرثه الوارث أو يتعلّق به دين الدائن، بل كانت ملكا لأرباب الزكاة فلا وجه لصرف مال الغير في أداء دين المالك حتى على القول بكون العين رهنا، و الزكاة تتعلّق بالذمّة، و ذلك لعدم الملكية المطلقة للمالك بالنسبة إلى مقدار الزكاة.

نعم لو قلنا بتعلّقها بالذمة المحضة كالديون من دون أن تكون العين رهنا، فالقول بالتحاص الذي ذهب إليه الشيخ هو الأقوى، لكن المبنى غير تامّ.

ثمّ أشار المصنّف إلى تتمة لهذا الفرع و هو انّه لو تلفت الزكاة في حال حياته و ماتت و هي في ذمته، صار حالها حال سائر الديون في وجوب التحاص مع الغرماء كما لا يخفى، و هو واضح لانتقال الزكاة إلى الذمة كسائر الديون.

(1)* هذا هو الفرع الثاني، و هو يركّز على كون الموت بعد ظهور الثمر و قبل التعلّق، كما إذا أطلع النخل و لكن لم يبدأ صلاحه أو ارتفع الزرع و لم تنعقد الحبة، و الزكاة تتعلّق بالثمرة في ملك الورثة لا في ملك المالك كما في الفرع الأوّل.

و على ذلك فلو قامت الورثة بأداء الدين قبل تعلّق الزكاة أو تبرّع متبرّع أو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 432

..........

______________________________

أبرأ المالك تجب الزكاة على من بلغت حصته النصاب بلا كلام، لأنّ الأصل و الثمرة ملك تام لهم فتجب فيها الزكاة لتعلّق الزكاة في ملكهم.

إنّما الكلام فيما إذا لم يؤدّوا دين الديّان إلى وقت التعلّق، فيقع الكلام في وجوب الزكاة على الورثة أو لا.

فقد استشكل المصنّف في وجوب الزكاة على الورثة و عدمه. وجه الإشكال التردّد في بقاء مقدار الدين على ملك الميّت فلا موضوع للزكاة، أو انتقاله إلى

الوارث و إن كان متعلّقا بحقّ الديّان و احتاط بالإخراج مع الغرامة للديّان أو طلب استرضائهم. هذا ما أفاده المصنّف و لكن الحقّ التفصيل التالي.

إنّ الدين إذا كان غير مستغرق للتركة كالنخل و الشجر و الثمرة، فلا شكّ في وجوب الزكاة على الورثة إذا بلغت حصتهم أو حصة بعضهم حدّ النصاب، و ذلك لأنّ التركة في غير ما يقابل الدين تنتقل إلى الورثة بلا كلام فقد تعلّقت الزكاة في ملكهم و لم يكن الدين مانعا عن تعلّقها عليهم، لأنّ المفروض وفاء التركة بها مع الزيادة.

إنّما الكلام فيما إذا كان الدين مستوعبا للتركة أو ضاقت عن أدائه، فالظاهر عدم تعلّق الزكاة بهم سواء أقلنا بعدم انتقال ما يقابل الدين إلى ملك الورثة، أم قلنا بالانتقال غير انّهم محجورون عن التصرف.

أمّا على الأوّل أي بقاء التركة على ملك الميت بمقدار الدين كما هو مقتضى قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» فالثمرة ملك الميت و هو غير مكلّف بأداء الزكاة و الورثة غير مالكين.

______________________________

(1). النساء: 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 433

..........

______________________________

و أمّا على الثاني: أي بانتقال التركة إلى ملك الورثة حتّى فيما قابل الدين، فعدم وجوب الزكاة لأجل عدم تمامية الملك و التمكن من التصرف، حيث إنّه لا يجوز للورثة التصرف فيه إلّا بأداء قيمة جميع التركة، و هذا النحو من الملكية ملكية غير طلقة بل هو تعبير آخر عن ملكية الغير.

فبذلك ظهر أمران:

1. إنّ تردد المصنّف في وجوب الإخراج و عدمه أو جزم الشرائع بعدم الوجوب «1» إنّما يفيد إذا كان الدين مستغرقا للتركة أو أكثر منها، لا ما إذا كان أقلّ منها، و إلّا فلو قلنا بسقوط الزكاة مع

كون الدين غير مستغرق يتوجه إليه ما ذكره صاحب مفتاح الكرامة حيث نقل عن العلّامة في «المنتهى» انّه قال: لو مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة و بلغت لم تجب الزكاة على الوارث لتعلّق الدين بها و لو قضي الدين و فضل النصاب لم تجب الزكاة لأنّها على حكم مال الميت.

فأورد عليه بقوله: و على هذا لو مات المالك و عليه درهم واحد، و خلّف نخيلا، فظهرت ثمرتها ألف وسق، لم يكن فيها زكاة، قضي الدين أو لا، و لو لم يقض الدين أبدا، لم يكن في نخيله زكاة أبدا، لأنّها على حكم مال الميت، و هذا لا أظن أحدا يقول به. «2»

و على ذلك يجب أن يحمل كلّ من أطلق و قال بعدم تعلّق الزكاة، على صورة استيعاب الدين كصاحب الشرائع و غيره.

2. انّ القول بالانتقال و عدمه لا يؤثر في حكم المسألة لما عرفت من أنّه إذا

______________________________

(1). قال في الشرائع: إذا مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة (عند موته) و بلغت (حدّ النصاب) لم تجب على الوارث زكاتها.

(2). مفتاح الكرامة: 3/ 49، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 434

..........

______________________________

كان الدين غير مستوعب للتركة فيجب الزكاة في فاضل الدين إذا بلغت حصص الجميع أو بعضهم حدّ النصاب لانتقال ما لا يقابل الدين إلى الورثة.

و أمّا إذا كان الدين مستغرقا فلا تجب الزكاة إمّا لعدم تعلّق الزكاة في ملك الورثة إذا قلنا بعدم الانتقال أو لعدم كونه ملكا مطلقا إذا قلنا بالانتقال.

ثمّ إنّ البحث عن عدم انتقال التركة فيما يقابل الدين إلى الورثة و بقائه في ملك الميت و عدمه موكول إلى محله، و قد عنونه صاحب الجواهر «1»

في كتاب الحجر و نقل استدلال القائلين بعدم الانتقال بروايات- مضافا إلى الآية المباركة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ*. «2»

أ. روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث». «3»

ب. صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ الدين قبل الوصية، ثمّ الوصية على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصية، فانّ أولى القضاء كتاب اللّه». 4

ج. صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى علي عليه السّلام في دية المقتول: أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم، إذا لم يكن على المقتول دين». «5»

د. رواية عباد بن صهيب. «6»

إلى غير ذلك من الروايات.

______________________________

(1). الجواهر: 26/ 84، كتاب الحجر.

(2). النساء: 12.

(3) (3 و 4). الوسائل: 13، الباب 28 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

(5). الوسائل: 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 1.

(6). الوسائل: 17، الباب 40 من أبواب الوصايا، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 435

و أمّا إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة بناء على انتقال التركة إلى الوارث، و عدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه، و أنّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.* (1)

______________________________

(1)* هذا هو الفرع الثالث و الفرق بينه و بين الثاني هو انّ المالك مات في السابق بعد الظهور و قبل التعلّق، فظهر النماء في ملك المالك، لا الورثة، بخلاف المقام فانّه مات قبل كليهما، أي قبل الظهور فضلا عن التعلّق و ربما يتوهم انّ النماء ظهر في ملك

الوارث، لكن الفرق غير صحيح، فانّ النماء يتبع الأصل، فلو كان الأصل غير منتقل فهكذا الفرع، و لو قلنا بالانتقال لكن الملكية غير تامة فهكذا النماء، فالفرعان يرتضعان من ثدي واحد و الحكم واحد.

أمّا إذا كان الدين غير مستغرق فلو بلغ الفاضل إلى حد النصاب تجب الزكاة على من بلغت حصته حدّ النصاب و إن كان الدين مستغرقا أو ضاقت التركة عن الدين فلا تجب الزكاة على الورثة.

أمّا على القول بعدم الانتقال، فالأصل ملك للميت و يتبعه النماء.

و أمّا على القول بالانتقال فالملك ليس طلقا، إذ لا يجوز لهم التصرف إلّا بأداء قيمة المال كلّه، و أي ملكية أنقص منه.

و بذلك يعلم ضعف قول المصنّف حيث قال: «بوجوب الزكاة على القول بانتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه و انّه للوارث من غير تعلّق حق الغرماء به». لما عرفت من أنّ النماء تابع للأصل، فلو قلنا بعدم الانتقال يكون الجميع ملكا للميت، و إن قلنا بالانتقال فالجميع ملك للورثة، لكن ملكية غير تامة، إذ لا يجوز لهم التصرف في التركة قبل أداء قيمة جميعها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 436

[المسألة 29: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا- مع الأرض أو بدونها- قبل تعلّق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلّق]

المسألة 29: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا- مع الأرض أو بدونها- قبل تعلّق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط، و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء (كالإرث).

و إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع.* (1)

______________________________

(1)*. في المسألة فروع:

1. إذا ملك الزرع أو الثمر بسبب من الأسباب قبل تعلّق الزكاة، فالزكاة على المشتري؛ و إذا ملك بعده، فالزكاة على البائع.

2. في الصورة التي تكون الزكاة على البائع لو علم بأدائه أو شكّ في

الأداء فليس على المشتري شي ء.

3. و إن علم عدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي، فان أجازه الحاكم الشرعي طالب بالثمن، و إن لم يجزه كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع.

4. و لو بدا للبائع فأدّى زكاته فهل يصحّ البيع منجّزا، أو يتوقف على الإجازة من الحاكم؟

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

أمّا الفرع الأوّل: فالتفريق بين التملّك قبل التعلّق فالزكاة على المنتقل إليه، سواء كان مشتريا أو موهوبا إليه أو وارثا، و التملّك بعد التعلّق فالزكاة على الناقل موافق للقاعدة، لأنّها على من يملك الزرع، أو الشجر حين التعلّق.

و في «الشرائع»: السادسة: إذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته، فالزكاة عليه، و لو اشترى ثمرة على الوجه الذي يصحّ، فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك. «1»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 251- 253، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 437

..........

______________________________

و في «الجواهر» بعد قول المحقّق: «فالزكاة عليه»: مع بقاء الثمرة على ملكه بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص جميعها متناولة له.

و فسر قوله: «و لو اشترى ثمرة على الوجه الذي يصحّ» بقوله: «بالضميمة أو أزيد من عام أو غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه» و كذا لا فرق بين الثمرة و الزرع إلّا من ابن زهرة فلم يوجب الزكاة على حصة المساقي في المساقاة، و كلّ من لا يكون البذر منه، من المالك و العامل في الزراعة. «1»

و حاصل كلام «الغنية» اختصاص الزكاة بمن يملك الأصل، ففي المساقاة الشجر للمالك و الزكاة عليه و إن كانت الثمرة بينهما و في الزراعة، الزكاة على مالك البذر من غير فرق بين مالك الأرض و العامل في

الزراعة.

قال في «الغنية»: فأمّا الزكاة فانّها تجب على مالك البذر أو النخل فإن كان ذلك (البذر) لمالك الأرض فالزكاة عليه، لأنّ المستفاد من ملكه حيث كان نماء أصله. و ما يأخذه الزارع أو الساقي كالأجرة عن عمله، و لا خلاف انّ الأجرة لا تجب فيها الزكاة، و كذا إن كان البذر للمزارع، لأنّ ما يأخذه مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فإن كان البذر منهما فالزكاة على كلّ واحد منهما إذا بلغ مقدار سهمه النصاب. «2»

يلاحظ عليه أوّلا: المساقاة و المزارعة غير الإجارة و حقيقتهما هو المشاركة في الثمرة بقيام كلّ ببعض ما يعتبر فيهما.

و ثانيا: نفترض انّ ما يأخذه من باب الأجرة لكنّها لا تنافي تعلّق الزكاة بها إذا

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 251- 252.

(2). الغنية: 2/ 291- 292. و لابن إدريس في السرائر حوار مع صاحب الغنية في المقام جدير بالمطالعة، لاحظ السرائر: 2/ 442.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 438

فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شي ء.* (1)

______________________________

ملك حصته حين الانعقاد و لكن المشهور، وجوب الزكاة على الساقي و الزارع و المالك، لأنّ كلا منهم يملك الحصة قبل بلوغ حدّ الزكاة.

(1)* هذا هو الفرع الثاني، أعني: إذا انتقل إلى الإنسان مال مشتمل على الزكاة كما إذا باع جميع العين الزكوية، و إلّا فلو كان المبيع مقدارا منها، بحيث بقى منه ما يعادل الزكاة لم تجب الزكاة في المبيع على القول بأنّ تعلّق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن، بل على الإشاعة لما مرّ من أنّ اختيار التطبيق بيد المالك، و على كلّ تقدير فإمّا أن يعلم بأنّ الناقل لم يؤد زكاته، أو يعلم بأدائه أو يشكّ.

أمّا الأوّل فهو الفرع الثالث

الذي سيوافيك، كما أنّه إذا علم بإخراج الزكاة و نقل المال فلا كلام في صحّة النقل و التصرف فيه، إنّما الكلام في الصورة الثالثة إذا شكّ في الأداء و عدمه فالمصنّف و أغلب المعلّقين على العروة اختاروا صحّة النقل و جواز التصرف من دون لزوم الفحص.

و يمكن الاستدلال عليه بوجهين:

الأوّل: أصالة الصحّة في عمل الغير حيث إنّ بيع الصبرة التي كانت مشتملة على الزكاة عمل مردّد بين الصحّة و الفساد فيحمل على الصحّة المطلوبة للطرفين، و هي إمّا العرفية إذا تعاملوا وفق القوانين الوضعية، أو شرعية إذا تعاملوا وفق الشرع.

يلاحظ عليه بوجهين: 1. انّ المراد من عمل الغير ليس إلّا العقد الصادر ممّن بيده المال و إنّما يصحّ التمسّك به إذا حرر الموضوع و شكّ في الصحّة و الفساد لأجل غيره، و أمّا إذا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 439

..........

______________________________

شكّ في الموضوع كما إذا شكّ في كون الناقل مالكا أو غير مالك كما في المقام فلا تجري أصالة الصحّة.

و بعبارة أخرى: انّ مقتضى الأصل هو حمل الموضوع على القسم الصحيح دون الفاسد، فيجب أن يكون أصل الموضوع محرزا بالوجدان و صحّته محرزة بالأصل، و أمّا إذا كان الموضوع غير محرز بالوجدان، كما إذا شك في كونه مالكا أو غير مالك، أو كون الناقل عاقلا أو مجنونا، ففي هذه الصور تسقط أصالة الصحّة عن الحجّية، و لأجل ذلك لو رأينا انّ إنسانا في حالة الركوع و شككنا انّه ركع لأجل الصلاة أو لتناول شي ء من الأرض، أو شوهد من يأتي بصورة عمل من صلاة أو طهارة أو نسك حج و لم يعلم أنّه قصد هذه العبادات، لم يحمل عليها.

و مثله ما إذا أحرز

انّ الفاعل بصدد الغسل، و شككنا انّه جاء به بعنوان التطهير الشرعي أو بعنوان التطهير اللغويّ، فلا تجري أصالة الصحّة.

فالقول بأنّ مجرى أصالة الصحّة أعمال الناس بما هي أعمال صادرة من العاقل المختار، فيحمل كلّ عمل على صدوره على وفق الموازين للأهداف المتوقعة منه كأنّه في غير محله، و الشاهد على ذلك انّ قائل هذا الكلام شرط في جريان أصالة الصحّة إحراز كون العاقد عاقلا و مختارا فلو شكّ فيهما لا تجري أصالة الصحّة، و مثلهما ما إذا شكّ في كون العاقد مالكا- كما في المقام- أو غاصبا أو غير ذلك.

و بالجملة أصالة الصحّة إنّما تنجع فيما إذا أحرزت الأركان و شكّ فيما يطرأ عليها، و قد أوضحنا الحال في بحوثنا الأصولية و قلنا بأنّ الأقوى هو نظرية المحقّق الثاني. «1»

______________________________

(1). إرشاد العقول إلى مباحث الأصول: 2/ 509.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 440

..........

______________________________

2. انّ أصالة الصحّة إنّما تجري فيما إذا كان المورد غير مقتض بطبعه للفساد و إلّا فلا تجري، مثلا: لو باع شخص العين الموقوفة و احتملنا انّه باع بالمجوز الشرعي فلا تجري أصالة الصحّة، لأنّ المورد بطبعه يقتضي الفساد و احتمال عروض المجوز لا يعبأ به، و مثله المقام فانّ بيع مال الغير (أصحاب الزكاة) لاحتمال انّه أخرج حقوقه من مال آخر لا يعبأ به.

و لعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما ربما يقال من أنّ ليس لأصالة الصحّة دليل لفظي، بل الدليل الوحيد السيرة العملية المتصلة بزمن المعصومين و القدر المتيقّن منه ما إذا أحرزت القابلية و سلطنة البائع على النقل لكونه مالكا أو وكيلا.

و مع ذلك كلّه فيمكن تقريب جريان أصالة الصحّة بوجه آخر، و هو:

إنّ الظاهر من مجموع

الأدلّة انّ الشارع جعل للمالك ولاية تامة في كيفية أداء الزكاة، فله أن يؤدّي من العين كما أنّ له أن يؤدي من خارج النصاب، و بالتالي ينقل الزكاة إلى نفسه و يكون مالكا، و معنى ذلك انّ المالك أمين في مورد حقوق المستحقين. و يؤيّده ما ورد في باب آداب المصدق بأنّه إذا قال المالك للمصدّق:

ليس في أمواله زكاة فعليه أن لا يراجعه. «1»

فإذا كان هذا موقفه فيشبه موقف الولي لمال اليتيم، فكما أنّ بيعه يحمل على الصحّة من دون لزوم فحص فهكذا المقام؛ أو كبيع الوكيل للبيع لنفسه أو لغيره، فباع لنفسه.

و على ذلك جرت السيرة حيث إنّه تشترى الأموال الزكوية من أصحابها من دون فحص و سؤال عن المالك، و ما هذا إلّا لأنّ موقف المالك موقف الولي في إطار خاص.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 441

..........

______________________________

و بذلك يفترق عن المعاملات التي يكون طبعها الفساد، كبيع الوقف أو بيع مال الطفل إذا لم يكن البائع وليا.

الثاني: قاعدة اليد أمارة الملكية، فاستيلاء المالك على الصبرة أمارة ملكه عليها.

يلاحظ عليه: بما في المستمسك من أنّ حجيّة اليد عند العقلاء مختصة بما إذا لم تكن مسبوقة بالأمانة و العدوان و لا تشمل المسبوقة بذلك، و الدليل الدالّ على الحجية، منزل على ذلك، و عليه يشكل جعلها حجّة على الملكية في الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء ثمّ تشترى بعد ذلك، و الأعيان التي تكون بأيدي الدلالين التي يعلم بكون حدوث يدهم بالولاية و الوكالة و يجهل الحال بعد ذلك. «1»

هذا و يمكن إبداء الفرق بين الاستيلاء بعنوان العدوان أو الأمانة التي ليس

للمستولي حقّ التصرّف في المال، و بين الاستيلاء بعنوان كونه أمينا و له حقّ التصرف فيه بالتبديل و الإخراج من مال آخر، فقصور القاعدة في الموردين الأوّلين لا يكون دليلا على قصوره في المورد الأخير، إذ للبائع السلطة على نقل سهم الفقراء إلى نفسه و أداء الزكاة من خارج العين، و أين موقفه من موقف الأوّلين، و على ذلك يصحّ التمسك بصحّة العقد بكلّ من الأصلين: أصالة الصحّة و قاعدة اليد و إن كانت الثانية لأجل كونها أمارة مغنية عن الأولى.

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 172.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 442

و إن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّ، فإن أجازه الحاكم الشرعيّ طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه.

و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع.* (1)

______________________________

(1)* هذا هو الفرع الثالث و هو: إذا علم أنّ البائع باع النصاب و لم يخرج زكاته، فيكون البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليا على عامة المباني إلّا على القول بتعلّقها بالذمّة من دون أن تكون العين رهنا.

ثمّ إنّ له حالتين:

أ. إمّا أن يجيزه الحاكم.

ب. و إمّا أن لا يجيز.

فعلى الأوّل قال المصنّف بأنّ الحاكم يطالب المشتري بالثمن، و لو دفعه إلى البائع- كما هو الغالب- يرجع إليه المشتري بعد دفعه ثمن الزكاة إلى الحاكم.

لكن المطالبة بالثمن تصحّ على القولين الأوّلين من الإشاعة و الكلّي في المعين، إذ على كلّ تقدير فالمبيع عين خارجي باعه مالك الصبرة فضولة فإذا أجاز الولي يأخذ الثمن، و أمّا على القول بأنّ الزكاة على الذمة و العين رهن فليس له مطالبة الثمن، لأنّ المبيع هو العين

المرهونة، لا عين الزكاة فكيف يأخذ ثمن ما لا يملك من المشتري لو أجاز لزم البيع و لكن الدين يبقى في ذمّة البائع فعلى الحاكم أن يطالبه الزكاة.

و إلى ما ذكرنا أشار السيد الحكيم قدس سرّه بقوله: أمّا إذا كان بنحو آخر- كما سيأتي- فله المطالبة بالزكاة لا بالثمن. «1»

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 172.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 443

و لو أدّى البائع الزكاة بعد البيع، ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال.* (1)

______________________________

و على الثاني، يأخذ الحاكم مقدار الزكاة من المبيع و ليس للمشتري الامتناع من دفع العين كما لى له تبديلها إلى القيمة، إذ ليس له الولاية على ذلك و إن كانت للبائع، و للحاكم بيعه من المشتري بنفس القيمة أو أزيد.

(1)* هذا هو الفرع الرابع و هو انّه إذا أدّى البائع الزكاة بعد البيع، فهل يخرج البيع عن كونه فضوليا و المشتري يتملّكه تملّكا مستقرا لا متزلزلا، أو يتوقف الاستقرار على إجازة الحاكم؟

لا شكّ انّه لا يحتاج إلى إجازة الحاكم بعد خروج البائع عن عهدة التكليف، إذ كانت له الولاية في التبديل من غير تحديد، و بيعه من الغير لا يزاحم ولايته، لأنّ المفروض انّه فضولي غير مؤثر فكأنّه واقع في حيطة ولايته فإذا أخرج من ماله فقد عمل بالتكليف و لا حاجة إلى إجازة الحاكم، إنّما الكلام في حاجته إلى إجازة البائع و قد احتمل السيد الحكيم انّ لفظ الحاكم مصحف «البائع» لأنّه من قبيل من باع مال غيره ثمّ اشتراه فهل يتوقف نفوذ البيع إلى إجازته ثانيا أو لا فهو في المقام باع مال الفقير، ثمّ ملكه بإخراج الزكاة من ماله، فهل استقرار البيع

للمشتري يتوقف على إجازة البائع أو لا؟ مقتضى القواعد هو الأوّل، لأنّ الرضا الموجود حين العقد رضا بنقل مال الغير و هو ليس شرطا لصحّة البيع، و أمّا الشرط فهو الرضا المقارن أو المتعقّب للعقد، و الأوّل غير موجود فلا محيص من الرضا المتعقب المتمثل في الإجازة، و على ضوء ذلك لو ندم البائع و لم يجز بعد الاشتراء لا يتملّكها المشتري بل يكون ملكا للبائع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 444

[المسألة 30: إذا تعدّد أنواع التمر مثلا، و كان بعضها جيّدا أو أجود]

المسألة 30: إذا تعدّد أنواع التمر مثلا، و كان بعضها جيّدا أو أجود، و بعضها الآخر رديّ أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصّته، و لكنّ الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد و إن كان مشتملا على الأجود.

و لا يجوز دفع الرديّ عن الجيّد و الأجود على الأحوط.* (1)

______________________________

لكن ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، هو عدم الحاجة، و انّ البائع لو أدّى زكاته، يكون المبيع كلّه للمشتري. «1»

(1)* في المسألة فرعان:

1. إذا كان في النصاب، الجيد و الردي ء، فهل يجوز دفع الردي ء مكان الزكاة؟

2. إذا كان النصاب كلّه جيدا، فهل يجوز دفع الردي ء مكانه؟

و إليك دراسة الفرعين واحدا بعد الآخر.

أمّا الأوّل منهما، أعني: إذا كان النصاب بعضه جيدا أو أجود، و بعضه الآخر رديئا أو أردأ فقد احتمل فيه المصنّف وجهين:

1. الأخذ من كلّ نوع بحصته، و هذا على القول بتعلّق الزكاة على نحو الإشاعة.

2. الاجتزاء بمطلق الجيد مكان الردي ء و الأجود، و هذا على القول بتعلّق الزكاة على نحو الكلّي في المعيّن.

أمّا الوجه الأوّل فقد اختاره العلّامة في تذكرته، فقال:

______________________________

(1). لاحظ الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 445

..........

______________________________

لو تعدّدت الأنواع، أخذ من كلّ نوع، بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد، و عن الفقراء بأخذ الردي ء، و هو قول عامة أهل العلم.

و قال مالك و الشافعي: إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط.

و الأولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء. «1»

و نقله المحدّث البحراني عنه بتلخيص و استحسنه. «2»

و أمّا الوجه الثاني فهو على القول بأنّ تعلّق الزكاة من باب الكلي في المعيّن، فلو أخرج مطلق الجيد فقد أخرج الفريضة لصدقها على الجيد و الأجود و الردي ء، فإخراج الجيد أخذ للفرد المتوسط بينهما.

و أمّا الفرع الثاني، أي دفع الردي ء مع كون النصاب جيدا أو أجود، فقد احتاط المصنف بعدم الجواز و كان عليه أن يقول: «الأقوى عدم الجواز» و ذلك للآية المباركة، يقول سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. «3»

قال الطبرسي في تفسير قوله: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ أي لا تتصدّقوا بما لا تأخذونه من غرمائكم إلّا بالمسامحة و المساهلة.

و قيل: انّ معناه لا تأخذونه إلّا أن تحطّوا من الثمن. «4»

و على كلّ حال فالآية ظاهرة في عدم الإجزاء و حمله على التنزيه خلاف الظاهر، و لذلك قلنا إنّ الأقوى عدم الإجزاء مكان قول المصنّف: «الأحوط».

______________________________

(1). تذكرة الفقهاء: 5/ 161.

(2). الحدائق الناظرة: 12/ 135.

(3). البقرة: 267.

(4). مجمع البيان: 1/ 381، ط صيدا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 446

[المسألة 31: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين]

اشارة

المسألة 31: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين، لكن لا على وجه الإشاعة، بل

على وجه الكلّي في المعيّن.

و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ، إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده، بخلاف ما إذا باع الكلّ، فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة الحاكم على ما مر.

و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط.* (1)

______________________________

مضافا إلى الروايات الواردة في المقام التي منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «1» قال: «كان أناس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يتصدقون بأشرّ ما عندهم من التمر الرقيق، القشر الكبير النوى، يقال له: المعافارة ففي ذلك أنزل اللّه وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ». «2»

أضف إلى ذلك استنكار العرف ذلك النوع من الإخراج، و عدّه بخسا لحقوق الفقراء.

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. الزكاة متعلّقة بالعين لا بالذمّة.

2. يجوز بيع النصاب قبل أداء الزكاة إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده.

3. إذا باع جميع النصاب يكون البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليا

______________________________

(1). البقرة: 267.

(2). الوسائل: 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 447

..........

______________________________

محتاجا إلى إجازة الحاكم.

4. لا يكفي العزم على الأداء من غير النصاب في صحّة بيع النصاب كلّه و لزومه.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر:

الفرع الأوّل: الزكاة متعلّقة بالعين
اشارة

اتّفقت كلمة الأصحاب على أنّ الزكاة تتعلق بالعين أو تجب في العين «1»، إلّا ما حكاه الشهيد في «البيان» «2» عن ابن حمزة من تعلّقها بالذمة، و ليس في «الوسيلة» المطبوعة، منه عين و لا أثر.

1. قال الشيخ في «الخلاف»: إذا حال على المال الحول، فالزكاة تجب في عين المال، و لربّ المال أن يعيّن ذلك في أي جزء شاء، و له أن يعطي من غير ذلك أيضا، مخيّر فيه». «3»

2. و قال في «المبسوط»: و الزكاة تجب في الأعيان التي فيها الزكاة لا في الذمّة لما روي عنهم عليهم السّلام: الغنم إذا بلغت أربعين ففيها شاة. «4»

3. و قال السيد المرتضى في «الانتصار»: فانّ أصول الشريعة تقتضي انّ الزكاة إنّما تجب في الأعيان لا في الأثمان. «5» (و بذلك ردّ على وجوب الزكاة في مال التجارة).

______________________________

(1). و المراد من التعبير الثاني هو تعلّقها بالعين، لا وجوب إخراجها منها كما يوهمه ظاهر التعبير.

(2). البيان: 186، و لاحظ زكاة الشيخ الأنصاري: 485.

(3). الخلاف: 2/ 30، كتاب الزكاة، المسألة 29.

(4). المبسوط: 1/ 201.

(5). الانتصار: 212.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 448

..........

______________________________

4. و قال المحقّق في «الشرائع»: و أمّا اللواحق فهي انّ

الزكاة تجب في العين لا في الذمّة. «1»

5. و قال العلّامة في «المنتهى»: الزكاة تجب في العين لا في الذمّة، ذهب إليه علماؤنا أجمع. «2»

6. و قال في «التذكرة»: الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة. «3»

7. و قال فخر المحقّقين في «الإيضاح»: الزكاة تتعلّق بالعين بإجماع الإمامية بمعنى ملك الفقير بالفعل لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في أربعين شاة شاة. «4»

إلى غير ذلك من الكلمات التي نقلها العاملي في مفتاح الكرامة. «5»

و الغرض من التصريح بذلك نفي أمرين:

أ. أن يكون إيجاب الزكاة بصورة حكم تكليفي كوجوب الانفاق على الوالدين على نحو لو خالفه، لا يتعلّق بماله و لا بذمّته شي ء، بخلاف ترك الإنفاق على الزوجة، فلو لم ينفق تتعلّق النفقة بذمّته و يكون مديونا يجب الخروج عنها.

ب. أن يتعلّق الوجوب بذمّته ابتداء كسائر الديون، بحيث لا يكون لأرباب الزكاة أيّ حقّ في العين فهو مديون، سواء بقي النصاب أم تلف بلا تفريط.

و هذان القولان، ممّا لم يذهب إليه أحد من أصحابنا إلّا ابن حمزة على ما نسب إليه.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 138، قسم المتن.

(2). المنتهى: 1/ 505.

(3). التذكرة: 5/ 187.

(4). الايضاح: 1/ 207.

(5). مفتاح الكرامة: 3/ 111، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 449

..........

______________________________

نعم نقل الشيخ في «الخلاف» التعلّق بالذمّة قولا للشافعي لكن جعل العين رهنا لما في الذمّة. «1» و نقله عنه أيضا العلّامة في «التذكرة». «2»

و على ذلك فليس الشافعي قائلا بتعلّقها بالذمّة المحضة، بل بها بقيد كون العين رهنا. نعم ذهب ابن حزم من الظاهرية إلى تعلّقها بالذمّة فقط قال: مسألة:

و الزكاة واجبة في ذمّة صاحب المال لا عين المال. «3»

و قد حكى المحقّق

في «المعتبر»، دليل القائل به بالنحو التالي:

1. لو وجبت في العين، لكان للمستحقّ إلزام المالك بالأداء من العين.

2. لو وجبت في العين لكان للمستحقّ منع المال من التصرف في النصاب إلّا مع إخراج الفرض.

و قد أجاب المحقّق عن الأوّل بأنّ الزكاة وجبت جبرا و إرفاقا للفقير، فجاز العدول عن العين تخفيفا عن المالك، ليسهل عليه دفعها.

و عن الثاني بجواز التصرف إذا ضمن الزكاة. «4»

و مفاد الجوابين تخصيص الضوابط العامة من الملكية الإشاعية بدليل، و الأولى أن يقال: انّ ما ذكره من الوجهين إنّما يتمّان لو قلنا بأنّ تعلّقها بالعين على نحو الإشاعة، لكن التعلّق بالعين لا ينحصر بالوجه المزبور، بل له صور متعدّدة ستوافيك.

هذا و قد عرفت ادّعاء صاحب الإيضاح إجماع الإمامية على تعلّقها بالعين، و إن كان الإجماع منهم، إجماعا مدركيّا استندوا في فتاواهم إلى ظواهر النصوص من

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 30، كتاب الزكاة، المسألة 29.

(2). التذكرة: 5/ 198.

(3). المحلى: 5/ 262.

(4). المعتبر: 2/ 520- 521.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 450

..........

______________________________

قولهم: «في أربعين شاة شاة»، مضافا إلى الوجوه التالية:

1. لو وجبت في الذمّة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول.

2. إذا قصرت التركة عن أداء الدين لم تقدّم الزكاة مع بقاء النصاب.

3. إذا تلف النصاب من غير تفريط لم تسقط الزكاة.

4. إذا باعها المالك، لم يجز للساعي تتبع العين إن لم يؤدّ البائع الزكاة. «1»

5. لما صحّ للإمام أن يقول: «إنّ اللّه أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم». «2»

إذا عرفت عدم صحّة هذين الوجهين تعيّن القول بتعلّق الزكاة بالعين غير انّ تعلّقها بها يتصوّر على وجوه نشير إلى رءوسها الثلاثة:

1. التعلّق على نحو الإشاعة.

2.

التعلّق على نحو الكلّي في المعيّن.

3. التعلّق على نحو تعلّق الحقّ. و إليك دراسة الكل.

الأوّل: أن تتعلّق الزكاة بالعين على نحو الإشاعة بأن يكون كلّ جزء من أجزاء الصبرة ملكا مشاعا للمالك و مستحق الزكاة، بحيث يكون كلّ منهما مالكا مستقلا لبعض الملك كالنصف أو الثلث أو غيرهما. كما هو الحال في الملك الموروث، فكلّ وارث يجد نفسه مالكا للسهم المعيّن ملكية تامة، و هذا النوع من الملكية واقع، فالمالك و الملكية و المملوك متعدّد.

الثاني: أن تتعلّق الزكاة بالعين بنحو الكلّي في المعيّن كما هو المعروف فيمن باع صاعا من صبرة معينة، فالخصوصيات الشخصية غير ملحوظة إلّا خصوصية

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 451

..........

______________________________

واحدة و هي كونه من هذه الصبرة.

و ربما يقال بأنّ الكلي في المعيّن غير متصوّر، لأنّ مقتضى الكلية كونه في الذمّة لا في الخارج، إذ كلّ ما في الخارج فهو جزئي و كونه في المعين بمعنى كونه في الخارج لا في الذمّة، فكيف يجمع بين الكلية و الخارجيّة؟ و الإجابة عنها واضحة، لأنّ المراد من الخارج إن كان هو الفرد المشخص و العين المعيّن فهو لا ينسجم مع الكلية، و أمّا إذا أريد من الخارج عدم تجاوز الفرد المبيع من هذه الصبرة فهو ينسجم مع الكلية.

و بعبارة أخرى: انّ الكليّ في المعيّن كالكلّيّ في الذمّة غير انّ ظرف الثاني هو الذمّة، فذمّة البائع مشغولة لا ذمّة فرد آخر، و ظرف الأوّل هو الصبرة و انّه يجب أن يدفع من هذه الصبرة لا من الصبرة الأخرى.

فهذا النوع من التصوير

من الملكية بمكان من السهولة بشرط أن ينظر إلى هذه المفاهيم بنظرة عرفية لا بنظرة فلسفية.

و على كلّ تقدير فعلى هذين الفرضين فمستحق الزكاة مالك بالفعل عشر النصاب أو نصف عشره إمّا بنحو الإشاعة، أو بنحو الكلي في المعيّن.

فملكيّته ملكيّة فعلية تامّة لا تتوقّف على شي ء.

و هذا ما يطلق عليه «التعلّق بنحو الاستحقاق» أي الملكية الفعلية المستلزمة للشركة أو بنحو الكلّي في المعيّن. و ستوافيك دراسة أدلّة القولين و مناقشتهما.

الثالث: أن يكون تعلّقها على نحو «الاستيثاق» مقابل تعلّقها على نحو «الاستحقاق» بمعنى الملكية الفعلية، و حاصل هذا الوجه انّ الشارع فرض على المالك بأن يتصدق بشي ء من ماله على الفقير و يعطيه إليه تبرعا بقصد القربة،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 452

..........

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 452

______________________________

فيتولد من هذا الحكم التكليفي حكم وضعي، و هو تعلّق حق الفقير للمال الذي أمر اللّه مالكه أن يتصدق به عليه، نظير استحقاقه للمال الذي نذر مالكه أن يتصدّق به عليه.

و هذا الوجه (الثالث) من أقسام التعلّق بالعين يخالف الوجهين الماضيين في أنّ ما يصرفه المالك في مصارف الزكاة على هذين الوجهين ليس ملكا للمالك و إنّما هو ملك للمصرف و قد أمر بأن يدفعه إليه، غاية ما يمكن انّ للمالك اختيار أي جزء من الأجزاء أو أي فرد من الأفراد.

و هذا بخلاف الوجه الثالث، فالنصاب كلّه ملك للمالك غير انّه سبحانه و تعالى أمره بالتصدّق بجزء منه، و هذا الأمر أوجد حقّا للفقير و نظيره، دون أن يكون الفقير مالكا بالفعل شيئا

في نفس النصاب.

و الذي يوضح صحّة الوجه الثالث هو انّه لو قلنا بالوجهين الأوّلين و انّ العشر مثلا ملك فعليّ للفقير فهو مأمور بإيصال مال الغير إليه، لزم عدم الحاجة إلى قصد القربة، إذ لم يعهد في الشرع وجوب قصد القربة في دفع مال الغير إليه، و هذا بخلاف الوجه الثالث فانّ اعتبار قصد القربة يكون على وفق القاعدة حيث أمره سبحانه أن يخرج شيئا من أمواله و يدفعه إلى الفقير تقربا إلى اللّه سبحانه، فقصد القربة على الوجهين الأوّلين على خلاف الضابطة بخلافه على الوجه الثالث.

و يؤيّده أمور:

1. قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. «1»

______________________________

(1). التوبة: 103.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 453

..........

______________________________

فظاهر الآية أنّ ما يأخذه النبي ملك للمالك، و هو مأمور بالدفع و هذا مأمور بالأخذ، لا انّه بالفعل ملك للفقير.

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به». «1»

3. صحيحة عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم». 2

4. حسنة الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «انّ اللّه عزّ و جلّ جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء». «3»

كلّ ذلك يعرب عن أنّ النصاب ملك للمالك، و لكنّه مأمور بدفع شي ء إلى مستحقّي الزكاة كما أنّ ناذر الصدقة مأمور بصرف ما نذره في مورده، فيتولّد من هذا الحكم

التكليفي حكم وضعي، و هو تعلّق حق (لا ملك) بمال المالك، فيعد ملك المالك وثيقة لمستحقّي الزكاة.

5. و الذي يعرب عن أنّ التعلّق على نحو «الاستيثاق» و إن شئت قلت:

تعلّق حقّ لمستحق الزكاة بمال المالك، هو الارتكاز العرفي في الضرائب العرفية، فإنّ دائرة الضرائب التي وظيفتها جباية الضرائب لا ترى نفسها مالكة بالفعل على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن للأموال التي اكتسبها التاجر أو الكاسب، و إنّما ترى صاحب الأرباح مكلّفا من جانب الدولة بإخراج 20% من الأرباح التي اكتسبها من هذه السنة أو السنة الماضية، فأوجد ذلك التكليف، حقّا لدائرة

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 9.

(3). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 454

..........

______________________________

الضرائب لأن تطلب منه ما فرضته الدولة، و ترى نفسها محقّة في هذا الطلب و الأخذ على نحو لا تملك إلّا بدفع المالك، و أخذ الجابي.

و على هذا الوجه تصحّح أكثر الفروع التي أفتى بها المشهور دون القولين الأوّلين خصوصا القول بالإشاعة، كما سيوافيك.

نعم، تعلّق الزكاة بالنصاب على نحو الاستيثاق، و إن شئت قلت: على نحو تعلّق الحق، يتصوّر على وجوه سوف نشير إليها بعد استيفاء الكلام في الوجهين الأوّلين و دراسة أدلّتهما.

1. التعلّق على وجه الإشاعة
اشارة

إنّ هذا الوجه هو المعروف بين الفقهاء و إن لم يلتزموا بلوازمه، و يستدلّون بذلك بوجوه نذكر منها وجهين:

الأوّل: اتّخاذ النصاب ظرفا للواجب

و قد صرّح في غير واحد من الروايات بأنّ النصاب ظرف للفريضة، نحو:

- في أربعين شاة، شاة. «1»

- و في أربعة دنانير، عشر دينار. «2»

- و فيما سقت السماء العشر. «3»

فهذه التعابير ظاهرة في الإشاعة.

و أجيب عن الاستدلال بوجهين:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(3). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 455

..........

______________________________

1. انّ «في» ليست للظرفية، بل للسببية مثل قوله: «في قتل الخطأ مائة من الإبل». «1»

2. عدم تعقّل الظرفية في نحو قوله: «في خمس (من الإبل) شاة». «2»

و لا يخفى ضعف الجوابين، لأنّ استعمال لفظة «في» في السببية قليل، و حملها على السببية في مورد «في قتل الخطأ مائة من الإبل»، لأجل أنّ القتل من قبيل الأفعال، و الإبل من قبيل الجواهر و لا يصلح الفعل ظرفا للجوهر فحملت على السببية، كما أنّ عدم تعقله في مورد «خمس من الإبل شاة» يكون قرينة صارفة عن الظهور، في خصوص هذا المورد، دون الموارد الأخر، و الأولى أن يجاب بوجهين آخرين:

1. انّ هذه الروايات بأسرها في مقام بيان مقدار الواجب في الأنعام و النقدين و الغلّات، لا بصدد بيان كيفية التعلّق.

2. انّ هذه التعابير كما تصحّ عن القول بأنّ التعلّق على نحو الإشاعة تصحّ على القول بأنّ التعلّق من قبيل الكلّي في المعيّن، أو من قبيل تعلّق الحقّ. فللفقراء حقّ في أموال الأغنياء بالمقدار المعلوم يجب عليهم إخراج هذا الحقّ

من أموالهم و لا يكون مالا لهم إلّا بالإخراج.

ثمّ إنّ القوم أطنبوا في تفسير الجار في الروايات المذكورة، فمن قائل بأنّه ظرف لغو متعلّق بفعل مقدّر، إلى قائل بأنّه ظرف مستقر متعلّق بمثل «كائن» و مع إطنابهم في متعلّقه لم يخرجوا بشي ء تسكن إليه النفس.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب دية النفس، الحديث 8.

(2). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 456

..........

______________________________

و الأولى استكشاف المراد من أمثال هذه الكلمات بالإمعان في المحاضرات العرفية، و قد عرفت أنّ موظف دائرة الضرائب إذا خاطب التاجر بأنّ للدولة في ماله 20% ضريبة لا يفهم منه انّ الدولة مالكة لهذا المقدار بالفعل بل يفسره بنحو تعلّق الحقّ.

الثاني: الشركة بين الأغنياء و الفقراء
اشارة

إنّ الروايات تعدّ الفقراء شركاء الأغنياء في المال، ففي موثّقة أبي المعزى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم». «1»

يلاحظ عليه: أنّ ظاهر الرواية و إن كان هو التعلّق بالعين بنحو الاستحقاق- أي كون الفقير مالكا لسهمه بالفعل- لكنّ الرواية إذا انضمت إلى الآية المباركة تفسّر بها، فإنّ الأصل في الزكاة هو آية الصدقة، أي خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً «2»، و مفادها انّ اللّه تبارك و تعالى فرض على عباده في أموالهم الصدقة، أي أوجب عليهم أن يعطوا شيئا من أموالهم في سبيل اللّه، و بهذه المناسبة عدّ الفقراء شركاء الأغنياء كما يقال انّ الدولة شريك التاجر بمقدار الضريبة، فتفسير هذه التعابير على مستوى الفهم العرفي أولى من الجمود على العبارة، و تؤيده رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن

أبيه عليه السّلام قال: «كان علي صلوات اللّه عليه إذا بعث مصدّقه قال له: إذا أتيت على ربّ المال فقل: تصدّق رحمك اللّه ممّا أعطاك اللّه». «3»

و بذلك يعلم مفاد حديث بريد بن معاوية في آداب المصدق، قال:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2). التوبة: 103.

(3). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 457

..........

______________________________

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: بعث أمير المؤمنين مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده- إلى أن قال:- فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه فانّ أكثره له». «1»

فانّ التعبير بالأكثر تعبير بالنتيجة فانّ مآل الأمر إلى أنّ الأكثر للمالك و القليل لأصحاب الزكاة، و تفسير هذه التعابير عن طريق المرتكزات العرفية أحسن من تفسيرها بالدقّة العقلية.

فإن قلت: إذا كان التعلّق على نحو تعلّق الحقّ، فلما ذا تؤخذ الزكاة من المشتري للنصاب إذا لم يدفع البائع زكاته كما في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «2»؟

و لما ذا يشارك الفقير في الربح إذا اتّجر به المالك كما في رواية علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام. «3»

قلت: سيوافيك تفسيرهما بعد الفراغ عن تبيين الوجوه المتصوّرة في المقام.

الفتاوى المخالفة للشركة النسبية

ثمّ إنّ هناك فتاوى مشهورة بين الأصحاب لا يمكن الإفتاء بها مع القول بأنّ الزكاة ملك للفقراء على نحو الإشاعة.

1. انّ مقتضى الشركة الحقيقية حرمة تصرّف كلّ من الشريكين في المال إلّا بإذن صاحبه مع أنّ المقام ليس كذلك.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من

أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 458

..........

______________________________

2. لو كان التعلّق بنحو الإشاعة لما جاز الدفع من غير العين من غير إذن أصحاب الزكاة.

3. لو كان التعلّق بنحو الإشاعة لكان النماء لأصحابها، مع أنّ النماء للمالك و ليس للساعي التعرض لنماء الأنعام. و يظهر من الإيضاح انّه أمر اتّفاقي. «1» و يؤيده عدم تعرض الأصحاب للنماء و المنافع عند حلول الأموال على النصاب.

4. لو كان التعلّق بنحو الإشاعة يلزم على المالك ضمان المنافع عند التأخير و إن لم يستوفها.

5. لو كان التعلّق بنحو الإشاعة و تلفت الزكاة بالتفريط يجب أن يضمن بالقيمة في الأنعام، لأنّها قيمية لا بالمثل مع أنّه يكفي المثل.

6. اتّحاد سياق الروايات الواردة في الزكاة الواجبة و المستحبة، كزكاة مال اليتيم، و ما عدا الغلّات الأربع من المكيلات، بل بعض الروايات الواردة في بيان ما ثبت فيه الزكاة، مشتملة على الواجب و المستحب، مع أنّه لا يمكن الالتزام بالشركة الحقيقية في المستحب، فالمقصود بثبوت الزكاة فيها كونها متعلّقا لحقّ الفقير، الناشئ من إيجاب الشارع أو ندبه التصدّق بشي ء منها عليه، كغيرها من الحقوق الثابتة للفقراء في أموال الأغنياء، ممّا عدا الزكاة المبيّنة في الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ «2» و قوله تعالى: فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ. «3»

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 251. انظر كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري: 487، و إيضاح الفوائد: 1/ 208.

(2). الأنعام: 141.

(3). المعارج: 24- 25.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 459

..........

______________________________

7. الظاهر انّ الكيفية في عامّة الموارد بنحو واحد، و من المعلوم عدم

صحّة التشريك الإشاعي في مثل «في كلّ خمس من الإبل شاة» بل في غيره ممّا يكون الفرض مبائنا للعين كالحقّة و الجذعة و ابن اللبون، إذ ربما لا تكون العين مشتملة على نوع الفريضة، فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور المدّعى على فرض ثبوته.

2. التعلّق على نحو الكلّي في المعيّن
اشارة

هذا هو الوجه الثاني للقول بتعلّق الزكاة بالعين بنحو الملكية الفعلية لا بمعنى اشتراك كلّ من المالك و المستحق في كلّ جزء من أجزاء النصاب بنسبة خاصة، بل بمعنى انّ النصاب لمّا كان مشتملا على أعشار، فعشر واحد بين عشرة أصواع، ملك للفقراء؛ نظير بيع صاع من صبرة، فبما انّ الصبرة تشتمل على عشرة أصوع يكون المبيع صاعا واحدا من هذه العشرة أصواع؛ فكما أنّ المبيع في المثال صاع من عشرة أصواع غير متميزة، فهكذا ملك الفقير عبارة عن عشر واحد بين عشرة أعشار كلّها غير متميزة، إلّا من جهة واحدة، و هي كون الدفع و الإخراج من هذه الصبرة أو من هذا النصاب.

و هذا النوع من الاعتبار لا غبار عليه، و ليس أمرا حديثا، كيف و هو كان أمرا رائجا في عصر أئمّة أهل البيت.

روى بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن «1» قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن- إلى أن قال:- و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن و بقي عشرة آلاف طن، فقال: «العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري». «2»

______________________________

(1). حزمة القصب، و القصبة الواحد «طنّة».

(2). الوسائل: 12، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

460

..........

______________________________

و لمّا كان الأنبار مشتملا على ثلاثة، عشرة أطنان، فقد اشترى الرجل واحدا من هذه الثلاثة ملغيا عامة المشخصات إلّا كونه من هذه الأجمة المكونة من هذا الأنبار، و هذا هو المسمّى في مصطلح العلماء بالكلّي في المعيّن.

و الثمرة بين الشركة الإشاعية و الكلّي في المعيّن هو انّه لو تلفت الصبرة و لم يبق منها إلّا مقدار المبيع، يحسب التلف على القول بالإشاعة على الشركاء عامة، بخلافه على القول الثاني فيحسب على المالك فقط كما في الرواية.

و ربما يدّعى ظهور قوله «في كلّ أربعين شاة» في الكلّي في المعين، إذ لو أريدت الإشاعة بأن كان كلّ فرد من تلك الشياه مشتركا فيه بين المالك و الفقير بنسبة الواحد إلى الأربعين لكان دفع الشاة الواحدة دفعا لما يعادل تلك الأجزاء المتشتّتة لا إخراجا لنفس الفرض بالذات و ظاهر الدليل هو الثاني. «1»

يلاحظ على هذا الوجه:

لو كان التعلّق على نحو الكلّي في المعيّن يجب الإخراج من نفس النصاب، لما عرفت من أنّ المشخصات تكون ملغاة إلّا كونه من النصاب أو الصبرة مع أنّه يجوز الإخراج من خارج النصاب.

نعم حاول المحقّق في «المعتبر» أن يجيب عن الإشكال بأنّ العدول عن العين لأجل التخفيف على المالك. «2»

إلى هنا تبيّن انّ الوجهين الماضيين في تفسير تعلّق الزكاة ليسا بتامين، فلم يبق إلّا القول الثالث، و هو كون التعلّق على النحو الآخر و يعبر عنه بتعابير ثلاثة:

______________________________

(1). المستند: كتاب الزكاة: 1/ 388.

(2). المعتبر: 2/ 520.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 461

..........

______________________________

1. تعلّق الزكاة بالمال تعلّق استيثاق.

2. تعلّق الزكاة به تعلّق حقّ بالنصاب.

3. ملكية المستحق ملكية شأنية لا فعلية و إنّما تتحقّق الفعلية بالدفع.

هذه التعابير الثلاثة يجمعها شي ء واحد،

و هو انّ الشارع لمّا أمر المالك بدفع عشر النصاب أو نصف عشره ينتزع منه تعلّق حقّ للمستحق بالنصاب على نحو يجب على المالك الخروج عن عهدة هذا الحقّ، فهذا ما يسمّى بالملكية الشأنية في مقابل الفعلية.

و هذا النحو من التعلّق يتصوّر على وجوه:

الأوّل: أن تكون العين وثيقة كسائر الوثائق، فالعين بما انّها ملك للمالك رهن للمرتهن. و النصاب بما انّه ملك للمالك رهن لمستحقّ الزكاة فلا يجوز التصرف فيه إلّا بفك الرهن.

يلاحظ عليه: أنّ الرهن لو تلف بغير تفريط يقع التلف في ملك الراهن و يبقى الدين في ذمة المديون، بخلاف المقام فلو تلف النصاب كلّه أو بعضه بغير تفريط يحسب على المالك و المستحق.

الثاني: انّ تعلّق الزكاة بالنصاب كتعلّق حقّ الغرماء بتركة الميت فليست ذمة الوارث مشغولة بالدين، كما أنّ ذمة المالك في المقام كذلك، بل التركة بنفسها مورد للحقّ لكن لا بشخصها بل بماليتها، فلذلك لو أدّى الوارث الدين من الخارج يكون مصداقا لحقّ الدائن، و ذلك لأنّ التركة بماليتها متعلّقة للحقّ لا بشخصه فيجوز الأداء من الخارج.

يلاحظ عليه: بأنّ باب الزكاة لا يمكن أن يكون من ذلك الباب، لأنّه لو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 462

..........

______________________________

تلف بعض النصاب من غير تفريط يحسب التلف على الطرفين، بخلاف المقيس عليه فلو تلف بعض التركة و كان في الجزء الباقي كفاية لأداء الدين يتعلّق الدين بالباقي منها، و لا يتضرّر الديّان أبدا إلّا أن يرد التلف على الجميع.

الثالث: أن يكون تعلّقه بالنصاب مثل تعلّق النذر بالعين، فلو نذر انّه لو نجح في الامتحان أن يتصدّق بشاة معينة، و قال: للّه عليّ التصدّق بهذه الشاة إن كان كذا، فيتولّد من حكم الشارع

على العمل بالنذر حقّ للمنذور له فيها.

يلاحظ عليه: أنّ القياس غير صحيح، إذ لا يجوز الخروج في مورد التصدّق عن حدود العين، بخلاف باب الزكاة فانّه يجوز الأداء من خارجه.

الرابع: أن يكون تعلّقها بالعين كتعلّق أرش الجناية بالعبد الجاني، فلو قتل عبد حرا عمدا يكون ولي الدم مخيّرا بين القصاص و الاسترقاق، و لو قتله خطأ فالخيار ليس لولي الدم بل للمولى، بين أن يدفع الدية أو يسترقه ولي الدم.

هذا هو الذي احتمله الشهيد في «البيان» و قال: و يحتمل انّه كتعلّق أرش الجناية بالعبد. «1»

هذا و يمكن أن يكون تعلّق الزكاة كتعلّق أرش الجناية بالعبد الخاطئ حيث إنّ المولى مخيّر بين أداء الدية و دفع نفس العبد للاسترقاق كما أنّ المالك مخيّر بين أداء القيمة و العين.

كما يمكن أن يكون تعلّق أرش الجناية بالعبد العامد، فكما أنّ ولي الدم ليس بمالك إلّا شأنا و إنّما يتملّك بالاسترقاق- إذا انصرف عن القصاص- فهكذا المقام فالملكية بالنسبة للمستحق شأنية لا تصير فعلية إلّا بدفع المالك، العين.

______________________________

(1). البيان: 87.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 463

..........

______________________________

الخامس: أن يكون تعلّقها بالعين كتعلّق حقّ الزوجة بتركة الزوج، بمعنى انّ الشركة في الماليّة لا في العين، فالزوجة ترث قيمة الأعيان أو ربعها فهي شريكة للوارث في المالية، فعلى الوارث إخراج حقّها منها بتقويمها و دفع قيمتها إليها، و ليس للزوجة دين ثابت في ذمّة الورثة بل لها حقّ متعلّقا بالتركة، و لو ورد التلف على التركة يحسب عليهما لا على الوارث وحده و لا على الزوجة وحدها، كما يجوز إخراج قيمة الأعيان من خارجها لما عرفت من أنّ الشركة إنّما هي في قيمة الأعيان لا في شخصها.

هذه هي الوجوه

الخمسة المعبرة كلّها عن الملكية الشأنية دون الفعلية، و انّ تعلّق الزكاة أشبه بتعلّق الحقّ بالعين.

و الأولى و الأظهر من هذه الوجوه الخمسة هو الأخير، و لكن إكمال البحث رهن دراسة حديثين ربما يتصور عدم موافقتهما للوجه الأخير.

إكمال

1. روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه [أي من المشتري] زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع». «1»

فإنّ معنى الرواية انّ الساعي يأخذ الزكاة من المشتري و يتبع المشتري البائع لأخذ ما دفعه من باب الزكاة إلّا أن يؤدّي البائع زكاتها.

فتتبع الساعي المشتري يدلّ على تعلّق الزكاة بالعين بنحو الشركة الإشاعية، فانّ ما أخذه المشتري ملك مشاع للبائع و المستحق، غير انّ البائع نقله إلى

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 464

..........

______________________________

المشتري برضاه و أخذ الثمن فبقي سهم المشتري تحت يده يرجع إليه في ما استولى عليه، فلو كان من باب الشركة في المالية يجب أن يرجع الساعي إلى البائع دون المشتري.

يلاحظ عليه: أنّ الرواية من أدلّة كون التعلّق بنحو الشركة المالية، و ذلك لأنّ ظاهرها، انّ البائع لو أدّى الزكاة بالثمن الذي أخذه من المشتري فقد أدّى نفس الزكاة، لا قيمتها، و لو كان التعلّق بنحو الشركة الإشاعية فقد أدّى قيمتها لا نفسها، و هو خلاف ظاهر الرواية.

و أمّا الرجوع إلى المشتري فلأجل ايجاد الضغط على البائع حتى يؤدّي زكاتها، و لأجل ذلك ذيّل كلامه بقوله: «و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» و

يحتمل لأن يكون «أو» بمعنى «إلّا» أي يتبع بها البائع إلّا أن يؤدّي البائع زكاتها.

2. روى علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها، قال: «اعز لها، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعز لها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها». «1»

و الرواية موافقة للقاعدة (لو عمل بها) لأنّه لمّا اتّجر بالنصاب فقد اتّجر بماليته، و هي مشتركة بين المالك و المستحق، فيكون له قسط من الربح.

و أمّا عدم توجه الوضيعة عليه، لأنّه لم يكن مأذونا له في التصرّف.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 465

..........

______________________________

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه يمكن تبيين كيفية التعلّق بأحد طرق ثلاثة:

الأوّل: ملاحظة لسان الأدلّة.

الثاني: دراسة الأحكام الشرعية الواردة في الزكاة و انّها تنطبق على أي واحد من هذه الفروض.

الثالث: أن يستكشف كيفية التعلّق من خلال تعلّق الضرائب الرائجة في العالم.

و الأوّل غير نافع لما عرفت من أنّها ليست لبيان كيفية التعلّق، بل لبيان أمور أخرى أظهرها انّها في مقام بيان المقدار و ما يجب عليه، و انّ أكثر التعابير نازلة منزلة ما هو المتعارف عند العرف في أخذ الضرائب و دفعها.

و أمّا الثاني فهو على قلّته يمكن أن يسلط الضوء على المسألة.

و أمّا الثالث، أعني: استكشاف كيفية التعلّق من التوغّل في الارتكازات العرفية فهو المهمّ. و على ضوء ذلك فالقول بأنّ التعلّق على نحو

الشركة المالية السيالة أفضل الوجوه و أحسنها و أكثر انطباقا على القواعد و الأحكام الواردة.

*** هذا كلّه حول الفرع الأوّل و إليك دراسة الفروع الباقية.

الفرع الثاني و الثالث: لو باع النصاب قبل أداء الزكاة

إذا باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب، فعلى القول بالشركة الإشاعية يكون البيع فضوليا بالنسبة إلى الكسر المشاع، و أمّا على القول بكونه من قبيل الكلّي في المعيّن فلا يكون كذلك إذا بقي بمقدار الزكاة.

كما أنّه لا يكون فضوليا على القول بأنّ العين رهن، فانّ الرهن هو مقدار

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 466

..........

______________________________

الزكاة و المفروض هو بقاؤه لا جميع المال، و الرائج كون الرهن بمقدار الدين. نعم لو باع النصاب كلّه يكون فضوليا بالنسبة إلى مقدار الرهن.

و أمّا على المختار من الشركة في المالية، فالمعاملة فضولية، إذ لا ولاية للمالك على نقلها من عين إلى عين أخرى، نعم له الولاية في التطبيق، أو الأداء من خارج النصاب، أو الإخراج بالقيمة، لكن ليس له الولاية بنقل المالية إلى الذمّة، أو إلى عين أو نقد، و هذا هو المبنى لكون البيع فضوليا أو كون الربح عند المعاملة للفقير.

فإن قلت: ما الفرق بين باب الزكاة، و الخمس حيث يجوز التصرّف في مال التجارة و التقلّب فيه إلى نهاية السنة، فالكاسب و التاجر يتصرّفان فيما تعلّق به الخمس حتى يتم العام، و لا يعدّ التصرّفات المتعاقبة المتواردة على ما فيه الخمس تصرّفا فضوليا دون المقام؟

قلت: الإجابة واضحة بعد ملاحظة انّ الخمس بعد إخراج مئونة السنة كما في الرواية «1»، فقد رخّص الشارع في تأخير إخراج الخمس إلى نهاية عام الربح، و معناه الترخيص في التصرّف فيما تعلّق به الخمس إلى ذلك الموعد، و هذا بخلاف باب الزكاة فالمستثنى هو مئونة

الزراعة، لا مئونة الزارع و من عليه نفقته.

الفرع الرابع: في عدم كفاية العزم على الأداء

هل يكفي عزمه على الأداء في استقرار البيع؟ الظاهر: لا، إذ لا تأثير للعزم في بيع مال الغير سواء على القول بالإشاعة أو الكلّي في المعيّن، كما أنّه لا يفك الرهن بالعزم. و هكذا على المختار، فإنّ نقل المالية نقل فضولي لا يكفي فيه العزم.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1- 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 467

[المسألة 32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم]

المسألة 32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم، بل و الزرع على المالك. و فائدته جواز التصرّف للمالك بشرط قبوله كيف شاء. و وقته بعد بدوّ الصلاح و تعلّق الوجوب، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة، أو بغيره من عدل أو عدلين، و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن. و لا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة، و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى. ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه. و يجوز لكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش. و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز. و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو من غيره.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع:

1. يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم و الزرع على المالك.

2. فائدة الخرص جواز التصرّف للمالك (بشرط قبوله) كيف شاء.

3. وقت الخرص هو بدوّ الصلاح.

4. يجوز للمالك الخرص بنفسه إذا كان من أهل الخبرة.

5. يجوز الخرص بغير المالك من عدل أو عدلين.

6. عدم اشتراط الصيغة في الخرص.

7. لو زاد فهو للمالك و

لو نقص كان عليه.

8. يجوز لكلّ من الخارص و المالك الفسخ إذا كان الغبن فاحشا.

9. لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 468

..........

______________________________

10. للحاكم الشرعي بيع نصيب الفقراء- بعد الخرص- من المالك أو غيره.

هذه فروع عشرة.

الفرع الأوّل: في جواز الخرص

إنّ جواز الخرص على وجه الإجمال ممّا اتّفق عليه أصحابنا و أكثر أهل السنّة، و إنّما خالف فيه الثوري و الشعبي و أبو حنيفة.

نعم الاختلاف بيننا في عطف الزرع على ثمر النخل و الكرم. فالمشهور هو جواز الخرص فيه، و خالف فيه بعض أصحابنا كما سيوافيك، و ذلك لاختصاص النص بالأوّلين و عدم عمومه للثالث، و لننقل بعض الكلمات.

قال الشيخ في «الخلاف»: يجوز الخرص على أرباب الغلّات، و تضمينهم حصة المساكين. و به قال الشافعي، و عطاء، و الزهري، و مالك، و أبو ثور، و ذكروا انّه إجماع الصحابة.

و قال الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز الخرص في الشرع، و هو من الرجم بالغيب، و تخمين لا يسوغ العمل به، و لا تضمين الزكاة، هذا ما حكاه المتقدّمون من أصحاب الشافعي عنه.

و أصحابه اليوم ينكرون و يقولون الخرص جائز و لكن إذا اتّهم ربّ المال في الزكاة خرص (الحاكم) عليه، و تركها في يده بالخرص، فإن كان على ما خرص فذاك، و إن اختلفا فادّعى ربّ المال النقصان، فإن كان ما يذكره قريبا قبل منه، و إن كان تفاوت لم يقبل منه.

و أمّا تضمين الزكاة، فلم يجيزوه أصلا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 469

..........

______________________________

دليلنا: إجماع الفرقة، و فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأهل خيبر، و كان يبعث في كلّ سنة عبد اللّه بن رواحة

حتى يخرص عليهم.

و روت عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا إلى خيبر. فأخبرت عن دوام فعله.

و روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتّاب انّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال في الكرم: «يخرص كما يخرص النخل، ثمّ تؤدّى زكاته زبيبا، كما تؤدّى زكاة النخل تمرا». «1»

و يظهر من الشيخ انّه لا فرق بين الزرع و ثمر النخل و الكرم، و لكنّ استدلاله ببعث عبد اللّه بن رواحة خارصا إلى خيبر، غير تام؛ لأنّ الخرص هناك كان لغير غاية تحديد مقدار الزكاة، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قبّل أراضي خيبر من اليهود بنصف الثمر، فالخرص كان لتعيين مقدار سهم الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم

و قال العلّامة في «التذكرة»: يجوز الخرص على أرباب الغلّات و الثمار بأن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتد الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرف المالك ذلك. و به قال الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و أحمد و أبو عبيد و أبو ثور و أكثر العلماء، لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم.

و قال الشعبي: الخرص بدعة.

و قال أصحاب الرأي: إنّه ظنّ و تخمين لا يلزم به حكم، و إنّما كان الخرص تخويفا للأكرة «2» لئلّا يخونوا، فأمّا أن يلزم به حكم فلا.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 60، كتاب الزكاة، المسألة 73.

(2). أكرة: جمع أكّار: الفلاح.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 470

..........

______________________________

و نمنع عدم تعلّق الحكم به،

فانّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة و إدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات. «1»

و ظاهره كالشيخ في «الخلاف» عدم الفرق بين الزرع و الثمر، و مع ذلك كلّه فقد نفاه ابن الجنيد و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى» و «التحرير»، و استدلّوا بالوجهين التاليين:

أ. انّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه و تبدّده، بخلاف النخل و الكرم فانّ ثمرتهما ظاهرة، فيتمكن الخارص من إدراكها و الإحاطة بها.

ب. انّ الحاجة في النخل و الكرم ماسّة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ و الاقتطاف، بخلاف الزرع، فانّ الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا. «2»

و الأقوى ما عليه المشهور لورود الحنطة و الشعير في بعض الروايات و إليك بيانه:

1. صحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن عليه السّلام قال في العنب:

«إذا خرصه أخرج زكاته». «3»

2. صحيحته الأخرى عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: «إذا صرم و إذا خرص». 4

______________________________

(1). تذكرة الفقهاء: 5/ 162- 163، المسألة 96.

(2). مدارك الأحكام: 5/ 159 و 160.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2، 1 و لاحظ أيضا الباب 19، الحديث 4 و 5 و 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 471

..........

______________________________

فيستفاد من صحيحة سعد بن سعد الثانية انّ الخرص جائز في الغلّات الأربع و إن اقتصر في الصحيحة الأولى على ثمرة الكروم.

فالقول بعدم جوازه في غير الثمرة، غير تام.

و قال المحقّق الخوئي: إنّ ظاهرها غير قابل للأخذ، لأنّ وقت تعلّق الوجوب إمّا عند انعقاد الحب و حال الاحمرار

و الاصفرار- كما عليه المشهور- أو حال التسمية- كما هو الصحيح- و كلاهما و لا سيما الأوّل منهما سابق على زمان الصرم و الخرص قطعا. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ السؤال عن وقت وجوب الإخراج و هو الأمر المهم للمالك، لا وقت الوجوب الذي يهم الفقيه و على ذلك لا تكون الرواية معرضا عنها.

نعم ربما يقال بأنّ دلالة صحيحة سعد بن سعد مبنية على كون خرص (بالخاء المعجمة) و لعله (بالحاء المهملة) فيكون من باب «حرص المرعى» إذا لم يترك منه شيئا، هذا و لكن النسخ متضافرة على المعجمة في الوسائل، و مرآة العقول، و غيرهما. و معنى الرواية انّه تجب الزكاة في إحدى الصورتين:

الأولى: إذا صرم، أي قطع عذقة التمر، و هذا يرجع إلى التمر و الزبيب.

الثانية: إذا خرص، و ضمّن و هو يرجع إلى الحنطة و الشعير أو إلى الجميع.

ثمّ إنّ توقّف أصحاب الرأي- كأبي حنيفة، و غيره كالشعبي و الثوري- لأجل تصوّر انّ الخرص على المالك أشبه ببيع المزابنة و المحاقلة، و لو صحّ فقد خرج المورد بالدليل، على أنّ له نظائر في الفقه، كتقبيل أحد الشريكين حصة الآخر في

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 394.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 472

..........

______________________________

باب المزارعة، ففي صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى، و تعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص، و امّا أن آخذه أنا بذلك.

قال: «نعم، لا بأس به». «1»

هذا كلّه حول الفرع الأوّل.

الفرع الثاني: فائدة الخرص

الوقوف على فائدة الخرص يتوقّف على معرفة ما هو الهدف من الخرص.

1.

هو الوقوف على كمية المال بدلا عن الكيل و الوزن حتّى يكون طريقا إلى تعيين حصة الزكاة، ففائدته هو الاكتفاء بالتخمين بدل الكيل و الوزن لصعوبتهما خصوصا في الأزمنة السابقة، و على ذلك يكون المقياس هو الواقع، فلو كان النصاب أنقص ممّا خرّص، لا يدفع الزائد و إن كان أزيد يدفع الباقي و على ضوء هذا فالخرص بهذا المعنى هو القدر المسلم من الروايات الماضية، و أمّا جواز التصرف في العين فهو تابع لكيفية تعلّق الزكاة بالمال؛ فعلى الإشاعة يمنع، و على القول بالكلّي في المعين أو حقّ الرهانة فلا يمنع ما دام في العين ما يفي به أو يصلح لأن يكون رهنا.

و مثله على القول بأنّ الشركة في المالية، فلا يبعد أن يقال انّ للمالك الولاية في تقسيم الشركة المالية، و تجسيم مال الفقراء في مقدار الواجب.

2. معاملة خاصة تامة بين الخارص و المالك مشتملة على إيجاب و قبول،

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، الحديث 1 و غيره.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 473

..........

______________________________

تنتقل حصة الفقير بها إلى ذمّة المالك إذا قبل، و يتصرّف في عامّة النصاب كيف شاء. و هذا هو الظاهر من المصنّف و غيره من أعلام القوم- مع أنّه ليس في الروايات الماضية أي أثر من الخرص بهذا المعنى- و إليك نقل بعض الكلمات.

قال الشيخ في «المبسوط»: فإذا عرف هذا نظر فإن كانت الثمرة خمسة أوسق ففيها الزكاة، و إن كانت دونها فلا شي ء فيها. ثمّ يخيّر أرباب الأرض بين أن يأخذوا بما يخرص عليهم و يضمنوا نصيب الزكاة، أو يؤخذ منهم ذلك و يضمن لهم حقّهم، كما فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و

سلم مع أهل خيبر فإنّه كان ينفذ عبد اللّه بن رواحة حتّى يخرص عليهم.

و إن أراد «1» أن يترك في أيديهم أمانة و وثق بهم في ذلك كان أيضا جائزا إذا كانوا أهلا لذلك، فمتى كان أمانة لم يجز لهم التصرّف فيها بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين، و إن كان ضمانا جاز لهم التصرّف أن يفعلوا بما شاء. «2»

قال المحقّق: صفة الخرص أن تقدّر الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثمّ خيّره بين تركه أمانة في يدهم و بين تضمينهم حقّ الفقراء، أو يضمن الساعي لهم حقّهم، فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا، و إن أبوا جعله أمانة، لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين. «3»

و قال في «الجواهر»: و فائدة الخرص انّ للمالك مع قبوله التصرّف كيف شاء، بخلاف ما إذا لم يقبل، فانّه لا يجوز له التصرّف فيه على ما نصّ عليه جماعة، لكن قد يقوى جوازه مع الضبط. «4»

______________________________

(1). هذا هو الشقّ الثالث.

(2). المبسوط: 1/ 216.

(3). المعتبر: 2/ 536.

(4). الجواهر: 15/ 256.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 474

..........

______________________________

و منه يعلم مفاد قول المصنّف حيث قال: و فائدته جواز التصرف للمالك بشرط قبوله، كيف شاء، و المراد من قوله «بشرط قبوله» هو تضمين حقّ الفقراء.

و لكن يمكن الاستئناس بصحّة هذه المعاملة و لزومها بما مرّ في صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا، كيلا مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل

إمّا زاد أو نقص و إمّا أن آخذه أنا بذلك. «1» و الخصوصية ملغاة في نظر العرف فانّ الجميع من باب واحد، و هو المعاملة الخاصة بين الشريكين لتنتقل حصة أحد الشريكين إلى الذمّة و يصلح للناقل التصرف في المال كيف ما شاء.

و على ذلك، تتعين حصة الشريك حسب ما خرّص، سواء أوافق الواقع أم خالف، إلّا إذا كان الغبن فاحشا كما سيوافيك.

الفرع الثالث: وقت الخرص و كيفيته

اتّفقت كلمتهم على أنّ وقت الخرص هو بدو الصلاح، و كيفيته أن تقدّر الثمرة و العنب لو صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة و إلّا فلا حتى أنّ المحقّق مع قوله بتعلّق الزكاة وقت التسمية، ذهب إلى أنّ وقته هو بدو الصلاح قال: وقت الخرص حين يبدو صلاح الثمرة، لأنّه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا لما روي من أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يبعث عبد اللّه خارصا للنخيل حين تطيب. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، الحديث 1 و غيره.

(2). سنن البيهقي: 4/ 121، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 475

..........

______________________________

و عندئذ يتوجّه عليه الإشكال الذي نبّه به المحدّث البحراني و قال: إنّ في المقام إشكالا لم أقف على من تنبّه له و لا نبّه عليه، و ذلك انّه لا ريب في صحّة هذا الكلام و ما فرعوا عليه من الفروع «1» الداخلة في سلك هذا النظام، بناء على ما هو المشهور من أنّ الوقت الذي تتعلّق به الزكاة في الغلّات عبارة عن بدو الصلاح و انعقاد الحبّ و اشتداده، و أمّا على القول الآخر من أنّ الوقت الذي تتعلّق به إنّما هو ما إذا صارت تمرا و

زبيبا و حنطة و شعيرا فلا أعرف وجه صحّة لهذا الكلام، كيف و قد جعلوا من فروع القولين عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح و انعقاد الحب إلّا مع الخرص و التضمين بناء على القول المشهور و جوازه مطلقا على القول الآخر. و المحقّق المذكور ممّن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلّق الوجوب إلّا بعد التسمية بتلك الأسماء المذكورة. «2»

و لو جعلنا جواز الخرص عند بدو الصلاح دليلا على أنّه زمان التعلّق لا التسمية لكان أحسن.

الفرع الرابع: خرص المالك بنفسه

هل يجوز الخرص من المالك بنفسه بدون الساعي من جانب الحاكم أو لا؟

قوّى جوازه في «الجواهر»، حيث قال: بل يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفا و خصوصا مع تعذّر الرجوع إلى الولي العام كما عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النص عليه. «3»

و علّله بعدم خصوصية خرص الساعي، و إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح سعد

______________________________

(1). قد فرع المحقّق على المسألة 12 فرعا: لاحظ المعتبر: 2/ 435- 538.

(2). الحدائق الناضرة: 12/ 134.

(3). الجواهر: 15/ 257.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 476

..........

______________________________

ابن سعد: «إذا خرصه أخرج زكاته» و قوله عليه السّلام: «إذا صرم و خرص».

يلاحظ على الدليل الثاني بأنّه في مقام بيان وقت الإخراج و لا إطلاق له من جانب الخارص.

و أمّا الدليل الأوّل فيلاحظ عليه: أنّه إذا كان الخرص لغاية قبول المالك حصة الفقراء و ضمانه لها، أو ضمان الساعي لحصة المالك فهو يتوقف على أن يكون هنا طرف للعقد وراء المالك.

الحق التفصيل في المقام بين الخرص بالمعنى الأوّل و هو تعيين مقدار الواجب من الزكاة مكان الكيل و الوزن، و أمّا التصرّف فهو تابع لكيفية القول بتعلّق الزكاة بالعين

و بين الخرص بالمعنى الثاني، أعني: كونه معاملة خاصة لنقل الزكاة من العين إلى الذمّة، فهو فرع وجود وكيل الفقير، أعني: الساعي، و المفروض عدمه.

الفرع الخامس: الخرص بغير المالك من عدل أو عدلين

و الكلام فيه كالكلام في خرص المالك، فلو كان المراد هو المعنى الأوّل فلا بأس به، و أمّا إن أريد به التقبيل و التضمين فهو يتوقّف على وجود الساعي و خرصه و كونه طرفا للمعاملة.

الفرع السادس: في عدم اشتراط الصيغة في الخرص

هل يشترط في الخرص- مع وجود الساعي- صيغة خاصة أو لا؟ و قد عرفت أنّ الغاية من الخرص هو تضمين أحد الطرفين حصة الآخر أو ترك حصة الفقير أمانة عند المالك.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 477

..........

______________________________

قال في «الجواهر»: و لا يشترط في الخرص صيغة، بل هو معاملة خاصة يكتفى فيها بعمل الخرص و بيانه، و لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى و هو معاملة غريبة، لأنّها تتضمّن وحدة العوض و المعوض و ضمان العين. «1»

و لما كان الخرص مشتملا على العمل و البيان اكتفي بهما من دون حاجة إلى صيغة.

الفرع السابع: لو تبيّن الخلاف

إذا زاد بعد الخرص فالزائد للمالك، و لو نقص يحسب عليه.

قال المحقّق: لو زاد الخرص كان للمالك و يستحب بذل الزيادة، و به قال ابن الجنيد؛ و لو نقص فعليه تحقيقا لفائدة الخرص.

يعني إذا قلنا: إنّ الخرص معاملة لازمة فمعنى ذلك هو ما ذكر، و مع ذلك تردّد فيه المحقّق، لأنّ الحصة في يده أمانة و لا يستقر ضمان الأمانة كالوديعة. «2» و لا يخفى ضعفه لما عرفت أنّه من قبيل التقبيل و المعاملة.

ففي مرسل محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون: إنّا قد حرزنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر، قال: «و قد بلغ؟» قلت: نعم، قال: «لا بأس بهذا».

قلت: إنّه يجي ء بعد ذلك فيقول: إنّ الحزر لم يجئ كما حزرت و قد نقص؟

قال: «فإذا زاد يردّ عليكم؟» قلت: لا. قال: «فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنّه

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 258.

(2). المعتبر: 2/ 236.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1،

ص: 478

..........

______________________________

إن زاد كان له، كذلك إذا نقص كان عليه». «1»

الفرع الثامن: إذا بان الغبن

إذا بان الغبن فلكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش لثبوت الغبن في عامة المعاملات.

الفرع التاسع: جواز التقسيم رطبا

لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا بعد تعلّق الزكاة، جاز، لأنّ الحقّ بينهما.

قال في «الجواهر»: و لو اختار الخارص القسمة رطبا و وافقه المالك، جاز، لأنّها تمييز الحقّ، و ليست بيعا حتى يمنع بيع الرطب بمثله عند من منعه. «2»

الفرع العاشر: للحاكم الشرعي بيع نصيب الفقراء

إذا اقتضت المصلحة بيع نصيب الفقراء من المالك جاز لعموم ولاية الحاكم.

قال في «الجواهر»: و يجوز لولي الفقراء بيع نصيب المساكين من ربّ المال و غيره. «3»

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، الحديث 4. و الحزر المعجمة بين المهملتين أي التقدير و الخرص، فما في الوسائل المطبوعة بالخاء المعجمة تصحيف فهو بمعنى الحبّ المثقوب من الزجاج و غيره.

(2). الجواهر: 15/ 259.

(3). الجواهر: 15/ 259.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 479

[المسألة 33: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة]

المسألة 33: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة، و إن خسر يكون خسرانها عليه. (1)

______________________________

(1)* و لا بدّ من بيان صور المسألة ليعلم محل البحث منها، فنقول: إنّ لها صورا ثلاثا:

1. إذا اتّجر و جعل الثمن كلّيا في ذمّته، ثمّ أدّى المال الذي فيه الزكاة بعنوان الثمن.

2. إذا اتّجر بشخص المال الذي فيه الزكاة ثمّ أدّى زكاته بعده.

3. إذا اتّجر بشخص المال الذي فيه الزكاة و لم يؤدّ زكاته، لا قبل البيع و لا بعده، فيقع الكلام في صحّة التجارة، و ربحها.

و محلّ البحث هو الصورة الثالثة دون الأوليين، و كان على الماتن تقييد إطلاق كلامه بنحو يخرج الأوليين من محط البحث، و إليك التوضيح:

أ: انّه إذا اتّجر و جعل الثمن كلّيا في ذمّته، تقع المعاملة كلّها للمالك، و ما دفع من المال الذي فيه الزكاة لا يؤثر في صحّة المعاملة و لا في فسادها، بل هو عمل لغو، و لعب بمال الغير، مثل ما إذا دفع المغصوب مكان الثمن فعليه دفع الثمن ممّا يملك.

ب: إذا أدّى زكاة المال بعد البيع يملك حصة الفقير و يكون من مصاديق القاعدة المعروفة: «إذا باع مال الغير

ثمّ ملكه» فربّما قيل بأنّ لزوم البيع رهن الإجازة من المالك الجديد، و ربّما قيل بخلافه. و على كلا القولين فيها، فالمقام خصوصا في غنى عن الإجازة من المالك الجديد لورود خبر صحيح في المقام.

روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 480

..........

______________________________

يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع». «1»

إذا عرفت ما ذكرنا فلنرجع إلى بيان حكم الصورة الثالثة، فيقع الكلام فيها تارة على ضوء القواعد، و أخرى على وفق النقل.

أمّا الأولى فلو قلنا بأنّ تعلّق الزكاة على نحو الإشاعة فالمعاملة فضولية، سواء باع الكلّ أو البعض، و تتوقف صحّتها و لزومها على إجازة الحاكم الشرعي، لبيع حصة الفقراء، فإن أجازه يكون الربح بالنسبة، و إلّا تبطل المعاملة من أصلها.

و إن قلنا بأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن، فمقتضاه لزومها من جانب البائع في غير مقدار الزكاة، و أمّا فيه فيتوقّف على إجازة ولي أمر الزكاة، و قد مرّ من المصنّف في المسألة 31 التصريح بذلك، قال: «لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده، بخلاف ما إذا باع الكل فانّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة الحاكم، فإن أجازه فالربح بينهما بالنسبة، و إلّا فتصح في مقدار الزكاة و يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة.

و لو قلنا بأنّ تعلّقه من قبيل حق الرهانة فإن كان الرهن كلّ الصبرة، فحكمه حكم الإشاعة؛ و إن قلنا انّ الرهن هو مقدار الزكاة، كما

هو الرائج بين العقلاء يكون حكمه حكم الكلّي في المعيّن.

و أمّا على المختار من أنّ متعلّق الزكاة هو مالية العين لا هي نفسها، فقد عرفت أنّه ليس للمالك نقلها من عين إلى عين أخرى فتكون أيضا فضولية بمقدار

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 481

..........

______________________________

مالية الزكاة.

و أمّا الثانية- أي دراسة المسألة حسب الدليل النقلي- فربّما يقال بأنّ الشارع بما انّه ولي الأولياء أجاز هذا القسم من المعاملة دون حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي نظير ما ورد في الاتّجار بمال اليتيم من صحّة الاتّجار بمال اليتيم و الربح له، و الخسران على من اتّجر به. «1»

ففي خبر علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني أن أؤدّيها، قال: «اعز لها فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعز لها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها». «2»

و يظهر من المصنّف انّه عمل بها حيث أفتى بمضمونها، مع أنّ فيها من الضعف و الإرسال في السند أوّلا، و الجهالة في بعض الرواة «كيعلى» و «معلى» ثانيا، فالإفتاء بها مشكل، و أمّا علي بن أبي حمزة في السند فربما يقال انّ المراد هو أبو حمزة الثمالي الموثّق هو و ابنه عليّ لا عليّ بن أبي حمزة البطائني، لأنّ الثاني من أصحاب الصادق عليه السّلام، و هذا يروي عن الباقر عليه السّلام.

يلاحظ عليه: أنّه يروي في السند

عن أبيه عن أبي جعفر لا عنه مباشرة كما هو واضح، فالدليل غير تام، لكن النتيجة صحيحة، إذ ليس لأبي حمزة البطائنيّ رواية بخلاف أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار فله روايات كثيرة، و الأقوى توقّف الصحة على إجازة ولي أمر الزكاة، و الربح و الوضيعة بينهما بالنسبة.

و مثله ما إذا اتّجر الحاكم بها أو من أذن له الحاكم لمصلحة أرباب الزكاة،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 12، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1، 2، 3.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب المستحقين، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 482

[المسألة 34: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها من العين]

اشارة

المسألة 34: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها من العين، أو من مال آخر مع عدم المستحقّ، بل مع وجوده أيضا على الأقوى.

و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا، حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف، و يكون أمانة في يده. و حينئذ لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ.

و هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال، و إن كان الأظهر عدم الجواز، ثم بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين، متّصلا كان أو منفصلا.* (1)

______________________________

فمقتضى القاعدة أن يكون الربح على وفق ما تعاقدا عليه و الخسارة على أرباب الزكاة، و سيوافيك تتمة الكلام في فصل بقية أحكام الزكاة، المسألة التاسعة. «1»

(1)*

في المسألة فروع ستة:
اشارة

1. جواز العزل عند حلول وقتها.

2. جواز عزل الزكاة من العين أو من مال آخر من النقد و غيره.

3. جواز العزل مع وجود المستحق و عدمه.

4. فائدة العزل عبارة عن صيرورة الزكاة أمانة عند المالك يترتب عليه حكم الأمانة.

5. حكم جواز إبدالها بعد العزل.

6. نماء المال المعزول للمستحق.

و إليك دراسة الجميع واحدا تلو الآخر.

الأوّل: جواز عزل الزكاة عند حلول وقتها

قد ثبت انّ للمالك ولاية التطبيق بالدفع إلى المستحق بنفسه أو بوكيله، و أمّا

______________________________

(1). يأتي في الجزء الثاني من هذا الكتاب بإذن اللّه سبحانه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 483

..........

______________________________

إخراج الزكاة من العين و تعيّن ما أخرجه للمستحق على وجه يكون أمانة في يد المالك، فهو أمر يحتاج إلى الولاية أو إجازة الشارع، و نظيره الدين، فانّ تعيّنه بالإخراج و صيرورته ملكا للدائن، موقوف على الولاية في التعيين أو الرخصة من الشارع، و الولاية غير موجودة لكن الرخصة ثابتة في خصوص الزكاة دون الدين حتى في مثل ما إذا باع صاعا من صبرة فلا يتعيّن بالإخراج، لكن الظاهر من الشيخين هو وجوب العزل و المشهور هو جوازه أو كونه أفضل.

قال في «المقنعة»: و إذا جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحق المال، عزلها من جملة ماله إلى أن يجد من يستحقّها من أهل الفقر و الإيمان. «1»

قال في «النهاية»: و متى لم يجد من تجب عليه الزكاة، مستحقّا لها، عزلها من ماله و انتظر بها مستحقّها. «2»

و في مورد آخر: فإن عدم المستحق له، عزله من ماله. 3

و يمكن أن يقال: انّ المختار عنده هو جواز العزل، و ذلك لأنّه قدس سرّه صرح بأفضلية الإخراج عند وجود المستحق فقال: فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب

ما قدّمناه. 4 فإذا كان الإخراج مع وجود المستحق هو الأفضل، فمع عدمه أولى بأن يكون كذلك.

و قال المحقّق: إذا لم يجد المالك لها مستحقّا فالأفضل له عزلها. قال في الجواهر: و لعلّ نصّ المصنّف و الفاضل و الشهيد على الأفضلية دفعا لهذا الاحتمال الذي لم أجد قائلا به و لا دليلا عليه. «5»

و لعلّ منشأ توهم الوجوب هو ظاهر الأمر بالإخراج أو العزل في موثقة

______________________________

(1). المقنعة: 240.

(2) (2 و 3 و 4). النهاية: 186، 183.

(5). الجواهر: 15/ 440.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 484

..........

______________________________

يونس و خبر علي بن أبي حمزة، و سيوافيك عدم دلالته عليه لورودها في مقام توهم الحظر.

ثمّ إنّ محط البحث هو الإخراج لغاية العزل، و أمّا الإخراج لغاية الدفع أو الإرسال فهو خارج عن محلّ الكلام.

و يدلّ على جواز الإخراج لغاية العزل قسمان من الروايات:

الأوّل: ما دلّ على أنّه لا ضمان لمن عزل الزكاة ثمّ ضاعت نذكر منها ما يلي:

1. صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه». «1»

و موضع الاستدلال هو الصدر.

2. صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها». 2

و أمّا حسنة بكير بن أعين أو صحيحه قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع؟ قال: «ليس عليه شي ء». 3 و خبر وهيب بن حفص عن أبي بصير 4 فالإخراج فيه لغاية الإرسال، و هو خارج عن محط البحث.

الثاني: ما يتضمّن الأمر بالإخراج و العزل في

موثقة يونس بن يعقوب «5» و خبر ابن أبي حمزة 6 الثمالي، ففي الأولى، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي

______________________________

(1) (1 و 2 و 3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3، 4، 5، 6.

(5) (5 و 6). الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 485

..........

______________________________

عدة؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت ...». و الأمر ورد في محل توهّم المنع حيث إنّ الراوي كان يتصور انّه لا يجوز العزل، فإذا أمر به الإمام لا يفيد سوى الجواز. و قد مرّ خبر ابن أبي حمزة فلاحظ.

الثاني: جواز العزل من العين و غيرها

أمّا جواز العزل من العين فهو القدر المتيقّن من الروايات، إنّما الكلام في جواز العزل عند الإخراج بالقيمة فهو بحاجة إلى دليل، و ما دلّ على جواز الإخراج بالقيمة فانّ مورده ما إذا كان الإخراج مقدّمة للإعطاء لا للعزل.

و بذلك يعلم أنّ الباب الذي عقده صاحب الوسائل تحت عنوان «جواز إخراج القيمة عن زكاة الدنانير و الدراهم و غيرهما و استحباب الإخراج من العين» لا صلة له بالمقام، لما عرفت من أنّ الروايات ناظرة إلى ما إذا كان الإخراج بالقيمة مقدّمة للإعطاء إلى الفقير لا العزل، مثلا: روى محمد بن خالد البرقي، قال:

كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم قيمته ما يسوى؟ أم لا يجوز

إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب: «أيّما تيّسر يخرج». «1»

فالإمعان في هذا الحديث و الأحاديث الواردة في ذلك الباب تعرب عن أنّ جواز الإخراج بالقيمة ناظر إلى صورة يكون الإخراج فيها مقدّمة للإعطاء لا للعزل. و لا أقل من أنّه ليس لها إطلاق من هذه الجهة و إنّما الغاية، هي الوقوف على جواز الخارج من القيمة، أيضا كالعين، و أمّا انّه يجوز عزل القيمة فلم يكن

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 486

..........

______________________________

مطروحا للسائل و المجيب.

نعم ربما يستدلّ بما في موثّقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟

فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت». «1» بتصوّر انّ قوله: «فأخرجها من مالك» المطلق يعمّ القيمة و مورد الرواية العزل بخلاف الصحيحة.

و لكنّ الاستدلال غير تام، لأنّ المراد من قوله: «من مالك» هو العين الزكوية بقرينة قوله: لا تخلطها بشي ء، و الضمير يرجع إلى الزكاة التي أريد منها العين الزكويّة.

و على ضوء ذلك لم نجد دليلا على جواز الإخراج بالقيمة لغاية العزل.

نعم يمكن الاستدلال لجواز العزل بالقيمة بأنّ الظاهر من بعض الروايات انّ القيمة بنفسها زكاة لا بدل عنها.

1. صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن باع العين من دون أن يخرج زكاته، فأجاب الإمام «تؤخذ منه (المشتري) زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع». «2»

2. صحيح منصور بن حازم، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده، قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 487

..........

______________________________

عليه». «1» فإنّ ما يؤدّيه المقرض إنّما هو من غير العين، لأنّه أقرضها فسمّى ما يؤديه من غير العين زكاة، فإذا كانت القيمة نفس الزكاة لا القائم مقامها، جاز إخراج الزكاة لغاية العزل جاز بالعين و القيمة.

الثالث: جواز العزل مع عدم المستحق و وجوده

لا شكّ في جواز العزل مع عدم المستحق ليدفع إليه عند حضوره، و هو مورد غالب الروايات، إنّما الكلام فيما إذا كان المستحق موجودا، فهل يجوز العزل لا بنية الدفع بل بنيّة الحفظ لمن يأتي إليه في المستقبل و يطلب منه الزكاة؟

فيدلّ عليه أوّلا: إطلاق صحيح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها». «2»

و ثانيا: ظهور السؤال في وجود المستحق في موثّقة يونس بن يعقوب قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ علي في شهر أ يصلح لي ان أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني .... «3»

و أمّا تقييده بعدم المستحق في رواية علي بن أبي حمزة 4، فهو وارد في كلام الراوي، لا الإمام فلا يدلّ على المدخليّة.

الرابع: فائدة العزل

لما كان المستحق شريك المالك- بنحو من الأنحاء- فلو تلف يكون محسوبا عليهما بالنسبة، و أمّا إذا عزل يترتّب خروج المعزول عن ملك المالك

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3) (3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 488

..........

______________________________

و دخوله في ملك المستحق قهرا، و يكون- عندئذ- في يد المالك أمانة يترتب عليه أحكامها من عدم الضمان إلّا في صورة التفريط؛ و قد مرّ في صحيح أبي بصير انّه لا شي ء عليه «1»، و في صحيح عبيد بن زرارة قوله عليه السّلام: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ

منها» 2، إلى غير ذلك من الروايات.

ثمّ إنّ مقتضى جواز العزل مع وجود المستحق، هو عدم الضمان عند التلف بغير تفريط، و هو أيضا مقتضى إطلاق صحيحة عبيد بن زرارة و أبي بصير. لكن مقتضى بعض الروايات هو الضمان فيما إذا أخّر الزكاة مع وجود المستحق سواء عزل أم لم يعزل، و يدلّ عليه:

1. صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان». 3

2. صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها». 4

و ربما يقال انّ التأخير لا يوجب الضمان كان هناك مستحق أو لا، و أمّا الصحيحتان (صحيحة زرارة و محمد بن مسلم) فالحكم بالضمان فيهما مستند إلى النقل لا التأخير فلا ضمان مع عدم النقل مطلقا و إن أخّر، نعم لو نقل، فيلتزم

______________________________

(1) (1، 2، 3 و 4). الوسائل: الجزء 6، الباب 39، من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3، 4، 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 489

..........

______________________________

فيه بالتفصيل بين وجود المستحق و عدمه.

و سيوافيك تفصيله في فصل «بقية أحكام الزكاة» المسألة 6، فانتظر.

و على ذلك لا تظهر الثمرة للعزل إلّا مع عدم وجود

المستحقّ، فلو هلك في هذه الصورة بغير تفريط لا يضمن.

فإن قلت: لا تظهر الثمرة في هذه الصورة أيضا، لأنّه لا يضمن مطلقا و لو لم يعزل.

قلت: نعم لكن لو عزل و هلك المعزول فقط يحسب الضرر على الفقير فقط، و هذا بخلاف ما إذا لم يعزل و هلك بمقدار المعزول من الصبرة، فالضرر يحسب عليهما، لا على المستحقّ فقط.

الخامس: إبدال المعزول بغيره

إذا صار المعزول ملكا للمستحق، فجواز الإبدال يتوقّف على الولاية على التبديل، و المفروض عدمها.

السادس: النماء للمستحق

إذا كان الأصل ملكا للمستحق فالنماء أيضا له، و يؤيده خبر علي بن أبي حمزة عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «فإن اتّجرت بها فأنت ضامن و لها الربح». «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 52، من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 491

الفصل الخامس فيما يستحبّ فيه الزكاة

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 493

الفصل الخامس فيما يستحب فيه الزكاة و هو على ما أشير إليه سابقا أمور:

[الأوّل: مال التجارة]

اشارة

الأوّل: مال التجارة: و هو المال الّذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة أو الصلح المجّاني أو الإرث على الأقوى، و اعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده، و إن اعتبر بعضهم الأوّل، فالأقوى أنّه مطلق المال الّذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد الإعداد يدخل في هذا العنوان، و لو كان قصده حين التملّك بالمعاوضة أو بغيرها الاقتناء و الأخذ للقنية، و لا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة الماليّة وجوبا أو استحبابا، و بين غيره كالتجارة بالخضراوات مثلا؛ و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع، كما لو استأجر دارا بنيّة التجارة.

و يشترط فيه أمور:

الأوّل: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين فلا زكاة فيما لا يبلغه، و الظاهر أنّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا.

الثاني: مضيّ الحول عليه من حين قصد التكسّب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 494

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم، و إن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه.

الرابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول.

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول، فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة و لو حبّة من قيراط يوما منها سقطت الزكاة.

و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع، و قدر الزكاة فيه ربع العشر كما

في النقدين، و الأقوى تعلّقها بالعين كما في الزكاة الواجبة، و إذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.

[المسألة 1: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة مثل أربعين شاة]

المسألة 1: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك، فإن اجتمعت شرائط كلتيهما، وجب إخراج الواجبة، و سقطت زكاة التجارة؛ و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الأخرى.

[المسألة 2: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]

المسألة 2: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة سقط كلتا الزكاتين، بمعنى أنّه انقطع حول كلتيهما لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول، فلا بدّ أن يبتدأ الحول من حين تملّك الثانية.

[المسألة 3: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على ربّ المال]

المسألة 3: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على ربّ المال، و يضمّ إليه حصّته من الربح، و يستحبّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 495

زكاته أيضا إذا بلغ النصاب و تمّ حوله، بل لا يبعد كفاية مضيّ حول الأصل، و ليس في حصّة العامل من الربح زكاة إلّا إذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط لكن ليس له التأدية من العين إلّا بإذن المالك أو بعد القسمة.

[المسألة 4: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين، سواء كان مطالبا به أو لا]

المسألة 4: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين، سواء كان مطالبا به أو لا، ما دامت عينها موجودة، بل لا يصحّ وفاؤه بها بدفع تمام النصاب، نعم مع تلفها و صيرورتها في الذمّة حالها حال سائر الديون؛ و أمّا زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدّم عليها، حيث إنّها مستحبّة، سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة؛ و أمّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة أيضا إذا أدّاها صحّت و أجزأت، و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

[المسألة 5: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما]

المسألة 5: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما، فإن تقدّم حول الماليّة سقطت الزكاة للتجارة، و إن انعكس فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول الماليّة سقطت، و إلّا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة.

[المسألة 6: لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول]

المسألة 6: لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول استأنف الحول عند بلوغه.

[المسألة 7: إذا كان له تجارتان و لكلّ منهما رأس مال، فلكلّ منهما شروطه و حكمه]

المسألة 7: إذا كان له تجارتان و لكلّ منهما رأس مال، فلكلّ منهما شروطه و حكمه، فإن حصلت في إحداهما دون الأخرى استحبّت فيها فقط، و لا يجبر خسران إحداهما بربح الأخرى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 496

[الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة]

الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض عدا الغلّات الأربع فإنّها واجبة فيها، و عدا الخضر، كالبقل و الفواكه و الباذنجان و الخيار و البطّيخ و نحوها، ففي صحيحة زرارة: عفا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الخضر، قلت: و ما الخضر؟

قال عليه السّلام: كلّ شي ء لا يكون له بقاء البقل و البطّيخ و الفواكه و شبه ذلك، ممّا يكون سريع الفساد». «1»

و حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الغلّات الأربع في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها، و في السقي و الزرع و نحو ذلك.

[الثالث: الخيل الإناث]

الثالث: الخيل الإناث. بشرط أن تكون سائمة، و يحول عليها الحول.

و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها- و هي الّتي تولّدت من عربيّين- كلّ سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفيّ. و في البراذين كلّ سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ. و الظاهر ثبوتها حتّى مع الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

[الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و ...]

الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمّامات و الخانات و نحوها، و الظاهر اشتراط النصاب و الحول، و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين.

[الخامس: الحليّ]

الخامس: الحليّ، و زكاته إعارته لمؤمن.

[السادس: المال الغائب أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه]

السادس: المال الغائب أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحبّ زكاته لسنة واحدة بعد التمكّن.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 497

[السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة]

السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فإنّه يستحبّ إخراج زكاته بعد الحول.* (1)

______________________________

(1)* إنّ المصنّف خصّ الفصل الخامس بما يستحبّ فيه الزكاة و ثبت عند المصنّف انّ الاستحباب في سبعة موارد و الأقوى انّها تستحب في تسعة موارد، كما تجب في تسعة، و لكن الأولى عطف عنان البحث إلى الأهم فالأهم، فلنترك هذا الفصل إلى الأفاضل من حضار بحوثنا الفقهية، و لنعرّج إلى الفصل السادس في بيان أصناف المستحقين.

تمّ تسويد هذا الجزء في شهر جمادى الثاني من شهور عام 1396 من الهجرة النبوية و أعيد فيه النظر في الدورة الثانية و تمّ تبييضها في شهر ربيع الأوّل من شهور عام 1422 بيد مؤلّفه جعفر السبحاني ابن الفقيه محمد حسين الخياباني التبريزي قدّس اللّه سرّه الشريف نحمده سبحانه و نشكره على آلائه و سوابغ نعمائه، انّه حميد مجيد

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.